بسم الله الحمدلله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل
: أخي أختي هذه فتاوى مفيدة لك أو مذكرة لك والذكرى تنفع المؤمنين.. تتعلق بـ فقه الدعوة
إلى الله تعالى و شيء من آداب الدعوة إلى الله
تعالى / وهي فتاوى ونحوها جمعتها و نسختها في شهر شوال من عام 1442 هـ ، من الموقع الرسمي
للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية في الشبكة العنكبوتية
الإنترنت من الرابط التالي **
https://www.alifta.gov.sa/Ar/Pages/default.aspx
****
أقول : هذه الفتاوى نسختها ولم أحذف المكرر
منها؛ لضيق الوقت عندي ، و أرفقتها وكتبتها
لك في ملف (وورد word) ليسهل عليك أو على غيرك القيام بحذف المكرر منها
والقص واللصق ، و ترتيبها وتنظيمها .. حسب
المناسب للزمان والمكان والحال - مع مراعاة الحكمة في الدعوة الى الله تعالى ، نعم وهذا الذي تيسر لي نسخه و لصقه ، في شهر شوال سنة
1442هــ والله الموفق / أخوك/ إبراهيم بن عبدالله الفارس - :
م
1. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س3: أنا إمام مسجد وأحب
أن أحدث الناس بعد صلاة المغرب، ولكن لا يرضون أن أحدثهم، وهم يخرجون خارج المسجد حتى
أذان صلاة العشاء. فهل علي إثم إذا غصبتهم بالحديث أم أقف من الحديث، أم ماذا...
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 18416 )
س3: أنا إمام مسجد وأحب أن أحدث الناس بعد
صلاة المغرب، ولكن لا يرضون أن أحدثهم، وهم يخرجون خارج المسجد حتى أذان صلاة العشاء.
فهل علي إثم إذا غصبتهم بالحديث أم أقف من الحديث، أم ماذا أفعل حتى يتحدثوا معي؟ وجزاكم
الله خيرًا.
ج3: عليك أن تختار الوقت المناسب لتذكير
جماعة المسجد، فلا تذكرهم في وقت لا يناسبهم، والأنسب في هذا الاتفاق معهم على الوقت
الذي يرغبونه، وإذا ذكرت ووعظت فاقتصد في ذلك، ولا تطل عليهم، وإذا نصحت وأرشدت فبالحكمة
والموعظة الحسنة.
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 260)
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب
الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد
الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
2. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س 3: ما هي الطريقة المثلى
لدعوة الناس إلى التوحيد والتحذير من الشرك؟
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 17543 )
س 3: ما هي الطريقة المثلى لدعوة الناس
إلى التوحيد والتحذير من الشرك؟
ج 3: الطريقة المثلى للدعوة هي التي ذكرها
الله تعالى بقوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وبقوله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد
العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد
الله بن باز
3. الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة
العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > س3: أيهما أفضل:
العمل للإِسلام من خلال السياسة أم العمل للإِسلام من خلال دعوة الناس إلى العودة إلى
طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
س3: أيهما أفضل: العمل للإِسلام من خلال
السياسة أم العمل للإِسلام من خلال دعوة الناس إلى العودة إلى طريقة الرسول صلى الله
عليه وسلم؟
ج3: الواجب العمل للإِسلام بدعوة الناس
إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على المنهاج الذي أرشد الله إليه وأمر
به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم في قوله:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقوله: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق الدعوة
إلى الله بقوله وكتبه وعمله فقال: من رأى منكم
منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإِيمان رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن، وقال لمعاذ حينما
بعثه إلى اليمن :
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 213)
إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم
إليه شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم
أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله
قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك
وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن، وفي حديث
سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه حينما
أعطاه الراية يوم غزوة خيبر: انفذ على رسلك
حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإِسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى
فيه، فوالله لأن يُهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم رواه البخاري ومسلم .
وكتب عليه الصلاة والسلام إلى ملوك الأمم
يدعوهم إلى الإِسلام ويأمرهم بعبادة الله وحده، وذكر في كتبه إلى أهل الكتاب: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ
سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 214)
ووعدهم الأجر مضاعفًا إن استجابوا، وأنذرهم
عقوبة إثمهم وإثم أممهم إن هم أعرضوا ، ودعا
إلى الإِسلام بعمله، فكان مثال الكمال في توحيد الله وعبادته وفي أعلى درجات مكارم
الأخلاق في سيرته ومعاملاته للناس، لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها إنما يغضب إذا انتهكت
محارم الله وكان كما وصفه الله في كتابه الكريم
بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وقوله
سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ . إلى غير ذلك من بيانه عليه الصلاة والسلام لمنهاج
الدعوة بقوله وكتابته وعمله، فهذه سياسة الدعوة المحمدية الرشيدة الحكيمة الرحيمة رسمها
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى دعاة الجماعات الإِسلامية أن يسلكوا سبيلها
سبيل الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وينزلوا كل من يدعونهم منزلته ويخاطبوا
كلاًّ بما يفهم عسى الله أن ينصر بهم دينه ويوجه سهامهم إلى نحور أعدائهم لا إلى إخوانهم
فإنه مجيب الدعاء.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز
بن عبد الله بن باز
4. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > دور العالِم في درء
اختلاف المسلمين
دور العالِم في درء اختلاف المسلمين
السؤال الأول والثاني من الفتوى رقم (
5293 )
س1، 2: ما هو دور العالم المسلم وهيئات
العلماء في الدول الإسلامية فيما حل بالمسلمين من فرقة وخلاف؟ ولماذا لا يحاول بعض
العلماء من شتى أقطار العالم الإسلامي في إعادة وحدة
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 112)
الصف كهيئة مستقلة عن كل الخلافات الإسلامية
أو السياسات المغرضة؟
لماذا لا يهتم الإعلام الإسلامي وخاصة الإذاعات
الممثلة في اتحاد الإذاعات الإسلامية بتوفير مناخ يساعد على إعادة الصف الإسلامي الموحد،
وبث العديد من البرامج عن الاتحاد في كل الإذاعات المشتركة به من أجل هذا الغرض؟
ج1، 2: العلماء ورثة الأنبياء، فعلى علماء
المسلمين أن يقوموا بتفقد أحوال المسلمين؛ لمعرفة ما هم في حاجته من العلم، ليثقفوهم
على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليعرفوا ما بهم من فرقة وخلاف؛
ليصلحوا ذات بينهم، ويجتهدوا في توحيد صفوفهم، ويجمعوا كلمتهم على الحق، ويوجهوهم وجهة
صالحة، تعود عليهم بالأمن، والعزة والنصر، وتحرير بلادهم وتخليصها من أيدي أعدائهم،
وتطهير ديارهم ممن يكيد لهم وللإسلام، وبذلك يكونون أهلاً أن يؤيدهم الله بجند من عنده،
ويجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا، وليتعرفوا ما بهم من ضعف وإخلاد
إلى الأرض، مع الأخذ بأسباب السعادة في دينهم ودنياهم، ليبعثوهم من رقدتهم، ويوقظوهم
من سباتهم؛ وبذلك يجعلهم الله سبحانه خلفاء في الأرض، كما حقق ذلك لأسلافهم، فهيمنوا
على الحياة، وملكوا زمامها، وأصلحوا شأنها، وكانوا خير
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 113)
أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر، ويحكمون عباد الله بشرع الله، دون مدافع أو ممانع من خصومهم، بل كلمتهم
مسموعة، وأمرهم نافذ، ورأيهم سديد إلى أمثال ذلك مما يجب على العلماء نحو أممهم، فإن
هم فعلوا ذلك على ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون عصبية مذهبية
أو حزبية أو حمية جاهلية أو اتباع للهوى برئت ذمتهم، ورجي لهم ولأممهم الخير والسعادة
في دينهم ودنياهم، وكذلك الحال في رجال الإعلام الإسلامي، وإن أبى هؤلاء وأولئك إلا
الإخلاد إلى الأرض، والتثاقل عن أداء الواجب اتباعًا للهوى وركونًا إلى الدعة والراحة؛
حقت عليهم وعلى أممهم كلمة العذاب، وازدادوا ذلاًّ وهوانًا، جزاء بما كانوا يكسبون،
وصدق فيهم قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ
خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ
لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ
الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ
الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين للقيام بواجبهم
وينفع بهم المسلمين.
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 114)
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز
بن عبد الله بن باز
5. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > س1: ما هي الدعوة الناجحة، ومن
أين تستنبط، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعية إلى الله؟ مع ذكر بعض الكتب
التي تتحدث عن هذا المجال.
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 5226 )
س1: ما هي الدعوة الناجحة، ومن أين تستنبط،
وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعية إلى الله؟ مع ذكر بعض الكتب التي تتحدث
عن هذا المجال.
ج1: أولاً: الدعوة الناجحة هي: الدعوة إلى
الله تعالى على علم وبصيرة، قال الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي الآية.
ثانيًا: تستنبط الدعوة الناجحة من كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتطبيق الصحابة والتابعين وأتباعهم لذلك على الوجه
الصحيح.
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 243)
ثالثًا: من الشروط التي يجب أن تتوافر في
الداعية إلى الله ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكاية عن شعيب عليه الصلاة
والسلام: قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ
أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ففي هذه الآية بيان أن من شروط الدعوة: العلم، والكسب
الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه؛ فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية
الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام.
ومن الشروط أيضًا ما ذكره الله تعالى بقوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ومنها: التحلي بالصبر، قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وقال تعالى:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 244)
رابعًا: الكتب التي تتحدث عن هذا المجال:
القرآن الكريم؛ فعليك حفظه والإكثار من تلاوته وتدبره، والعناية بالعمل به والدعوة
إليه، وتضم إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها تفسر القرآن وتبينه، ومن
كتب السنة: الصحيحان للبخاري ومسلم، وموطأ مالك، ومسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود،
وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن الإمام ابن ماجه .. وغيرها من كتب السنة، وكتب شيخ
الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وأتباعه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز
بن عبد الله بن باز
6. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > س1: أتمنى من الله أن أصبح داعية
إلى الله، فما نصيحتك لي؟
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 6361 )
س1: أتمنى من الله أن أصبح داعية إلى الله،
فما نصيحتك لي؟
ج1: نرجو الله أن يحقق أمنيتكِ، وننصحكِ
بتعلم العلم والعمل به والدعوة إليه بالتي هي أحسن والنية الحسنة والصبر على الأذى
فيه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز
بن عبد الله بن باز
7. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > س: هناك جهة توظف عددًا من الدعاة
في العمل الدعوي، وتطالبهم في نهاية كل شهر بتقرير عن أعمالهم الدعوية من دروس وندوات
ومحاضرات لترفع إلى صاحب الوقف، وبعض الدعاة في نفوسهم شيء من هذا التقرير...
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 409)
الفتوى رقم ( 18858 )
س: هناك جهة توظف عددًا من الدعاة في العمل
الدعوي، وتطالبهم في نهاية كل شهر بتقرير عن أعمالهم الدعوية من دروس وندوات ومحاضرات
لترفع إلى صاحب الوقف، وبعض الدعاة في نفوسهم شيء من هذا التقرير ويرون أنه يقدح في
الإخلاص لله وأقرب إلى الرياء.
السؤال: هل هذا العمل جائز؟ أعني المطالبة
بالتقرير عن الأعمال الدعوية، وهل هو قادح في الإخلاص أم لا؟
ج: مطالبة جهة العمل المسؤولة عن الأعمال
الدعوية بإعداد تقارير شهرية عن الأعمال التي قاموا بها في الشهر لتقديمها لصاحب الوقف
- لا يقدح في الإخلاص لله، وليس من باب الرياء إذا قصد به الداعية معد التقرير إبراء
ذمته وإطلاع أصحاب الوقف على ما قام به على الحقيقة؛ ليتأكد الناظر على الوقف أن المبالغ
التي صرفت للدعاة واقعة في موقعها.
بل هذا مما يتطلبه العمل؛ إذ فيه حث على
الإنتاج في العمل وتقدير المنتجين وحفز على التنافس والاجتهاد.
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 410)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو عضو نائب
الرئيس الرئيس
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد
الله بن غديان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
8. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > س4: هل للمرأة مجال للدعوة
الإسلامية خارج بيتها وكيف؟
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 4996 )
س4: هل للمرأة مجال للدعوة الإسلامية خارج
بيتها وكيف؟
ج4: للمرأة مجال للدعوة في بيتها لأسرتها
من زوج ومحارم رجالاً ونساء، ولها مجال في الدعوة الإسلامية خارج بيتها للنساء
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 250)
إذا لم يكن في ذلك سفر بلا زوج ولا محرم،
ولم يخش الفتنة، وكان ذلك بإذن زوجها إن كانت متزوجة ودعت إلى ذلك الحاجة، ولم ينشأ
عن ذلك ضياع ما هو أوجب عليها من حقوق أسرتها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب
رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
9. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > الجماعات
الإسلامية والدعوة إلى الله > س1: ما هي
أصول الدعوة السلفية ومبادؤها؟
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 6265 )
س1: ما هي أصول الدعوة السلفية ومبادؤها؟
ج1: الدعوة السلفية هي: الدعوة إلى ما كان
عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، بالحكمة
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 242)
والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن،
مع جهاد نفسه على العمل بما يدعو إليه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو نائب
رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز بن عبد الله بن باز
10. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > الحضارة
الإسلامية > موقف المسلم من الأحزاب السياسية
موقف المسلم من الأحزاب السياسية
السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 6290 )
س4: بعض الناس مسلمين ولكنهم ينخرطون في
الأحزاب السياسية، ومن بين الأحزاب إما تابعة لروسيا أو تابعة لأمريكا ، وهذه الأحزاب
متفرعة وكثيرة؛ أمثال: حزب التقدم والاشتراكية، حزب الاستقلال، حزب الأحرار - حزب الأمة
- حزب الشبيبة الاستقلالية، حزب الديمقراطية..، إلى غيرها من الأحزاب التي تتقارب فيما
بينها، ما هو موقف الإسلام من هذه الأحزاب، ومن المسلم الذي ينخرط في هذه الأحزاب،
هل إسلامه صحيح؟
ج4: من كان لديه بصيرة في الإسلام وقوة
إيمان وحصانة إسلامية وبعد نظر في العواقب وفصاحة لسان، ويقوى مع ذلك على أن يؤثر في
مجرى الحزب فيوجهه توجيهًا إسلاميًّا - فله أن
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 385)
يخالط هذه الأحزاب، أو يخالط أرجاهم لقبول
الحق؛ عسى أن ينفع الله به، ويهدي على يديه من يشاء فيترك تيار السياسات المنحرفة إلى
سياسة شرعية عادلة ينتظم بها شمل الأمة، فتسلك قصد السبيل، والصراط المستقيم، لكن لا
يلتزم مبادئهم المنحرفة، ومن ليس عنده ذلك الإيمان ولا تلك الحصانة ويخشى عليه أن يتأثر
ولا يؤثر، فليعتزل تلك الأحزاب؛ اتقاء للفتنة ومحافظة على دينه أن يصيبه منه ما أصابهم،
ويبتلى بما ابتلوا به من الانحراف والفساد.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز
بن عبد الله بن باز
11. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > والدعاة وهم أعلم الناس
بالله وبشريعته، وأفضل الناس بعد الرسل
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 301)
العلم وأخلاق أهله
الحمد لله رب العالمن، والعاقبة للمتقين،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد
بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد:
فلقد سمعنا من قارئنا آيات مباركات فيها
العظة والذكرى، وبيان أن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، وأنه العالم بأحوال العباد
وما تكنه صدورهم وما يعلنون، وأنه المحمود جل وعلا في الأولى والأخرى سبحانه وتعالى،
وأن المرجع إليه والمصير إليه، وأنه المتفضل بالليل والنهار في مصالح العباد. وأن ذلك
من رحمته عز وجل.
فما أولانا بتدبر كتابه الكريم، تدبر من
يريد العلم، ومن هو مؤمن بهذا الكتاب العظيم، وأنه كلام الله حقًّا، منزل غير مخلوق،
منه بدأ وإليه يعود، ما أولى أهل العلم بأن يتدبروا هذا الكتاب العظيم، وأن يعنوا به
غاية العناية، قاصدين معرفة مراد ربهم عز وجل، والعمل بذلك، عملاً بقوله عز وجل: كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ
وبقوله سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا
مستشعرين قوله عز وجل:
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 302)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ .
فوصيتي قبل كلمتي: العناية بهذا الكتاب
العظيم، تدبرًا وتعقلاً، وإكثارًا من تلاوته، وعملاً بالمعنى. فهو أنزل ليعمل به، لا
لمجرد التلاوة. فأسأل الله للجميع التوفيق.
أما كلمتي هذه الليلة، فأرجو أن تكون موجزة،
وهي كما قال المقدم ( العلم وأخلاق أهله ):
العلم معلوم لدى الجميع فضله، وأن أشرف
شيء يطلبه الطالبون ويسعى في تحصيله الراغبون هو العلم الشرعي ، فإن العلم يطلق على
أشياء كثيرة، ولكن عند علماء الإِِسلام المراد بالعلم هو: العلم الشرعي، وهو المراد
في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الإطلاق وهو: العلم بالله وبأسمائه
وصفاته، والعلم بحقه على عباده، وبما شرعه لهم سبحانه وتعالى.
والعلم بالطريق والصراط الموصل إليه، وتفاصيله،
والعلم بالغاية والنهاية التي ينتهي إليها العباد في الدار الأخرى.
هذا العلم الشرعي هو أفضل العلوم وهو الجدير
بالطلب والحرص على تحصيله؛ لأنه به يعرف الله سبحانه وتعالى وبه يعبد. وبهذا العلم
يعرف ما أحل الله وما حرم وما يرضيه وما يسخطه.
وبهذا العلم يعرف المصير إليه والنهاية
من هذه الحياة، وأن قسمًا من هؤلاء المكلفين ينتهون إلى الجنة والسعادة، وأن الآخرين
وهم
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 303)
الأكثرون ينتهون إلى دار الهوان والشقاء،
وقد نبه أهل العلم على هذا وبينوا أن العلم ينحصر في هذا المعنى، وممن نبه عليه القاضي
ابن أبي العز شارح الطحاوية في أول شرحه، ونبه عليه غيره كابن القيم وشيخ الإِِسلام
ابن تيمية وجماعة آخرين.
وهو واضح ويتفاوت في الفضل بحسب متعلقاته،
فأفضله وأعظمه وأشرفه ما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، وهو علم العقيدة، فإن الله جل
وعلا له المثل الأعلى سبحانه وتعالى. وهو الوصف الأعلى من جميع الوجوه في ذاته وأسمائه
وصفاته وأفعاله.
ثم يلي ذلك ما يتعلق بحقه على عباده، وما
شرعه من الأحكام، وما ينتهي إليه العاملون، ثم ما يتبع ذلك مما يعين عليه، ويوصل إليه
من علم قواعد العربية، والمصطلحات الإِِسلامية في أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وفي غير
ذلك مما يتعلق بذلك العلم ويعين عليه، وعلى فهمه، والكمال فيه.
ويلتحق بذلك علم السيرة النبوية، والتاريخ
الإِِسلامي، وتراجم رجال الحديث وأئمة الإِِسلام، ويلتحق بذلك كل ما له صلة بهذا العلم.
وقد شرف الله أهل هذا العلم، ونوه بهم وعظم
شأنهم سبحانه، واستشهدهم على توحيده، والإِخلاص له، حيث قال عز وجل: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ
وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، فاستشهد أهل العلم على وحدانيته مع الملائكة،
فالملائكة - عليهم السلام -، وأولو العلم الشرعي هم
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 304)
الشهداء على توحيد الله والإِخلاص له، وأنه
رب العالمين، وأنه الإِِله الحق، وأن العبادة لغيره باطلة، وكفى بها شرفًا لأهل العلم،
حيث استشهدهم على وحدانيته واستحقاقه في العبادة سبحانه وتعالى، وبين جل وعلا أنهم
لا يستوون مع غيرهم بقوله سبحانه وتعالى: قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُولُو الأَلْبَابِ ، ويقول عز وجل: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ
مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ .
فلا يستوي هؤلاء وهؤلاء، لا يستوي من يعلم
أن ما أنزل الله هو الحق وهو الهدى، وهو طريق السعادة، مع الذين قد عموا عن هذا الطريق،
وعن هذا العلم، فرق عظيم بين هؤلاء وهؤلاء، فرق بين من عرف الحق، واستضاء بنوره وسار
على هداه إلى أن لقي ربه وفاز بالكرامة والسعادة، وبين من عمي عن هذا الطريق، واتبع
هواه وسار في طريق الشيطان والهوى.
لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، وقد بين الله سبحانه
أنه يرفع درجات أهل العلم وما ذلك إلا لعظيم آثارهم في الناس، ونفعهم لهم. ولهذا قال
أهل العلم: ما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح آثار الناس عليهم.
فآثارهم بتوجيه الناس إلى الخير، وإرشادهم
إلى الحق، وتوصيلهم للهدى، وهي آثار عظيمة شكرها الله لهم، وشكرها المؤمنون، وعلى رأسهم
الرسل - عليهم الصلاة والسلام -: فهم الهداة
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 305)
والدعاة وهم أعلم الناس بالله وبشريعته،
وأفضل الناس بعد الرسل وأتبعهم لهم، وأعلمهم بما جاؤا به، وأكملهم دعوة إليه، وصبرًا
عليه، وإرشادًا إليه: قال جل وعلا: يَرْفَعِ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وقال سبحانه وتعالى وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى
قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ
وبين عز وجل أن أهل العلم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال، وإن كانت الخشية
موجودة من المؤمنين عمومًا، ومن بعض الآخرين، ولكن خشية الله على الكمال والحقيقة للعلماء،
وعلى رأسهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام -:
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ يعني: الخشية الكاملة.
والعلماء هم: العارفون بالله وبأسمائه وبصفاته،
وبشريعته التي بعث بها رسله، ولهذا قال نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - لما قال
له بعض الناس مستثقلاً العلم الذي أرشده إليه: لسنا مثلك يا رسول الله! قد غفر الله
لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أما والله
إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له .
فالعلماء بالله وبدينه وبأسمائه وصفاته
هم أخشى الناس لله، وأقوى الناس في الحق على حسب علمهم به، وعلى حسب درجاتهم في ذلك،
وأعلاهم في هذا وأكملهم فيه هم الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، فهم أخشى الناس لله،
وأتقاهم له، وقد جاءت
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 306)
الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في بيان فضل العلم، وتكاثرت في ذلك.
فمن ذلك قوله - عليه الصلاة والسلام
-: من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله
له به طريقًا إلى الجنة ، خرجه مسلم في صحيحه
رحمه الله. فهذا يدلنا على أن طلاب العلم على خير عظيم، وأنهم على طريق نجاة وسعادة
لمن أصلح الله نيته في طلب العلم وابتغى به وجه الله عز وجل، وقصد العلم لنفس العلم،
وللعمل، لا لأجل الرياء والسمعة، أو لأجل مقاصد أخرى، من المقاصد العاجلة، وإنما يتعلمه
لمعرفة دينه، والبصيرة بما أوجب الله عليه، وليسعى في إخراج الناس من الظلمات إلى النور
فيعلم ويعمل ويعلم غيره من المقاصد الحسنة التي أمر المسلم بها، فكل طريق يسلكه في
طلب العلم فهو طريق إلى الجنة، ويعم ذلك جميع الطرق الحسية والمعنوية: فسفره من بلاد
إلى بلاد أخرى، وانتقاله له من حلقة إلى حلقة ومن مسجد إلى مسجد بقصد طلب العلم، فهذا
كله من الطرق لتحصيل العلم. وهكذا المذاكرة في كتب العلم والمطالعة والكتابة، كلها
من الطرق أيضًا.
فجدير بالطالب أن يعنى بجميع الطرق الموصلة
إلى العلم، وأن يحرص عليها قاصدًا وجه ربه عز وجل، يريد الله والدار الآخرة، يريد أن
يتفقه في دينه وأن يتبصر به، يريد أن يعرف ما أوجب الله عليه، وما حرم عليه، يريد أن
يعرف ربه على بصيرة وبيّنة، ثم يعمل بذلك، يريد أن ينقذ الناس، ويكون من دعاة
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 307)
الهدى، وأنصار الحق، ومرشدًا إلى الله على
علم وهدى، فهو حيثما تصرف على خير عظيم بهذه النيّة الصالحة، حتى نومه من طرق الجنة،
إذا نام: ليتقوى على طلب العلم، وأداء الدرس كما ينبغي، ليتقوى على حفظ كتاب في العلم،
ليتقوى على السفر في طلب العلم، فنومه عبادة، وسفره عبادة، وتصرفاته الأخرى بهذه النية
عبادة، بخلاف من ساءت نيته، فهو على خطر عظيم، جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال: من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله،
لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنة رواه أبو داود - رحمه الله - بإسناد جيد .
وهذا وعيد عظيم لمن ساءت نيته. وروي عنه
- عليه الصلاة والسلام - أنه قال: من تعلم
العلم ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه فالنار
النار .
وتعلم العلم يكون بمعرفته والعمل به لله؛
لأن الله أمر بذلك، وجعله وسيلة لمعرفة الحق، وجاء في الحديث الصحيح: أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: منهم: الذي طلب
العلم وقرأ القرآن لغير الله، ليقال: هو عالم، وليقال له: قارئ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فعليك يا عبد الله، أيها الطالب للعلم:
عليك بإخلاص العبادة والنية لله وحده، وعليك بالجد والنشاط في سلوك طرق العلم والصبر
عليها، ثم العمل بمقتضى العلم، فإن المقصود هو العمل، وليس المقصود هو أن تكون عالمًا،
أو تعطى شهادة راقية في العلم، فإن المقصود من وراء ذلك كله هو أن تعمل بعلمك،
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 308)
وأن توجه الناس إلى الخير، وأن تكون من
خلفاء الرسل - عليهم الصلاة والسلام - في الدعوة إلى الحق، وقد قال - عليه الصلاة والسلام
- في الحديث الصحيح: من يرد الله به خيرًا
يفقهه في الدين متفق على صحته.
فهذا يدل على فضل العلم وأن من علامات الخير
والسعادة، ومن علامات التوفيق، وأن الله أراد بالعبد خيرًا أن يفقهه في دينه، وأن يتبصر
في ذلك، حتى يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وحتى يعرف ربه بأسمائه وصفاته،
وعظيم حقه، وحتى يعرف النهايه لأولياء الله ولأعدائه.
فالنهاية لأولياء الله: الجنة والسعادة
بجوار الرب الكريم، والنظر إلى وجهه سبحانه وتعالى، في دار الكرامة.
والنهاية لأعداء الله: دار النكال والعذاب
والهوان، والحجاب عن الله عز وجل.
وبهذا نعلم عظم العلم وشرفه، وأنه أفضل
شيء وأشرفه لمن أصلح الله نيته؛ لأنه يتوصل به إلى معرفة أفضل واجب، وأعظم واجب، وهو
توحيد الله والإِخلاص له، ويتوصل به أيضًا إلى معرفة أحكام الله، وما أوجب على عباده،
فهو واجب عظيم يوصل إلى أداء واجبات عظيمة، لا سعادة للعبد، ولا نجاة لهم، إلا بالله
ثم بالعلم بها، والتمسك بها والاستقامة عليها.
والعلماء الذين أظهروا العلم هم خيرة الناس،
وأفضلهم على وجه الأرض، وعلى رأسهم أئمتهم الرسل - عليهم الصلاة والسلام -، والأنبياء،
فهم القدوة والأساس في الدعوة والعلم
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 309)
والفضل، ويليهم أهل العلم على طبقات: فكل
من كان أعلم بالله وبأسمائه وصفاته، وأكمل في العمل والدعوة كان أقرب الناس من الرسل،
ومن درجاتهم ومنازلهم في الجنة. فأهل العلم هم أئمة هذه الأرض ونورها وسرجها، وهم أولى
بها من غيرهم، يرشدون الناس إلى طريق السعادة، ويهدونهم إلى أسباب النجاة، ويقودونهم
إلى ما فيه رضى الله جل وعلا، والوصول إلى كرامته والبعد عن أسباب غضبه وعذابه.
فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، وهم أئمة الناس
بعد الأنبياء يهدون إلى الله، ويرشدون إليه، ويعلمون الناس دينهم. فأخلاقهم عظيمة،
وصفاتهم حميدة. علماء الحق، علماء الهدى، هم خلفاء الرسل، الذين يخشون الله ويراقبونه
ويعظمون أمره، وهو من تعظيمه سبحانه. هؤلاء أخلاقهم أرفع الأخلاق وأسماها، لأنهم سلكوا
مسلك الرسل، وساروا على نهجهم وطريقهم في الدعوة إلى الله على بصيرة، والتحذير من أسباب
غضبه والمسارعة إلى ما عرفوا من الخير قولاً وعملاً، والابتعاد عما عرفوا من الشر قولاً
وعملاً، فهم القدوة، والأسوة بعد الأنبياء، في أخلاقهم العظيمة، وصفاتهم الحميدة، وأعمالهم
الجليلة، وهم يعملون ويعلمون، ويوجهون طلابهم إلى أسمى الأخلاق وخير السبل.
وسبق أن العلم قال الله قال رسوله، هذا
هو العلم الشرعي، هو العلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يعين
على ذلك. فالواجب على أهل العلم، أن يتمسكوا بهذا الأساس العظيم، وأن يدعوا الناس إليه،
وأن يوجهوا طلابهم إليه، وأن يكون الهدف
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 310)
دائمًا العلم بما قال الله، وقال رسوله،
والعمل بذلك، وتوجيه الناس وإرشادهم إلى ذلك. ولا يجوز التفرق والاختلاف ولا الدعوة
إلى حزب فلان وحزب فلان، ورأي فلان، وقول علان. وإنما الواجب أن تكون الدعوة واحدة
إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، لا إلى مذهب فلان،
أو دعوة علان، ولا إلى الحزب الفلاني، والرأي الفلاني. يجب على المسلمين أن تكون طريقتهم
واحدة، وهدفهم واحدًا، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
وأما ما جرى من الاختلاف بين أهل العلم
في المذاهب الأربعة وغيرها، فالواجب أن يؤخذ منه ما هو أقرب إلى الصواب، وهو القول
الذي هو أقرب إلى ما قاله الله ورسوله نصًّا أو بمقتضى قواعد الشريعة.
فإن الأئمة المجتهدون إنما هدفهم ذلك، وقبلهم
الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم -، وهم الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم
أعلم الناس بالله وأفضلهم وأكملهم علمًا وخلقًا.
فقد كانوا يختلفون في بعض المسائل، ولكن
دعوتهم واحدة، وطريقهم واحد، يدعون إلى كتاب الله وسنة الرسول - عليه الصلاة والسلام
-، وهكذا من بعدهم من التابعين، وأتباع التابعين: كالإِمام مالك وأبي حنيفة والشافعي
وأحمد وغيرهم من أئمة الهدى: كالأوزاعي والثوري وابن عُيينة وإسحاق بن راهويه ، وأشباههم
من أهل العلم والإِيمان، دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى كتاب الله، وسنة الرسول صلى
الله عليه وسلم، وكانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم، ويقولون: خذوا من حيث أخذنا، يعنون
من الكتاب والسنة.
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 311)
ومن جهل الحق وجب عليه أن يسأل أهل العلم
المعروفين بالعلم والفضل، وحسن العقيدة والسيرة، ويتبصر في ذلك، مع تقدير العلماء،
ومعرفة فضلهم، والدعاء لهم بمزيد من التوفيق وعظيم الأجر، لأنهم سبقوا إلى الخير العظيم،
وعلموا وأرشدوا، وأوضحوا الطريق، فرحمة الله عليهم، فلهم فضل السبق، وفضل علمهم ودعوتهم
إلى الله: من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإِيمان. فيعرف لهم قدرهم وفضلهم، ويترحم
عليهم ويتأسى بهم في النشاط في العلم والدعوة إلى الله، وتقديم ما قاله الله ورسوله
على غيره، والصبر على ذلك، والمسارعة إلى العمل الصالح، يتأسى بهم في هذه الفضائل العظيمة،
ويترحم عليهم، ولكن لا يجوز أبدًا أن يتعصب لواحد منهم مطلقًا، وأن يقال: قوله هو الصواب
مطلقًا. بل يقال: كل واحد قد يخطئ ويصيب. والصواب فيما وافق ما قاله الله ورسوله، وما
دل عليه شرع الله من طريق الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فإذا اختلفوا وجب الرد إلى
الله ورسوله، كما قال سبحانه وتعالى: فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، وقال عز وجل: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ
إِلَى اللَّهِ ، هكذا قال أهل العلم قديمًا
وحديثًا.
ولا يجوز أبدًا التعصب لزيد أو عمرو، ولا
لرأي فلان أو علان، ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية، أو الجماعة الفلانية،
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 312)
كل هذا من الأخطاء الجديدة، التي وقع فيها
كثير من الناس.
فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد، وهو
اتباع كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأحوال، في الشدة والرخاء،
في العسر واليسر، في السفر والإِقامة، وفي جميع الأحوال، وعند اختلاف أهل العلم ينظر
في أقوالهم، ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس.
أما العامة وأشباه العامة، فيسألون أهل
العلم، ويتحرون في أهل العلم، من هو أقرب إلى الخير وأقرب إلى السداد والاستقامة، يسألونه
عن شرع الله، وهو يعلمهم بذلك ويرشدهم إلى الحق، حسب ما جاء في الكتاب والسنة، وأجمع
عليه أهل العلم.
والعالم يعرف: بصبره وتقواه لله، وخشيته
له سبحانه وتعالى، ومسارعته إلى ما أوجب الله ورسوله، وابتعاده عما حرم الله ورسوله.
هكذا يكون العالم سواء كان مدرسًا أو قاضيًا
أو داعيًا إلى الله، أو في أي عمل، فواجبه أن يكون قدوة في الخير، وأن يكون أسوة في
الصالحات، يعمل بعلمه ويتق الله أين ما كان، ويرشد الناس إلى الخير، حتى يكون قدوة
صالحة لطلابه، ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه، يتأسون به: بأقواله وأعماله الموافقة
لشرع الله عز وجل.
وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من
التساهل فيما أوجب الله ، أو الوقوع فيما حرم الله، فإنه يتأسى به في ذلك، فإذا تساهل
تساهل غيره، وهكذا في السنة والمكروهات، ينبغي له أن يحرص على تحري السنن، وإن كانت
غير واجبة ليعتادها وليتأسى
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 313)
الناس به فيها، وأن يبتعد عن المكروهات
والمشتبهات حتى لا يتأسى به الناس فيها.
فطالب العلم له شأن عظيم، وأهل العلم هم
الخلاصة في هذا الوجود، فعليهم من الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم، يقول الرسول
- صلى الله عليه وسلم -: كلكم راع وكلكم مسئول
عن رعيته .
فأهل العلم رعاة وهداة، فعليهم أن يعنوا
برعيتهم، الشعوب رعية لهم فعليهم أن يعنوا بهذه الرعية، وأن يخافوا الله فيها، وأن
يرشدوها إلى أسباب النجاة، ويحذروها من أسباب الهلاك، وأن يغرسوا فيما بينهم حب الله
ورسوله، والاستقامة على دين الله. والشوق إلى الله وإلى جنته وكرامته، والحذر من النار،
فالنار بئس المصير. يجب الحذر منها، والتحذير منها، وأولى الناس بهذا الأمر هم العلماء،
وطلاب العلم، هكذا يكون حالهم أبدًا، وهكذا تكون أخلاقهم أبدًا، مسارعة إلى مرضاة الله،
وابتعاد عن معاصي الله، ودعوة إلى الله، وإرشاد إليه، ووقوف عند حدوده، وأخذ بالأحوط
دائمًا، وبعد عما حرم الله، وعما كرهه الله، حتى يتأسى بهم إخوانهم من المؤمنين، وحتى
يتأثر بهم المسلمون أينما كانوا. وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن
يوفقنا وإياكم إلى ما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يجعلنا وإياكم هداة
مهتدين، وصالحين مصلحين، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمر
المسلمين لكل ما فيه رضاه، وصلاح العباد والبلاد، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يمن
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 314)
عليهم بتحكيم شريعة الله بين عباده والتحاكم
إليها، ونبذ ما خالفها.
أما العلوم الأخرى فلها شأن آخر من استخراج
المعادن، وشئون الزراعة والفلاحة وسائر أنواع الصناعات النافعة، وقد يجب منها ما يحتاجه
المسلمون، ويكون فرض كفاية، ولولي الأمر فيها أن يأمر بما يحتاجه المسلمون، ويساعد
أهلها في ذلك، أي بما يعينهم على نفع المسلمين، والإِعداد لعدوهم. وعلى حسب نية العبد
تكون أعماله عبادة لله عز وجل، متى صلحت النية، وخلصت لله، وإذا فعلها بدون نية كانت
من المباحات أعني: أنواع الصناعات المباحة، واستخراج المعادن والزراعة والفلاحة وغير
ذلك.
وكلها أمور مطلوبة ومع صلاح النية تكون
عبادة، ومع خلوها من ذلك تكون أمورًا مباحة، وقد تكون فرض كفاية في بعض الأحيان، إذا
دعت الحاجة إليها، ووجب على ولي الأمر أن يلزم بذلك من هو أهل لها، فهي أمور لها شأنها،
ولها أحوالها الداعية إليها، وتختلف بحسب النية، وبحسب الحاجة.
أما علم الشرع فلا بد منه، والله خلق الثقلين
ليعبدوه، وليتقوه ولا سبيل إلى هذا إلا بعلم الشرع، علم الكتاب والسنة كما تقدم.
وأنتم معشر الطلبة بحمد الله هنا في الجامعة
الإِِسلامية، جئتم من أقطار كثيرة، ومن أجناس متنوعة للتفقه في الدين، وتعلم أحكام
الله والتبصر في ذلك، ولمعرفة العقيدة السلفية الصحيحة التي سار
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 315)
عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته
رضي الله عنهم وسار عليها أتباعهم بإحسان، وهي الإِِيمان بالله ورسوله، والإِيمان بأسماء
الله وصفاته، وإمرارها كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، من غير تحريف
ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا زيادة ولا نقصان.
هكذا درج أهل العلم على الطريقة التي درج
عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ودرج عليها أصحابهم وأتباعهم بإحسان.
فنسأل الله أن يمنحكم التوفيق، وأن يعينكم
على كل ما فيه رضاه، وأن يردكم إلى بلادكم في غاية من التوفيق والتقوى والعلم والإِيمان.
وأن يهدي بكم العباد، ويصلح بكم الأحوال، إنه جلّ وعلا على كل شيء قدير، وصلى الله
وسلم على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
12. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > حكم الدعوة إلى الله
عز وجل وبيان فضلها
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 330)
الأمر الأول: بيان حكم الدعوة إلى الله
عز وجل وبيان فضلها :
أما حكمها: فقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة
على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة، منها قوله
سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ . ومنها قوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . ومنها قوله عز وجل: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . ومنها قوله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي . فبين
سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب
كما هو معلوم هو اتباعه، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا . وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية،
بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة
وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت
الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة، وعملاً صالحًا جليلاً.
وإذا لم يقم أهل الإقليم، أو أهل القطر
المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عامًّا، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان
أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد، فالواجب: أن يوجد
طائفة
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 331)
منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في
أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة، فإن الرسول
صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة، وأرسل الكتب إلى الناس، وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم
إلى الله عز وجل.
وفي وقتنا اليوم قد يسّر الله عز وجل أمر
الدعوة أكثر، بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر، من طرق كثيرة،
وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنة بطرق متنوعة: عن طريق الإذاعة، وعن طريق التلفزة،
وعن طريق الصحافة، ومن طرق شتى، فالواجب على أهل العلم والإيمان، وعلى خلفاء الرسول
أن يقوموا بهذا الواجب، وأن يتكاتفوا فيه، وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله، ولا
يخشوا في الله لومة لائم، ولا يحابوا في ذلك كبيرًا ولا صغيرًا ولا غنيًّا ولا فقيرًا،
بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله، كما أنزل الله، وكما شرع الله، وقد يكون ذلك فرض
عين إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
فإنه يكون فرض عين، ويكون فرض كفاية، فإذا كنت في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر،
ويبلغ أمر الله سواك، فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك، فأما إذا وجد من يقوم بالدعوة
والتبليغ، والأمر والنهي غيرك، فإنه يكون حينئذ في حقك سنة، وإذا بادرت إليه وحرصت
عليه كنت بذلك منافسًا في الخيرات، وسابقًا إلى الطاعات، ومما احتج به على أنها فرض
كفاية قوله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ الآية، قال الحافظ
ابن كثير عند هذه الآية وجماعة ما معناه: ولتكن منكم أمة منتصبة لهذا الأمر العظيم،
تدعو إلى الله، وتنشر دينه، وتبلِّغ أمره سبحانه وتعالى، ومعلوم أيضًا أن الرسول عليه
الصلاة والسلام دعا إلى الله، وقام بأمر الله في مكة حسب طاقته، وقام الصحابة كذلك
رضي الله عنهم وأرضاهم بذلك
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 332)
حسب طاقتهم، ثم لما هاجروا قاموا بالدعوة
أكثر وأبلغ، ولما انتشروا في البلاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام قاموا بذلك أيضًا
رضي الله عنهم وأرضاهم، كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه، فعند قلة الدعاة، وعند كثرة
المنكرات، وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم، تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته،
وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك، ووجد فيها من تولى هذا الأمر، وقام به
وبلغ أمر الله، كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة، لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره
ونفذ أمر الله على يد سواه.
ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله، وإلى بقية
الناس، يجب على العلماء حسب طاقتهم، وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم، أن يبلغوا أمر الله
بكل ما يستطيعون، وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة.
وبهذا يعلم أن كونها فرض عين، وكونها فرض
كفاية، أمر نسبي يختلف، فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام وإلى أشخاص، وسنة
بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام، لأنه وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم.
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة
الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار،
حسب الإمكان بالطرق الممكنة، وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، يجب أن يبلغوا أمر
الله بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية
وبغيرها، فإن الأمر الآن ممكن وميسور بالطرق التي تقدم بيانها، طرق الإذاعة والتلفزة
والصحافة وغير ذلك من الطرق التي تيسرت اليوم، ولم تتيسر في السابق، كما أنه يجب على
الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع وفي غير ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله عز
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 333)
وجل، وأن ينشروا دين الله حسب طاقتهم، وحسب
علمهم، ونظرًا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد
وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير
ذلك من الدعوات المضللة، نظرا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضا
عامًّا، وواجبًا على جميع العلماء، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم
أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة، وبالإذاعة وبكل وسيلة استطاعوا،
وأن لا يتقاعسوا عن ذلك، أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم
إلى التعاون والاشتراك، والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل، ذلك لأن أعداء
الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة، للصد عن سبيل الله والتشكيك في دينه، ودعوة الناس
إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط الملحد
بنشاط إسلامي، وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة،
وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله.
فضل الدعوة :
وقد ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث
كثيرة، كما أنه ورد في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة أحاديث لا تخفى على أهل
العلم، ومن ذلك قوله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ . فهذه الآية الكريمة فيها التنويه بالدعاة والثناء
عليهم، وأنه لا أحد أحسن قولاً منهم، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم
على حسب مراتبهم في الدعوة والعلم والفضل، فأنت يا عبد الله يكفيك شرفًا أن تكون من
أتباع الرسل، ومن المنتظمين في هذه الآية الكريمة
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 334)
. المعنى: لا أحد أحسن قولا منه لكونه دعا
إلى الله، وأرشد إليه وعمل بما يدعو إليه، يعني: دعا إلى الحق وعمل به، وأنكر الباطل
وحذر منه، وتركه، ومع ذلك صرح بما هو عليه، لم يخجل بل قال: إنني من المسلمين، مغتبطًا
وفرحًا بما منَّ الله به عليه، وليس كمن يستنكف عن ذلك ويكره أن ينطق بأنه مسلم، أو
بأنه يدعو إلى الإسلام، لمراعاة فلان أو مجاملة فلان، ولا حول ولا قوة إلابالله، بل
المؤمن الداعي إلى الله القوي الإيمان، البصير بأمر الله يصرح بحق الله، وينشط في الدعوة
إلى الله، ويعمل بما يدعو إليه، ويحذر ما ينهى عنه، فيكون من أسرع الناس إلى ما يدعو
إليه، ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى عنه، ومع ذلك يصرح بأنه مسلم وبأنه يدعو إلى الإسلام،
ويغتبط بذلك ويفرح به كما قال عز وجل: قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ .
فالفرح برحمة الله وفضله فرح الاغتباط،
فرح السرور، أمر مشروع، أما الفرح المنهي عنه فهو فرح الكبر، والفرح هذا هو المنهي
عنه كما قال عز وجل في قصة قارون : لاَ تَفْرَحْ
إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ .
هذا فرح الكبر والتعالي على الناس والتعاظم، وهذا هو الذي ينهى عنه.. أما فرح الاغتباط
والسرور بدين الله، والفرح بهداية الله، والاستبشار بذلك والتصريح بذلك ليعلم، فأمر
مشروع وممدوح ومحمود، فهذه الآية الكريمة من أوضح الآيات في الدلالة على فضل الدعوة،
وأنها من أهم القربات، ومن أفضل الطاعات، وأن أهلها في غاية من الشرف وفي أرفع مكانة،
وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأكملهم في ذلك خاتمهم وإمامهم وسيدهم نبينا
محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي . فبين
سبحانه أن الرسول
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 335)
صلى الله عليه وسلم يدعو على بصيرة، وأن
أتباعه كذلك، فهذا فيه فضل الدعوة، وأن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة
إلى سبيله على بصيرة، والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه وما ينهى عنه، وفي هذا شرف لهم
وتفضيل، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله رواه مسلم في الصحيح ، وقال عليه الصلاة والسلام: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه
لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا أخرجه مسلم أيضًا،
وهذا يدل على فضل الدعوة إلى الله عز وجل، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعلي
رضي الله عنه وأرضاه: فوالله لأن يهدي الله
بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم متفق على
صحته. وهذا أيضًا يدلنا على فضل الدعوة إلى الله وما فيها من الخير العظيم، وأن الداعي
إلى الله جل وعلا يُعطى مثل أجور من هداه الله على يديه، ولو كانوا آلاف الملايين،
وتُعطى أيها الداعية مثل أجورهم، فهنيئًا لك أيها الداعية إلى الله بهذا الخير العظيم،
وبهذا يتضح أيضًا أن الرسول عليه الصلاة والسلام يُعطى مثل أجور أتباعه، فيا لها من
نعمة عظيمة يُعطى نبينا عليه الصلاة والسلام مثل أجور أتباعه إلى يوم القيامة، لأنه
بلغهم رسالة الله، ودلهم على الخير عليه الصلاة والسلام، وهكذا الرسل يعطون مثل أجور
أتباعهم عليهم الصلاة والسلام، وأنت كذلك أيها الداعية في كل زمان تعطى مثل أجور أتباعك
والقابلين لدعوتك، فاغتنم هذا الخير العظيم وسارع إليه.
13. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > الدعاة إلى الله عز وجل
هم أحسن الناس قولًا إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 341)
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد: فإن الدعوة إلى الله تعالى من
أهم الواجبات الإِِسلامية ، وهي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، وقد أمر الله
بها في كتابه الكريم وأثنى على أهلها غاية الثناء، فقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وقال تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فانظر أيها القارئ
الكريم، كيف أمر الله سبحانه في الآية الأولى بالدعوة إليه، وأوضح مراتب الدعوة حتى
يكون الداعي في هذا السبيل العظيم على بصيرة وما ذاك إلا لأن المدعوين أصناف كثيرة
وطبقات مختلفة.
فمنهم الراغب في الخير ولكنه غافل قليل
البصيرة فيحتاج إلى دعوته بحكمة: وهي تفهيمه الحق وإرشاده إليه وتنبيهه على ما فيه
من المصلحة العاجلة والآجلة، فعند ذلك يقبل الدعوة وينتبه من غفلته وجهله ويبادر إلى
الحق، ومنهم المعرض عن الحق المشتغل بغيره فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب
والترهيب والتنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلة
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 342)
وعلى ما في خلافه من الشقاء والفساد وسيئ
العواقب ولعله بهذا يجيب إلى الحق ويترك ما هو عليه من الباطل.
ولا ريب أن هذا المقام مقام عظيم يحتاج
الداعي فيه إلى مزيد من الصبر والحلم والرفق بالمدعو تأسيًا بإمام الدعاة وسيدهم وهو
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. الطبقة الثالثة من الناس من له شبهة قد حالت
بينه وبين فهم الحق والانقياد له فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن حتى يفهم
الحق وتنزاح عنه الشبهة. ومثل هذا يجب على الداعي أن يرفق به أكثر من الذين قبله وأن
يصبر على مناقشة واقتلاع جذور الشبهة من قلبه، وذلك بإيضاح الأدلة الدالة على الحق
وتنويعها وشرحها شرحًا وافيًا جليًّا على حسب لغة المدعو وعرفه، إذ ليس كل أحد يفهم
اللغة العربية فهما جيدًا، وإن كان من أهل العلم فإنه قد يدخل عليه من لغته وعادته
وعادة قومه ما يلبس عليه المعنى الذي أراده الشارع فيحصل بذلك خطأ كبير وقول على الله
ورسوله بغير علم.
ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما يترتب
على ذلك من الفساد الكبير في الدنيا والآخرة. ومن هنا يعلم الداعي إلى الله تعالى أنه
في حاجة شديدة إلى الفقه في الدين ، والبصيرة بأحكام الشريعة، والمعرفة بلغة المدعوين
وعرفهم، وذلك يوجب عليه التوسع في فهم الكتاب والسنة والعناية بمعرفة ما أراد الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعناية أيضًا بدراسة اللغة العربية وسيرة النبي صلى الله
عليه وسلم من حين بعثه الله إلى أن قبضه إليه دراسة وافية حتى يتمكن بذلك من إرشاد
الأمة إلى ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخلاق وأعمال، وعلى
حسب اجتهاده وعمله وصبره يكون حظه من الثناء
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 343)
الحسن الذي أثنى الله به على الدعاة إليه
في الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية.
وهذه الآيه الكريمة تفيد أن الدعاة إلى
الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح ، والتزموا الإِِسلام
عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها
ويحبونهم عليها، بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء
العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع وإنما نصيبهم في هذه الدعوة المقت من الله سبحانه
والسب من الناس والإِعراض عنهم والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ وقال الله موبخًا لليهود: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي
لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل.
اللهم اهدنا لما فيه رضاك واجعلنا من الذين
يهدون بالحق وبه يعملون، إنك أكرم مسئول وخير مجيب .
14. رئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > فضل الدعوة ( إلى الله)
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 104)
الدعوة إلى الله
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله
عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإني أشكر للمسئولين في الرابطة
ما تكرموا به من تقديم الدعوة إلي للمشاركة في موسم الرابطة الثقافي لهذا العام
1391 هـ.
وأسأل الله عز وجل أن ينفع المسلمين بهذا
الموسم، وأن يكلل جهود القائمين عليه بالنجاح، وأن يجزل لهم المثوبة، إنه خير مسئول.
وقد رأى المسئولون في الرابطة أن تكون المحاضرة
في أثر الدعوة في انتشار الإسلام. وقد أجبتهم إلى ذلك، ورأيت أن يكون العنوان ما سمعتم
وهو فضل الدعوة . ومن هذا يعلم أن هذه المحاضرة ذات شقين: أحدهما يتعلق بفضل الدعوة،
والثاني يتعلق: بأثرها في انتشار الإسلام.
أما ما يتعلق بفضل الدعوة، فكل من له أدنى
إلمام بالعلم، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم وأنها مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل
عليهم
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 105)
الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن،
وهم الأئمة في الدعوة، وهي وظيفتهم. لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق، وهداة للخلق
عليهم الصلاة والسلام، فكفى الدعوة شرفًا، وكفاها منزلة عظيمة أن تكون وظيفة الرسل
وأتباعهم إلى يوم القيامة. قال الله تعالى في كتابه المبين: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
، فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعًا بعثوا لهذا الأمر العظيم للدعوة إلى عبادة
الله وحده، واجتناب الطاغوت.
والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد
الله بالعبادة، وتخصيصه بها، دون كل ما سواه، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت، إلى عبادة
الله وحده.
والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر
وحجر، أما ما عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين والملائكة فليس المعبود منهم طاغوتًا،
ولكن الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى ذلك وزين ذلك، وإلا فالرسل والصالحون يبرءون
إلى الله عز وجل من عبادة من عبدهم.
فالطاغوت كل ما عبد من دون الله من الجمادات،
ومن العقلاء الذين يرضون بذلك كفرعون وأشباهه، أما من لا يرضى بذلك فالطاغوت هو الشيطان
الذي دعا إلى عبادته وزينها.
وقال عز وجل: رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين،
مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة
والنار.
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 106)
وفي بعثهم إقامة الحجة، وقطع المعذرة، حتى
لا يقول قائل ما جاءنا من بشير ولا نذير، فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل إقامة للحجة،
وقطعًا للمعذرة، وهداية للخلق، وبيانًا للحق، وإرشادًا للعباد إلى أسباب النجاة، وتحذيرًا
لهم من أسباب الهلاك عليهم الصلاة والسلام فهم خير الناس وأصلح الناس، وأنفع الناس
للناس، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فأخبر سبحانه
أنه بعث هذا الرسول الكريم محمدًا عليه الصلاة والسلام شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا
إلى الله - فعلم بذلك أن وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق، وإرشادهم إليه،
وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده. وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة. مهمتهم الدعوة إلى الله
وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو
عليها الدعوة إلى الله عز وجل، وهكذا أتباعه هم على ذلك. والمعنى قل يا محمد، أو قل
يا أيها الرسول للناس: هذه سبيلي أنا ومن اتبعني. فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل
الدعوة، وهم أهل البصائر، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم، ومن أهمل الدعوة
فليس من أتباعهم، وإنما أتباعهم على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة، يعني أتباعهم
الكمل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة، ولم يقصروا في ذلك، وعملوا بما يدعون
إليه، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة، أو في البصيرة كان نقصًا في الاتباع، ونقصًا
في الإيمان وضعفًا فيه، فالواجب على الداعية إلى الله عز
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 107)
وجل، أن يكون ذا بصيرة، أي ذا علم، فالدعوة
على جهل لا تجوز أبدًا؛ لأن الداعية إلى الله على جهل يضر ولا ينفع، ويخرب ولا يعمر،
ويضل ولا يهدي، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي بالرسل بالصبر والعلم
والنشاط في الدعوة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ فالدعوة إلى
الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك غاية الشرف والفضل
للدعاة أتباع الرسل، المقتدين بهم السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام، ومن
شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة وعلم وبينة، بما يدعو إليه، ومما يحذر منه حتى لا
يضر الناس، وحتى لا يدعو إلى ضلالة وهو لا يدري، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري،
حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو إليه، وما يدعو إلى تركه، وقال عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، هذا الأمر العظيم، وإن كان موجهًا إلى الرسول
العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو أمر للأمة جميعًا وإن خوطب به النبي صلى الله عليه
وسلم فهو الأصل والأساس، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع ذلك موجه للأمة
جميعًا، لأن القاعدة الشرعية أن أمته تابعة له في الأمر والنهي إلا ما دل الدليل على
أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فالدعوة إلى الله فرض على الجميع، وواجب على الجميع
، قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا فعلى المسلمين أن
يتأسوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله، والتوجيه إليه، وإرشاد العباد
إلى أسباب
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 108)
النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، وفي
هذه الآية العظيمة بيان كيفية الدعوة وأسلوبها ، ونظامها وما ينبغي للداعي أن يكون
عليه : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ قال جماعة من علماء التفسير: معنى ذلك: الآيات والأحاديث:
يعني ادع إلى الله بآيات الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لما فيها من الحكمة،
ولما فيها من الفقه والردع والبيان، والإيضاح والكلمة الحكيمة هي التي فيها الردع عن
الباطل، والتوجيه إلى الخير، وفيها الإقناع والتوجيه إلى ما فيه السعادة.
فالداعي إلى الله جل وعلا، ينبغي له أن
يتحرى في دعوته ما يقنع المدعو، ويوضح الحق، ويردعه عما يضره، بالأسلوب الحسن الطيب،
اللين الرقيق، ولهذا قال بعده: وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ : فليكن الداعي ذا حكمة، وذا موعظة
حسنة، عند الحاجة إليها، فهو يوضح الحق ويبينه، ويرشد إليه بالآيات والأحاديث الواضحة
البينة الصحيحة، حتى لا يبقى شبهة للمدعو.
ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب
المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى
عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة، وعدم
بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي
فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو ويرق قلبه، وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج
فيه المدعو إلى موعظة وترغيب وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعدًّا لقبول الحق، فعند
أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده بعض التمنع وبعض الإعراض فيحتاج
إلى موعظة وإلى توجيه، وإلى ذكر آيات الزجر
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 109)
والترغيب، وأحاديث الزجر والترغيب والترهيب
حتى يلين قلبه، ويقبل الحق.
وقد يكون عنده شبه فيحتاج إلى جدال بالتي
هي أحسن، حتى تزاح الشبهة، ويتضح الحق ولهذا قال جل وعلا: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
فإذا كان المدعو عنده بعض الشبه، فعليك
أيها الداعي أن توضح الحق بدلائله، وأن تزيح الشبهة بالدلائل التي تزيحها، حتى يبقى
معك المدعو على أمر بين واضح، وليكن هذا بالتي هي أحسن لأن العنف والشدة قد يضيعان
الفائدة، وقد يقسو قلب المدعو بسبب ذلك ويحصل له به الإعراض والتكبر عن القبول فعليك
بالرفق والجدال بالتي هي أحسن حتى يقبل منك الحق، وحتى لا تضيع الفرصة، وتذهب الفائدة
سدى، بسبب العنف والشدة، مادام صاحبك يريد منك الحق، ولم يظلم ولم يتعد، أما عند الظلم
والتعدي فله نهج آخر، وسبيل آخر، كما قال جل وعلا: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
، فإذا كان أهل الكتاب يجادلون بالتي هي أحسن، فالمسلمون من باب أولى أن يجادلوا
بالتي هي أحسن، لكن من ظلم ينتقل معه إلى شيء آخر، فقد يستحق الظالم الزجر، والتوبيخ،
وقد يستحق التأديب والسجن، إلى غير ذلك على حسب ظلمه.
والآيات في فضل الدعوة، والحث عليها كثيرة،
ولكن من أهم ذلك وأوضحه ما بينا، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ففي هذه الآية
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 110)
الكريمة بيان أنه لا أحسن قولاً ممن دعا
إلى الله، وفي ذلك غاية الحث على الدعوة، وغاية التحريض عليها، إذا كان لا أحسن قولاً،
ممن دعا إلى الله، فحقيق بالمؤمن، وحقيق بطالب العلم أن يبادر ويسارع إلى هذا المقام
العظيم، مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو الدعوة إلى الله والإرشاد إلى دينه الحق،
وهذه الطائفة رأسها وأئمتها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم أحسن الناس قولاً، وهم
أئمة الهدى والدعوة، وهم أولى الناس بالدخول في هذه الآية الكريمة، لأنهم القدوة والأساس
في الدعوة إلى الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام.
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله
عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضًا،
ولهذا قال بعده وَعَمِلَ صَالِحًا فالداعي إلى الله عز وجل يكون داعية باللسان، وداعية
بالعمل، ولا أحسن قولاً من هذا الصنف من الناس، هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة،
وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال، فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وسيرتهم.
وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام،
دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال والسيرة، وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر
مما ينتفعون بالأقوال ولا سيما العامة وأرباب العلوم القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة
والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها،
فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة حسنة وذا عمل صالح
وذا خلق فاضل حتى يقتدى بأفعاله وأقواله
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 111)
وسيرته. وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني الداعي يصرح بما هو عليه ويبين أنه على المنهج
الأسمى، على الحق، يقول هذا معتزًّا به فرحًا به مغتبطًا به لا مرائيًا ولا مفاخرًا
ولكنه مبين للحق يقول إني على صراطٍ مستقيم، أنا من المسلمين.
لست نصرانيًّا ولا يهوديًّا ولا وثنيًّا
ولكنني مسلم حنيف أدعو إلى الله على بصيرة أدعو إلى ديني أدعو إلى الحق، ويقول هذا
عن اغتباط وعن سرور وعن اعتراف صادق وعن إيمان بما يدعو إليه حتى يعلم المدعوون أنه
على بينة وأنه على طريق واضح ومنهج صحيح وأنه إذا دعا إلى الإسلام فإنه يدعو إليه وهو
من أهله، ليس يدعو إليه وهو من غير أهله بل هو يدعو إليه وهو عليه آخذ به ملتزم به.
وكثير من الدعاة قد يدعون إلى شيء وهم على خلافه، لكن دعوا إليه إما لمال أخذوه وإما
رياء وإما لأسباب أخرى لكن الداعي الصادق إلى الله يدعوا إلى الإسلام لأنه دينه ولأنه
الحق الذي لا يجوز غيره، ولأنه سبيل النجاة وسبيل العزة والكرامة ولأنه دين الله الذي
لا يرضى سواه سجانه وتعالى.
فهذه الآية العظيمة فيها الحث والتحريض
على الدعوة إلى الله عز وجل وبيان منزلة الدعاة وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا في
قولهم وعملوا الصالحات، وهم أحسن الناس قولاً ولا أحد أحسن منهم قولاً أبدًا وعلى رأسهم
الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة.
15. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > شأن الدعوة وفضلها
ومن الدعاة إلى الله الداخلين في هذه الآية
المؤذنون فإنهم دعاة إلى الله ينادون على رءوس الأشهاد بتكبير الله وتعظيمه والشهادة
له بالوحدانية ولنبيه بالرسالة عليه الصلاة والسلام، فهم من الدعاة إلى الله وهم داخلون
في هذه الآية الكريمة.
ومما صح في السنة عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام في شأن الدعوة وفضلها قوله عليه الصلاة
والسلام لما بعث عليًّا رضي الله عنه
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 112)
إلى خيبر قال: ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم
بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من
حمر النعم متفق عليه من حديث سهل بن سعد رضي
الله عنه .
أقسم عليه الصلاة والسلام وهو الصادق، وإن
لم يقسم، أن هداية رجل واحد على يد علي رضي الله عنه خير له من حمر النعم فدل ذلك على
أن الدعوة إلى الله شأنها عظيم وأنها منزلة عظمى. وفي هذا بيان أن المقصود من الدعوة
والجهاد ليس قتل الناس ولا أخذ أموالهم ولكن المقصود هدايتهم وإنقاذهم مما هم فيه من
الباطل وإخراجهم من الظلمات إلى النور وانتشالهم من وهدة الضلالة وأوحال الرذيلة إلى
عز الهدى وشرف التقوى. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: والله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من
حمر النعم .
وفيه من الفوائد حث الغزاة وأئمة الغزو
على التريث وعدم العجلة في القتال وأن يجتهدوا في الدعوة وإرشاد المدعوين وتنبيههم
على أسباب النجاة لعلهم يرجعون ويجيبون الداعي، ولعلهم يتركون القتال ويدخلون في دين
الله سبحانه وتعالى، فليس مقصود المسلمين ولا مقصود الإسلام والجهاد القتل وسبي النساء
والذرية والأموال، وإنما المقصود من ذلك هداية الناس وإرشادهم إلى الحق الذي خلقوا
له كما سبق، فإذا امتنعوا وأصروا ولم يقبلوا الحق.. بعد ذلك فالجهاد يفر إليه عند الحاجة
أما إذا كفت الدعوة وقبلوا الحق فلا حاجة إلى الجهاد، وإنما يصار إليه عند امتناع المدعو
وعدم قبوله الحق فعند هذا شرع الله الجهاد بالسلاح لقمع المبطلين وإزاحتهم عن طريق
الدعوة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وفتح الطريق أمام الدعوة إلى الله عز وجل
حتى ينتشر الإسلام في أرض الله. وفيه من الفوائد أيضًا الدلالة
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 113)
على أن هداية واحد خير من حمر النعم، يعني:
أن الهداية لواحد من الكفار على يدك أيها الداعي أو أيها الأمير فيه خير عظيم وفضل
كبير. قال بعض الأئمة: معنى ذلك: خير من الدنيا وما عليها لأن الدنيا زائلة والآخرة
باقية فخيرها ولو كان قليلاً خير من الدنيا وما عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها .
وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم حمر النعم
لأن حمر النعم، أنفس أموال العرب وأرفعها عندهم فمثل بها، وإلا فالمقصود أن هداية رجل
واحد أو أكثر من ذلك خير من الدنيا وحطامها الزائل الفاني..
وقال عليه الصلاة والسلام: من دل على خير فله مثل أجر فاعله أخرجه مسلم في الصحيح وهو يدل على أن من دعا إلى
الخير وأرشد إليه كان له مثل أجر فاعله، وهذه فضيلة عظيمة للدعوة وشرف عظيم للدعاة
أن الله سبحانه وتعالى يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم. فيا له من خير ويا
له من فضل ويا لها من منزلة. يا أخي تدعو إلى ربك وإلى دينك وإلى اتباع نبيك عليه الصلاة
والسلام ويحصل لك مثل أجور من هداه الله على يديك هذه مزية عظيمة وفضل كبير، وفي ذلك
حث وتحريض للدعاة على الدعوة والصبر عليها إذا كنت تحصل بذلك على مثل أجور من هداه
الله على يدك، فحقيق بك أن تشمر وأن تسارع إلى الدعوة وأن تصبر عليها وفي هذا خير عظيم،
وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم أيضًا في الصحيح : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا وهذا أيضًا فضل
عظيم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل
أجور من تبعه وهذا مثل ما تقدم في حديث: من دل على خير فله مثل أجر فاعله .
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 114)
وهذه الأحاديث وما جاء في معناها فيها الحث
والتحريض على الدعوة وبيان فضلها وأنها في منزلة عظيمة من الإسلام وأنها وظيفة الرسل
عليهم الصلاة والسلام، وقد بعث الله تعالى الرسل جميعًا دعاةً لله عز وجل ومبشرين بدينه
ومنذرين من عصاه فحقيق بك أيها المؤمن أن تسير على منهاجهم الصالح. وأن تستمر على طريقهم
الواضح بالدعوة إلى الله والتبشير بدينه، والتحذير من خلافه، وإنما يتم هذا الفضل ويحصل
هذا الخير ويتضاعف، بالصبر والإخلاص والصدق، فمن ضعف صبره أو ضعف صدقه أو ضعف إخلاصه
لا يستقيم مع هذا الأمر العظيم، ولا يحصل به المطلوب كما ينبغي، فالمقام يحتاج إلى
إخلاص فالمرائي ينهار ولا يثبت عند الشدائد ويحتاج إلى صبر، فذو الملل وذو الكسل لا
يحصل به المقصود على التمام فالمقام يحتاج إلى إخلاص وإلى صدق وإلى صبر. كما قال سبحانه
وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وكما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ وقال عز وجل: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ فلا بد من الصدق كما قال عز وجل: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ولا بد من الصبر كما قال جل وعلا: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وكما قال سبحانه: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ فبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين - فالدعاة
إلى الله عز وجل إذا صبروا وصدقوا وكانت دعوتهم على علم وعلى بصيرة، صاروا أئمة للناس
يقتدى بهم في الشدة والرخاء، والعسر واليسر، كما
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 115)
سبق في قوله تعالى وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ فعليك يا عبد الله بالصبر على دعوتك وإيمانك وعملك
الصالح وعليك باليقين في أعمالك، كن على بصيرة، تعلَّم وتفقَّه وتثقف في الدين وكن
على بينة في أمورك حتى تكون دعوتك عن صبر وعن يقين، وبهذا تكون إمامًا يقتدى به، وتكون
إمامًا وقدوة وأسوة صالحة في أعمالك الطيبة وسيرتك الحسنة، وبهذا ينتهي الكلام على
فضل الدعوة وهو الشق الأول.
أما الشق الثاني: وهو أثرها في انتشار الإسلام،
فنقول: إن الله جل وعلا بعث الرسل كما سبق عليهم الصلاة والسلام دعاةً للحق وهُداةً
للخلق ولم يبلغنا أن الرسل الأولين كانوا يجاهدون على دعوتهم، وإنما ذكر الله الجهاد
بعد بعث موسى عليه الصلاة والسلام.
ومن وقت آدم إلى نزول التوراة كان الرسل
دعاة فقط ليس هناك جهاد فانتشر الإسلام بالدعوة والبيان والكتب المنزلة من السماء فكان
الرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون إلى الله وينذرون الناس فانتشر دينهم وإسلامهم بالدعوة
من عهد آدم إلى أن بعث الله موسى عليه الصلاة والسلام.
والإسلام هو دين الله، قال جل وعلا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ فهو دين الله لجميع المرسلين وجميع الأمم كما قال
سبحانه وتعالى - عن نوح: وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ وهو أول الرسل وقال عبد
الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان بين
آدم ونوح عليهما
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 116)
الصلاة والسلام عشرة قرون كلهم على الإسلام
حتى وقع الشرك في قوم نوح وقال جل وعلا في
قصة إبراهيم وإسماعيل وهما يعمران الكعبة :
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ فطلبا أن يكونا مسلمين، وقال في قصة يوسف: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي
مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وقال
في قصة موسى: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ
كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ وقال عن بلقيس : وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فالدين عند الله هو الإسلام ، ولكن الله بعث محمدًا
عليه الصلاة والسلام بأكمله وأتمه، بعثه بالإسلام وبشريعة كاملة في الإسلام، فالذي
بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم هو أكمل الدين وأتمه، بعثه بالإسلام الذي هو
دين الله وبعثه بشريعةٍ كاملة صالحةٍ لجميع الزمان والمكان حتى تقوم الساعة، أما ما
بعث الله به الأنبياء الماضين فهو دين الإسلام ولكن بشرائع خاصة لأقوامهم خاصة، شرائع
خاصة لأقوامهم، كل رسول بعثه الله إلى قومه بشريعة خاصة والدين هو الإسلام، وهو توحيد
الله كما قال سبحانه وتعالى وَلَقَدْ بَعَثْنَا
فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فكل أمة بعث إليها رسول ليدعوهم إلى الإسلام، والاستسلام
لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، فكل رسولٍ بعثه الله بهذا
الإسلام وهو دين الله وتوحيده بإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه وبعث معه شريعة
خاصة تلائم زمانه وتناسب وقته وقومه حتى ختم الله جل وعلا
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 117)
الشرائع والنبوات ببعث محمدٍ عليه الصلاة
والسلام وبشريعةٍ كاملةٍ ودين شامل ونظامٍ عام لجميع الأمة في حاضرها وقت نزول القرآن
وفي مستقبلها إلى يوم القيامة.
وجعله دينًا شاملاً لجميع الشئون؛ شئون
الدين والدنيا، شئون العبادة وشئون المعاملة، وشئون الأحوال الشخصية وشئون الجنايات،
وغير ذلك في جميع الأمور جعله دينًا شاملاً منظمًا لجميع مصالح العباد، منظمًا لجميع
ما يحتاجون إليه في شئونهم العاجلة والآجلة مفصلاً لكل ما يتطلبه العاقل وتقتضيه الحاجة.
وبهذا يعلم أن انتشار الإسلام في عهد آدم
وما بعده وعهد نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وهو إسرائيل ويوسف عليهم
الصلاة والسلام جميعًا والأنبياء بعدهم كان بالدعوة: انتشر الإسلام بالدعوة وظهر بالدعوة.
كان الرسل يدعون وهكذا أنصارهم وأتباعهم يدعون إلى الله جل وعلا.
فانتشر الإسلام في أممهم بالدعوة لا بالجهاد
ولا بالسيف فلم يذكر الله في كتابه العزيز عن أولئك أنهم جاهدوا بالسيف وإنما دعوا
إلى الله وأنذروا الناس وبشروهم فقبل الدعوة من هداه الله وأباها من سبقت له الشقاوة
نعوذ بالله من ذلك.
وكانت الأمم قبل موسى عليه الصلاة والسلام
إذا عاندوا الرسول وأبوا اتباعه جاءهم العذاب فأهلكوا عن آخرهم إلا من آمن بالله. فآدم
عليه الصلاة والسلام ومن كان في زمانه من ذريته إلى عهد نوح كانوا على الإسلام والهدى
ولا يلزم من ذلك أن لا يكون فيهم معصية، فقد عصى قابيل وقتل أخاه هابيل بغير حق ولكنهما
كانا على الإسلام. ثم زين الشيطان لقوم نوح الغلو في الصالحين في قالب المحبة لهم ودعاهم
إلى تصوير صورهم ونصبها في مجالسهم، ثم بعد ذلك زين لمن بعدهم التعلق بها
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 118)
وعبادتها حتى وقع الشرك في قوم نوح بسبب
الغلو في الصالحين وتصوير الصور والابتداع في الدين، ولهذا حذر الرسول عليه الصلاة
والسلام من الصور وحذر من البدع لأن البدع هي وسائل الشرك نسأل الله العافية. ولما
أخبرته أم حبيبة وأم سلمة بالكنيسة التي رأتها في الحبشة وما فيها من الصور، قال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره
مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله .
فأخبر عليه الصلاة والسلام أنهم شرار الخلق
بسبب غلوهم في صالحيهم باتخاذ المساجد على قبورهم وتصوير الصور عليها، وهكذا وقع في
قوم نوح فالإسلام انتشر بالدعوة فلما أبى قوم نوح إلا العناد والشرك ولم يستجيبوا لداعيهم
نوح عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين عامًا أرسل الله عليهم الطوفان فأهلكهم
عن آخرهم بالغرق إلا من كان مع نوح في السفينة، نسأل الله العافية.
وقوم هود هلكوا بريح عقيم وقوم صالح بالرجفة
والصيحة حتى هلكوا عن آخرهم، هكذا عاقب الله كثيرًا من الأمم بأنواع من العقوبات بسبب
كفرهم وضلالهم وامتناعهم عن قبول الدعوة الإسلامية، ثم شرع الجهاد في عهد موسى عليه
الصلاة والسلام لنصر الحق وقمع الباطل، ثم شرع الله الجهاد على يد نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم على الوجه الأكمل، ونبينا عليه الصلاة والسلام لما بعثه الله مكث في مكة
بضعة عشر عامًا يدعو إلى الله عز وجل ولم يكن هناك جهاد بالسيف ولكنه الدعوة والتبشير
بالإسلام. وقد أنكر قومه دعوته وآذوه وآذوا أصحابه ولكنه صبر على ذلك عليه الصلاة والسلام
وكان مستترًا بها أولاً ثم أمره الله بالصدع فأظهر الدعوة وصبر على الأذى وهكذا أصحابه،
وكان من السابقين إلى ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه سبق إلى الإسلام والدعوة وخديجة
رضي الله عنها وعلي رضي الله عنه وزيد بن حارثة هؤلاء الأربعة هم السابقون إلى الإسلام
والدعوة، ثم تابعهم الناس،
( الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 119)
وكان الصديق رضي الله عنه شريفًا في قومه
معظمًا مألوفًا ذا معروفٍ وإحسان وذا تجارة ومال وذا خلقٍ كريم، فكان يدعو إلى الله
سرًّا ويبشر بالإسلام حتى أسلم على يديه جمٌّ غفير منهم عثمان رضي الله عنه والزبير
بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله رضي الله عن الجميع.
وأسلم جم غفير في مكة بالدعوة لا بقهر ولا بجهاد ولكن بالدعوة والتوجيه وقراءة القرآن
وشرح محاسن الإسلام، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ويقرأ عليهم القرآن ويبين
لهم ما أشكل عليهم فيتقبلون الحق ويرضون به ويدخلون في دين الله جل وعلا.
16. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > الدعوة إلى الله عز وجل
وأوجه الفضل فيها
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 255)
حـوار عـكاظ مع سماحة الشيخ عبد العزيز
بن باز
س 1: نود من سماحتكم أن تبينوا لنا حكم
الدعوة إلى الله عز وجل وأوجه الفضل فيها ؟
جـ 1: أما حكمها. فقد دلت الأدلة من الكتاب
والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل وأنها من الفرائض. والأدلة في ذلك كثيرة منها
قوله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، ومنها قوله
جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ومنها قوله عز وجل: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ومنها قوله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي . فيبين
سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله. وهم أهل البصائر والواجب
كما هو معلوم هو اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 256)
وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل
فرض كفاية بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة. فإن كل قطر وكل أقليم يحتاج
إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك
الواجب وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحًا جليلاً.
وإذا لم يقم أهل الإِقليم أو أهل القطر
المعين بالدعوة على التمام صار الإِثم عامًّا وصار الواجب على الجميع وعلى كل إنسان
أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد فالواجب أن يوجد طائفة
منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة تبلغ رسالات الله وتبين أمر
الله عز وجل بالطرق الممكنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة وأرسل الكتب
إلى الناس وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل .
س 2: واقع الدعوة الآن كيف تقيمونه؟ وما
هي المحاور التي يجب التركيز عليها في ظـل المستجدات الحالية والتحديات المعاصـرة ؟
جـ 2: في وقتنا الحاضر يسر الله عز وجل
أمر الدعوة أكثر، بطرق لم تحصل لمن قبلنا فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر وذلك بواسطة
طرق كثيرة، وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنه بطرق متنوعة مثلاً عن طريق الإِذاعة
وعن طريق التلفزة وعن طريق الصحافة وهناك طرق شتى، فالواجب على أهل العلم والإِيمان
وعلى خلفاء الرسول أن يقوموا بهذا الواجب وأن يتكاتفوا فيه وأن يبلغوا رسالات الله
إلى عباد الله ولا يخشون في الله لومة لائم، ولا يحابون في ذلك كبيرًا ولا صغيرًا ولا
غنيًّا ولا فقيرًا بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله كما أنزل الله وكما شرع الله،
وقد يكون ذلك فرض عين إذا كُنْتَ في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فإنه يكون فرض عين
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 257)
ويكون فرض كفاية، فإذا كنت في مكان ليس
فيه من يقوى على هذا الأمر ويبلغ أمر الله سواك فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك فأما
إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ والأمر والنهي غيرك فإنه يكون حينئذٍ في حقك سنة
وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك منافسًا في الخيرات وسابقًا إلى الطاعات ومما
احتج به على أنها فرض كفاية قوله جل وعلا:
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . قال الحافظ ابن كثير عن هذه الآية جماع ما معناه:
ولتكن منكم أمة منتصبة لهذا الأمر العظيم تدعو إلى الله وتنشر دينه وتبلغ أمره سبحانه
وتعالى ومعلوم أيضًا أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام دعا إلى الله وقام بأمر الله في
مكة حسب طاقته وقام الصحابة كذلك رضي الله عنهم وأرضاهم بذلك حسب طاقتهم ثم لما هاجروا
قاموا بالدعوة أكثر وأبلغ، ولما انتشروا في البلاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام قاموا
بذلك أيضًا رضي الله عنهم وأرضاهم. كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه. فعند قلة الدعاة
وعند كثرة المنكرات وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم تكون الدعوة فرض عين على كل واحد
بحسب طاقته وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك ووجد فيها من تولى هذا الأمر
وقام به وبلغ أمر الله كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة لأنه قد أقيمت الحجة على يد
غيره ونفذ أمر الله على يد سواه.
ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله وإلى بقية
الناس يجب على العلماء حسب طاقاتهم وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم أن يبلغوا أمر الله
بكل ما يستطيعون ، وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة. وبهذا يعلم أن كونها
فرض عين وكونها فرض كفاية أمر نسبي يختلف فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام
وإلى أشخاص، وسنة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام. لأنه
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 258)
وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر
وكفى عنهم. أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر،
وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار حسب الإِمكان بالطرق الممكنة،
وباللغات الحية التي ينطق بها الناس يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين
الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها فإن الأمر الآن ممكن وميسور
بالطرق التي تقدم بيانها، طرق الإِذاعة والتلفزة والصحافة وغير ذلك من الطرق التي تيسرت
اليوم، ولم تتيسر في السابق كما أنه يجب على الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع وفي غير
ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله عز وجل ، وأن ينشروا دين الله حسب طاقاتهم.
وحسب علمهم، ونظرًا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإِلحاد وإنكار رب
العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان،
وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظرًا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت
فرضًا عامًّا. وواجبًا على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإِسلام.
فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإِمكان بالكتابة والخطابة، وبالإِذاعة
وبكل وسيلة استطاعوا وأن لا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرو فإن الحاجة
بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما
كان قبل ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة، للصد عن سبيل الله والتشكيك
في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل، فوجب على أهل الإِسلام أن
يقابلوا هذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع
الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة
إلى سبيله .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 259)
س 3: وكيف تستطيع المجتمعات الإِسلامية
أن تحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي الذي تواجهـه في وقتنـا الحاضـر؟
جـ 3: مما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه
المجتمعات الإِسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة
من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى ذلك أن الاستعمار في العصر
الحديث قد غير من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها وعدم فعاليتها ومحاربة الشعوب
واستماتتها في الدفاع عن دينها وأوطانها ومقدراتها وتراثها حيث إن الأخذ بالقوة وعن
طريق العنف والإِرهاب مما تأباه الطباع وتنفر منه النفوس لا سيما في الأوقات الحاضرة
بعد أن انتشر الوعي بين الناس واتصل الناس بعضهم ببعض وأصبحت هناك هيئات كثيرة تدافع
عن حقوق الشعوب وترفض الاستعمار عن طريق القوة وتطالب بحق تقرير المصير لكل شعب وأن
لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم واستثمار مواردهم وتسيير دفة الحكم
في أوطانهم حسب ميولهم ورغباتهم في الحياة وحسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات ومذاهب
وأساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف وصدامات
مسلحة وحروب كثيرة دامية. ولكن الاستعمار قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل
واتخذ كثيرًا من المخططات بعد دراسة واعية وتفكير طويل وتصور كامل لأبعاد هذه المخططات
ومدى فعاليتها وتأثيرها والطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد وأهدافه
تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين. مبالغة في الدهاء والمكر والتلبيس
ركز فيها على خدمة أهدافه ونشر ثقافته وترسيخ الإعجاب بما حققه في
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 260)
مجال الصناعات المختلفة والمكاسب المادية
في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم وأعجبوا بمظاهر بريقها ولمعانها وعظيم
ما حققته وأنجزته من المكاسب الدنيوية والاختراعات العجيبة. لا سيما في صفوف الطلاب
والمتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة والشباب.
اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر
هذه الحضارة لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوروبية والأمريكية وغيرها حيث
يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات والشهوات على أيدي المستشرقين والملحدين بشكل منظم
وخطط مدروسة وأساليب ملتوية في غاية المكر والدهاء، وحيث يواجهون الحياة الغربية بما
فيها من تفسخٍ وتبذل وخلاعة وتفكك ومجون وإباحية. وهذه الأسلحة وما يصاحبها من إغراء
وتشجيع، وعدم وازع من دين أو سلطة، قل من ينجو من شباكها ويسلم من شرورها وهؤلاء بعد
إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم ممن يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله ويضع الأمانة
الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة. بل بوسائل وأساليب أشد عنفًا وقسوة من تلك التي
سلكها المستعمر، كما وقع ذلك فعلاً في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت
على صلة وثيقة به، أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر والبعد عن مساوئه وأضراره فيتلخص
في إنشاء الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى
الخارج ، وتدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية والثقافية الإِسلامية
في جميع الجامعات والكليات والمعاهد حرصًا على سلامة عقيدة الطلبة، وصيانة أخلاقهم
وخوفًا على مستقبلهم، وحتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإِسلامية
وحسب حاجات ومتطلبات هذه الأمة المسلمة، والواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج
وحصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 261)
س 4: كيف ترون سماحتكم الدواء الناجع للعالم
الإِسلامي للخروج به من الدوامة التي يوجد فيهـا في الوقت الحاضـر ؟
جـ 4: إن الخروج بالعالم الإِسلامي من الدوامة
التي هو فيها من مختلف المذاهب والتيارات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية،
إنما يتحقق بالتزامهم بالإِسلام، وتحكيمهم شريعة الله في كل شيء، وبذلك تلتئم الصفوف
وتتوحد القلوب.
وهذا هو الدواء الناجع للعالم الإِسلامي،
بل للعالم كله، مما هو فيه من اضطراب واختلاف وقلق وفساد وإفساد كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
. وقال عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ . وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا الآية. وقال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُوا ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ولكن ما دام أن القادة إلا من شاء الله منهم يطلبون الهدى والتوجيه من غير كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحكمون غير شريعته، ويتحاكمون إلى ما وضعه أعداؤهم
لهم، فإنهم لن يجدوا طريقًا للخروج مما
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 262)
هم فيه من التخلف والتناحر فيما بينهم،
واحتقار أعدائهم لهم، وعدم إعطائهم حقوقهم
وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . فنسأل الله أن يجمعهم على الهدى، وأن يصلح قلوبهم
وأعمالهم، وأن يمن عليهم بتحكيم شريعته والثبات عليها، وترك ما خالفها، إنه ولي ذلك
والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
س 5: كيف ترون سماحتكم المدخل لكي يتجنب
الشباب الوقوع تحت وطأة مغريات هذا العصر ويتجه الوجهة الصحيحة؟
جـ 5: إن الطريق الأمثل ليسلك الشباب الطريق
الصحيح في التفقه في دينه والدعوة إليه هو أن يستقيم على المنهج القويم بالتفقه في
الدين ودراسته، وأن يعنى بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأنصحه بصحبة الأخيار والزملاء
الطيبين من العلماء المعروفين بالاستقامة حتى يستفيد منهم ومن أخلاقهم. كما أنصحه بالمبادرة
بالزواج، وأن يحرص على الزوجة الصالحة لقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
س 6: هل تعتقدون سماحتكم أن تقبل المجتمع
للدعوة الآن أفضل من السابق بمعنى أنه لا يوجد اليوم ما يسمى " حائط الاصطدام
بين الدعوة والمجتمع "؟ .
جـ 6: الناس اليوم في أشد الحاجة للدعوة
. وعندهم قبول لها بسبب كثرة الدعاة إلى الباطل وبسبب انهيار المذهب الشيوعي وبسبب
هذه
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 263)
الصحوة العظيمة بين المسلمين. فالناس الآن
في إقبال على الدخول في الإِسلام والتفقه في الإِسلام حسب ما بلغنا في سائر الأقطار.
ونصيحتي للعلماء والقائمين بالدعوة أن ينتهزوا
هذه الفرصة وأن يبذلوا ما في وسعهم في الدعوة إلى الله وتعليم الناس ما خلقوا له من
عبادة الله وطاعته مشافهة وكتابة وغير ذلك بما يستطيعه العالم من خطب الجمعة والخطب
الأخرى في الاجتماعات المناسبة، وعن طريق التأليف، وعن طريق وسائل الإِعلام المقروءة
والمسموعة والمرئية، فالعالم أو الداعي إلى الله جل وعلا ينبغي له أن ينتهز الفرصة
في تبليغ الدعوة بكل وسيلة شرعية، وهي كثيرة والحمد لله فلا ينبغي التقاعس عن البلاغ
والدعوة والتعليم، والناس الآن متقبلون لما يقال لهم من خير وشر فينبغي لأهل العلم
بالله ورسوله أن ينتهزوا الفرصة ويوجهوا الناس للخير والهدى على أساس متين من كتاب
الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يحرص كل واحد من الدعاة على أن يكون قد عرف
ما يدعو إليه عن طريق الكتاب والسنة، وقد فقه في ذلك حتى لا يدعو على جهل، بل يجب أن
تكون دعوته على بصيرة، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
.
فمن أهم الشروط أن يكون العالم أو الداعي
إلى الله على بصيرة فيما يدعو إليه، وفيما يحذر منه، والواجب الحذر من التساهل في ذلك؛
لأن الإِنسان قد يتساهل في هذا ويدعو إلى باطل أو ينهي عن حق، فالواجب التثبت في الأمور
وأن تكون الدعوة على علم وهدى وبصيرة في جميع الأحوال .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 264)
س 7: البعض يرى أن الدعوة لا بد أن تكون
في المساجد فقط.. فما رأيكم؟ وما هي المجالات والأبواب التي يمكن للداعية أن يطرقها؟
.
جـ 7: الدعوة لا تختص بالمساجد فقط ، فهناك
مجالات وطرق أخرى.
والمساجد لا شك أنها فرصة للدعوة كخطب الجمعة
والخطب الأخرى والمواعظ في أوقات الصلوات، وفي حلقات العلم فهي أساس انتشار العلم والدين،
ولكن المسجد لا يختص وحده بالدعوة، فالداعي إلى الله يدعو إليه في غير المساجد في الاجتماعات
المناسبة أو الاجتماعات العارضة. فينتهزها المؤمن ويدعو إلى الله، وعن طريق وسائل الإِعلام
المختلفة، وعن طريق التأليف كل ذلك من بين طرق الدعوة، والحكيم الذي ينتهز الفرصة في
كل وقت وكل مكان، فإذا جمعه الله في جماعة في أي مكان وأي زمان وتمكن من الدعوة بذل
ما يستطيع للدعوة إلى الله بالحكمة والكلام الطيب والأسلوب الحسن .
س 8: من واقع خبرتكم الطويلة في هذا المجال..
ما هو الأسلوب الأمثل للدعوة؟
جـ 8: الأسلوب- مثل ما بينه الله عز وجل-
واضح في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . ويقول تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ . ويقول عز وجل في قصة موسى وهارون لما بعثهما إلى
فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى . فالداعي إلى الله
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 265)
يتحرى الأسلوب الحسن والحكمة في ذلك وهي
العلم بما قاله الله وورد في الحديث النبوي الشريف، ثم الموعظة الحسنة والكلمات الطيبة
التي تحرك القلوب وتذكرها بالآخرة والموت، وبالجنة والنار حتى تقبل القلوب الدعوة وتقبل
عليها وتصغي إلى ما يقوله الداعي. وكذلك إذا كان هناك شبهة يتقدم بها المدعو عالجها
بالتي هي أحسن وأزالها لا بالشدة والعنف ولكن بالتي هي أحسن. فيذكر الشبهة ويزيحها
بالأدلة، ولا يمل ولا يضعف ولا يغضب غضبًا ينفر الداعي بل يتحرى الأسلوب المناسب والبيان
المناسب والأدلة المناسبة، ويتحمل ما قد يثير غضبه لعله يؤدي موعظته بطمأنينة ورفق
لعل الله يسهل قبولها من المدعو .
س 9: كيف تفسرون إحجام بعض الدعاة عن التعاون
مع وسائل الإِعلام .. وكيف يمكن تجاوز تلك الفجوة وإيجاد قناة مفتوحة بين الدعاة ووسائل
الإِعلام؟
جـ 9: لا شك أن بعض أهل العلم قد يتساهل
في هذا الأمر إما لمشاغل دنيوية تشغله، وإما لضعف في العلم، وإما أمراض تمنعه أو أشياء
أخرى يراها وقد أخطأ فيها؛ كأن يرى أنه ليس أهلاً لذلك أو يرى أن غيره قد قام بالواجب
وكفاه إلى غير هذا من الأعذار ونصيحتي لطالب العلم أن لا يتقاعس عن الدعوة ويقول هذا
لغيري، بل يدعو إلى الله على حسب طاقته وعلى حسب علمه ولا يدخل نفسه في ما لا يتسطيع،
بل يدعو إلى الله حسب ما لديه من علم، ويجتهد في أن يقول بالأدلة وألا يقول على الله
بغير علم ولا يحقر نفسه ما دام عنده علم وفقه في الدين. فالواجب عليه أن يشارك في الخير
من جميع الطرق في وسائل الإِعلام وفي غيرها، ولا يقول هذا لغيري؛ فإن كل الناس إن تواكلوا
بمعنى كل واحد يقول هذه لغيري تعطلت الدعوة وقلّ الداعون إلى
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 266)
الله وبقي الجهلة على جهلهم وبقيت الشرور
على حالها، وهذا غلط عظيم، بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا في الدعوة إلى الله أينما
كانوا في المجتمعات الأرضية، والجوية، وفي القطارات والسيارات، وفي المراكب البحرية،
فكلما حصلت فرصة انتهزها طالب العلم في الدعوة والتوجيه، فكلما شارك في الدعوة فهو
على خير عظيم قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ . فالله سبحانه يقول: ليس هناك قول أحسن من هذا،
والاستفهام هنا للنفي؛ أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله، وهذه فائدة عظيمة ومنقبةٌ
كبيرة للدعاة إلى الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من دل على خير فله مثل أجر فاعله ، وقال عليه الصلاة والسلام: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا . وقال عليه
الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر : ووالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من
حمر النعم فلا ينبغي للعالم أن يزهد في هذا
الخير أو يتقاعس عنه احتجاجًا بأن فلانًا قد قام بهذا، بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا
وأن يبذلوا وسعهم في الدعوة إلى الله أينما كانوا، والعالم كله بحاجة إلى الدعوة مسلمه
وكافره، فالمسلم يزداد علمًا والكافر لعل الله يهديه فيدخل في الإِسلام.
س 10: بعض الدعاة يحتجب عن المشاركة في
وسائل الإِعلام بسبب رفضه لسياسة الصحيفة أو المجلة التي تعتمد على الإِثارة في تسويق
أعدادها... فمما رأي سماحتكم؟ .
جـ 10: الواجب على أصحاب الصحف أن يتقوا
الله وأن يحذروا ما يضر الناس سواء كانت الصحف يومية أو أسبوعية أو شهرية، وهكذا المؤلفون
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 267)
يجب أن يتقوا الله في مؤلفاتهم، فلا يكتبوا
ولا ينشروا بين الناس إلا ما ينفعهم ويدعوهم إلى الخير ويحذرهم عن الشر، أما نشر صور
النساء على الغلاف أو في داخل المجلات أو الصحف فهذا منكر عظيم وشر كبير يدعو إلى الفساد
والباطل، وهكذا نشر الدعوات العلمانية المضللة أو التي تدعوا إلى بعض المعاصي كالزنا
أو السفور أو التبرج أو تدعو إلى الخمر أو تدعو إلى ما حرم الله، فكل هذا منكر عظيم،
ويجب على أصحاب الصحف أن يحذروا ذلك ومتى كتبوا هذه الأشياء كان عليهم مثل آثام من
تأثر بها، فعلى صاحن الصحيفة الذي نشر هذا المقال السيئ سواء كان رئيس التحرير أو من
أمره بذلك عليهم مثل آثام من ضل بهذه الأشياء وتأثر بها، كما أن من نشر الخير ودعا
إليه يكون له مثل أجور من تأثر بذلك. ومن هذا المنطلق يجب على وسائل الإِعلام التي
يتولاها المسلمون أن ينزهوها عن ما حرم الله، وأن يحذروا البث الذي يضر المجتمع حيث
يجب أن تكون هذه الوسائل مركزة على ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وأن يحذروا أن تكون
عوامل هدم وأسباب إفساد لما يبث فيها، وكل واحد من المسؤولين الإِعلاميين مسئول عن
هذا الشيء على حسب قدرته. ويجب على الدعاة أن يطرقوا هذا المجال فيما يكتبون وفيما
ينشرون ويحذروا من ما حرم الله عز وجل، وهذا واجبهم في خطبهم وفي اجتماعاتهم مع الناس،
فكل المجالس مجالس دعوة أينما كان فهو في دعوة سواء في بيته أو في زياراته لإِخوانه،
أو في مجتمعه مع أي أحد، فالواجب عليه أن يستغل هذه الوسائل- وسائل الإِعلام- وينشر
فيها الخير ولا يحتجب عنها.
17. رئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > توجيهات للأئمة والدعاة
ورجال الحسبة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 46)
توجيهات للأئمة والدعاة ورجال الحسبة
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله،
وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإِني أشكر الله عز وجل على ما مَنَّ به
من هذا اللقاء بإِخوة في الله سبحانه وتعالى؛ من خطباء المساجد، وأئمة المساجد، ورجال
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجماعة من الدعاة إِلى الله عز وجل، وجماعة
من إِخواننا أيضًا ممن يحب الخير ويحب أن يسمع الموعظة، وهذه من نعم الله أشكر الله
عليها، وأسأل الله أن يجعلنا وإِياكم من الهداة المهتدين، وأن يعيذنا جميعًا من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال
المسلمين جميعًا في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم.
ثم لقد سمعت هذه الكلمات الطيبة التي تفضل
بها أصحاب الفضيلة: الشيخ حسن الحجاجي مدير عام فرع وزارة الشئون الإِسلامية والأوقاف
والدعوة والإِرشاد بمنطقة مكة المكرمة ، والشيخ عبد الرحمن السديس إِمام وخطيب المسجد
الحرام، والشيخ أحمد بن موسى السهلي رئيس الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة
الطائف ، والشيخ فراج بن علي العقلا مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بمنطقة مكة المكرمة .
كلها كلمات بحمد الله جيدة ومفيدة، وأنا
أؤيد ما فيها، وجميع
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 47)
ما ذكره المشايخ الأربعة كلمات مفيدة -
والحمد لله - وواقعة في محلها، وأنا أؤيد جميع ما ذكره المشايخ، وخاصة ما ذكره الشيخ
حسن الحجاجي .
لا شك أن الواجب على الوزارة وفقها الله
وإِدارة الشئون الإِسلامية، الواجب عليهما العناية بالمساجد والأئمة والخطباء وأوقاف
المسلمين في هذه المملكة ، لا شك أن الواجب عليهما عظيم، ونسأل الله أن يزيدهما من
التوفيق، ونسأل الله أن يكثر أعوانهما في الخير. الواجب عظيم والحاجة ماسة إِلى مضاعفة
الجهود فيما يتعلق بالدعاة وتكثيرهم، وتوصيتهم، وتحريضهم على القيام بالواجب في تبليغ
دعوة الله إِلى عباد الله في المساجد، والجوامع، والسجون، وفي غير ذلك.
الدعاة إِلى الله جل وعلا عليهم أن يحرصوا
على بذل الدعوة حيث أمكن ذلك؛ في المسجد، وفي المدرسة، وفي السجن، وفي أي مكان يتيسر
لهم، وأن يعتنوا بهذا الأمر في الحاضرة والبادية، وفي الباخرة، وفي السيارة، وفي الطائرة،
أينما كانوا، الدعاة لهم شأن عظيم، هم خلفاء الرسل، وهكذا جميع علماء الشريعة، والدعاة
من خواص العلماء، والله بعث الرسل ليدعو إِلى الحق ويبشروا وينذروا، وعلى رأسهم إِمامهم
وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على العلماء وفقهم الله، وعلى الدعاة
بوجه خاص، وعلى القضاة - الواجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يبلغوا دعوة الله حسب
الطاقة والإِمكان كما قال الله عز وجل: قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 48)
وقال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فعلى الداعي أينما كان والقاضي أينما كان وعلى كل
من لديه علم أن يتقي الله ويبلغ حسب طاقته وحسب علمه، والواجب أن يحذر أن يدعو إِلى
الله بغير علم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ الواجب على
كل داعية وعالم وقاض ومرشد - الواجب عليهم أن يتقوا الله، وأن لا يقولوا بغير علم،
ولا يتكلموا إِلا عن بصيرة وعن علم؛ حتى لا يضلوا الناس، وحتى يبلغوا الناس دعوة الله
وأحكام الله على بصيرة، وأن يصبروا على الأذى في ذلك.
الواجب على الداعي إِلى الله أن يتأدب بالآداب
الشرعية التي قال فيها سبحانه: ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ فالحكمة: هي العلم بما قال الله
عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، مع وضع الأمور في مواضعها، فيتحرى ويضع الأمور
في محلها والكلمة في محلها مع ذكر الدليل، قال الله عز وجل، قال الرسول صلى الله عليه
وسلم، مع الترغيب والترهيب عند الحاجة. هكذا الداعي إِلى الله، وهكذا العالم في دروسه
وفي دعوته إِلى الله عز وجل، وإِن كان غير معين من جهة ولاة الأمور للدعوة، لكنه مأمور
من جهة الله؛ ليعالج الأمور بالدعوة إِلى الله، سواء كان معينًا من جهة ولاة الأمور
أم لا.
والواجب على العلماء أن يقوموا بهذه المهمة،
هذه مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي مهمة العلماء أيضًا، فالواجب على الجميع
أن يدعو إِلى الله، وأن يبشروا الناس وينذروهم بالحكمة والرفق، وبالتي هي أحسن، لا
بالعنف والشدة، ولا بالتشهير بأحد، قال فلان: كذا، أو فعل فلان كذا، فالمقصود: بيان
الحق والدعوة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 49)
إِلى الحق، الدعوة إِلى الالتزام بما شرع
الله وبما أوجب الله، والحذر مما حرم الله ومما وقع في الناس من الشر، فعلى الداعي
إِلى الله أن يحذر من الشر من دون بيان أنه فعل فلان كذا، وفعل فلان كذا. أو فعلت الدولة
كذا، الواجب بيان المنكر والتحذير منه، وبيان الواجب والدعوة إِليه، والدعاء لولاة
الأمور وللمسلمين جميعًا بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل مع الرفق في كل شيء؛
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يكون الرفق
في شيء إِلا زانه، ولا ينزع من شيء إِلا شانه
، ويقول صلى الله عليه وسلم: من يحرم
الرفق يحرم الخير كله ، والأصل في هذا: قوله
جل وعلا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال الله جلّ وعلا لموسى وهارون لما بعثهما إِلى
فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
فالواجب على الدعاة الصبر والاحتساب، وتحري
الحق، والعناية بالأدلة الشرعية والألفاظ الحسنة في دعوتهم، والرفق بالناس مهما أمكن
إِلا الظالم، فإِن الظالم له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
فالظالم له شأن آخر يعامل بما يقتضيه ظلمه
وردعه عن ظلمه، لكن في الجملة: الداعي إِلى الله يتحرى الكلمات الطيبة، ويتحرى الدعوة؛
بالحكمة، والكلام الطيب، والترغيب والترهيب، ويتجنب كل شيء يسبب الفرقة والاختلاف،
ويسبب أيضًا الوحشة بينه وبين الإِخوان.
الواجب على الداعي وعلى العالم أن يتحرى
الألفاظ المناسبة،
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 50)
وأن يرفق في أمره كله، وأن يحرص على الإِخلاص
لله بأن يكون هدفه إِيصال دعوة الله إِلى عباد الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، لا
لرياء ولا سمعة، ولا عن فخر وخيلاء، ولكن يريد وجه الله والدار الآخرة، ثم يريد بعد
ذلك نفع الناس، وإِصلاح أوضاعهم، وتقريبهم من الخير وإِبعادهم عن الشر، وجمع كلمتهم
على الحق، هذا هو المقصود من الداعي والعالم، وهو مقصود الرسل عليهم الصلاة والسلام،
فالمقصود: إِيضاح الحق للناس وبيان ما أوجب الله وما حرم الله، وترغيبهم في الخير وتحذيرهم
من الشر، وجمع كلمتهم على تقوى الله ودينه، كما قال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُوا هكذا جاء القرآن وجاءت السنة،
قال تعالى: الر كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ويقول عز وجل:
كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الأَلْبَابِ
فالواجب على الدعاة إِلى الله جل وعلا أن
يعتنوا بالدعوة، وأن يصبروا، وأن يتحروا الرفق والكلمات الواضحة ، وأن يحرصوا على جمع
الكلمة وعلى تجنب أسباب الفرقة والاختلاف، لا مع الشباب ولا مع الشيب ولا مع الدولة
ولا مع غيرها.
الواجب تحري الحق وتحري العبارات الحسنة
التي توضح الحق وترشد إِليه وتمنع من الباطل، مع الرفق في كل الأمور واجتناب أسباب
الفرقة والاختلاف إِلا من ظلم، أما من ظلم فله شأن آخر مع الهيئة ومع القضاة ومع ولاة
الأمور، الظالم له شأنه وله حكمه، لكن في الجملة: الواجب هو تحري الحق والدعوة إِليه،
كما قال الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 51)
يعني: بما قال الله عز وجل، أو قال الرسول
صلى الله عليه وسلم، مع تحري الوقت المناسب والكلمات المناسبة، ثم قال جل وعلا: وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ يعني: الترغيب والترهيب بالعبارات الحسنة، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ عند الشبهة، وعند الخلاف، يكون الجدال بالتي هي
أحسن، هكذا أمر جل وعلا ونهى بقوله: وَلاَ
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فالواجب على الدعاة وعلى العلماء وعلى كل
ناصح أن يتحرى الحكمة والحق والرفق مع أهله ومع أولاده ومع جيرانه ومع المسلمين عمومًا
في دعوته إِلى الله وإِرشاده أينما كان، ولا سيما فيما يتعلق بالشرك، فإِن الأمر عظيم،
التوحيد والشرك هما أهم الأمور وأعظمها، والتوحيد هو أصل الدين. فالواجب في هذا الأمر
العناية بإِيضاح الحق للناس في توحيد الله وإِرشادهم إِلى الالتزام به، وتحذيرهم من
الشرك كله، دقيقه وكثيره، بالعبارات الحسنة الواضحة؛ لأن الإِنسان الذي ليس عنده علم
يتأثر بكل شيء، فالواجب الرفق به، حتى يتبصر ويتعلم ويعرف دين الله، وهكذا من أسلم
جديدًا يراعى ويلاحظ الرفق به حتى يتفقه في الدين، وهكذا عامة الناس يرفق بهم لكي يتبصروا
ويتعلموا ويعرفوا دين الله، ويعرفوا توحيد الله والإِخلاص له، ويعلموا أن الواجب هو
تخصيص الله بالعبادة: من الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر..
وغير ذلك من أنواع العبادة.
وكثير من الناس يصرف هذه العبادات لأصحاب
القبور، أو للجن، أو للشجر والحجر في بلدان كثيرة، فالواجب على الدعاة إِلى الله -
ولا سيما في المواضع التي يكثر فيها الجهلة، ويكون فيها من قد يدعو غير الله - أن يوضحوا
الأمر لهم، وأن يصبروا على الأذى في ذلك، وأن يتحروا
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 52)
الرفق والعبارات الواضحة والألفاظ البينة؛
حتى يفهم المخاطب ما يريده الداعية، وحتى يرجع عما هو عليه من الباطل، وحتى يسأل عما
أشكل عليه، وتجاب مسألته بما يتضح له به الأمر، ثم الدعوة إِلى الصلاة بعد ذلك والزكاة
والصيام والحج بعدما يوضح له أمر الشهادتين، فالشهادتان هما الأهم، ثم بعد ذلك الصلاة
والزكاة، والصلاة أمرها عظيم فهي عمود الإِسلام، والواجب أن يعتني بها العناية العظيمة
في كل مكان بعد إِفهام الناس التوحيد والشرك، وما يتعلق بالصلاة بعد الشهادتين، فالصلاة
الآن لا يخفى على كل من لديه علم ما وقع فيها من التساهل من كثير من الناس، فالواجب
على الدعاة أن يعتنوا بالصلاة، وأن يحرضوا الناس على المبادرة إِليها والمحافظة عليها
في الجماعة في مساجد الله، وهكذا مع النساء في البيوت ومع الأولاد، كل إِنسان يعتني
بأولاده، بذكورهم وإِناثهم، ويعتني بزوجته، ويعتني بأخواته وإِخوانه، ويعتني بجيرانه
في كل شيء، ولكن أهم شيء الصلاة بعد الشهادتين من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما
سواها أضيع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ، ويقول عليه الصلاة والسلام: رأس الأمر الإِسلام، وعموده الصلاة .
ويقول عمر رضي الله عنه فيما يكتب لعماله:
(إِن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع).
والله ولي التوفيق، وهو المسئول أن يصلح
أحوالنا جميعًا ويهدينا صراطه المستقيم، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان،
إِنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
18. كلمة
توجيهية ألقاها سماحته في الحفل الختامي للدورة الشرعية الخامسة للدعاة العاملين بمكاتب
الدعوة بالمملكة ، والتي تشرف عليها وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
:
لرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة
العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > فضل الدعوة وعظيم أثرها
على الناس إِذا صدرت عن أهل العلم والبصيرة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 412)
التحذير من نشرات المسعري
لما تنطوي عليه من أهداف للإِفساد وتضليل
الناس
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، وصلى
الله على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإِني أشكر الله عز وجل على ما من به من
هذا اللقاء بإِخوتي في الله وبالدعاة إِلى الله عز وجل، كما أشكره سبحانه على ما يسر
من سماع هذه الكلمات الطيبات المباركة، وأسأله جل وعلا أن يجعله لقاءً مباركًا، وأن
يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يمنحنا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يجعلنا من
دعاة الهدى وأنصار الحق ما بقينا، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين
ويمنحهم الفقه في الدين وينصر بهم الحق، وأن يعيذهم من بطانة السوء، وأن يجعلهم من
الهداة المهتدين، كما أسأله سبحانه أن يصلح جميع المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه
في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يوفق جميع الدعاة للعلم النافع
والبصيرة النافذة والعمل الصالح، وأن يمنحهم الدعوة إِليه على بصيرة، وأن يجعلهم من
الهداة المهتدين، ومن الدعاة إِلى الله بالقول والعمل والسيرة، إِنه جل وعلا جواد كريم.
أيها الإِخوة في الله: تعلمون فضل الدعوة
وعظيم أثرها على الناس إِذا صدرت عن أهل العلم والبصيرة ، والعلم بما قاله الله ورسوله،
وعن ذكر الآيات الكريمات والأحاديث النبوية، لا شك أن لها الأثر العظيم
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 413)
في إِصلاح الناس، وتوجيههم إِلى الخير،
وتحذيرهم من الشر، وأهم شيء: هو العناية بالعقيدة وإِفهام الناس ذلك، وتوضيح ذلك لهم،
فإِن الله جل وعلا خلق الخلق؛ ليعبدوه، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ وهذه العبادة هي دين الله، هي الإِسلام، هي الهدى،
هي التقوى، هي الإِيمان بالله ورسوله.
فواجب على جميع المكلفين أن يفهموها ويعرفوها،
وواجب على أهل العلم والبصيرة أن يوضحوها للناس، وأن يشرحوها للناس، وهي توحيد الله
والإِخلاص له، وصرف جميع العبادة له جل وعلا من دعاء وخوف ورجاء وتوكل ورغبة ورهبة،
وغير هذا من أنواع العبادة.
و من أخص العبادة التي خلقنا لها أن نخص
الله بالعبادة، ندعوه وحده، نستغيث به، ننذر له، نذبح له، نسجد له، نصلي له، نصوم له...
إِلى غير ذلك، ولا بد من بيانها للناس بلغاتهم التي يفهمونها، ولا بد من الصبر على
ذلك، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وقال جل وعلا:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فالواجب على الدعاة الصبر والتحمل، وأن
تكون دعوتهم على بصيرة وعن علم بما قال الله سبحانه وقال رسوله صلى الله عليه وسلم،
هذه هي الحكمة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 414)
مع الموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن
والرفق حتى يفهم الناس عقيدتهم، وحتى يفهموا لماذا خلقوا؟ وحتى يفهموا ما أوجب الله
عليهم وما حرم عليهم، حتى يؤدوا ذلك على بصيرة وعلم، سواء كان ذلك في هذه البلاد السعودية
مهد الإِسلام، أو في أي بلاد من بلاد الله أينما كنت، عليك أن توضح الدعوة، وأن يكون
ذلك بالأدلة الشرعية: قال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تخاطب الناس
بما يفهمون ويعقلون ( حدثوا الناس بما يعرفون )، كما قال علي رضي الله عنه، وأن تصبر
على ذلك، وكل قوم يحدثون بلغتهم التي يفهمونها مع التحذير من دعاة الباطل، ومن دعاة
السوء، لا بد من التحذير منهم، ولا بد من تشجيع الدعاة إِلى الله والثناء عليهم، وحثهم
على القيام بواجبهم أينما كانوا، في السيارة، وفي القطار، وحتى في الطائرة، وفي السفينة
وفي الباخرة، في أي مكان، وبأي لغة يفهمها أو يعقلها عند الحاجة إِليها، يريد فضل الله
يريد هدايته، يريد الثواب العظيم منه جل وعلا، يريد إِنقاذ إِخوانه من الهلكة، يريد
إِبلاغ دعوة الله، ليس له حظ في الرياء والسمعة، ولكن يريد وجه الله والدار الآخرة
أينما كان.
فأوصيكم أيها الإِخوة ونفسي بالتعاون على
البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه والنشاط في ذلك، مع العناية الكاملة بالتفقه
في الدين، والعناية بالأدلة الشرعية، يقول الله عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ ويقول النبي صلى الله
عليه وسلم: من يرد الله به خيرًا يفقهه في
الدين .
فأوصيكم بالجد، والتفقه في الدين، فالإِنسان
يتعلم ويعلم:
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 415)
خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، فلا يزال إِلى الموت يتعلم ويعلم الخير للناس،
ولا يظن أنه بلغ العلم وأنه بلغ النهاية، لا، لا يزال يطلب العلم ولو عمر ألف عام يطلب
المزيد، ويطلب الأدلة الشرعية ويطلب الفقه في المعنى والبصيرة حتى يبلغ الناس على علم
وعلى بصيرة.
وأوصي بالحذر من دعاة الهدم، من دعاة الضلالة،
فيجب الحذر منهم والتحذير، يجب الحذر والتحذير من دعاة الضلالة، مثل هؤلاء الذين يرسلون
دعواتهم الضالة المضللة من لندن ، ومن بلاد الكفرة كـ ( المسعري ) وأشباهه ومن يتعاون
معه على التخريب والفساد وتضليل الناس، هذا شر عظيم وفساد كبير.
قد سمعتم من كلمة الشيخ صالح : بيان ما جاء في بعض نشراتهم من سب لشيخ الإِسلام
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وأنه ساذج، وأنه ليس بعالم، وأنه، وأنه، هذا الكلام
لا يقوله من في قلبه أدنى محبة للخير، ومن في قلبه أدنى غيرة، ومن هو مسلم حقيقة يحب
الله ورسوله، كيف يرمي دعاة الهدى الذين أنقذ الله بهم من الشرك وعبادة القبور وعبادة
الأصنام وعبادة الشجر والحجر إِلى توحيد الله وطاعته!
فيجب القضاء على هذه النشرات، والتحذير
منها، وإِتلافها مهما كانت، فالمصلح: هو الذي يدعو إِلى الله، يدعو إِلى التمسك بالدين،
يدعو إِلى التناصح، يدعو إِلى التعاون مع ولاة الأمور في الخير، يدعو لهم بالتوفيق
والهداية، وأن الله يعينهم على الخير، وأن الله يهديهم ويصلح لهم البطانة، وأن الله
يوفقهم لإِقامة الحق.
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 416)
هكذا المصلح، هكذا الداعي، يدعو لهم بالخير
ويشكرهم على الخير، يشكرهم على ما بذلوه من الخير، يدعوهم إِلى الاستقامة، وإِلى صلاح
البطانة والحذر من أهل السوء، ويدعو إِلى إِزالة المنكرات، يدعو إِلى إِزالتها، بالكلام
الطيب، والأسلوب الحسن، والنصيحة لولاة الأمور والعلماء، مع الدعاء لهم بالتوفيق، يقول
لهم: تواصوا، تناصحوا في ذلك، أرشدوا الناس جزاكم الله خيرًا، وفقكم الله، كما قال
جل وعلا: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
هكذا تكون النصيحة، هكذا تكون الدعوة إِلى
الله، نشر العلم عن طريق الكتاب والسنة، نصيحة الناس بالكلام الطيب، بالرفق، والدعاء
لهم بالتوفيق، والدعاء لهم بحسن العاقبة، والدعاء لهم بالفقه في الدين وصلاح البطانة،
والدعاء للعلماء بالتوفيق والهداية، وأن يعينهم الله على إِبلاغ الدعوة إِلى الله في
مكاتب الدعوة وغيرها.
فأوصيكم أيها الإِخوة الداعون إِلى الله
في مكاتب الدعوة: أوصيكم بالصبر، والعناية بالعلم والبصيرة والأدلة الشرعية، والعناية
بمن هو خارج هذه البلاد بدعوته إِلى الإِسلام، وتحبيب الإِسلام إِليهم؛ لعل الله يهديهم
بأسبابكم، ويكون لكم مثل أجورهم، بِلُغَتِهِم، وباللطف، والعبارات الواضحة، بإِزالة
الشبه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي
الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير
لك من حمر النعم ، ويقول صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله ، فاحتسبوا الأجر أيها الدعاة، فاحتسبوا الأجر
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 417)
أينما كنتم في الدعوة إِلى الله، عن طريق
الكتاب والسنة، واحذروا القول على الله بغير علم، تففهوا وتعلموا، وقولوا عن علم وعن
بصيرة، واحذروا القول على الله بغير علم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتناصحوا فيما
بينكم، وأبشروا بالخير والعاقبة الحميدة.
والله المسئول جل وعلا أن يوفقنا وإِياكم
للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يجعلنا وإِياكم
من الهداة المهتدين الصالحين المصلحين.
كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل
خير، وأن يعينهم على كل خير، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن
يعيذهم من بطانة السوء، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين الناصحين لله ولعباده، وأن يعينهم
على إِزالة كل ما يخالف شرع الله، وعلى إِلزام الناس بأمر الله.
كما أسأله سبحانه أن يصلح جميع المسلمين
في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يوفق
جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شريعته، والتحاكم إِليها، والرضا بها، وإِيثارها على
ما سواها، إِنه جل وعلا جواد كريم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا
محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه .
19. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > الدعوة إلى الله شأنها
عظيم
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 213)
كلمة في حفل التوعية الإسلامية في الحج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فإني أشكر الله عز وجل على ما من به علينا وعلى
حجاج بيت الله الحرام من أداء مناسك الحج في أمن وعافية وسلامة وهدوء، والحمد لله جل
وعلا على ذلك، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا ومن جميع حجاج بيت الله الحرام ، كما أسأله
سبحانه أن يوفق حكومتنا لكل خير وأن يجزيها عما فعلت من التسهيل لحجاج بيت الله الحرام
لأداء مناسكهم أفضل الجزاء، وأن يعينها على كل ما فيه صلاح العباد والبلاد كما أسأله
سبحانه أن يجزي أيضًا العاملين في هذه الدولة من عسكريين ومدنيين أحسن الجزاء عما فعلوا
من الخير، وأن يضاعف مثوبتهم على ما فعلوه من تيسير وتسهيل وإعانة لإخوانهم حجاج بيت
الله الحرام ، وأسأله عز وجل أن يتقبل من الجميع عملهم وحجهم.
ثم إني أشكر أخي صاحب الفضيلة معالي الرئيس
العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ محمد بن عبد الله السبيل على كلمته
القيمة، وتوجيهاته السديدة المفيدة، فجزاه الله خيرًا، وقد أحسن
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 214)
وأجاد في نصيحة إخوانه الدعاة، ووصيتهم
بما ينبغي أن يعتمدوه في نصحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل، وعنايتهم بإخوانهم حجاج بيت
الله الحرام وغيرهم فإن الدعوة إلى الله شأنها عظيم ، وهي من أهم الفرائض، وهي مهمة
الرسل عليهم الصلاة والسلام، والعلماء هم ورثة الأنبياء فالواجب عليهم العناية بالدعوة،
وأن تكون الأساليب التي يرجى منها حصول المطلوب والسلامة من النفور عن الحق، ويرجى
منها الإفادة للمدعو وقبوله الحق، وعليهم أن يحذروا الأساليب التي يخشى منها بقاء المنكر،
أو وجود ما هو أنكر منه. فالداعي إلى الله يجب أن ينظر في أسلوب دعوته، وأن يتحرى الأساليب
التي يرجى من ورائها حصول الخير والفائدة والسلامة من ضد ذلك، فجزى الله أخانا صاحب
الفضيلة الشيخ محمد عن كلمته خيرًا. كما أشكره أيضًا على جهوده العظيمة الإصلاحية في
المسجد الحرام والمسجد النبوي ، وأسأل الله أن يزيده والعاملين معه من التوفيق والهداية،
وأن يبارك في جهودهم وينفع بهم عباده من حجاج بيت الله الحرام وزوار هذا المسجد العظيم
للعمرة وزواره للصلاة وزوار المسجد النبوي ، نسأل الله أن يبارك في جهود القائمين على
هذين المسجدين وأن يجعلهم هداة مهتدين.
كما أشكره أيضًا هو وإخوانه، على ما يبذلونه
من الدعوة إلى الله في المسجدين، وتوجيه الناس إلى الخير، وإفتائهم فيما يحتاجون إليه
فجزاهم الله جميعًا خيرًا.
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 215)
ثم أشكر الأمانة العامة للتوعية على جهودها
في هذا السبيل سبيل تسهيل أداء المناسك لحجاج بيت الله الحرام ، أشكر الأمانة والعاملين
فيها على جهودهم الطيبة، في تسهيل أمر الحجيج وإعانتهم على أداء مناسكهم بما يسهل عليهم
ذلك، وبما يعينهم على فهم ما أوجب الله عليهم، وعلى ترك ما حرم الله عليهم.
ولا شك أن جهود الأمانة العامة لها ثمار
عظيمة، ولها فوائد جمة، ونسأل الله أن يبارك في هذه الجهود وأن يجزي العاملين فيها
جزاء حسنًا، وأن يثيبهم ويأجرهم على ما فعلوا، ويزيدهم من فضله، فإن الله سبحانه هو
الجواد الكريم، وهو الذي يجازي العاملين بما يستحقون فنسأل الله أن يجزي العاملين في
سبيله جزاء حسنا، وأن يثيبهم على ما قدموا، وأن يجعل لهم مثل ثواب إخوانهم الذين ساعدوهم
في الخير، وسهلوا لهم طريق الخير. ثم أشكر إخواني الدعاة إلى الله عز وجل، وأدعو لهم
بمزيد من التوفيق، فقد بذلوا جهودًا كبيرة وأسأل الله أن يجزيهم عن جهودهم خيرًا، وأن
يضاعف مثوبتهم، ولا شك أن الواجب عليهم عظيم، ونسأل الله أن يتقبل منهم جهودهم، وأن
يعطيهم مثل أجور من هداه الله على أيديهم. قال الله عز وجل في كتابه العزيز: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فالدعوة
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 216)
إلى الله هي: سبيل الأنبياء وأتباعهم على
بصيرة، فنسأل الله أن يوفقنا وإخواننا الدعاة وسائر علماء المسلمين لما يرضيه، وأن
يجعلنا جميعًا من الدعاة إليه على بصيرة، وأن يعيننا على أداء الواجب، إنه خير مسئول.
ولا شك أن الدعاة إلى الله سبحانه في جهاد
عظيم وهم جديرون بأن يبذلوا وسعهم في هذا السبيل، لأن الله جل وعلا قد أتاح لهم في
هذا الموسم أمما كثيرة من سائر أرجاء الدنيا في حاجة إلى الدعوة والتوجيه فيما يتعلق
بالعقيدة، ومناسك الحج، وفيما يتعلق بأحكام الدين، فهم جديرون بأن يوجهوهم ويرشدوهم
إلى ما يجب عليهم وإلى ما يحرم عليهم حتى يفعلوا ما شرع الله، ويدعوا ما حرم الله،
وأسأل الله أن يبارك أعمالهم، وأن ينفع بها عباده المسلمين، وأن يجزيهم عن ذلك جزاء
حسنًا، وأن يجعلهم من الهداة المهتدين، ولا ريب أن الحجاج في أشد الحاجة إلى الدعوة
والتوجيه والإرشاد، فالواجب أن تكون دعوتهم بالأساليب الحسنة التي يرجى منها قبول الحق
وترك الباطل قال الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ فهذه الطريقة التي رسمها الله
لعباده، فيها الخير العظيم، فيها توجيه الناس وإرشادهم بالعلم والحكمة، فإن الحكمة
هي: العلم وذلك بوضع الأمور في مواضعه عن علم وبصيرة، ثم الموعظة الحسنة
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 217)
بالترغيب والترهيب، ثم الجدال بالتي هي
أحسن: لإزالة الشبه وإيضاح الحق. وبذلك يحصل المطلوب ويزول المرهوب بخلاف الشدة والغلظة،
فإنه يترتب عليها شر عظيم، وعواقب وخيمة منها: عدم قبول الحق، ومنها: أنه قد يقع بذلك
منكرات أخرى. قال الله جل وعلا: فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ وقال الله عز وجل لموسى وهارون لما
بعثهما إلى فرعون : فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى فالواجب
على الدعاة أن يسلكوا المسالك التي يرونها ناجحة مفيدة صالحة لإرشاد المدعوين وتوجيههم
إلى الخير، ولا شك أن الحكمة في الدعوة والتبصر فيها من أهم المهمات، والدعوة إلى الله
أحسن ما يبذله المسلم في نفع غيره، قال الله عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وموسم الحج من أحسن مواضعها
وأوقاتها، فالحج فرصة للدعاة إلى الله لينشروا فيه دعوة الحق، ويرشدوا فيه الخلق إلى
ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته، ويحذرهم عما نهى الله عنه من سائر الأخلاق والأعمال،
فهي نعمة من الله عظيمة على من دعا إلى الله عز وجل ونعمة من الله عظيمة على المدعوين.
فنسأل الله أن يجزي الداعين خيرًا، وأن يثيبهم عن دعوتهم، وأن يزيدهم علما إلى علمهم،
وخيرًا إلى
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 218)
خيرهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن ينفع
المدعوين بما سمعوا، وبما شاهدوا وأن يرزقهم البصيرة، والفقه في الدين، كما أسأله سبحانه
أن يجزي ولاة أمرنا عما فعلوا وبذلوا من الخير، في إعانة الدعاة على أداء واجبهم، وفي
إعانة الحجاج على أداء مناسكهم، نسأل الله أن يجزيهم على ذلك الجزاء الحسن، وأن يضاعف
مثوبتهم، وأن يزيدهم من كل خير وأن يعينهم على إزالة كل شر.
وإن واجب العلماء النصيحة لله، ولعباده،
والنصيحة لولاة الأمور بالمكاتبة والمشافهة للأمير، والرئيس، لكل ولي أمر من ملك، أو
رئيس جمهورية، أو أمير ورئيس عشيرة، أو جماعة إلى غير ذلك، فكل من له رئاسة، وكل من
له شيء يستطيع أن يتصرف فيه، هو جدير بأن ينصح ويوجه، حتى يبذل جهوده في من تحت يديه،
هذا واجب العلماء أينما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها وفي هذه الدولة، وفي هذه البقعة
بصورة خاصة، وفي بقاع الدنيا عامة.
والواجب على العلماء أن يرشدوا الناس إلى
توحيد الله وطاعته، ويتعاونوا مع ولاة الأمور بالحكمة، والأسلوب الحسن، والكلام الطيب،
والنصيحة الطيبة وبالمشافهة والمكاتبة، واجتناب الألفاظ والوسائل التي قد تنفر من الحق،
وقد تضر الدعوة. يجب على العلماء أينما كانوا أن يكونوا بصيرين في أمر الدعوة، وأن
يتحروا الأسباب والوسائل التي يرجى من ورائها حصول المطلوب، وأن يحذروا كل سبب، وكل
وسيلة يخشى من ورائها عدم حصول المطلوب، أو حصول ضده، هذا هو الواجب على الجميع.
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 219)
وفي مكة المكرمة كان نبينا عليه الصلاة
والسلام يدعو الناس بالكلام الطيب والأسلوب الحسن حسب الطاقة والإمكان، ويتابع البعد
عن كل ما يضر الدعوة، وهكذا لما هاجر إلى المدينة فعل ذلك حتى شرع الله الجهاد، وأعطاه
قوة، فعند ذلك جاهد الناس، وشرع في قتال الكفار إلى أن يستجيبوا للحق. وعلى الدعاة
إلى الله أن يسلكوا مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن يجتهدوا في إيصال الدعوة
إلى المدعوين بالطرق التي يرجى منها حصول المطلوب. وإذا قوي من له سلطان، قام على تنفيذ
الحق بالقوة بطريقة يحصل بها المطلوب، ولا يحصل منها ضده. وهذا هو الواجب على ولاة
الأمور أن يقيموا الحق بالطريقة التي يمكن بها تنفيذه بدون حصول ما هو شر ومنكر.
والواجب على الدعاة إلى الله أن يبلغوا
ولاة الأمور الحق، بالوسائل الكتابية، والشفهية حتى يحصل التعاون بين الجميع بين السلطان
وبين الأمير وبين كبير القبيلة وبين كبير الأسرة حتى يحصل التعاون بين الجميع بالأسلوب
الحسن والدعوة المباركة، ولا شك أن الدعوة إلى الله عز وجل يدخل فيها الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، كما أن الدعوة تدخل في الأمر والنهي عند الإطلاق. كما قال تعالى
في كتابه العظيم: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وهكذا
قوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ الآية تعم الدعاة وتعم الأمر بالمعروف والنهي عن
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 220)
المنكر، وتعم كل من قام بالإصلاح، والدعوة
إلى الله عز وجل، في درس أو مجلس، أو غير ذلك، وهكذا الأمر بالمعروف، إذا أطلق دخلت
فيه الدعوة، كما في قوله جل وعلا: كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ فالواجب على كل إنسان أن يبذل
وسعه في تنفيذ الحق حسب طاقته، فالسلطان عليه واجبه الأعظم حسب طاقته، والأمير في القرية
أو البلد أو القبيلة عليه تنفيذ الحق حسب طاقته بالفعل والقول جميعًا، وكبير الأسرة
وصاحب البيت عليه تنفيذ الحق بالقول وبالعمل حسب طاقته ومع أولاده وأهله، وهكذا كل
إنسان عليه أن يعمل حسب طاقته، كما قال الله عز وجل فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وكما قال عليه الصلاة والسلام من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه،
فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان .
فمن كان يستطيع بيده مثل السلطان والأمير
فيما حدد له، والهيئة فيما حدد لها، وصاحب البيت فيما يقدر عليه، نفذ الأمر بيده، ومن
كان بصفة أخرى نفذ بالكلام والتوجيه والإرشاد وبالتي هي أحسن حتى يحصل الحق، وحتى يزول
الباطل، وعليه أن يستمر ولا ييأس ويرجو ما عند
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 221)
الله من المثوبة فيصبر، كما قال الله عز
وجل: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي
خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ هذه صفة الرابحين،
والمؤمنين السعداء، إيمان صادق وعمل صالح، وتواصٍ بالحق وتواصٍ بالصبر، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من
كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ويقول
جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ فالواجب نصر الله والعناية بأمره، والاجتهاد في
ذلك ويشرع للمؤمن أن يجتهد في أن يكون في حاجة أخيه الدينية والدنيوية وأن يعينه على
الخير حسب طاقته وبهذا تجتمع القلوب، ويحصل التعاون والتآلف والمحبة في الله، وكثرة
الخير وقلة الشر.
فنسأل الله أن يوفق المسلمين لما يرضيه
وأن يوفقنا جميعًا لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد أينما كانوا. كما أسأله سبحانه أن
يوفق جميع المسئولين لما يرضيه في كل مكان وأن يصلح بطانتهم وأن يصلح
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 222)
العلماء ويعينهم على أداء الواجب، كما أسأله
سبحانه أن يوفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعته، والتحاكم إليها، والفقه
فيها، كما أسأله أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأن
ينصر بهم الحق، وأن يوفقهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد وأن يمنحهم الفقه في الدين
وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفق علماءنا وجميع المسلمين للتعاون على البر والتقوى
إنه خير مسئول وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
20. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > الدعوة إلى الله سبحانه
وإرشاد العباد إلى ما خُلقُوا له من أفضل القربات وأهم الواجبات
فصل
في وجوب الأمر بالمعروف على الحجاج وغيرهم
ومن أعظم ما يجب على الحجاج وغيرهم الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على الصلوات الخمس في الجماعة، كما أمر الله
بذلك في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يفعله الكثير من الناس من سكان
مكة وغيرها من الصلاة في البيوت وتعطيل المساجد فهو خطأ مخالف للشرع،
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 90)
فيجب النهي عنه، وأمر الناس بالمحافظة على
الصلاة في المساجد؛ لما قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن أم مكتوم رضي الله
عنه لما استأذنه أن يصلي في بيته؛ لكونه أعمى بعيد الدار عن المسجد: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب ، وفي رواية:
لا أجد لك رخصة ، وقال صلى الله عليه
وسلم: لقد هَمَمْتُ أن آمر بالصلاة فَتُقَام
ثم آمر رجلاً فَيَؤمّ الناس ثم أنطلق إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأُحَرِّق عليهم بيوتهم
بالنار ، وفي سنن ابن ماجه وغيره بإسناد حسن
، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر ، وفي صحيح مسلم ، عن ابن مسعود
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 91)
رضي الله عنه قال: " من سره أن يلقى
الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بِهنَّ، فإن الله شرع لنبيكم
سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يُصلي هذا المُتَخَلّف
في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور
ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كَتَبَ الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه الله
بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد
كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يُقَام في الصف " .
ويجب على الحجاج وغيرهم اجتناب محارم الله
تعالى ، والحذر من ارتكابها؛ كالزنا، واللواط، والسرقة. وأكل الربا، وأكل مال اليتيم،
والغش في المعاملات، والخيانة في الأمانات، وشرب المسكرات، والدخان، وإسبال الثياب،
والكِبر، والحسد، والرياء، والغيبة، والنميمة، والسخرية بالمسلمين، واستعمال آلات الملاهي؛
كالأسطوانات، والعود، والرباب، والمزامير، وأشباهها، واستماع الأغاني، وآلات
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 92)
الطرب من الراديو وغيره، واللعب بالنرد،
والشطرنج، والمعاملة بالمَيْسر وهو: القمار - وتصوير ذوات الأرواح من الآدميين وغيرهم،
والرضا بذلك، فإن هذه كلها من المنكرات التي حرمها الله على عباده في كل زمان ومكان،
فيجب أن يحذرها الحجاج وسكان بيت الله الحرام أكثر من غيرهم؛ لأن المعاصي في هذا البلد
الأمين إثمها أشد وعقوبتها أعظم، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ
مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، فإذا كان الله قد توعد
من أراد أن يلحد في الحرم بظلم فكيف تكون عقوبة من فعل؟! لا شك أنها أعظم وأشد، فيجب
الحذر من ذلك ومن سائر المعاصي.
ولا يحصل للحجاج بِرُّ الحج وغفران الذنوب
إلا بالحذر من هذه المعاصي وغيرها مما حرم الله عليهم، كما في الحديث عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: من حجَّ فلم يَرفُث
ولم يَفْسُق رجع كيوم ولدته أُمه .
وأشد من هذه المنكرات وأعظم منها: دعاء
الأموات، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم ؛ رجاء أن يشفعوا
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 93)
لداعيهم عند الله، أو يشفوا مريضه أو يردوا
غائبه ونحو ذلك.
وهذا من الشرك الأكبر الذي حرمه الله، وهو
دين مشركي الجاهلية، وقد بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإنكاره والنهي عنه.
فيجب على كل فرد من الحجاج وغيرهم أن يحذره،
وأن يتوب إلى الله مما سلف من ذلك إن كان قد سلف منه شيء، وأن يستأنف حجة جديدة بعد
التوبة منه؛ لأن الشرك الأكبر يحبط الأعمال كلها، كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ .
ومن أنواع الشرك الأصغر : الحلف بغير الله؛
كالحلف بالنبي والكعبة والأمانة ونحو ذلك.
ومن ذلك: الرياء والسمعة، وقول: ما شاء
الله وشئت، ولولا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، وأشباه ذلك.
فيجب الحذر من هذه المنكرات الشركية، والتواصي
بتركها؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك أخرجه أحمد، وأبو داود،
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 94)
والترمذي بإسناد صحيح ، وفي الصحيح عن عمر
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا: من حلف بالأمانة فليس منا أخرجه أبو داود ، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال:
الرياء ، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما
شاء الله ثم شاء فلان ، وأخرج النسائي ، عن
ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً قال: يا
رسول الله، ما شاء
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 95)
الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندًا، بل
ما شاء الله وحده .
وهذه الأحاديث تدل على حماية النبي صلى
الله عليه وسلم جناب التوحيد، وتحذيره أمته من الشرك الأكبر والأصغر، وحرصه على سلامة
إيمانهم ونجاتهم من عذاب الله وأسباب غضبه، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء، فقد أبلغ
وأنذر، ونصح لله ولعباده، صلى الله عليه وسلم صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم الدين.
والواجب على أهل العلم من الحجاج والمقيمين
في بلد الله الأمين ومدينة رسوله الكريم عليه الصلاة والتسليم أن يُعَلّموا الناس ما
شرع الله لهم، ويحذروهم مما حرّم الله عليهم من أنواع الشرك والمعاصي، وأن يبسطوا ذلك
بأدلته، ويبينوه بيانًا شافيًا؛ ليُخرجوا الناس بذلك من الظلمات إلى النور، وليؤدوا
بذلك ما أوجب الله عليهم من البلاغ والبيان، قال الله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ .
والمقصود من ذلك: تحذير علماء هذه الأمة
من سلوك
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 96)
مسلك الظالمين من أهل الكتاب في كتمان الحق؛
إيثارا للعاجلة على الآجلة، وقد قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159) إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا
فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على
أن الدعوة إلى الله سبحانه وإرشاد العباد إلى ما خُلقُوا له من أفضل القربات وأهم الواجبات
، وأنها هي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، كما قال الله سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وقال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله أخرجه مسلم في صحيحه ، وقال لعلي رضي الله عنه: لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمُر
النَّعم ، متفق على
( الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 97)
صحته . والآيات والأحاديث في هذا المعنى
كثيرة.
فحقيق بأهل العلم والإيمان أن يضاعفوا جهودهم
في الدعوة إلى الله سبحانه، وإرشاد العباد إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك،
ولا سيما في هذا العصر الذي غلبت فيه الأهواء، وانتشرت فيه المبادئ الهدامة والشعارات
المضللة، وقَلَّ فيه دعاة الهدى وكثر فيه دعاة الإلحاد والإباحية. فالله المستعان،
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
21.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س 4: كيف يمكن أن يحقق
طالب العلم الشرعي دوره في المجتمع من إصلاح وتوجيه في المشاكل، على كافة مستويات المجتمع؟
س 4: كيف يمكن أن يحقق طالب العلم الشرعي
دوره في المجتمع من إصلاح وتوجيه في المشاكل، على كافة مستويات المجتمع؟
ج: عليه أن يتعاطى المستطاع، يقول الله
تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ويقول سبحانه:
لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم فطالب العلم لا يقف عند حد كما تقدم بل يكون من
المصلحين في بيته ومع جيرانه وغيرهم، ومن الناصحين لله ولعباده أينما كان، ويكون من
المرشدين في مسجده وفي بيته وفي سفره بالطائرة وفي المطار والسيارة وفي كل مكان، ويكون
من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أينما كان بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق
حسب طاقته، لكن يجب
( الجزء رقم : 24، الصفحة رقم: 26)
عليه التثبت وأن يكون على علم وبصيرة فيما
يدعو إليه وفيما ينهى عنه ويحذر القول على الله بغير علم؛ لأن ذلك من أعظم الكبائر
وقد جعل الله سبحانه القول عليه بغير علم في مرتبة فوق الشرك في قوله سبحانه في سورة
الأعراف: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ
تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وأخبر سبحانه
أن الشيطان يأمر الناس بالقول على الله بغير علم كما قال سبحانه في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ
حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وقال عز وجل في
سورة فاطر: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ
فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعًا لكل ما يرضيه
وأن يعيذهم من القول بغير علم ومن نزغات الشيطان إنه سميع قريب.
22. رئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > لا سبيل إلى معرفة العبادة
إلا بالدعوة إلى الله تعالى
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 5)
كتاب الدعوة إلى الله تعالى
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 6)
صفحة فارغة
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 7)
1 - لا سبيل إلى معرفة
العبادة
إلا بالدعوة إلى الله تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليعبدوه،
وأرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بذلك، ولا سبيل إلى معرفة هذه العبادة إلا
بالدعوة إلى الله والتعليم والتوجيه والإرشاد، حتى يفهم المكلف هذه العبادة، التي خُلق
لها، يقول الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ
أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ، ويقول سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
، ويقول عز وجل: وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 8)
فهو سبحانه خلق الخلق ليعبدوه، من جن وإنس
وهذه العبادة هي دين الإسلام، هي توحيد الله، هي طاعته واتباع أوامره وترك نواهيه،
والوقوف عند حدوده، هذه العبادة التي خُلِق الناس لها: جنهم وإنسهم، عربًا وعجمًا،
خُلِقُوا ليعبدوا الله بتوحيده، والإخلاص له وتوجيه القلوب إليه، خوفًا ورجاء ومحبة
وتعظيمًا وإخلاصًا، مع أداء ما أوجب وترك ما حرم، مع العناية بكل ما شرع الله، والحذر
من كل ما نهى الله عنه، مع الوقوف عند حدود الله، هذه هي العبادة وهذا هو دين الإسلام،
وهذا هو الإيمان وهذا هو الهدى، الذي قال الله فيه جل وعلا: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ، وهو البر، كما قال تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وقال: إِنَّ
الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وقال سبحانه: كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وهو التقوى، كما قال جل وعلا: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ
اتَّقُوا اللَّهَ ، وقال
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 9)
تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ، وقال
تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ، فالعبادة التي خُلِقْنَا لها هي توحيد الله، هي
تقوى الله، هي الإيمان بالله ورسله، هي البر والهدى، هي طاعة الله ورسوله، هي الاستقامة
على دين الله قولاً وعملاً وعقيدة، هذه العبادة، سمّاها الله إيمانًا وسماها إسلامًا: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ، وسماها إيمانًا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَـزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلَ
مِنْ قَبْلُ ، وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ
اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ ،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 10)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة وفي اللفظ الآخر: بضع وستون شعبة أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها
إماطة الأذى عن الطريق فسمى دينه إيمانًا وسماه
إسلامًا، وسماه تقوى، وسماه هدى: وَلَقَدْ
جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ، وسماها
برًّا، إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، وقال:
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وقال
سبحانه: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ الآية، ثم قال في آخرها: أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ ، هذا دين الله، فالواجب على
الدعاة إلى الله جميعًا، أن يوضحوا للناس هذه العقيدة، وأن يشرحوا لهم العبادة التي
خُلِقوا لها، وأنها توحيد الله وطاعته واتباع
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 11)
شريعته، وطاعة أوامره وترك نواهيه، والوقوف
عند حدوده، هذه العبادة التي خُلِقُوا لها، فيجب أن يعلموها، وأن توضح لهم، والناس
في أشد الحاجة، في أشد الضرورة، أن يعرفوا هذه العبادة التي خلقوا لها، وفضل الدعوة
عظيم، هي طريق الرسل عليهم الصلاة والسلام، ومنهج الرسل، فيكفي شرفًا للداعي أن يكون
نهج مَنْهج الرسل، وسار في طريقهم، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
وسيدهم وإمامهم وأفضلهم وخاتمهم، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الدعاة،
وخير الدعاة، عليه الصلاة والسلام، بعثه الله إلى الناس كافة إلى الجن والإنس، يدعوهم
إلى الله يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته، يدعوهم إلى أداء فرائض الله، وترك محارم الله،
يدعوهم إلى الإيمان بالله ورسوله، يدعوهم إلى الوقوف عند حدود الله، هذه دعوة الرسل
عليهم الصلاة والسلام، أن يلتزم المؤمن في توحيد الله وطاعته، وأن يحذر الشرك به ومعصيته:
سواء كان ذكرًا، أو أنثى، جنيًّا أو إنسيًّا عربيًّا أو عجميًّا، الواجب عليه أن يتقي
الله بالإخلاص له، واتباع شريعته، وتعظيم أمره ونهيه، وترك ما نهى عنه من الشرك وما
دونه، قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ أُوحِيَ
إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 12)
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
، وقال جل وعلا: وَلَوْ أَشْرَكُوا
لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
، وقال سبحانه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ
لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ ، وقال سبحانه: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ
وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ .
فالواجب على جميع الدعاة، أن يوضِّحوا للناس
هذا الأمر، وأن يعتنوا به غاية العناية؛ لأن العباد في أشدّ الضرورة إلى ذلك، سواء
كانوا عربًا أو عجمًا، ذكورًا أو إناثًا جنًّا أو إنسًا، كُلّهم في أشد الحاجة، بل
أشد الضرورة إلى أن يعرفوا العبادة، التي خُلِقُوا لها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ، وقال سبحانه:
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 13)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ، ويقول جل وعلا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، فيجب أن توضح هذه العبادة، ما معنى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، ما معنى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، ما معنى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ الإمام يعلم جماعته في المسجد،
المدرس يعلّم الطلبة، والرجل يعلم أهل بيته، الداعي إلى الله في كل مكان يعلم الناس
بالمذياع من طريق الشريط، أو من طريق التلفاز من جميع الطرق ممكن، يعلم إخوانه المسلمين
ذكورهم وإناثهم، جنهم وإنسهم يعلمهم هذه العبادة، يوضح لهم حقيقتها ويدعوهم إلى الالتزام
بها، والإخلاص لله في كل أعمالهم، والحذر من الشرك دقيقه وجليله، صغيره وكبيره ويحثهم
على ترك ما نهى الله عنه من سائر المعاصي كالزنا،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 14)
والسرقة والظلم والعقوق للوالدين، أو أحدهما
وقطيعة الرحم والربا، وقذف المحصنات الغافلات وأكل مال اليتامى والغيبة والنميمة، إلى
غير ذلك مما نهى الله عنه، هذا هو واجب المسلمين هذا هو واجب العلماء، وهم خلفاء الرسل،
فالواجب عليهم أن يتأسّوا بالرسل في الدعوة إلى الله، وأن يصبروا على ذلك، كما قال
جل وعلا: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ ، وقال جل وعلا في سورة لقمان يعظ ابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ، وقال سبحانه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ ، وقال سبحانه يخاطب نبيه عليه الصلاة
والسلام: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ
مِنَ الرُّسُلِ فعلى العلماء أينما كانوا في
كل مكان أن يصبروا على الدعوة إلى الله، لشدة حاجة الناس إلى ذلك، العلماء هم خلفاء
الرسل، هم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 15)
الدعاة إلى الله، هم الهداة إلى الدين،
ذكورًا وإناثًا، عربًا أو عجمًا جنًّا أو إنسًا، يجب أن يعلّموا الناس يجب أن يصبروا
وأن يوضحوا للناس حقيقة العبادة بالأدلة الشرعية؛ لأن الكثير من الناس لا يفهمها ولا
يعرف حقيقة الدين، ولهذا تعلقّوا بالقبور فعبدوا الموتى واستغاثوا بهم، ونذروا لهم
يظنون أن هذا هو الدين، وأن هذا شرع الله، وأنه يحبه سبحانه؛ لجهلهم وضلالهم، وعدم
بصيرتهم. فالواجب على أهل العلم أن ينبهوهم ويوضِّحوا لهم، وأن التعلق بالأموات أو
الاستغاثة بالأموات، أو النذر للأموات أو للأصنام أو للجن ونحو ذلك، هذا هو الشرك الأكبر،
هذا هو دين المشركين، هذا هو دين عبّاد الأوثان، التعلق على الأموات، والاستغاثة بهم
أو النذر لهم، أو الذبح لهم أو خوفهم ورجاؤهم أو نحو ذلك، هذا هو دين المشركين، قال
الله عنهم سبحانه أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ
إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى
، وقال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا
عِنْدَ اللَّهِ فيستغيثون
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 16)
بهم، وينذرون لهم، ويذبحون لهم ويخافونهم،
ويرجونهم؛ لأنهم بزعمهم يشفعون لهم عند الله، ويقرّبون من الله، ما قالوا إنهم يخلقون
ويرزقون، يعلمون أن الله هو الخلاّق الرزاق، قريش وغيرها من المشركين يعرفون أن الله
هو الخلاّق الرزاق، المحيي المميت المدبّر، لكنهم عبدوا ما عبدوا وغيرهم من الأنبياء
والصالحين، والجن وغير ذلك عبدوهم ليقربوهم من الله، وليشفعوا لهم، كما قال سبحانه: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ
وَلاَ يَنْفَعُهُمْ ، قال جل وعلا: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى يعني يقولون:
مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ
يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ
هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ سماهم كفرة كذبة، كذبة
في قولهم إنهم يقربونهم من الله زلفى، وسماهم كفرة بشركهم بالله، وبعبادتهم للأصنام
والأوثان، وتعلقهم عليهم، والله سبحانه يقول:
وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 17)
وقال:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ويقول سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، فالعبادة حق الله وحده، ليس لأحد فيها نصيب لا
الرسل ولا غيرهم، والدعوة إلى الله هي دين الرسل هي منهج الرسل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
، ويقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ، وقد بعثهم الله عليهم الصلاة والسلام للناس من
أولهم نوح إلى آخرهم محمد، يدعون الناس إلى توحيد الله وإلى طاعة الله، وقبل ذلك أبونا
آدم أرسله الله إلى ذريته، يدعوهم ويعلمهم ويرشدهم عليه الصلاة والسلام، قال ابن عباس
: كان الناس على الإسلام عشرة قرون، قبل مبعث نوح عليه السلام، ما وقع الشرك إلا في
قوم نوح، فما وقع الشرك في قوم نوح، بسبب الغلو في ود وسواع، ويغوث، ويعوق ونسر،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 18)
وأشباههم وعبدوهم وتعلّقوا عليهم، أرسل
الله نوحًا عليه الصلاة والسلام، يدعوهم إلى توحيد الله وطاعة الله، وترك الشرك بالله
في ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وغيرهم فاستمروا في طغيانهم وكفرهم وظلالهم، وهو
يدعوهم إلى الله ألف سنة إلا خمسين عامًا، ومع ذلك لم يؤمن به إلا قليل، وأصروا واستكبروا
واستمروا في كفرهم، وضلالهم حتى أمر الله نوحًا فصنع السفينة وركب معه من أراد الله
نجاته، ثم قال جل وعلا: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ
الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا
آيَةً لِلْعَالَمِينَ لم ينج إلا أصحاب السفينة،
والبقية هلكوا بشركهم وكفرهم، بسبب الغرق: الماء من تحتهم ومن فوقهم، ثم بعث الله بعده
هودًا، ثم صالحًا وشعيبًا ولوطًا وإبراهيم وهكذا تتابع الأنبياء كلهم، يدعون الناس
إلى توحيد الله وإلى طاعة الله، ويحذرون الناس من الشرك بالله، فأصاب قومهم ما أصابهم،
من أنواع العقوبات، فأصاب الله عادًا بالريح العقيم، وثمود بالصيحة والرجفة وقوم لوط
بالخسف والعياذ بالله، وقوم شعيب بالرجفة
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 19)
والصيحة وغير ذلك، مما أصاب أعداء الله،
فالواجب على الدعاة إلى الله أن يعظموا هذا الأمر وأن يحققوا الدعوة إلى الله بكل ما
يستطيعون، وأن يتأسوا بالرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك، قال الله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فالواجب اتباع الرسل في هذا الأمر العظيم، وفي
غيره والصبر على ذلك، والحذر من العنف والشدة، التي قد تنفر الناس، فالداعي إلى الله
يتحرى الأسلوب الحسن، والعبارات الواضحة، ويَحْذر من العنف والشدة؛ لأن ذلك ينفّر ويغلق
الباب على المدعو، فالواجب الرفق، وتحرِّي الأسلوب الحسن، حتى ينشرح صدر المدعو ويقبل
الحق إلا من ظلم، من ظلم له جزاء آخر، قال الله سبحانه وتعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
فمن ظلم وقابل
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 20)
الداعي بالظلم، فحينئذٍ له جواب آخر، لكن
الداعي يتحرى الأسلوب الحسن، يتحرى الرفق ويحذر التعرض لأعراض العلماء وثلب العلماء،
والتنفير منهم؛ لأن هذا يفرق ولا يجمع، يسبب الشحناء، فالواجب على الداعي إلى الله،
أن يرغب الناس في العلم، في حضور دعوة علماء السنة، ويدعوهم إلى القبول منهم، ويحذر
التنفير من أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة، والدعوة إلى الله عز وجل، وكل واحد
له أخطاء، ما أحد يسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ، وهكذا قول العلماء، قال مالك رحمه الله، ما منا
إلا راد ومردود عليه، إلا صاحب هذا القبر، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل عالم
له أخطاء، فالواجب أن ينبه على أخطائه بالأسلوب الحسن، ولكن ما ينفر منه وهو من أهل
السنة، بل يوجهُ إلى الخير، ويُعلَّم الخير، ويُنْصح بالرفق في دعوته إلى الله، عز
وجل وينبه على خطئه، ويُدْعى الناس إلى أن
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 21)
يطلبوا منه العلم، ويتفقهوا عليه ما دام
من أهل السنة والجماعة، فالخطأ لا يوجب التنفير منه، ولكن يُنَبَّهُ على الخطأ الذي
وقع منه فكُلُّ إنسان له أخطاء، ولكن الاعتبار بما غلب عليه، وبما عرف عنه من العقيدة
الطيبة، فالواجب على الدعاة إلى الله أن يتبصروا، وأن يرفِقُوا وأن لا يعجلوا من أمورهم،
وأن يتحروا الحق وأن يحذروا التنفير من أهل العلم، وأن يحذروا أسباب الشحناء والعداوة،
بل عليهم أن يحرصوا على كل أسباب الاجتماع بين أهل العلم وأهل السنة والجماعة في دعوتهم
إلى الله وترغيبهم للناس في الخير، حتى يكثروا الدعاة إلى الله وحتى ينتشروا، وحتى
يرغب الناس في الدعوة والأخذ عنهم، فإذا سمعوا هذا ينفر من هذا وهذا ينفر من هذا، ضاعت
الدعوة، وساءت الظنون.
فالواجب على علماء السنة التعاون على البر
والتقوى، والتواصي بالحق والرفق فيما بينهم، والحرص على إزالة أسباب الفرقة والاختلاف،
والتفاهم في الأخطاء والغلط، كل واحد يخطئ لا بد من التفاهم بين الجميع بالمكاتبة أو
بالاجتماع أو بالهاتف، حتى تزول الفرقة حتى تزول الوحشة، وحتى يجتمع الجميع على الحق
والدعوة إليه، في مساجدهم وفي بيوتهم، وفي مجتمعاتهم، فالواجب التعاون على البر والتقوى،
والتناسي عما قد
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 22)
يقع من زلة وهفوة، من ذا الذي يسلم، المهم
أن تكون الدعوة سلفيّة، على طريق الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأتباعهم بإحسان،
معتمدًا على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام لا على الأهواء ولكن على كتاب
الله وسنة رسوله ولا على التقليد لفلان وفلان، يقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا
ويقول سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ
فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ
وَإِلَيْهِ أُنِيبُ هذا هو الواجب على الجميع،
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم
فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر فالداعي إلى الله والعالم الموجه إلى الخير، إذا
أخطأ له أجر الاجتهاد، وإذا أصاب له أجران، ما دام على الطريقة
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 23)
السلفية، طريقة أهل السنة، ما دام موحِّدًا
قاصدًا للخير، فقد يغلط فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، المهم أن تكون أصوله
مستقيمة، وأن يكون على الطريق السوي على طريق سلف الأمة، تابعًا لأصحاب الرسول صلى
الله عليه وسلم، ولأئمة الإسلام، يريد تفهيم الناس الخير، يريد توجههم إلى طاعة الله
ورسوله، يريد كفهم عن محارم الله، يريد كفهم عن البدع التي انتشرت بين الناس، وليس
بشرط أن يكون معصومًا، العصمة للرسل فيما يبلغون عن الله، لكن يجتهد ويحرص على طلب
الحق بالأدلة الشرعية، ومن صدق في ذلك وأخلص لله، وفقه الله وأعانه، فمن علم الله من
قلبه الصدق والإخلاص، وأنه يريد الحق فالله سبحانه يعينه ويسدده، فالواجب على كل داعية
وعلى كل عالم أن يخلص لله وأن يكون هدفه الحق، قصده الحق، قصده توجيه الناس إلى الخير،
ليس له قصد آخر من رياء أو سمعة أو طلب حمد الناس، أو غير هذا، إنما يقصد بدعوته إلى
الله، وتعليم الناس، يقصد وجه الله، يقصد إخراجهم من الظلمات إلى النور، يريد إخراجهم
من أسباب الهلاك، إلى أسباب السعادة، يريد إبلاغ رسالة الله ودعوة الله، فمن صدق مع
الله وأخلص لله وفقه الله، وأعانه وبارك في جهوده وهدى به الأمة، وجعل له لسان صدق
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 24)
في العالمين بسبب صدقه وإخلاصه، فأوصيكم
أيها الأخوة مرة أخرى، أوصيكم بتقوى الله، وأوصيكم بالتعاون على البر والتقوى، وأوصيكم
بطيب الكلام، والحرص على طيب الكلام، على الأسلوب الحسن، وعلى الرفق في الدعوة وحسن
الظن بإخوانكم أهل السنة وعدم نشر ما يشوه سمعتهم، من أغلاط بل عالجوها بالطرق القيمة
بالمحادثة بينكم بالاتصال الهاتفي، بالزيارة بالمكاتبة الطيبة حتى تزول الوحشة وحتى
يتضح الحق وحتى يزول الخطأ والهدف هو طاعة الله ورسوله، الهدف هو الدعوة إلى سبيل الله،
الهدف هو هداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما قال الله عز وجل: كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، وقال تعالى:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وقوله سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، والله المسئول بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن
يجعلنا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 25)
وإياكم من دعاة الهدى، ومن أنصار الحق،
وأن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه، والثبات عليه وأن يعيذنا جميعًا وسائر إخواننا من
شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأن ينصر دينه ويعلي كلمته وأن يصلح أحوال المسلمين
جميعًا، وأن يفقههم في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، ونوصيكم أيضًا
بنصيحة ولاة الأمور في كل مكان بتقوى الله وطاعة الله وتحكيم شريعة الله، وأوصي نفسي
وجميع العلماء والدعاة، أوصيكم بأن يوصوا أمراء المسلمين، وحكام المسلمين بالنصائح
الشفهية، والنصائح الكتابية بتحكيم شريعة الله، والتحاكم إليها والحذر من كل قانون
يخالفها.
فالواجب على جميع ولاة أمر المسلمين أن
يحكموا شرع الله، وأن يقيموا دين الله في بلادهم، وبين شعوبهم كما قال الله عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ ، وقال جل وعلا: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
، وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ، وقال
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 26)
سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْفَاسِقُونَ فمن استحلّ الحكم بغير
ما أنزل الله، ورآه جائزًا أو حسنًا، أو أحسن من حكم الله فهو كافر عند جميع المسلمين
مرتد عن الإسلام، أما من حكم بغير ما أنزل الله لشهوة أو رشوة أو أسباب أخرى، وهو يعلم
أنه مخطئ أنه غلطان فهذا كفر دون كفر، ومعصية كبيرة، كما قال ابن عباس وغيره في جمع
من التابعين وغيرهم، كما هو قول جمهور أهل العلم، المقصود أن هذا فيه التفصيل. فالواجب
على جميع أمراء المسلمين، وعلى علماء المسلمين التعاون في هذا الأمر، الواجب تحكيم
شريعة الله، والتحاكم إليها والحذر من كل ما يخالفها وأن يوصى الناس بذلك، وأن يلزموا
بذلك، هذا هو الواجب على جميع أمراء المسلمين، والواجب على جميع علماء المسلمين أن
ينصحوهم، وأن يوجهوهم إلى الخير، وأن يقوم الأمراء بتحكيم شريعة الله، ومنع ما يخالف
شريعة الله في جميع الأحوال في الدعاوى والخصومات المالية، وفي النكاح والطلاق، وفي
جميع
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 27)
شئون المسلمين، في البيع والشراء وفي كل
شيء، يجب تحكيم شرع الله في كل شيء، في العبادات والمعاملات والمنازعات، والخصومات
وفي النكاح والطلاق، وفي كل شيء يجب أن ينفذ حكم الله في كل شيء؛ لأن الله يقول: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ ، ويقول سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
. هذا هو الواجب على جميع المسلمين، وعلى حكامهم وأمرائهم وعلى علمائهم عليهم
التعاون في هذا والتواصي بهذا أين ما كانوا.
نسأل الله أن يوفق علماء المسلمين، وأمراء
المسلمين في كل مكان، ونسأل الله أن يوفقهم لما يرضيه، وأن يمنحهم الهداية والفقه في
الدين وأن يعينهم على تحكيم شريعة الله في كل شيء وأن يصلح لهم البطانة، وأن يوفق جميع
المسلمين لقبول الحق، وإيثاره والرضا به على ما سواه إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله
وسلم وبارك على عبده ورسوله، محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
23. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > بيان حكم الدعوة إلى
الله عز وجل وبيان فضلها
3 - الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين،
ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين
والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخليله وأمينه على
وحيه، أرسله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقته في الدعوة إلى
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 59)
سبيله، وصبروا على ذلك وجاهدوا فيه حتى
أظهر الله بهم دينه، وأعلى كلمته ولو كره المشركون، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الجن والإنس
ليعبد وحده لا شريك له وليعظم أمره ونهيه وليعرف بأسمائه وصفاته، كما قال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، وقال عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ
الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَـزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فبين سبحانه أنه خلق الخلق ليعبد، ويعظم، ويطاع
أمره ونهيه؛ لأن العبادة هي توحيده وطاعته مع تعظيم أوامره ونواهيه، وبين عز وجل أيضًا
أنه خلق السماوات والأرض، وما بينهما ليعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه أحاط بكل شيء
علمًا.
فعلم بذلك أن من الحكمة في إيجاد الخليقة
أن يعرف الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأنه على كل شيء قدير، وأنه العالم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 60)
بكل شيء جل وعلا، كما أن من الحكمة في خلقهم
وإيجادهم أن يعبدوه ويعظموه ويقدسوه ويخضعوا لعظمته، إذ العبادة هي الخضوع لله جل وعلا
والتذلل له، وسميت الوظائف التي أمر الله بها المكلفين من أوامر وترك نواهٍ عبادة؛
لأنها تؤدي بالخضوع والتذلل لله عز وجل.
ثم لما كانت العبادة لا يمكن أن تستقل بتفاصيلها
العقول، كما أنه لا يمكن أن تعرف بها الأحكام من الأوامر والنواهي على التفصيل، أرسل
الله سبحانه وتعالى الرسل، وأنزل الكتب لبيان أمر الأمر الذي خلق الله من أجله الخلق،
ولإيضاحه وتفصيله للناس حتى يعبدوا الله على بصيرة، وحتى ينتهوا عما نهاهم عنه على
بصيرة، فالرسل عليهم الصلاة والسلام هم هداة الخلق، وهم أئمة الهدى ودعاة الثقلين جميعًا
إلى طاعة الله وعبادته، فالله سبحانه أكرم العباد بهم ورحمهم بإرسالهم إليهم، وأوضح
على أيديهم الطريق السوي والصراط المستقيم حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، وحتى
لا يقولوا: ما ندري ما أراده الله منا، ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقطع الله المعذرة،
وأقام الحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب، كما قال جل وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 61)
وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا
نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ، وقال عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْـزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الآية، وقال سبحانه: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ
النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْـزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ الآية، فبين سبحانه أنه أرسل الرسل وأنزل معهم الكتاب
ليحكم بين الناس بالحق والقسط، وليوضح للناس ما اختلفوا فيه من الشرائع والعقائد من
توحيد الله وشريعته عز وجل، فإن قوله سبحانه وتعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني على الحق لم يختلفوا من عهد آدم عليه الصلاة
والسلام إلى نوح.. كان الناس على الهدى، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من
السلف والخلف، ثم وقع الشرك في قوم نوح، فاختلفوا فيما بينهم، واختلفوا فيما يجب عليهم
من حق الله، فلما وقع الشرك والاختلاف أرسل الله نوحًا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 62)
عليه الصلاة والسلام، وبعده الرسل كما قال
عز وجل: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا
أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ، وقال تعالى:
وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
فالله أنزل الكتاب ليبين حكم الله فيما اختلف فيه الناس، وليبين شرعه فيما جهله
الناس، وليأمر الناس بالتزام شرع الله والوقوف عند حدوده، وينهي الناس عما يضرهم في
العاجل والآجل، وقد ختم الرسل جل وعلا بأفضلهم وإمامهم وبسيدهم نبينا وإمامنا وسيدنا
محمد بن عبد الله عليه وعليهم من ربهم أفضل الصلاة والتسليم، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة
ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، ودعا إلى الله سرًّا وجهرًا، وأوذي في الله أشد
الأذى، ولكنه صبر على ذلك، كما صبر من قبله الرسل عليهم الصلاة والسلام، صبر كما صبروا،
وبلغ كما بلغوا، ولكنه أوذي أكثر وصبر أكثر، وقام بأعباء الرسالة أكمل قيام عليه وعليهم
الصلاة والسلام، مكث ثلاثًا وعشرين سنة يبلغ رسالات الله ويدعو إليه، وينشر أحكامه،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 63)
منها ثلاث عشرة سنة في أم القرى مكة المكرمة
أولاً بالسر، ثم بالجهر صدع بالحق، وأوذي وصبر على الدعوة وعلى أذى الناس، مع أنهم
يعرفون صدقه وأمانته ويعرفون فضله ونسبه ومكانته، ولكنه الهوى والحسد والعناد من الأكابر،
والجهل والتقليد من العامة، فالأكابر جحدوا واستكبروا وحسدوا، والعامة قلدوا واتبعوا
وأساءوا، فأوذي بسبب ذلك أشد الأذى عليه الصلاة والسلام.
ويدلنا على أن الأكابر قد عرفوا الحق وعاندوا
قوله سبحانه: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ
الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ
اللَّهِ يَجْحَدُونَ فبين سبحانه أنهم لا يكذبون
رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يعلمون صدقه وأمانته في الباطن، وكانوا يسمونه الأمين
قبل أن يوحى إليه عليه الصلاة والسلام ولكنهم جحدوا الحق حسدًا وبغيًا عليه الصلاة
والسلام لكنه عليه الصلاة والسلام لم يبال بذلك ولم يكترث به، بل صبر واحتسب وسار في
الطريق، ولم يزل داعيًا إلى الله جل وعلا، صابرًا على الأذى، مجاهدًا بالدعوة، كافًّا
عن الأذى، متحملاً له، صافحًا عما يصدر منهم حسب الإمكان، حتى اشتد الأمر، وعزموا على
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 64)
قتله عليه الصلاة والسلام، فعند ذلك أذن
الله له بالخروج إلى المدينة ، فهاجر إليها عليه الصلاة والسلام، وصارت عاصمة الإسلام
الأولى، وظهر فيها دين الله، وصار للمسلمين بها دولة وقوة، واستمر عليه الصلاة والسلام
في الدعوة وإيضاح الحق، وشرع في الجهاد بالسيف، وأرسل الرسل يدعون الناس إلى الخير
والهدى، ويشرحون لهم دعوة نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام وبعث السرايا، وغزا الغزوات
المعروفة حتى أظهر الله دينه على يديه وحتى أكمل به الدين، وأتم عليه وعلى أمته النعمة،
ثم توفي عليه الصلاة والسلام بعد ما أكمل الله به الدين، وبلغ البلاغ المبين عليه الصلاة
والسلام فتحمل أصحابه من بعده الأمانة، وساروا على الطريق، فدعوا إلى الله عز وجل،
وانتشروا في أرجاء المعمورة دعاة للحق ومجاهدين في سبيل الله عز وجل لا يخشون في الله
لومة لائم يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ
وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ جل وعلا، فانتشروا في الأرض غزاة مجاهدين ودعاة
مهتدين وصالحين مصلحين، ينشرون دين الله، ويعلمون الناس شريعته ويوضحون لهم العقيدة
التي بعث الله بها الرسل، وهي إخلاص العبادة لله وحده، وترك عبادة ما سواه من الأشجار
والأحجار والأصنام وغير ذلك، فلا يدعى إلا الله
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 65)
وحده، ولا يستغاث إلا به ولا يحكم إلا شرعه
ولا يصلى إلا له، ولا ينذر إلا له، إلى غير ذلك من العبادات، وأوضحوا للناس أن العبادة
حق الله، وتلوا عليهم ما ورد في ذلك من الآيات، مثل قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ، وَقَضَى
رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، فَلا
تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ .
وصبروا على ذلك صبرًا عظيمًا، وجاهدوا في
الله جهادًا كبيرًا رضي الله عنهم وأرضاهم، وتبعهم على ذلك أئمة الهدى من التابعين
وأتباع التابعين من العرب وغير العرب، ساروا في هذه السبيل، سبيل الدعوة إلى الله عز
وجل، وتحملوا أعباءها، وأدوا الأمانة، مع الصدق والصبر والإخلاص في الجهاد في سبيل
الله وقتال من خرج عن دينه وصد عن سبيله ولم يؤد الجزية التي فرضها الله إذا كان من
أهلها. فهم حملة الدعوة
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 66)
وأئمة الهدى بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهكذا أتباع الصحابة من التابعين وأتباع التابعين وأئمة الهدى ساروا على هذا
الطريق كما تقدم وصبروا في ذلك وانتشر دين الله وعلت كلمته على أيدي الصحابة ومن تبعهم
من أهل العلم والإيمان من العرب والعجم من هذه الجزيرة جنوبها وشمالها ومن غير الجزيرة
ومن سائر أرجاء الدنيا ممن كتب الله له السعادة ودخل في دين الله وشارك في الدعوة والجهاد
وصبر على ذلك، وصارت لهم السيادة والقيادة والأمانة في الدين؛ بسبب صبرهم وإيمانهم
وجهادهم في سبيل الله عز وجل، وصدق فيهم قوله سبحانه فيما ذكر في بني إسرائيل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ .
صدق هذا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم وفيمن سار على سبيلهم، صاروا أئمة وهداة ودعاة للحق وأعلامًا يقتدى بهم بسبب صبرهم
وإيقانهم، فإن بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، فأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام
وأتباعه بإحسان إلى يومنا هذا هم الأئمة وهم الهداة وهم القادة في سبيل الحق؛ وبذلك
يتضح لكل طالب علم أن الدعوة إلى الله من أهم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 67)
المهمات وأن الأمة في كل زمان ومكان في
أشد الحاجة إليها، بل في أشد الضرورة إلى ذلك..
ويتلخص الكلام في الدعوة إلى الله عز وجل
في أمور:
الأمر الأول: حكمها وفضلها.
الأمر الثاني: كيفية أدائها وأساليبها.
الأمر الثالث: بيان الأمر الذي يدعى إليه.
الأمر الرابع: بيان الأخلاق والصفات التي
ينبغي للدعاة أن يتخلقوا بها وأن يسيروا عليها، فنقول وبالله المستعان وعليه التكلان
وهو المعين والموفق لعباده سبحانه وتعالى.
الأمر الأول: بيان حكم الدعوة إلى الله
عز وجل وبيان فضلها :
أما حكمها، فقد دلت الأدلة من الكتاب السنة
على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة، منها قوله
سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، ومنها قوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 68)
ومنها قوله عز وجل: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ومنها قوله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فبين سبحانه
أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله وهم أهل البصائر، والواجب كما
هو معلوم هو اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ، وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل فرض كفاية
بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة
وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب وصارت
الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحًا جليلاً.
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 69)
وإذا لم يقم أهل الإقليم أو أهل القطر المعين
بالدعوة على التمام صار الإثم عامًّا وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم
بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد فالواجب أن يوجد طائفة منتصبة
تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة تبلغ رسالات الله وتبين أمر الله
عز وجل بالطرق الممكنة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة وأرسل الكتب إلى
الناس وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل.
وفي وقتنا اليوم قد يسر الله عز وجل أمر
الدعوة أكثر بطرق لم تحصل لمن قبلنا، فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر من طرق كثيرة،
وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنة بطرق متنوعة عن طريق الإذاعة، عن طريق التلفزة،
عن طريق الصحافة، من طرق شتى، فالواجب على أهل العلم، والإيمان وعلى خلفاء الرسول أن
يقوموا بهذا الواجب وأن يتكاتفوا فيه وأن يبلغوا رسالات الله إلى عباد الله ولا يَخْشَوا
في الله لومة لائم ولا يحابوا في ذلك كبيرًا ولا صغيرًا ولا غنيًّا ولا فقيرًا، بل
يبلغون أمر الله إلى عباد الله كما أنزل الله وكما شرع الله، وقد يكون ذلك فرض عين
إذا كنت في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف والنهي
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 70)
عن المنكر فإنه يكون فرض عين، ويكون فرض
كفاية، فإذا كنت في مكان ليس فيه من يقوى على هذا الأمر ويبلغ أمر الله سواك، فالواجب
عليك أنت أن تقوم بذلك، فأما إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ والأمر والنهي غيرك
فإنه يكون حينئذ في حقك سنة، وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك منافسًا في جميع
الخيرات ومسابقًا إلى الطاعات، ومما احتج به على أنها فرض كفاية قوله جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ الآية.
قال الحافظ ابن كثير عند هذه الآية وجماعة؛
ما معناه: ولتكن منكم أمة منتصبة لهذا الأمر العظيم تدعوا إلى الله وتنشر دينه وتبلغ
أمره سبحانه وتعالى، ومعلوم أيضًا أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا إلى الله وقام
بأمر الله في مكة حسب طاقته، وقام الصحابة كذلك رضي الله عنهم وأرضاهم بذلك حسب طاقتهم،
ثم لما هاجروا قاموا بالدعوة أكثر وأبلغ، ولما انتشروا في البلاد بعد وفاته عليه الصلاة
والسلام قاموا بذلك أيضًا رضي الله عنهم وأرضاهم كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه، فعند
قلة الدعاة، وعند كثرة المنكرات، وعند غلبة الجهل، كحالنا اليوم تكون الدعوة فرض عين
على كل واحد بحسب طاقته، وإذا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 71)
كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك
ووجد فيها من تولى هذا الأمر وقام به وبلغ أمر الله كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة؛
لأنه قد أقيمت الحجة على يد غيره ونفذ أمر الله على يد سواه.
ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله، وإلى بقية
الناس يجب على العلماء حسب طاقتهم وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم أن يبلغوا أمر الله بكل
ما يستطيعون، وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة.
وبهذا يعلم من كونها فرض عين، وكونها فرض
كفاية أمر نسبي يختلف، فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام وإلى أشخاص، وسنة
بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام؛ لأنه وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر وكفى عنهم.
أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة
الواسعة، فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة ما استطاعوا من الأقطار حسب
الإمكان بالطرق الممكنة وباللغات الحية التي ينطق بها الناس، يجب أن يبلغوا أمر الله
بتلك اللغات حتى يصل دين الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها،
فإن الأمر الآن ممكن وميسور بالطرق التي تقدم بيانها، طرق الإذاعة
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 72)
والتلفزة والصحافة وغير ذلك من الطرق التي
تيسرت اليوم ولم تتيسر في السابق، كما أنه يجب على الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع
وفي غير ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله عز وجل، وأن ينشروا دين الله حسب طاقتهم
وحسب علمهم؛ ونظرًا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب
العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في كثير من البلدان
وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظرًا إلى هذا، فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت
فرضًا عامًّا وواجبًا عامًّا على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام،
فرض عليه أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة والإذاعة وبكل
وسيلة استطاعوا، وألا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على يزيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة
ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك؛
لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله والتشكيك في دينه
ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا
النشاط المضل وهذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات وبجميع
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 73)
الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من
باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله.
فضل الدعوة:
وقد ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث
كثيرة، كما أنه ورد في إرسال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاة أحاديث لا تخفى على أهل
العلم، ومن ذلك قوله جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فهذه الآية الكريمة فيها التنويه بالدعاة والثناء
عليهم وأنه لا أحد أحسن قولاً منهم وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم
على حسب مراتبهم في الدعوة والعلم والفضل، فأنت يا عبد الله يكفيك شرفًا أن تكون من
أتباع الرسل ومن المنتظمين في هذه الآية الكريمة
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ المعنى: لا أحد
أحسن قولاً منه؛ لكونه دعا إلى الله وأرشد إليه وعمل بما يدعو إليه، يعني: دعا إلى
الحق وعمل به، وأنكر الباطل وحذر منه وتركه، ومع ذلك صرح بما هو عليه لم يخجل، بل قال:
إنني من المسلمين، مغتبطًا وفرحًا بما من الله به عليه، ليس كمن
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 74)
يستنكف عن ذلك أو يكره أن ينطق بأنه مسلم
أو بأنه يدعو إلى الإسلام لمراعاة فلان أو مجاملة فلان ولا حول ولا قوة إلا بالله،
بل المؤمن الداعي إلى الله؛ القوي الإيمان، البصير بأمر الله يصرح بحق الله، وينشط
في الدعوة إلى الله، ويعمل بما يدعو إليه ويحذر ما ينهى عنه، فيكون من أسرع الناس إلى
ما يدعو إليه، ومن أبعد الناس عن كل ما ينهى عنه، ومع ذلك يصرح بأنه مسلم وبأنه يدعو
إلى الإسلام ويغتبط بذلك ويفرح به، كما قال عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
فالفرح برحمة الله فرح الاغتباط فرح السرور أمر مشروع، أما الفرح المنهي عنه
فهو فرح الكبر والمرح هذا هو المنهي عنه، كما قال عز وجل في قصة قارون: لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ هذا فرح الكبر والتعالي على الناس والتعاظم، وهذا
هو الذي ينهى عنه... أما فرح الاغتباط والسرور بدين الله والفرح بهداية الله والاستبشار
بذلك والتصريح بذلك ليعلم، فأمر مشروع وممدوح ومحمود، فهذه الآية الكريمة من أوضح الآيات
في الدلالة على فضل الدعوة وأنها من أهم القربات ومن
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 75)
أفضل الطاعات، وأن أهلها في غاية الشرف
وفي أرفع مكانة، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام وأكملهم في ذلك خاتمهم وإمامهم
وسيدهم نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ومن ذلك قوله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فبين سبحانه
أن الرسول يدعو على بصيرة وأن أتباعه كذلك، فهذا فيه فضل الدعوة، وأن أتباع الرسول
صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى سبيله على بصيرة، والبصيرة هي العلم بما يدعو إليه
وما ينهي عنه، وفي هذا شرف لهم وتفضيل، وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: من دل على خير فله مثل أجر فاعله رواه مسلم في الصحيح ، وقال عليه الصلاة والسلام: من دعا إلى الهدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه
لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا أخرجه مسلم أيضًا،
وهذا يدل على فضل الدعوة إلى الله عز وجل ، وصح عنه عليه السلام أنه قال لعلي رضي الله
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 76)
عنه وأرضاه: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من
حمر النعم متفق على صحته . وهذا أيضًا يدلنا
على فضل الدعوة إلى الله وما فيها من الخير العظيم وأن الداعي إلى الله جل وعلا يعطي
مثل أجور من هداه الله على يديه ولو كانوا آلاف الملايين، تعطى أيها الداعية مثل أجورهم،
فهنيئًا لك أيها الداعية إلى الله بهذا الخير العظيم، وبهذا يتضح أيضًا أن الرسول عليه
الصلاة والسلام يعطى مثل أجور أتباعه، فيا لها من نعمة عظيمة يعطى نبينا عليه الصلاة
والسلام مثل أجور أتباعه إلى يوم القيامة، لأنه بلغهم رسالة الله ودلهم على الخير عليه
الصلاة والسلام وهكذا الرسل يعطون مثل أجور أتباعهم عليهم الصلاة والسلام وأنت كذلك
أيها الداعية في كل زمان تعطى مثل أجور أتباعك والقابلين لدعوتك، فاغتنم هذا الخير
العظيم وسارع إليه.
كيفية الدعوة :
أما كيفية الدعوة وأسلوبها فقد بينها الله
عز وجل في كتابه الكريم وفيما جاء في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام ومن أوضح
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 77)
ذلك قوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فأوضح سبحانه الكيفية التي ينبغي أن يتصف بها الداعية
ويسلكها. يبدأ أولاً بالحكمة، والمراد بها الأدلة المقنعة الواضحة الكاشفة للحق والداحضة
للباطل؛ ولهذا قال بعض المفسرين: المعنى بالقرآن؛ لأنه الحكمة العظيمة؛ لأن فيه البيان
والإيضاح للحق بأكمل وجه، وقال بعضهم: معناه بالأدلة من الكتاب والسنة، وبكل حال فالحكمة
كلمة عظيمة معناها الدعوة إلى الله بالعلم والبصيرة والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة
للحق والمبينة له، وهي كلمة مشتركة تطلق على معان كثيرة، تطلق على النبوة، وعلى العلم
والفقه في الدين، وعلى العقل والورع وعلى أشياء أخرى وهي في الأصل، كما قال الشوكاني
رحمه الله، الأمر الذي يمنع عن السفه، هذه هي الحكمة، والمعنى: أن كل كلمة، وكل مقالة
تردعك عن السفه، وتزجرك عن الباطل فهي حكمة، وهكذا كل مقال واضح صريح صحيح في نفسه
فهو حكمة، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى حكمة، وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى
حكمة بعد كتاب الله، وقد سماها الله حكمة في كتابه العظيم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 78)
كما في قوله جل وعلا: وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ يعني السنة، وكما في قوله سبحانه: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
الآية، فالأدلة الواضحة تسمى حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق يسمى حكمة كما
تقدم، ومن ذلك حَكَمة التي تكون في فم الفرس وهي بفتح الحاء والكاف سميت بذلك؛ لأنها
تمنع الفرس من المضي في السير إذا جذبها صاحبها بهذه الحكمة.
فالحكمة كلمة تمنع من سمعها من المضي في
الباطل وتدعوه إلى الأخذ بالحق والثأر به والوقوف عند الحد الذي حده الله عز وجل، فعلى
الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة ويبدأ بها ويعتني بها ويعنى بها، فإذا كان
المدعو عنده بعض الجفاء والاعتراض فدعوته بالموعظة الحسنة بالآيات والأحاديث التي فيها
الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه
ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن، هكذا ينبغي
لك أيها الداعية أن تتحمل وتصبر ولا تشدد؛
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 79)
لأن هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله
وتأثر المدعو، وصبره على المجادلة والمناقشة، وقد أمر الله جل وعلا موسى وهارون لما
بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولاً لينًا وهو أطغى الطغاة، قال الله جل وعلا في أمره
لموسى وهارون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ، وقال
الله سبحانه في نبيه محمد عليه الصلاة والسلام:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية،
فعلم بذلك أن الأسلوب الحكيم والطريق المستقيم في الدعوة أن يكون الداعي حكيمًا في
الدعوة بصيرًا بأسلوبها لا يعجل، ولا يعنف، بل يدعو بالحكمة وهي المقال الواضح المصيب
للحق من الآيات والأحاديث، وبالموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، هذا هو الأسلوب
الذي ينبغي لك في الدعوة إلى الله عز وجل، أما الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع، كما
يأتي بيان ذلك إن شاء الله عند ذكر أخلاق الدعاة؛ لأن الدعوة مع الجهل بالأدلة قول
على الله بغير علم، وهكذا الدعوة بالعنف والشدة ضررها أكثر، وإنما الواجب والمشروع
هو الأخذ بما بينه عز وجل في
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 80)
آية النحل؛ وهي قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ الآية. إلا إذا ظهر من المدعو العناد والظلم فلا
مانع من الإغلاظ عليه، كما قال الله سبحانه:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ الآية، وقال تعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
.
أما الشيء الذي يدعى إليه ويجب على الدعاة
أن يوضحوه للناس كما أوضحه الرسل عليهم الصلاة والسلام فهو الدعوة إلى صراط الله المستقيم
وهو الإسلام وهو دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة كما قال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ فسبيل الله جل وعلا هو الإسلام والصراط المستقيم
وهو دين الله الذي بعث به نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام هذا هو الذي تجب الدعوة
إليه، لا إلى مذهب فلان ولا إلى رأي فلان، ولكن إلى دين الله، إلى صراط الله المستقيم
الذي بعث الله به نبيه وخليله محمدًا عليه الصلاة والسلام وهو ما دل عليه القرآن العظيم
والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى رأس
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 81)
ذلك الدعوة إلى العقيدة الصحيحة إلى الإخلاص
لله وتوحيده بالعبادة والإيمان به وبرسله والإيمان باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله
به ورسوله، هذا هو أساس الصراط المستقيم وهو الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله، ومعنى ذلك: الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان به وبرسله
عليهم الصلاة والسلام ويدخل في ذلك الدعوة إلى الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسله مما
كان وما يكون من أمر الآخرة وأمر آخر الزمان وغير ذلك، ويدخل في ذلك أيضًا الدعوة إلى
ما أوجب الله من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت إلى غير ذلك، ويدخل
أيضًا في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ
بما شرع الله في الطهارة والصلاة والمعاملات والنكاح والطلاق والجنايات والنفقات والحرب
والسلم وفي كل شيء؛ لأن دين الله عز وجل دين شامل يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد،
ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن
الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق وعن سيء الأعمال، فهو عبادة وقيادة، يكون عابدًا ويكون
قائدًا للجيش، عبادة وحكم، يكون عابدًا مصليًا صائمًا، ويكون حاكمًا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 82)
بشرع الله منفذًا لأحكامه عز وجل، عبادة
وجهاد، يدعو إلى الله ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله، مصحف وسيف، يتأمل القرآن
ويتدبره وينفذ أحاكمه بالقوة ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه، سياسة واجتماع، فهو يدعو
إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم، كما قال
جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا
وَلاَ تَفَرَّقُوا فدين الله يدعو إلى الاجتماع
وإلى السياسة الصالحة الحكيمة التي تجمع ولا تفرق، تؤلف ولا تباعد، تدعو إلى صفاء القلوب
واحترام الأخوة الإسلامية والتعاون على البر والتقوى والنصح لله ولعباده، وهو أيضًا
يدعو إلى أداء الأمانة والحكم بالشريعة وترك الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، كما قال
سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ ، وهو أيضًا سياسة واقتصاد، كما
أنه سياسة وعبادة وجهاد، فهو يدعو إلى الاقتصاد الشرعي المتوسط، ليس رأسماليًّا غاشمًا
ظالمًا لا يبالي بالمحرمات ويجمع المال بكل وسيلة وبكل طريق، وليس اقتصادًا شيوعيًّا
إلحاديًّا لا يحترم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 83)
أموال الناس ولا يبالي بالضغط عليهم وظلمهم
والعدوان عليهم، فليس هذا ولا هذا، بل هو وسط بين الاقتصادين ووسط بين الطريقين وحق
بين الباطلين، فالغرب عظموا المال وغلوا في حبه وفي جمعه حتى جمعوه بكل وسيلة، وسلكوا
فيه ما حرم الله عز وجل، والشرق من الملحدين من السوفييت ومن سلك سبيلهم لم يحترموا
أموال العباد، بل أخذوها واستحلوها ولم يبالوا بما فعلوا في ذلك، بل استعبدوا العباد
واضطهدوا الشعوب وكفروا بالله وأنكروا الأديان، وقالوا: لا إله والحياة مادة، فلم يبالوا
بهذا المال، ولم يكترثوا بأخذه بغير حله، ولم يكترثوا بوسائل الإبادة والاستعباد على
الأموال والحيلولة بين الناس وبين ما فطرهم الله عليه من الكسب والانتفاع، والاستفادة
من قدراتهم ومن عقولهم وما أعطاهم الله من الأدوات، فلا هذا ولا هذا.
فالإسلام جاء بحفظ المال واكتسابه بالطرق
الشرعية البعيدة عن الظلم والغشم والربا وظلم الناس والتعدي عليهم، كما جاء باحترام
الملك الفردي والجماعي، فهو وسط بين النظامين وبين الاقتصادين وبين الطريقين الغاشمين،
فأباح المال ودعا إليه ودعا إلى اكتسابه بالطرق الحكيمة من غير أن يشغل كاسبه عن طاعة
الله ورسوله وعن أداء ما أوجب الله عليه؛ ولهذا قال عز
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 84)
وجل:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، وقال:
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم
هذا ، وقال عليه الصلاة والسلام: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره
فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من سؤال الناس أعطوه أو منعوه وسئل صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل
الرجل بيده وكل بيع مبرور ، وقال عليه الصلاة
والسلام: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل
من عمل يده وكان نبي الله داود يأكل من
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 85)
عمل يده فهذا يبين لنا أن نظام الإسلام في المال نظام متوسط،
لا مع رأس المال الغاشم من الغرب وأتباعه، ولا مع الشيوعيين الملحدين الذين استباحوا
الأموال وأهدروا حرمات أهلها، ولم يبالوا بها واستعبدوا الشعوب وقضوا عليها واستحلوا
ما حرم الله منها، فلك أن تكسب المال وتطلبه بالطرق الشرعية وأنت أولى بمالك وبكسبك
بالطريقة التي شرعها الله وأباحها جل وعلا، والإسلام أيضًا يدعو إلى الأخوة الإيمانية
وإلى النصح لله ولعباده وإلى احترام المسلم لأخيه، لا غل ولا حسد ولا غش ولا خيانة
ولا غير ذلك من الأخلاق الذميمة، كما قال جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ ، وقال جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله الحديث، فالمسلم أخو المسلم يجب عليه احترامه وعدم
احتقاره
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 86)
ويجب عليه إنصافه وإعطائه حقه من كل الوجوه
التي شرعها الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم:
المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا
، وقال صلى الله عليه وسلم: المؤمن
مرآة أخيه المؤمن فأنت يا أخي مرآة أخيك وأنت
لبنة من البناء الذي قام عليه بنيان الأخوة الإيمانية، فاتق الله في حق أخيك واعرف
حقه وعامله بالحق والنصح والصدق، وعليك أن تأخذ الإسلام كله ولا تأخذ جانبًا دون جانب،
لا تأخذ العقيدة وتدع الأحكام والأعمال، ولا تأخذ الأعمال والأحكام وتدع العقيدة، بل
خذ الإسلام كله، خذه عقيدة وعملاً وعبادة وجهادًا واجتماعًا وسياسة واقتصادًا وغير
ذلك، خذه من كل الوجوه، كما قال سبحانه: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ
قال جماعة من السلف معنى ذلك: ادخلوا في السلم جميعه يعني
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 87)
في الإسلام، يقال للإسلام سلم؛ لأنه طريق
السلامة وطريق النجاة في الدنيا والآخرة فهو سلم وإسلام، فالإسلام يدعو إلى السلم،
يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص والجهاد الشرعي الصادق فهو سلم وإسلام
وأمن وإيمان؛ ولهذا قال جل وعلا: ادْخُلُوا
فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ أي ادخلوا في جميع شعب الإيمان، لا تأخذوا بعضًا
وتدعوا بعضًا، عليكم أن تأخذوا بالإسلام كله، ولا تتبعوا خطوات الشيطان يعني المعاصي
التي حرمها الله عز وجل، فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين الله كله، فهو
أعدى عدو؛ ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله وأن يدين بالإسلام كله وأن يعتصم
بحبل الله عز وجل وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع الأحوال، فعليك أن تحكم
شرع الله في العبادات وفي المعاملات وفي النكاح وفي الطلاق وفي النفقات وفي الرضاع
وفي السلم والحرب ومع العدو والصديق وفي الجنايات وفي كل شيء، دين الله يجب أن يحكم
في كل شيء، وإياك أن توالي أخاك؛ لأنه وافقك في كذا وتعادي الآخر؛ لأنه خالفك في رأي
أو في مسألة، فليس هذا من الإنصاف فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل، ومع ذلك
لم يؤثر ذلك في الصفاء بينهم والموالاة
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 88)
والمحبة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالمؤمن
يعمل بشرع الله ويدين بالحق ويقدمه على كل أحد بالدليل، ولكن لا يحمله ذلك على ظلم
أخيه وعدم إنصافه إذا خالفه في الرأي في مسائل الاجتهاد التي قد يخفى دليلها، وهكذا
في المسائل التي قد يختلف في تأويل النص فيها فإنه قد يعذر، فعليك أن تنصح له وأن تحب
له الخير ولا يحملك ذلك على العداء والانشقاق وتمكين العدو منك ومن أخيك، ولا حول ولا
قوة إلا بالله، الإسلام دين العدالة ودين الحكم بالحق والإحسان، دين المساواة إلا فيما
استثنى الله عز وجل، ففيه الدعوة إلى كل خير، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن
الأعمال والإنصاف والعدالة والبعد عن كل خلق ذميم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وقال
تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 89)
والخلاصة: أن الواجب على الداعية الإسلامي
أن يدعو إلى الإسلام كله ولا يفرق بين الناس، وألا يكون متعصبًا لمذهب دون مذهب أو
لقبيلة دون قبيلة أو لشيخه أو لرئيسه أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق
وإيضاحه واستقامة الناس عليه وإن خالف رأي فلان أو فلان أو فلان، ولما نشأ في الناس
من يتعصب للمذاهب ويقول: إن مذهب فلان أولى من مذهب فلان، جاءت الفرقة والاختلاف حتى
آل ببعض الناس هذا الأمر إلى ألا يصلي مع من هو من على غير مذهبه، فلا يصلي الشافعي
خلف الحنفي ولا الحنفي خلف المالكي ولا خلف الحنبلي، هكذا وقع من بعض المتطرفين المتعصبين،
وهذا من البلاء ومن اتباع خطوات الشيطان، فالأئمة أئمة هدى، الشافعي، ومالك، وأحمد
، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأشباههم كلهم أئمة هدى ودعاة حق، دعوا
الناس إلى دين الله وأرشدوهم إلى الحق، ووقع هناك مسائل بينهم اختلفوا فيها؛ لخفاء
الدليل على بعضهم، فهم بين مجتهد مصيب له أجران وبين مجتهد أخطأ الحق فله أجر واحد،
فعليك أن تعرف لهم قدرهم وفضلهم وأن تترحم عليهم وأن تعرف أنهم أئمة الإسلام ودعاة
الهدى، ولكن لا يحملك ذلك على التعصب والتقليد الأعمى، فتقول:
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 90)
مذهب فلان أولى بالحق بكل حال، أو مذهب
فلان أولى بالحق لكل حال لا يخطئ " لا " هذا غلط.
عليك أن تأخذ بالحق وأن تتبع الحق إذا ظهر
دليله ولو خالف فلانًا وفلانًا، وعليك ألا تتعصب وتقلد تقليدًا أعمى، بل تعرف للأئمة
فضلهم وقدرهم، ولكن مع ذلك تحتاط لنفسك ودينك فتأخذ بالحق وترشد إليه وترضى به إذا
طلب منك وتخاف الله وتراقبه جل وعلا وتنصف من نفسك، مع إيمانك بأن الحق واحد وأن المجتهدين
إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطئوا فلهم أجر واحد أعني مجتهدي أهل السنة، أهل العلم والإيمان
والهدى كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما المقصود من الدعوة والهدف منها :
فالمقصود والهدف: إخراج الناس من الظلمات
إلى النور وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به وينجوا من النار وينجوا من غضب الله، وإخراج
الكافر من ظلمة الكفر إلى النور والهدى وإخراج الجاهل من ظلام الجهل إلى نور العلم،
والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، هذا هو المقصود من الدعوة كما قال جل وعلا: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 91)
فالرسل بعثوا ليخرجوا الناس من الظلمات
إلى النور، ودعاة الحق كذلك يقومون بالدعوة وينشطون لها؛ لإخراج الناس من الظلمات إلى
النور ولإنقاذهم من النار ومن طاعة الشيطان ولإنقاذهم من طاعة الهوى إلى طاعة الله
ورسوله.. أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها، فقد أوضحها الله جل
وعلا في آيات كثيرة، منها: الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصًا لله عز وجل لا
يريد رياء ولا سمعة ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل،
كما قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ ، وقال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهم الأخلاق، هذا
أعظم الصفات أن تكون في دعوتك تريد وجه الله والدار الآخرة.
الأمر الثاني: أن تكون على بينة في دعوتك
أي على علم، لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 92)
فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن
تدعو على جهالة وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني ويفسد ولا يصلح،
فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، ولا تدعو إلى شيء إلا بعد
العلم به والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم
وعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له
الحق وعرفه ودعا إلى ذلك سواء كان ذلك فعلاً أو تركًا فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة
لله ورسوله، ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة.
الأمر الثالث: من الأخلاق التي ينبغي لك
أن تكون عليها أيها الداعية، أن تكون حليمًا في دعوتك رفيقًا فيها متحملاً صبورًا،
كما فعل الرسل عليهم الصلاة والسلام، إياك والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر
عليك بالحلم عليك بالرفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك، كقوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 93)
وقوله سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ الآية، وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون: فقولا
له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق
به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه فعليك يا عبد الله أن ترفق في دعوتك ولا تشق على
الناس ولا تنفرهم من الدين ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك ولا بأسلوبك العنيف المؤذي
الضار، عليك أن تكون حليمًا صبورًا سلس القياد لين الكلام طيب الكلام حتى تؤثر في قلب
أخيك وحتى تؤثر في قلب المدعو وحتى يأنس لدعوتك ويلين لها ويتأثر بها ويثني عليك بها
ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفر لا مقرب ومفرق لا جامع.. ومن الأخلاق والأوصاف التي
ينبغي، بل يجب أن يكون عليها الداعية: العمل بدعوته وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو
إليه، ليس
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 94)
ممن يدعو إلى شيء ثم يتركه أو ينهي عنه
ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك، أما المؤمنون الرابحون، فهم دعاة الحق
يعملون به، وينشطون فيه، ويسارعون إليه، ويبتعدون عما ينهون عنه، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ، وقال سبحانه موبخًا اليهود على أمرهم الناس بالبر
ونسيان أنفسهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق
أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له: يا
فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف
ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه هذه حال
من دعا إلى الله وأمر بالمعروف
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 95)
ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله
قوله نعوذ بالله من ذلك، فمن أهم أخلاق وأعظمها في حق الداعية: أن يعمل بما يدعو إليه،
وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل وسيرة حميدة وصبر ومصابرة وإخلاص في
دعوته واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس وفيما يبعدهم من الباطل، ومع ذلك يدعو لهم
بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة أن يدعو لهم بالهداية ويقول للمدعو: هداك الله، وفقك
الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده وتصبر على الأذى، ومع ذلك
تدعو له بالهداية، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل عن دوس: إنهم عصوا، قال: اللهم اهد دوسًا وائت بهم تدعو له بالهداية والتوفيق بقبول الحق وتصبر وتصابر
في ذلك ولا تقنط ولا تيأس ولا تقل إلا خيرًا، ولا تعنف ولا تقل كلامًا سيئًا ينفر من
الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
.
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 96)
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد
والأذى له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على ذلك
حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافًّا عن الأذى فعليك أن تصبر عليه وتحتسب وتجادله بالتي
هي أحسن وتصفح عما يتعلق بشخصك من بعض الأذى كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا لحسن
الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعًا الفقه في دينه والثبات عليه،
ويجعلنا من الهداة المهتدين والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله
وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
24. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > فضل
الدعوة إلى الله > الدعاة إلى الله عز وجل
هم أحسن الناس قولًا، إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح
7 - مراتب الدعوة إلى الله تعالى
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فإن الدعوة إلى الله تعالى من أهم الواجبات الإسلامية ، وهي سبيل الرسل وأتباعهم
إلى يوم القيامة، وقد أمر الله بها في كتابه الكريم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 171)
وأثنى على أهلها غاية الثناء، فقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وقال تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فانظر أيها القارئ
الكريم، كيف أمر الله سبحانه في الآية الأولى بالدعوة إليه، وأوضح مراتب الدعوة حتى
يكون الداعي في هذا السبيل العظيم على بصيرة؛ وما ذاك إلا لأن المدعوين أصناف كثيرة
وطبقات مختلفة.
فمنهم: الراغب في الخير، ولكنه غافل قليل
البصيرة، فيحتاج إلى دعوته بحكمة: وهي تفهيمه الحق وإرشاده إليه، وتنبيهه على ما فيه
من المصلحة العاجلة والآجلة، فعند ذلك يقبل الدعوة وينتبه من غفلته وجهله ويبادر إلى
الحق. ومنهم: المعرض عن الحق المشتغل بغيره، فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب
والترهيب، والتنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلة وعلى ما في
خلافه من الشقاء والفساد وسيئ العواقب؛ ولعله بهذا يجيب إلى الحق ويترك ما هو عليه
من
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 172)
الباطل. ولا ريب أن هذا المقام مقام عظيم
يحتاج الداعي فيه إلى مزيد من الصبر والحلم والرفق بالمدعو؛ تأسيًّا بإمام الدعاة وسيدهم
وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. الطبقة الثالثة من الناس: من له شبهة قد
حالت بينه وبين فهم الحق والانقياد له، فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن،
حتى يفهم الحق وتنزاح عنه الشبهة. ومثل هذا يجب على الداعي أن يرفق به أكثر من الذين
قبله، وأن يصبر على مناقشة واقتلاع جذور الشبهة من قلبه، وذلك بإيضاح الأدلة الدالة
على الحق وتنويعها وشرحها شرحًا وافيًا جليًّا على حسب لغة المدعو وعرفه، إذ ليس كل
أحد يفهم اللغة العربية فهمًا جيدًا، وإن كان من أهل العلم، فإنه قد يدخل عليه من لغته
وعادته وعادة قومه ما يُلبس عليه المعنى الذي أراده الشارع؛ فيحصل بذلك خطأ كبير، وقول
على الله ورسوله بغير علم.
ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما يترتب
على ذلك من الفساد الكبير في الدنيا والآخرة. ومن هنا يعلم الداعي إلى الله تعالى أنه
في حاجة شديدة إلى الفقه في الدين ، والبصيرة بأحكام الشريعة، والمعرفة بلغة المدعوين
وعرفهم، وذلك يوجب عليه التوسع في فهم الكتاب والسنة،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 173)
والعناية بمعرفة ما أراد الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم، والعناية أيضًا بدراسة اللغة العربية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم،
من حين بعثه الله، إلى أن قبضه إليه، دراسة وافية، حتى يتمكن بذلك من إرشاد الأمة إلى
ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخلاق وأعمال، وعلى حسب اجتهاده
وعمله وصبره، يكون حظه من الثناء الحسن الذي أثنى الله به على الدعاة إليه في الآية
المتقدمة وهي قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية.
وهذه الآيه الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى
الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح ، والتزموا الإسلام
عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة؛ وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها
ويحبونهم عليها، بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون، فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء
العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه،
والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى:
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 174)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ، وقال الله موبخا لليهود: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي
لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟ اللهم
اهدنا لما فيه رضاك واجعلنا من الذين يهدون بالحق وبه يعملون، إنك أكرم مسئول وخير
مجيب .
25. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > الحاجة إلى الدعوة
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 332)
كلمة في المؤتمر الأول للدعوة والدعاة المنعقد
في المدينة المنورة عام 1397 هـ
[بعد عصر يوم السبت الرابع والعشرين من
شهر صفر سنة 1397 هـ افتتح المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، وقد افتتح
المؤتمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإِدارات البحوث العلمية
والإِفتاء والدعوة والإِرشاد نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز
نائب جلالة الملك وولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى للجامعة الإِِسلامية،
وهذا نص كلمة سماحته].
الحمد لله رب العالمين، الذي خلق الثقلين
لعبادته وأمرهم بها في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة
والتسليم، وأرسل الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - ليدعوا الناس إليها وليبينوها لهم،
وختمهم بأفضلهم وإمامهم نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه
-، وجعل رسالته عامة لجميع العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل
في كتابه الكريم: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، والآمر نبيه أن يدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة
الحسنة، والذي أمره أن يدعو الناس إلى سبيله، وأخبر
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 333)
أن الدعاة إليه على بصيرة هم أتباعه على
الحقيقة، فقال عز من قائل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ
وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وأشهد أن
محمدًا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة
للسالكين وحجة على العباد أجمعين، أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه
وسراجًا منيرًا، فهدى به من الضلال وبصّر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وأغنى به
بعد العيلة، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفا، وهدى به العباد إلى
صراطه المستقيم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى
يوم الدين.
أما بعد: أيها الإِِخوة الكرماء أعضاء هذا
المؤتمر، باسم الله العظيم أفتتح هذا المؤتمر العالمي: ( مؤتمر توجيه الدعوة وإعداد
الدعاة ) نيابة عن سمو الأمير الكريم فهد بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية
ونائب رئيس مجلس الوزراء لمشاغله الكثيرة التي حالت بينه وبين حضور هذا المؤتمر، وأسأل
الله عز وجل أن يمنحه التوفيق والإِعانة على كل خير، وأن يسدد خطاه، وأن يبارك في أعماله.
أيها الإِِخوة الأعزاء أعضاء المؤتمر، يسرني
أني أحييكم تحية الإِِسلام، وأن أرحب بكم أجمل الترحيب، فأقول: السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في بلادكم وبين إخوانكم في
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 334)
مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي
رحاب مسجد نبيه - عليه الصلاة والسلام -، وفي مهاجره وفي عاصمة الإِِسلام الأولى، ومنطلق
الدعوة إلى الله على يد رسوله محمد - عليه الصلاة والسلام -، وعلى يد أصحابه الكرام،
الغزاة الفاتحين، والأئمة المهتدين، وأتباعهم بإحسان - رضي الله عن الجميع وأرضاهم
-، وأسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أتباعهم بإحسان وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن
يصلح أحوال المسلمين جميعًا، وأن يولي عليهم خيارهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يسلك
بنا وبهم صراطه المستقيم، إنه سميع قريب.
أيها الإِِخوة، إن هذا المؤتمر بلا شك مؤتمر
عظيم، قد دعت الحاجة بل الضرورة إلى عقده، وإن الجامعة الإِِسلامية بالمدينة المنورة
لمشكورة كثيرًا على تبني هذه الدعوة إلى هذا المؤتمر وقيامها بالإِعداد له، ودعوتها
نخبة ممتازة من أقطار الدنيا من العلماء والدعاة إلى الله عز وجل من أكثر من سبعين
دولة، لحضوره، وتبادل الرأي في شئون الدعوة والدعاة، وتذليل الصعوبات والعقبات التي
تعترض سبيلها، وللنظر في طرق ووسائل محاربة الدعوات الضالة والمذاهب الهدامة والأفكار
المنحرفة ، وكل ما يتعلق بشئون الدعوة وأحوال المسلمين.
وإن حكومة هذه البلاد: الحكومة السعودية
وفقها الله، تشكر كثيرًا على موافقتها على إقامة هذا المؤتمر، وعلى دعمها له بكل ما
يحتاج إليه، وعلى رعايتها له، كما هي بحمد الله تدعم كل ما يتعلق بالدعوات والقضايا
الإِِسلامية، وجميع ما يتعلق بالإِسلام، فلها
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 335)
بحمد الله جهود مشكورة، وأعمال جليلة في
دعم قضايا المسلمين، وإعانة مؤسساتهم ومدارسهم وجمعياتهم، والدعاة إلى الله عز وجل
في كل مكان، فجزاها الله عن ذلك خيرًا، وبارك في أعمالها وزادها من فضله، ونشر بها
الدعوة الإِِسلامية في كل مكان، وأصلح لها البطانة، وكتب لها التوفيق من عنده، كما
نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين في كل مكان وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن ينصر
بهم الحق، ويخذل بهم الباطل، وأن يوفقهم للاستقامة على دينه، وإخلاص العبادة لله وحده،
والقضاء على كل ما يخالف ذلك، كما نسأله عز وجل أن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم في
كل مكان وجميع الدعاة إلى الحق وجميع المسئولين في كل دولة إسلامية للتعاون الكامل
على البر والتقوى، ونصر دين الله وإعلاء كلمته، وعلى بيان حقيقة التوحيد والعبادة التي
خلق الله عز وجل من أجلها الخلق وأرسل الرسل، وعلى بيان حقيقة الشرك الذي هو أعظم الذنوب
وأكبر الجرائم، وعلى القضاء عليه وبيان حقيقته للناس، وبيان وسائله وذرائعه والقضاء
عليها بالوسائل التي شرعها الله عز وجل.
كما أسأله سبحانه أن يوفقهم جميعًا لمحاربة
البدع التي انتشرت في العالم، حتى التبس على أكثر الخلق دينهم بسبب ظهور البدع التي
ما أنزل الله بها من سلطان، وبسبب كثرة المروجين لها والداعين إليها باسم الإِِسلام،
حتى التبس الحق بالباطل على الكثير من الناس، لقلة العلماء المتبصرين الذين يشرحون
للناس حقيقة الدين ويوضحون لهم حقيقة ما بعث به الله نبيه محمدًا - عليه
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 336)
الصلاة والسلام -، ويبينون لهم معاني كتاب
ربهم وسنة نبيهم واضحة جلية كما تلقاها أصحاب رسول الله عن نبيهم.
أيها الإِِخوة الكرام أعضاء المؤتمر:
ليس من الخافي على كل من له أدنى علم أو
بصيرة أن العالم الإِِسلامي اليوم بل العالم كله في أشد الحاجة إلى الدعوة الإِِسلامية
الواضحة الجلية التي تشرح للناس حقيقة الإِِسلام وتوضح لهم أحكامه ومحاسنه، وتشرح لهم
معنى ( لا إله إلا الله ) ومعنى شهادة ( أن محمدًا رسول الله ) فإن أكثر الخلق لم يفهموا
هاتين الشهادتين كما ينبغي، ولذلك دعوا مع الله غيره، وابتعدوا عنه، إن هاتين الشهادتين
هما أصل الدين وأساس الملة وقاعدة الإِِسلام التي عليها مداره.
أما الشهادة الأولى فهي تبين حقيقة التوحيد
وحقيقة العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده سبحانه وتعالى؛ لأن معناها كما لا يخفى لا
معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبت العبادة لله وحده، والعبادة
اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، من الصلاة
والزكاة والصوم والحج والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والسجود وغير ذلك، فهذه العبادات
يجب أن تكون لله وحده، ويجب على العلماء أن يبينوا ذلك للناس، وأن صرفها لنبي أو ولي
أو غيرهما من الخلق شرك بالله عز وجل، قال الله جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا
يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ،
وقال سبحانه وتعالى:
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 337)
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ
اللَّهِ أَحَدًا ، وقال الله تعالى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ
يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ . والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وأما شهادة أن محمدًا رسول الله فكثير من
الناس لا يفهمها على حقيقتها، وحكموا القوانين الوضعية وأعرضوا عن شريعة الله، ولم
يبالوا بها، جهلاً بها أو تجاهلاً لها. إن شهادة أن محمدًا رسول الله تقتضي الإِِيمان
برسول الله - عليه الصلاة والسلام -، وطاعته في أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره
وأن لا يعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز
وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وقال سبحانه:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ، فالواجب على جميع المسلمين، وعلى جميع الثقلين
أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكموا نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام كما قال سبحانه: فَلا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا .
وقال عز وجل:
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 338)
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
وقال سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ
هُمُ الظَّالِمُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا
أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ .
أيها الإِِخوة الكرام أعضاء المؤتمر:
إن الناس اليوم في أشد الحاجة إلى الدعوة
، وإلى بيان الداعية الذي ينبغي أن يقوم بهذه الدعوة، وبيان أخلاقه وأعماله وصفاته،
ولا ريب أن من الواجب على الداعية أن يستقيم في أقواله وأفعاله، وأن يكون قدوة صالحة
للمدعوين في سيرته وأخلاقه وأعماله ومدخله ومخرجه وكل شئونه، إن العالم بحاجة إلى تيسير
وسائل الدعوة وإيضاحها وتسهيل العقبات والصعوبات التي تقف في طريق الداعية.
المسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى الدعاة
الصالحين ، إلى العلماء المبرزين، إلى الذين يدعونهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ويوضحون
لهم معاني كتاب الله وسنة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ويبينون لهم سيرته - عليه
الصلاة والسلام - وسيرة أصحابه - رضي الله عنهم وأرضاهم -.
المسلمون اليوم بل العالم كله في أشد الحاجة
إلى بيان دين الله وإظهار محاسنه وبيان حقيقته ، والله لو عرفه الناس اليوم ولو عرفه
العالم على حقيقته لدخلوا فيه أفواجًا اليوم كما دخلوا فيه أفواجًا
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 339)
بعدما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة
والسلام.
أيها العلماء الكرام، أيها الفضلاء، إن
واجبنا عظيم وإن واجب المسئولين في جميع العالم الإِِسلامي من علماء وأثرياء وأمراء
وقادة عظيم جدًّا والمسئولية عظيمة.
علينا أن نتقي الله في عباد الله، وعلينا
أن نتعاون صادقين على البر والتقوى أينما كنا، وأن تكون هناك علاقات قوية، واتصالات
دائمة في شأن الدعوة والدعاة، وفي توجيه الناس إلى الخير، وبالتعاون على البر والتقوى،
وأرجو أن يكون اجتماعكم هذا تعاونًا على الخير، وتبادلاً للرأي في كل ما من شأنه انتشار
الدعوة الإِِسلامية، وتذليل العقبات والصعوبات أمام الداعية، وبيان حال الداعية وصفاته
وأعماله وأخلاقه، وبيان ما ينبغي أن تواجه به الدعوات المضللة والمبادئ الهدامة والتيارات
الجارفة.
أرجو أن يكون في مؤتمركم هذا حل لهذه المشاكل
وبيان لكل ما يحتاجه المسلمون في سائر الدنيا. إنكم والله مسئولون وإن الأمر عظيم،
وإني لأرجو الله عز وجل لهذا المؤتمر المبارك أن ينجح في أعماله، وأن يوفق في قراراته
وتوصياته، وأن يحسن العاقبة في حصول ما نرجوه من هذا المؤتمر وما نعلقه عليه من الآمال،
وأرجو أن يكون في جهودكم وأعمالكم وتبادلكم الرأي ما يحل المشكلات وما ينفع الله به
عباده المؤمنين في كل مكان، وما يرحم الله به عباده حتى يعرفوا دين الله وحتى يدخلوا
في دين الله بأسبابكم، وحتى يكون لكم مثل أجورهم، فقد صح عن رسول الله - عليه الصلاة
والسلام - أنه قال: من دل على خير فله مثل
أجر فاعله وقال - عليه الصلاة والسلام
-: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور
من تبعه
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 340)
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا خرجهما مسلم في صحيحه .
وأسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعًا صراطه
المستقيم، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يكثر في المسلمين دعاة الهدى وأنصار
الحق، وأن يهدي حكام المسلمين وقادتهم لما فيه رضاه، وصلاح أمر عباده، إنه سميع قريب،
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه وأتباعه بإحسان .
26. ة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > الدعوة إلى الله وأثرها
في المجتمع
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 344)
الدعوة إلى الله وأثرها في المجتمع
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فلقد رفع الله شأن الدعاة إليه
وأبلغ في الثناء عليهم، حيث يقول سبحانه: وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ ولا ريب أن هذا الثناء يحفز
الهمم ويلهب الشعور ويخفف عبء الدعوة ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوة.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري - رحمه الله - أنه تلى هذه الآية الكريمة: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ الآية. فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا
صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس
إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحًا في إجابته، وقال إنني من المسلمين. هذا
خليفة الله. انتهى.
ولا ريب أن الرسل - عليهم الصلاة والسلام
- هم سادة الناس في الدعوة وهم أولى الناس بهذه الصفات الجليلة التي ذكرها الحسن رحمه
الله، وأولاهم بذلك وأحقهم به على التمام والكمال؛ إمامهم وسيدهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا
محمد بن عبد الله بن
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 345)
عبد المطلب صلى الله عليه وسلم الذي بلغ
الرسالة وأدى الأمانة وصبر على الدعوة إلى ربه أتم صبر وأكمله، حتى أظهر الله به الدين
وأتم به النعمة ودخل الناس بسبب دعوته في دين الله أفواجًا. ثم سار أصحابه الكرام بعده
على هذا السبيل العظيم والصراط المستقيم فصدقوا الدعوة ونشروا لواء الإِِسلام في غالب
المعمورة، لكمال صدقهم وعظيم جهادهم وصبرهم على الدعوة والجهاد صبرًا لا يعتريه ضعف
أو فتور، وتحقيقهم الدعوة والجهاد بالعمل في جميع الأحوال، فضربوا بذلك للناس بعد الرسل
أروع الأمثال وأصدقها في الدعوة والجهاد والعلم النافع والعمل الصالح، وبذلك انتصروا
على أعدائهم وبلغوا مرادهم وحازوا قصب السبق في كل ميدان.
وهم أولى الناس بعد الرسل بالثناء والصفات
السالفة التي ذكرها الحسن ، وكل من سار على سبيلهم وصبر على الدعوة إلى الله، وبذل
فيها وسعه فله نصيبه من هذا الثناء الجزيل الذي دلّت عليه الآية الكريمة والصفات الحميدة
التي وصف بها الحسن الدعاة إلى الحق، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله وقال عليه الصلاة والسلام: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا خرجهما مسلم في
صحيحه .
وقال لعلي رضي الله عنه لمَّا بعثه إلى
خيبر : فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا
خير لك من حمر النعم متفق على صحته.
وفي هذه الأحاديث وما جاء في معناها تنبيه
للدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله على أن المقصود من الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه
هو هداية البشر وإخراجهم من الظلمات
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 346)
إلى النور وانتشالهم من وهدة الشرك وعبادة
الخلق إلى عز الإِِيمان ورفعة الإِِسلام وعبادة الإِِله الحق الواحد الأحد الذي لا
تصلح العبادة لغيره ولا يستحقها سواه سبحانه وتعالى، وليس المقصود من الدعوة والجهاد
هو سفك الدماء وأخذ المال واسترقاق النساء والذرية وإنما يجيء ذلك بالعرض لا بالقصد
الأول، وذلك عند امتناع الكفار من قبول الحق وإصرارهم على الكفر وعدم إذعانهم للصغار
وبذل الجزية حيث قبلت منهم فعند ذلك شرع الله للمسلمين قتالهم واغتنام أموالهم واسترقاق
نسائهم وذرياتهم، ليستعينوا بهم على طاعة الله ويعلموهم شرع الله، وينقذوهم من موجبات
العذاب والشقاء ويريحوا أهل الإِِسلام من كيد المقاتلة وعدوانهم ووقوفهم حجر عثرة في
طريق انتشار الإِِسلام ووصوله إلى القلوب والشعوب، ولا ريب أن هذا من أعظم محاسن الإِِسلام
التي يشهد له بها أهل الإنصاف والبصيرة من أبنائه وأعدائه، وذلك من رحمة الله الحكيم
العليم الذي جعل هذا الدين الإِِسلامي دين رحمة وإحسان وعدل ومساواة يصلح لكل زمان
ومكان ويفوق كل قانون ونظام، ولو جمعت عقول البشر كلهم وتعاضدوا على أن يأتوا بمثله
أو أحسن منه لم يستطيعوا إلى ذلك من سبيل، فسبحان الذي شرعه ما أحكمه وأعدله، وما أعلمه
بمصالح عباده، وما أبعد تعاليمه من السفه والعبث وما أقربها من العقول الصحيحة والفطر
السليمة.
فيا أيها الأخ المسلم، ويا أيها العاقل
الراغب في الحق تدبّر كتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وادرس ما دل عليه من التعاليم
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 347)
القويمة والأحكام الرشيدة والأخلاق الفاضلة
تجد ما يشفي قلبك ويروي غلتك ويشرح صدرك ويهديك إلى سواء السبيل.
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويفقههم
في الدين، وينصر بهم الحق، وأن يوفق ولاة أمرهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن
يعينهم على القيام بالدعوة إليه على بصيرة إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
27.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > الأمر بالدعوة إلى دين
الله
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 370)
الأقليات الإِِسلامية.. ظروفها وآمالها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله جلت قدرته قد بعث الأنبياء والمرسلين
للدعوة إلى توحيده، وإخلاص العبادة له سبحانه، وإيضاح شرعه الذي شرع لعباده، وخلق الثقلين
لذلك، كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، وقال عز
وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ
رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
وأخبر سبحانه وبحمده أنه لا يعذب قومًا
إلا بعد إرسال البشير والنذير، قال تعالى:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ
مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ
بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وقال تعالى:
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا .
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه
الله على فترة من الرسل، جاء بعد
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 371)
أن ملئت الأرض جورًا وظلمًا، وبعد أن تغلبت
معصية الله في أرضه على طاعته، فأرسله الله للعالمين الإِِنس والجن، وللعجم والعرب،
بشيرًا ونذيرًا ومبلغًا لشرع الله، فوضح الحق، ودعا إليه، وأرسل الرسل وبعث الكتب للرؤساء
والعظماء، بالدعوة لما جاء به، لتقوم الحجة على من عاند وخالف، قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلا
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
وقد جعل الله شريعته خاتمة الشرائع، ورسالته
خاتمة الرسالات؛ لأن فيها الكمال والشمول لما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، ولم يترك
صلى الله عليه وسلم خيرًا إلا دعا الناس إليه، أو شرًّا إلا حذرهم منه، كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم: تركتكم على المحجة البيضاء
ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك . وقال
صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله من نبي إلا
كان حقًّا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم. وينذرهم شر ما يعلمه لهم . خرجه مسلم في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم أمرين لن تضلوا أبدًا ما تمسكتم بهما:
كتاب الله، وسنتي .
ففي كتاب الله الأمر بالدعوة إلى دين الله
، دين الحق الذي لا يقبل سبحانه من البشر سواه قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الآية، وقال
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 372)
تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وقال سبحانه:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ وفي سنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم الحث على الدعوة، والتوضيح لما يجب أن يؤديه المسلم نحو دين
الله ، وذلك بتوضيحه لسائر البشر، فهو أمانة ملقاة على عواتق أهل العلم ولا تبرأ ذممهم
بذلك، نحو إخوانهم المسلمين وغيرهم بالتوضيح والنصح، قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا - وشبك بين أصابعه - رواه البخاري ومسلم ، وقال
صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم
وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى متفق عليه .
وقال صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله خرجه مسلم في صحيحه ، وفي الصحيحين أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى اليهود في خيبر ليدعوهم إلى الإِِسلام
ويبيّن لهم حق الله عليهم: فوالله لأن يهدي
الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم
.
فالمسلمون في أي مكان وزمان واجب عليهم
التناصح فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، ودعوة
غيرهم إلى الإِِسلام، قال تعالى: وَالْعَصْرِ
(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ، وقال تعالى:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وقال - عليه الصلاة والسلام
-: الدين النصيحة،
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 373)
الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا: لمن
يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم متفق عليه .
فالواجب على المسلم الامتثال لأوامره وطاعة
رسوله صلى الله عليه وسلم، والنصح لله ولعباده؛ لأن في ذلك السعادة كلها في الدنيا
والآخرة، والعزة للمسلمين لا تكون إلا بذلك، حيث يعلي سبحانه كلمتهم وينصرهم على أعدائهم
مهما كثروا وتعاونوا، كما قال سبحانه: وَإِنَّ
جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ، وقال سبحانه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، ولقد سمعنا وقرأنا الأخبار عن كثير من إخواننا
المسلمين في المجتمعات التي أكثر أهلها من غير المسلمين، وما يحصل عليهم من التسلط
والتضييق في إقامة شعائر دينهم لإِبعادهم عنه، إما بالإِكراه أو بطرق أخرى، فنسأل الله
لهم ولجميع المسلمين الثبات على الإِِسلام، والعافية من مكائد الأعداء.
ولا شك أنهم على ثغرة مهمة من ثغور الإِِسلام،
ويحتاجون والحالة هذه إلى كل مساعدة وعون سواء من الناحية السياسية، وهذا خاص بالحكومات
الإِِسلامية من العرب وغيرهم التي لديها غيرة على الإِِسلام، ولها علاقات مع تلك الدول،
بإرسال المندوبين وبعث الرسائل والتأكيد على ممثلياتها، وما إلى ذلك من الوسائل والأساليب
التي تعين إخوانهم في تلك الأقليات، وترفع معنوياتهم، وتشعر من يتسلط عليهم بأن لهم
أخوة في العقيدة يهتمون بأمرهم ويتابعون أخبارهم ويغارون لهم.
وسوف يرتفع
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 374)
الضيم والظلم عن المسلمين - إن شاء الله
- عندما تشعر تلك الدول وغيرها أن وراء هذه القلة المسلمة دولاً تتألم لآلامهم، وتهتم
بشئونهم، فتنصاع لمطالبهم وترفع يدها عن ظلمهم، ولا سيما أن غالب تلك الدول بحاجة إلى
البلاد الإِِسلامية في الشئون الاقتصادية وغيرها.
والقلة المسلمة في كل مكان لا شك أنهم في
أمس الحاجة إلى المساعدة المادية والمعنوية لإِقامة المساجد وبناء المدارس، ونحو ذلك
مما يعينهم في عملهم الإِِسلامي، وواجب على كل مسلم أن يعينهم بقدر طاقته، مع إرسال
الدعاة لهم، لتعليمهم العقيدة الصحيحة، واللغة العربية؛ لأن الكثير منهم في جهل كبير
بأمور دينهم.
وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلى أن للرئاسة
العامة لإِدارات البحوث العلمية والإِفتاء والدعوة والإرشاد بحمد الله جهودًا في مختلف
البلاد الإِِسلامية والبلاد التي فيها أقليات، وتشاركها في ذلك رابطة العالم الإِِسلامي،
وبعض الدول والمؤسسات الإِِسلامية، أسأل الله أن ينفع بهذه الجهود وأن يجعلها خالصة
لوجهه الكريم، وأن يوفق القائمين على ذلك لما يحب ويرضى.
فقد قامت الرئاسة بمواصلة نشر رسالة الإِِسلام
في ربوع أفريقيا وأوروبا ، وأمريكا وآسيا وأستراليا ، لإِيصال كلمة الحق إلى الناس
بما توزعه من المصاحف والكتب بواسطة الدعاة والمرشدين وما يقومون به من محاضرات ودروس
ولقاءات واتصالات بشتى الطبقات، وبأنواع الثقافات، ومن خلال المساجد والمدارس
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 375)
والجمعيات والمؤسسات الإِِسلامية التي تدعمها،
وتساهم في تأسيسها وبنائها، بواسطة دعاتها المنتشرين في سائر أرجاء الأرض.
فالرئاسة توجه نشاطاتها فيما يقرب من خمسين
بلدًا في إفريقيا وحدها، ولها أكثر من ألف داعية هناك، يبلغون كلمة الإِِسلام، ويدعون
إلى دين الله في المساجد والمجتمعات والمناسبات المتعددة، ويقومون بالتدريس والوعظ
وإرشاد الناس بالحسنى إلى صراط الله المستقيم، وإلى العقيدة الصحيحة التي بلغها نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وسار على نهجها الصفوة الأولى من هذه الأمة.
وقد نفع الله بجهود هؤلاء الدعاة وأخبار
أعمالهم ظاهرة بحمد الله، حيث أسلم على أيديهم الجم الغفير، ممن أراد الله هدايتهم.
أما في أمريكا وأوروبا وأستراليا ، فقد قامت الرئاسة ضمن جهود أخرى بإرسال العديد من
الوفود، وذلك لمعايشة هذه الأقليات المسلمة، وتقصي الحقائق عن أوضاع المسلمين، وتقويم
أعمالهم، ومعرفة ما يستجد بشأنهم وإيجاد الحلول لما يعترضهم من مشكلات، وبيان ما ينقصهم
في عملهم الإِِسلامي.
وقد تمخض عن ذلك إرسال الكثير من الدعاة
والمدرسين إلى البلدان المحتاجة التي يوجد فيها أقليات مسلمة، ودعم الجمعيات والمراكز
الإِِسلامية في بناء منشآتها ماديًّا ومعنويًا مع تزويدهم بأمهات الكتب والمراجع العلمية،
والنصح والإِرشاد لهم، لعل الله ينفع بذلك.
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 376)
أما في آسيا فتقوم الرئاسة بتوفير عدد لا
بأس به من الدعاة في البلدان التي يوجد بها أقليات إسلامية لنشر الدعوة الإِِسلامية
بينهم المبنية على أساس من العقيدة الصحيحة حسبما أخذها السلف الصالح عن رسول صلى الله
عليه وسلم، وفهمها أصحابه - رضوان الله عليهم -.
كما وضعت مكاتب ومشرفين لمتابعة أعمال الدعاة،
وتوزيعهم حسب حاجة تلك البلدان، وبحث ما فيه مصلحة لدعم الجمعيات الإِِسلامية المعروفة
بسلامة الاتجاه بعد التأكد من حاجتهم للكتب الإِِسلامية والكتابة إلى المؤسسات التعليمية
لتزويدهم بالمقررات المدرسية، كما تقوم بالمساهمة في إكمال مشروعاتهم التي تعود على
المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم كالمساهمة في بناء المساجد وترميمها وتزويدها بالمصاحف،
وتوثيق المؤسسات الإِِسلامية للاطمئنان على سلامة القائمين على العمل وصدقهم، وذلك
بإعطائهم توصيات خاصة لمحبي الخير لمساعدتهم في عملهم الخيري، وإرسال الوفود من الرئاسة
لتفقد أحوال الأقليات ومعرفة احتياجاتهم الضرورية .
وكل ما ذكرت من عمل الرئاسة ودعمها للجمعيات
الإِِسلامية والمراكز الإِِسلامية، وإرسال الدعاة وغير ذلك من أعمال إسلامية، كله إنما
يتم بفضل الله سبحانه ثم بفضل حكومتنا الرشيدة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك
فهد حفظه الله من كل سوء ونصر به الحق، وفسح في أجله على خير عمل.
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 377)
وبهذه المناسبة التي تعقدها ندوة الشباب
العالمية لبحث أوضاع الأقليات الإِِسلامية في العالم، أوصي إخواني الدعاة جميعًا بتقوى
الله سبحانه وتعالى، والعمل بإخلاص في تبليغ هذا الدين مستحضرين ما جاء في كتاب الله
سبحانه وتعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،
في فضل الدعوة وآداب الدعاة، حيث قال سبحانه:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وقال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وقال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله وقوله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي بن
أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر :
فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم .
ووصيتي لإِخواني المسلمين في الأقليات الإِِسلامية
وفي كل مكان، أن يتقوا الله وأن يتفقهوا في دينهم، ويسألوا أهل العلم عما أشكل، وأن
يحرصوا على تعلم اللغة العربية ليستعينوا بها على فهم كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم، وأول ذلك الاهتمام بكتاب الله فهمًا وعملاً، كما جاء في الحديث الصحيح خيركم من تعلم القرآن
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 378)
وعلمه
ثم قراءة كتب الحديث الموثوقة المعتبرة. وغيرها من كتب الفقه والعقيدة المعتمدة
عند أهل السنة والجماعة. وأن يتلقوا كل ذلك على أيدي علماء معروفين بالصلاح والتقوى
وحسن العقيدة، والعلم الصحيح.
وعلى الإِِخوة العلماء في المجتمعات ذات
الأقلية المسلمة أن ينشطوا في مجال الدعوة إلى الله بين إخوانهم وغيرهم، ولهم الأجر
والثواب من الله سبحانه وتعالى.
وهذا العمل من أجلّ الأعمال وأعظمها كما
تقدم في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ثم بعد ذلك يجب عليهم تبليغ هذا الدين إلى من
حولهم من الأمم الأخرى، لأنه دين الإِِسلام للناس كافة قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا .
وهذه المجتمعات بأشد الحاجة إلى هذا الدين،
والداعي إلى الله يحصل له الأجر العظيم إذا كان سببًا في هداية هؤلاء وإرشادهم لما
خفي عليهم من أمور دين الإِِسلام كما تقدم في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن
أبي طالب : فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً
واحدًا خير لك من حمر النعم .
فبهذه الدعوة يدخل في دين الله - دين الإِِسلام
إن شاء الله - أفواج ويقل عدد الكفار فتصبح الغلبة - إن شاء الله تعالى -
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 379)
للمسلمين، وإن لم يتمكن المسلم في تلك البلاد
من الدعوة فعليه أن يلتزم بدينه وأن يتخلق بالأخلاق والآداب الإِِسلامية؛ لأنها دعوة
بالفعل، ولأنها محببة لذوي العقول الصحيحة فيتأثر الناس غالبًا بهذه الصفات الحميدة،
ولقد دخل الإِِسلام إلى بعض جنوب شرق آسيا بأخلاق التجار من الأمانة والصدق في المعاملة.
ومتى عجز المسلم عن إظهار دينه في بلد إقامته،
بحيث لا يأمن على دينه وعرضه وماله ، فإنه يجب عليه الهجرة إلى بلاد آمنة يستطيع فيها
أن يؤدي شعائر دينه بأمن وراحة بال إذا استطاع ذلك، عملاً بالآيات والأحاديث الواردة
في ذلك.
ولا يفوتني أن أشكر للقائمين على هذه الندوة
جهودهم الطيبة في خدمة الإِِسلام والمسلمين.
نسأل الله لنا ولهم ولجميع المشاركين في
هذا المؤتمر التوفيق والسداد وصلاح النية والعمل إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على
نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين .
28.
29. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > س 6: هل تعتقدون سماحتكم
أن تقبل المجتمع للدعوة الآن أفضل من السابق بمعنى أنه لا يوجد اليوم ما يسمى
" حائط الاصطدام بين الدعوة والمجتمع "؟
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 255)
حـوار عـكاظ مع سماحة الشيخ عبد العزيز
بن باز
س 1: نود من سماحتكم أن تبينوا لنا حكم
الدعوة إلى الله عز وجل وأوجه الفضل فيها ؟
جـ 1: أما حكمها. فقد دلت الأدلة من الكتاب
والسنة على وجوب الدعوة إلى الله عز وجل وأنها من الفرائض. والأدلة في ذلك كثيرة منها
قوله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، ومنها قوله
جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ومنها قوله عز وجل: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ومنها قوله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي . فيبين
سبحانه أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إلى الله. وهم أهل البصائر والواجب
كما هو معلوم هو اتباعه والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام كما قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 256)
وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله عز وجل
فرض كفاية بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة. فإن كل قطر وكل أقليم يحتاج
إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك
الواجب وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحًا جليلاً.
وإذا لم يقم أهل الإِقليم أو أهل القطر
المعين بالدعوة على التمام صار الإِثم عامًّا وصار الواجب على الجميع وعلى كل إنسان
أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد فالواجب أن يوجد طائفة
منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة تبلغ رسالات الله وتبين أمر
الله عز وجل بالطرق الممكنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة وأرسل الكتب
إلى الناس وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله عز وجل .
س 2: واقع الدعوة الآن كيف تقيمونه؟ وما
هي المحاور التي يجب التركيز عليها في ظـل المستجدات الحالية والتحديات المعاصـرة ؟
جـ 2: في وقتنا الحاضر يسر الله عز وجل
أمر الدعوة أكثر، بطرق لم تحصل لمن قبلنا فأمور الدعوة اليوم متيسرة أكثر وذلك بواسطة
طرق كثيرة، وإقامة الحجة على الناس اليوم ممكنه بطرق متنوعة مثلاً عن طريق الإِذاعة
وعن طريق التلفزة وعن طريق الصحافة وهناك طرق شتى، فالواجب على أهل العلم والإِيمان
وعلى خلفاء الرسول أن يقوموا بهذا الواجب وأن يتكاتفوا فيه وأن يبلغوا رسالات الله
إلى عباد الله ولا يخشون في الله لومة لائم، ولا يحابون في ذلك كبيرًا ولا صغيرًا ولا
غنيًّا ولا فقيرًا بل يبلغون أمر الله إلى عباد الله كما أنزل الله وكما شرع الله،
وقد يكون ذلك فرض عين إذا كُنْتَ في مكان ليس فيه من يؤدي ذلك سواك، كالأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فإنه يكون فرض عين
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 257)
ويكون فرض كفاية، فإذا كنت في مكان ليس
فيه من يقوى على هذا الأمر ويبلغ أمر الله سواك فالواجب عليك أنت أن تقوم بذلك فأما
إذا وجد من يقوم بالدعوة والتبليغ والأمر والنهي غيرك فإنه يكون حينئذٍ في حقك سنة
وإذا بادرت إليه وحرصت عليه كنت بذلك منافسًا في الخيرات وسابقًا إلى الطاعات ومما
احتج به على أنها فرض كفاية قوله جل وعلا:
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ . قال الحافظ ابن كثير عن هذه الآية جماع ما معناه:
ولتكن منكم أمة منتصبة لهذا الأمر العظيم تدعو إلى الله وتنشر دينه وتبلغ أمره سبحانه
وتعالى ومعلوم أيضًا أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام دعا إلى الله وقام بأمر الله في
مكة حسب طاقته وقام الصحابة كذلك رضي الله عنهم وأرضاهم بذلك حسب طاقتهم ثم لما هاجروا
قاموا بالدعوة أكثر وأبلغ، ولما انتشروا في البلاد بعد وفاته عليه الصلاة والسلام قاموا
بذلك أيضًا رضي الله عنهم وأرضاهم. كل على قدر طاقته وعلى قدر علمه. فعند قلة الدعاة
وعند كثرة المنكرات وعند غلبة الجهل كحالنا اليوم تكون الدعوة فرض عين على كل واحد
بحسب طاقته وإذا كان في محل محدود كقرية ومدينة ونحو ذلك ووجد فيها من تولى هذا الأمر
وقام به وبلغ أمر الله كفى وصار التبليغ في حق غيره سنة لأنه قد أقيمت الحجة على يد
غيره ونفذ أمر الله على يد سواه.
ولكن بالنسبة إلى بقية أرض الله وإلى بقية
الناس يجب على العلماء حسب طاقاتهم وعلى ولاة الأمر حسب طاقتهم أن يبلغوا أمر الله
بكل ما يستطيعون ، وهذا فرض عين عليهم على حسب الطاقة والقدرة. وبهذا يعلم أن كونها
فرض عين وكونها فرض كفاية أمر نسبي يختلف فقد تكون الدعوة فرض عين بالنسبة إلى أقوام
وإلى أشخاص، وسنة بالنسبة إلى أشخاص وإلى أقوام. لأنه
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 258)
وجد في محلهم وفي مكانهم من قام بالأمر
وكفى عنهم. أما بالنسبة إلى ولاة الأمور ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر،
وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار حسب الإِمكان بالطرق الممكنة،
وباللغات الحية التي ينطق بها الناس يجب أن يبلغوا أمر الله بتلك اللغات حتى يصل دين
الله إلى كل أحد باللغة التي يعرفها، باللغة العربية وبغيرها فإن الأمر الآن ممكن وميسور
بالطرق التي تقدم بيانها، طرق الإِذاعة والتلفزة والصحافة وغير ذلك من الطرق التي تيسرت
اليوم، ولم تتيسر في السابق كما أنه يجب على الخطباء في الاحتفالات وفي الجمع وفي غير
ذلك أن يبلغوا ما استطاعوا من أمر الله عز وجل ، وأن ينشروا دين الله حسب طاقاتهم.
وحسب علمهم، ونظرًا إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإِلحاد وإنكار رب
العباد وإنكار الرسالات وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان،
وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظرًا إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت
فرضًا عامًّا. وواجبًا على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإِسلام.
فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإِمكان بالكتابة والخطابة، وبالإِذاعة
وبكل وسيلة استطاعوا وأن لا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرو فإن الحاجة
بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما
كان قبل ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة، للصد عن سبيل الله والتشكيك
في دينه، ودعوة الناس إلى ما يخرجهم من دين الله عز وجل، فوجب على أهل الإِسلام أن
يقابلوا هذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع
الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة
إلى سبيله .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 259)
س 3: وكيف تستطيع المجتمعات الإِسلامية
أن تحارب الغزو الثقافي الغربي والشرقي الذي تواجهـه في وقتنـا الحاضـر؟
جـ 3: مما لا شك فيه أن أخطر ما تواجهه
المجتمعات الإِسلامية في الوقت الحاضر هو ما يسمى بالغزو الثقافي بأسلحته المتنوعة
من كتب وإذاعات وصحف ومجلات وغير ذلك من الأسلحة الأخرى ذلك أن الاستعمار في العصر
الحديث قد غير من أساليبه القديمة لما أدركه من فشلها وعدم فعاليتها ومحاربة الشعوب
واستماتتها في الدفاع عن دينها وأوطانها ومقدراتها وتراثها حيث إن الأخذ بالقوة وعن
طريق العنف والإِرهاب مما تأباه الطباع وتنفر منه النفوس لا سيما في الأوقات الحاضرة
بعد أن انتشر الوعي بين الناس واتصل الناس بعضهم ببعض وأصبحت هناك هيئات كثيرة تدافع
عن حقوق الشعوب وترفض الاستعمار عن طريق القوة وتطالب بحق تقرير المصير لكل شعب وأن
لأهل كل قطر حقهم الطبيعي في سيادتهم على أرضهم واستثمار مواردهم وتسيير دفة الحكم
في أوطانهم حسب ميولهم ورغباتهم في الحياة وحسب ما تدين به تلك الشعوب من معتقدات ومذاهب
وأساليب مختلفة للحكم مما اضطر معه إلى الخروج عن هذه الأقطار بعد قتال عنيف وصدامات
مسلحة وحروب كثيرة دامية. ولكن الاستعمار قبل أن يخرج من هذه الأقطار فكر في عدة وسائل
واتخذ كثيرًا من المخططات بعد دراسة واعية وتفكير طويل وتصور كامل لأبعاد هذه المخططات
ومدى فعاليتها وتأثيرها والطرق التي ينبغي أن تتخذ للوصول إلى الغاية التي يريد وأهدافه
تتلخص في إيجاد مناهج دراسية على صلة ضعيفة بالدين. مبالغة في الدهاء والمكر والتلبيس
ركز فيها على خدمة أهدافه ونشر ثقافته وترسيخ الإعجاب بما حققه في
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 260)
مجال الصناعات المختلفة والمكاسب المادية
في نفوس أغلب الناس حتى إذا ما تشربت بها قلوبهم وأعجبوا بمظاهر بريقها ولمعانها وعظيم
ما حققته وأنجزته من المكاسب الدنيوية والاختراعات العجيبة. لا سيما في صفوف الطلاب
والمتعلمين الذين لا يزالون في سن المراهقة والشباب.
اختارت جماعة منهم ممن انطلى عليهم سحر
هذه الحضارة لإكمال تعليمهم في الخارج في الجامعات الأوروبية والأمريكية وغيرها حيث
يواجهون هناك بسلسلة من الشبهات والشهوات على أيدي المستشرقين والملحدين بشكل منظم
وخطط مدروسة وأساليب ملتوية في غاية المكر والدهاء، وحيث يواجهون الحياة الغربية بما
فيها من تفسخٍ وتبذل وخلاعة وتفكك ومجون وإباحية. وهذه الأسلحة وما يصاحبها من إغراء
وتشجيع، وعدم وازع من دين أو سلطة، قل من ينجو من شباكها ويسلم من شرورها وهؤلاء بعد
إكمال دراستهم وعودتهم إلى بلادهم ممن يطمئن إليهم المستعمر بعد رحيله ويضع الأمانة
الخسيسة في أيديهم لينفذوها بكل دقة. بل بوسائل وأساليب أشد عنفًا وقسوة من تلك التي
سلكها المستعمر، كما وقع ذلك فعلاً في كثير من البلاد التي ابتليت بالاستعمار أو كانت
على صلة وثيقة به، أما الطريق إلى السلامة من هذا الخطر والبعد عن مساوئه وأضراره فيتلخص
في إنشاء الجامعات والكليات والمعاهد المختلفة بكافة اختصاصاتها للحد من الابتعاث إلى
الخارج ، وتدريس العلوم بكافة أنواعها مع العناية بالمواد الدينية والثقافية الإِسلامية
في جميع الجامعات والكليات والمعاهد حرصًا على سلامة عقيدة الطلبة، وصيانة أخلاقهم
وخوفًا على مستقبلهم، وحتى يساهموا في بناء مجتمعهم على نور من تعاليم الشريعة الإِسلامية
وحسب حاجات ومتطلبات هذه الأمة المسلمة، والواجب التضييق من نطاق الابتعاث إلى الخارج
وحصره في علوم معينة لا تتوافر في الداخل .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 261)
س 4: كيف ترون سماحتكم الدواء الناجع للعالم
الإِسلامي للخروج به من الدوامة التي يوجد فيهـا في الوقت الحاضـر ؟
جـ 4: إن الخروج بالعالم الإِسلامي من الدوامة
التي هو فيها من مختلف المذاهب والتيارات العقائدية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية،
إنما يتحقق بالتزامهم بالإِسلام، وتحكيمهم شريعة الله في كل شيء، وبذلك تلتئم الصفوف
وتتوحد القلوب.
وهذا هو الدواء الناجع للعالم الإِسلامي،
بل للعالم كله، مما هو فيه من اضطراب واختلاف وقلق وفساد وإفساد كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
. وقال عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ . وقال سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا الآية. وقال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُوا ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ولكن ما دام أن القادة إلا من شاء الله منهم يطلبون الهدى والتوجيه من غير كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويحكمون غير شريعته، ويتحاكمون إلى ما وضعه أعداؤهم
لهم، فإنهم لن يجدوا طريقًا للخروج مما
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 262)
هم فيه من التخلف والتناحر فيما بينهم،
واحتقار أعدائهم لهم، وعدم إعطائهم حقوقهم
وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . فنسأل الله أن يجمعهم على الهدى، وأن يصلح قلوبهم
وأعمالهم، وأن يمن عليهم بتحكيم شريعته والثبات عليها، وترك ما خالفها، إنه ولي ذلك
والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
س 5: كيف ترون سماحتكم المدخل لكي يتجنب
الشباب الوقوع تحت وطأة مغريات هذا العصر ويتجه الوجهة الصحيحة؟
جـ 5: إن الطريق الأمثل ليسلك الشباب الطريق
الصحيح في التفقه في دينه والدعوة إليه هو أن يستقيم على المنهج القويم بالتفقه في
الدين ودراسته، وأن يعنى بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأنصحه بصحبة الأخيار والزملاء
الطيبين من العلماء المعروفين بالاستقامة حتى يستفيد منهم ومن أخلاقهم. كما أنصحه بالمبادرة
بالزواج، وأن يحرص على الزوجة الصالحة لقوله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه
أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .
س 6: هل تعتقدون سماحتكم أن تقبل المجتمع
للدعوة الآن أفضل من السابق بمعنى أنه لا يوجد اليوم ما يسمى " حائط الاصطدام
بين الدعوة والمجتمع "؟ .
جـ 6: الناس اليوم في أشد الحاجة للدعوة
. وعندهم قبول لها بسبب كثرة الدعاة إلى الباطل وبسبب انهيار المذهب الشيوعي وبسبب
هذه
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 263)
الصحوة العظيمة بين المسلمين. فالناس الآن
في إقبال على الدخول في الإِسلام والتفقه في الإِسلام حسب ما بلغنا في سائر الأقطار.
ونصيحتي للعلماء والقائمين بالدعوة أن ينتهزوا
هذه الفرصة وأن يبذلوا ما في وسعهم في الدعوة إلى الله وتعليم الناس ما خلقوا له من
عبادة الله وطاعته مشافهة وكتابة وغير ذلك بما يستطيعه العالم من خطب الجمعة والخطب
الأخرى في الاجتماعات المناسبة، وعن طريق التأليف، وعن طريق وسائل الإِعلام المقروءة
والمسموعة والمرئية، فالعالم أو الداعي إلى الله جل وعلا ينبغي له أن ينتهز الفرصة
في تبليغ الدعوة بكل وسيلة شرعية، وهي كثيرة والحمد لله فلا ينبغي التقاعس عن البلاغ
والدعوة والتعليم، والناس الآن متقبلون لما يقال لهم من خير وشر فينبغي لأهل العلم
بالله ورسوله أن ينتهزوا الفرصة ويوجهوا الناس للخير والهدى على أساس متين من كتاب
الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يحرص كل واحد من الدعاة على أن يكون قد عرف
ما يدعو إليه عن طريق الكتاب والسنة، وقد فقه في ذلك حتى لا يدعو على جهل، بل يجب أن
تكون دعوته على بصيرة، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
.
فمن أهم الشروط أن يكون العالم أو الداعي
إلى الله على بصيرة فيما يدعو إليه، وفيما يحذر منه، والواجب الحذر من التساهل في ذلك؛
لأن الإِنسان قد يتساهل في هذا ويدعو إلى باطل أو ينهي عن حق، فالواجب التثبت في الأمور
وأن تكون الدعوة على علم وهدى وبصيرة في جميع الأحوال .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 264)
س 7: البعض يرى أن الدعوة لا بد أن تكون
في المساجد فقط.. فما رأيكم؟ وما هي المجالات والأبواب التي يمكن للداعية أن يطرقها؟
.
جـ 7: الدعوة لا تختص بالمساجد فقط ، فهناك
مجالات وطرق أخرى.
والمساجد لا شك أنها فرصة للدعوة كخطب الجمعة
والخطب الأخرى والمواعظ في أوقات الصلوات، وفي حلقات العلم فهي أساس انتشار العلم والدين،
ولكن المسجد لا يختص وحده بالدعوة، فالداعي إلى الله يدعو إليه في غير المساجد في الاجتماعات
المناسبة أو الاجتماعات العارضة. فينتهزها المؤمن ويدعو إلى الله، وعن طريق وسائل الإِعلام
المختلفة، وعن طريق التأليف كل ذلك من بين طرق الدعوة، والحكيم الذي ينتهز الفرصة في
كل وقت وكل مكان، فإذا جمعه الله في جماعة في أي مكان وأي زمان وتمكن من الدعوة بذل
ما يستطيع للدعوة إلى الله بالحكمة والكلام الطيب والأسلوب الحسن .
س 8: من واقع خبرتكم الطويلة في هذا المجال..
ما هو الأسلوب الأمثل للدعوة؟
جـ 8: الأسلوب- مثل ما بينه الله عز وجل-
واضح في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يقول سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . ويقول تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ . ويقول عز وجل في قصة موسى وهارون لما بعثهما إلى
فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى . فالداعي إلى الله
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 265)
يتحرى الأسلوب الحسن والحكمة في ذلك وهي
العلم بما قاله الله وورد في الحديث النبوي الشريف، ثم الموعظة الحسنة والكلمات الطيبة
التي تحرك القلوب وتذكرها بالآخرة والموت، وبالجنة والنار حتى تقبل القلوب الدعوة وتقبل
عليها وتصغي إلى ما يقوله الداعي. وكذلك إذا كان هناك شبهة يتقدم بها المدعو عالجها
بالتي هي أحسن وأزالها لا بالشدة والعنف ولكن بالتي هي أحسن. فيذكر الشبهة ويزيحها
بالأدلة، ولا يمل ولا يضعف ولا يغضب غضبًا ينفر الداعي بل يتحرى الأسلوب المناسب والبيان
المناسب والأدلة المناسبة، ويتحمل ما قد يثير غضبه لعله يؤدي موعظته بطمأنينة ورفق
لعل الله يسهل قبولها من المدعو .
س 9: كيف تفسرون إحجام بعض الدعاة عن التعاون
مع وسائل الإِعلام .. وكيف يمكن تجاوز تلك الفجوة وإيجاد قناة مفتوحة بين الدعاة ووسائل
الإِعلام؟
جـ 9: لا شك أن بعض أهل العلم قد يتساهل
في هذا الأمر إما لمشاغل دنيوية تشغله، وإما لضعف في العلم، وإما أمراض تمنعه أو أشياء
أخرى يراها وقد أخطأ فيها؛ كأن يرى أنه ليس أهلاً لذلك أو يرى أن غيره قد قام بالواجب
وكفاه إلى غير هذا من الأعذار ونصيحتي لطالب العلم أن لا يتقاعس عن الدعوة ويقول هذا
لغيري، بل يدعو إلى الله على حسب طاقته وعلى حسب علمه ولا يدخل نفسه في ما لا يتسطيع،
بل يدعو إلى الله حسب ما لديه من علم، ويجتهد في أن يقول بالأدلة وألا يقول على الله
بغير علم ولا يحقر نفسه ما دام عنده علم وفقه في الدين. فالواجب عليه أن يشارك في الخير
من جميع الطرق في وسائل الإِعلام وفي غيرها، ولا يقول هذا لغيري؛ فإن كل الناس إن تواكلوا
بمعنى كل واحد يقول هذه لغيري تعطلت الدعوة وقلّ الداعون إلى
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 266)
الله وبقي الجهلة على جهلهم وبقيت الشرور
على حالها، وهذا غلط عظيم، بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا في الدعوة إلى الله أينما
كانوا في المجتمعات الأرضية، والجوية، وفي القطارات والسيارات، وفي المراكب البحرية،
فكلما حصلت فرصة انتهزها طالب العلم في الدعوة والتوجيه، فكلما شارك في الدعوة فهو
على خير عظيم قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ . فالله سبحانه يقول: ليس هناك قول أحسن من هذا،
والاستفهام هنا للنفي؛ أي لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى الله، وهذه فائدة عظيمة ومنقبةٌ
كبيرة للدعاة إلى الله عز وجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من دل على خير فله مثل أجر فاعله ، وقال عليه الصلاة والسلام: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
ولا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا . وقال عليه
الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر : ووالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من
حمر النعم فلا ينبغي للعالم أن يزهد في هذا
الخير أو يتقاعس عنه احتجاجًا بأن فلانًا قد قام بهذا، بل يجب على أهل العلم أن يشاركوا
وأن يبذلوا وسعهم في الدعوة إلى الله أينما كانوا، والعالم كله بحاجة إلى الدعوة مسلمه
وكافره، فالمسلم يزداد علمًا والكافر لعل الله يهديه فيدخل في الإِسلام.
س 10: بعض الدعاة يحتجب عن المشاركة في
وسائل الإِعلام بسبب رفضه لسياسة الصحيفة أو المجلة التي تعتمد على الإِثارة في تسويق
أعدادها... فمما رأي سماحتكم؟ .
جـ 10: الواجب على أصحاب الصحف أن يتقوا
الله وأن يحذروا ما يضر الناس سواء كانت الصحف يومية أو أسبوعية أو شهرية، وهكذا المؤلفون
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 267)
يجب أن يتقوا الله في مؤلفاتهم، فلا يكتبوا
ولا ينشروا بين الناس إلا ما ينفعهم ويدعوهم إلى الخير ويحذرهم عن الشر، أما نشر صور
النساء على الغلاف أو في داخل المجلات أو الصحف فهذا منكر عظيم وشر كبير يدعو إلى الفساد
والباطل، وهكذا نشر الدعوات العلمانية المضللة أو التي تدعوا إلى بعض المعاصي كالزنا
أو السفور أو التبرج أو تدعو إلى الخمر أو تدعو إلى ما حرم الله، فكل هذا منكر عظيم،
ويجب على أصحاب الصحف أن يحذروا ذلك ومتى كتبوا هذه الأشياء كان عليهم مثل آثام من
تأثر بها، فعلى صاحن الصحيفة الذي نشر هذا المقال السيئ سواء كان رئيس التحرير أو من
أمره بذلك عليهم مثل آثام من ضل بهذه الأشياء وتأثر بها، كما أن من نشر الخير ودعا
إليه يكون له مثل أجور من تأثر بذلك. ومن هذا المنطلق يجب على وسائل الإِعلام التي
يتولاها المسلمون أن ينزهوها عن ما حرم الله، وأن يحذروا البث الذي يضر المجتمع حيث
يجب أن تكون هذه الوسائل مركزة على ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وأن يحذروا أن تكون
عوامل هدم وأسباب إفساد لما يبث فيها، وكل واحد من المسؤولين الإِعلاميين مسئول عن
هذا الشيء على حسب قدرته. ويجب على الدعاة أن يطرقوا هذا المجال فيما يكتبون وفيما
ينشرون ويحذروا من ما حرم الله عز وجل، وهذا واجبهم في خطبهم وفي اجتماعاتهم مع الناس،
فكل المجالس مجالس دعوة أينما كان فهو في دعوة سواء في بيته أو في زياراته لإِخوانه،
أو في مجتمعه مع أي أحد، فالواجب عليه أن يستغل هذه الوسائل- وسائل الإِعلام- وينشر
فيها الخير ولا يحتجب عنها.
30. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > توجيهات للأئمة والدعاة
ورجال الحسبة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 46)
توجيهات للأئمة والدعاة ورجال الحسبة
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله،
وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإِني أشكر الله عز وجل على ما مَنَّ به
من هذا اللقاء بإِخوة في الله سبحانه وتعالى؛ من خطباء المساجد، وأئمة المساجد، ورجال
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجماعة من الدعاة إِلى الله عز وجل، وجماعة
من إِخواننا أيضًا ممن يحب الخير ويحب أن يسمع الموعظة، وهذه من نعم الله أشكر الله
عليها، وأسأل الله أن يجعلنا وإِياكم من الهداة المهتدين، وأن يعيذنا جميعًا من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال
المسلمين جميعًا في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم.
ثم لقد سمعت هذه الكلمات الطيبة التي تفضل
بها أصحاب الفضيلة: الشيخ حسن الحجاجي مدير عام فرع وزارة الشئون الإِسلامية والأوقاف
والدعوة والإِرشاد بمنطقة مكة المكرمة ، والشيخ عبد الرحمن السديس إِمام وخطيب المسجد
الحرام، والشيخ أحمد بن موسى السهلي رئيس الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة
الطائف ، والشيخ فراج بن علي العقلا مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بمنطقة مكة المكرمة .
كلها كلمات بحمد الله جيدة ومفيدة، وأنا
أؤيد ما فيها، وجميع
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 47)
ما ذكره المشايخ الأربعة كلمات مفيدة -
والحمد لله - وواقعة في محلها، وأنا أؤيد جميع ما ذكره المشايخ، وخاصة ما ذكره الشيخ
حسن الحجاجي .
لا شك أن الواجب على الوزارة وفقها الله
وإِدارة الشئون الإِسلامية، الواجب عليهما العناية بالمساجد والأئمة والخطباء وأوقاف
المسلمين في هذه المملكة ، لا شك أن الواجب عليهما عظيم، ونسأل الله أن يزيدهما من
التوفيق، ونسأل الله أن يكثر أعوانهما في الخير. الواجب عظيم والحاجة ماسة إِلى مضاعفة
الجهود فيما يتعلق بالدعاة وتكثيرهم، وتوصيتهم، وتحريضهم على القيام بالواجب في تبليغ
دعوة الله إِلى عباد الله في المساجد، والجوامع، والسجون، وفي غير ذلك.
الدعاة إِلى الله جل وعلا عليهم أن يحرصوا
على بذل الدعوة حيث أمكن ذلك؛ في المسجد، وفي المدرسة، وفي السجن، وفي أي مكان يتيسر
لهم، وأن يعتنوا بهذا الأمر في الحاضرة والبادية، وفي الباخرة، وفي السيارة، وفي الطائرة،
أينما كانوا، الدعاة لهم شأن عظيم، هم خلفاء الرسل، وهكذا جميع علماء الشريعة، والدعاة
من خواص العلماء، والله بعث الرسل ليدعو إِلى الحق ويبشروا وينذروا، وعلى رأسهم إِمامهم
وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على العلماء وفقهم الله، وعلى الدعاة
بوجه خاص، وعلى القضاة - الواجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يبلغوا دعوة الله حسب
الطاقة والإِمكان كما قال الله عز وجل: قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 48)
وقال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فعلى الداعي أينما كان والقاضي أينما كان وعلى كل
من لديه علم أن يتقي الله ويبلغ حسب طاقته وحسب علمه، والواجب أن يحذر أن يدعو إِلى
الله بغير علم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ الواجب على
كل داعية وعالم وقاض ومرشد - الواجب عليهم أن يتقوا الله، وأن لا يقولوا بغير علم،
ولا يتكلموا إِلا عن بصيرة وعن علم؛ حتى لا يضلوا الناس، وحتى يبلغوا الناس دعوة الله
وأحكام الله على بصيرة، وأن يصبروا على الأذى في ذلك.
الواجب على الداعي إِلى الله أن يتأدب بالآداب
الشرعية التي قال فيها سبحانه: ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ فالحكمة: هي العلم بما قال الله
عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، مع وضع الأمور في مواضعها، فيتحرى ويضع الأمور
في محلها والكلمة في محلها مع ذكر الدليل، قال الله عز وجل، قال الرسول صلى الله عليه
وسلم، مع الترغيب والترهيب عند الحاجة. هكذا الداعي إِلى الله، وهكذا العالم في دروسه
وفي دعوته إِلى الله عز وجل، وإِن كان غير معين من جهة ولاة الأمور للدعوة، لكنه مأمور
من جهة الله؛ ليعالج الأمور بالدعوة إِلى الله، سواء كان معينًا من جهة ولاة الأمور
أم لا.
والواجب على العلماء أن يقوموا بهذه المهمة،
هذه مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي مهمة العلماء أيضًا، فالواجب على الجميع
أن يدعو إِلى الله، وأن يبشروا الناس وينذروهم بالحكمة والرفق، وبالتي هي أحسن، لا
بالعنف والشدة، ولا بالتشهير بأحد، قال فلان: كذا، أو فعل فلان كذا، فالمقصود: بيان
الحق والدعوة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 49)
إِلى الحق، الدعوة إِلى الالتزام بما شرع
الله وبما أوجب الله، والحذر مما حرم الله ومما وقع في الناس من الشر، فعلى الداعي
إِلى الله أن يحذر من الشر من دون بيان أنه فعل فلان كذا، وفعل فلان كذا. أو فعلت الدولة
كذا، الواجب بيان المنكر والتحذير منه، وبيان الواجب والدعوة إِليه، والدعاء لولاة
الأمور وللمسلمين جميعًا بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل مع الرفق في كل شيء؛
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يكون الرفق
في شيء إِلا زانه، ولا ينزع من شيء إِلا شانه
، ويقول صلى الله عليه وسلم: من يحرم
الرفق يحرم الخير كله ، والأصل في هذا: قوله
جل وعلا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال الله جلّ وعلا لموسى وهارون لما بعثهما إِلى
فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
فالواجب على الدعاة الصبر والاحتساب، وتحري
الحق، والعناية بالأدلة الشرعية والألفاظ الحسنة في دعوتهم، والرفق بالناس مهما أمكن
إِلا الظالم، فإِن الظالم له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
فالظالم له شأن آخر يعامل بما يقتضيه ظلمه
وردعه عن ظلمه، لكن في الجملة: الداعي إِلى الله يتحرى الكلمات الطيبة، ويتحرى الدعوة؛
بالحكمة، والكلام الطيب، والترغيب والترهيب، ويتجنب كل شيء يسبب الفرقة والاختلاف،
ويسبب أيضًا الوحشة بينه وبين الإِخوان.
الواجب على الداعي وعلى العالم أن يتحرى
الألفاظ المناسبة،
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 50)
وأن يرفق في أمره كله، وأن يحرص على الإِخلاص
لله بأن يكون هدفه إِيصال دعوة الله إِلى عباد الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، لا
لرياء ولا سمعة، ولا عن فخر وخيلاء، ولكن يريد وجه الله والدار الآخرة، ثم يريد بعد
ذلك نفع الناس، وإِصلاح أوضاعهم، وتقريبهم من الخير وإِبعادهم عن الشر، وجمع كلمتهم
على الحق، هذا هو المقصود من الداعي والعالم، وهو مقصود الرسل عليهم الصلاة والسلام،
فالمقصود: إِيضاح الحق للناس وبيان ما أوجب الله وما حرم الله، وترغيبهم في الخير وتحذيرهم
من الشر، وجمع كلمتهم على تقوى الله ودينه، كما قال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُوا هكذا جاء القرآن وجاءت السنة،
قال تعالى: الر كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ويقول عز وجل:
كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الأَلْبَابِ
فالواجب على الدعاة إِلى الله جل وعلا أن
يعتنوا بالدعوة، وأن يصبروا، وأن يتحروا الرفق والكلمات الواضحة ، وأن يحرصوا على جمع
الكلمة وعلى تجنب أسباب الفرقة والاختلاف، لا مع الشباب ولا مع الشيب ولا مع الدولة
ولا مع غيرها.
الواجب تحري الحق وتحري العبارات الحسنة
التي توضح الحق وترشد إِليه وتمنع من الباطل، مع الرفق في كل الأمور واجتناب أسباب
الفرقة والاختلاف إِلا من ظلم، أما من ظلم فله شأن آخر مع الهيئة ومع القضاة ومع ولاة
الأمور، الظالم له شأنه وله حكمه، لكن في الجملة: الواجب هو تحري الحق والدعوة إِليه،
كما قال الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 51)
يعني: بما قال الله عز وجل، أو قال الرسول
صلى الله عليه وسلم، مع تحري الوقت المناسب والكلمات المناسبة، ثم قال جل وعلا: وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ يعني: الترغيب والترهيب بالعبارات الحسنة، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ عند الشبهة، وعند الخلاف، يكون الجدال بالتي هي
أحسن، هكذا أمر جل وعلا ونهى بقوله: وَلاَ
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فالواجب على الدعاة وعلى العلماء وعلى كل
ناصح أن يتحرى الحكمة والحق والرفق مع أهله ومع أولاده ومع جيرانه ومع المسلمين عمومًا
في دعوته إِلى الله وإِرشاده أينما كان، ولا سيما فيما يتعلق بالشرك، فإِن الأمر عظيم،
التوحيد والشرك هما أهم الأمور وأعظمها، والتوحيد هو أصل الدين. فالواجب في هذا الأمر
العناية بإِيضاح الحق للناس في توحيد الله وإِرشادهم إِلى الالتزام به، وتحذيرهم من
الشرك كله، دقيقه وكثيره، بالعبارات الحسنة الواضحة؛ لأن الإِنسان الذي ليس عنده علم
يتأثر بكل شيء، فالواجب الرفق به، حتى يتبصر ويتعلم ويعرف دين الله، وهكذا من أسلم
جديدًا يراعى ويلاحظ الرفق به حتى يتفقه في الدين، وهكذا عامة الناس يرفق بهم لكي يتبصروا
ويتعلموا ويعرفوا دين الله، ويعرفوا توحيد الله والإِخلاص له، ويعلموا أن الواجب هو
تخصيص الله بالعبادة: من الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر..
وغير ذلك من أنواع العبادة.
وكثير من الناس يصرف هذه العبادات لأصحاب
القبور، أو للجن، أو للشجر والحجر في بلدان كثيرة، فالواجب على الدعاة إِلى الله -
ولا سيما في المواضع التي يكثر فيها الجهلة، ويكون فيها من قد يدعو غير الله - أن يوضحوا
الأمر لهم، وأن يصبروا على الأذى في ذلك، وأن يتحروا
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 52)
الرفق والعبارات الواضحة والألفاظ البينة؛
حتى يفهم المخاطب ما يريده الداعية، وحتى يرجع عما هو عليه من الباطل، وحتى يسأل عما
أشكل عليه، وتجاب مسألته بما يتضح له به الأمر، ثم الدعوة إِلى الصلاة بعد ذلك والزكاة
والصيام والحج بعدما يوضح له أمر الشهادتين، فالشهادتان هما الأهم، ثم بعد ذلك الصلاة
والزكاة، والصلاة أمرها عظيم فهي عمود الإِسلام، والواجب أن يعتني بها العناية العظيمة
في كل مكان بعد إِفهام الناس التوحيد والشرك، وما يتعلق بالصلاة بعد الشهادتين، فالصلاة
الآن لا يخفى على كل من لديه علم ما وقع فيها من التساهل من كثير من الناس، فالواجب
على الدعاة أن يعتنوا بالصلاة، وأن يحرضوا الناس على المبادرة إِليها والمحافظة عليها
في الجماعة في مساجد الله، وهكذا مع النساء في البيوت ومع الأولاد، كل إِنسان يعتني
بأولاده، بذكورهم وإِناثهم، ويعتني بزوجته، ويعتني بأخواته وإِخوانه، ويعتني بجيرانه
في كل شيء، ولكن أهم شيء الصلاة بعد الشهادتين من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما
سواها أضيع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ، ويقول عليه الصلاة والسلام: رأس الأمر الإِسلام، وعموده الصلاة .
ويقول عمر رضي الله عنه فيما يكتب لعماله:
(إِن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع).
والله ولي التوفيق، وهو المسئول أن يصلح
أحوالنا جميعًا ويهدينا صراطه المستقيم، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان،
إِنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
31. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > س 4: بعض طلبة العلم
لا يهتمون بالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس؛ بحجة أنهم مشغولون
بتحصيل العلم والتفرغ لذلك، فما توجيه سماحتكم لهؤلاء؟
التوجيه بشأن عدم الاهتمام بالدعوة والتعليم
بحجة الانشغال بتحصيل العلم
س 4: بعض طلبة العلم لا يهتمون بالدعوة
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس؛ بحجة أنهم مشغولون بتحصيل العلم والتفرغ
لذلك، فما توجيه سماحتكم لهؤلاء؟
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 177)
ج4 : الواجب على من عنده علم أن يدعو إِلى
الله حسب طاقته ، فكل من عنده علم وبصيرة من طريق الكتاب والسنة عليه أن يدعو إِلى
الله على حسب علمه، وأن لا يقدم إِلا على بصيرة، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
والقول على الله بغير علم جعله الله في
المرتبة العليا من المحرمات، كما قال سبحانه:
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ
بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وأخبر سبحانه: أن القول على الله بغير علم مما يأمر
به الشيطان، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
فالواجب على من عنده علم وبصيرة أن يدعو
إِلى الله بالطريقة التي رسمها الله لعباده في قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فمن الحكمة العلم، قال الله سبحانه، وقال رسوله
صلى الله عليه وسلم، والموعظة الحسنة يعني: الترغيب في الجنة والأجر والسعادة والعاقبة
الحميدة، والترهيب من عذاب الله وغضبه لمن ترك الواجب أو قصر فيه، أو ارتكب المحرم،
ثم قال سبحانه: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ يعني: الأسلوب الحسن في إِزالة الشبهة
وإِيضاح الحق، وقال تعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا
أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ،
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 178)
هذا وهم أهل الكتاب: اليهود والنصارى؛ لأن
الجدال بالتي هي أحسن من أسباب قبول الحق والخضوع له، و الجدال بالعنف من أسباب النفرة
عن الحق وعدم قبوله؛ ولهذا أثنى الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بما منحه الله
من اللين وعدم العنف في الدعوة؛ فقال سبحانه:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فالواجب على الدعاة إِلى الله أن يعتنوا
بهذا الأسلوب الذي رسمه الله لعباده وأمرهم به، وأن يحذروا ما يخالفه، هكذا ينبغي للدعاة
أن يتكلموا بالحق ويصدعوا به، ويصبروا على ذلك، لكن بالأسلوب الحسن، بالعلم والجدال
بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ولا بالتعرض لفلان وفلان، ولكن على الداعي أن يبين
الحق ويدعو إِليه بأدلته، ويبين الباطل ويدعو إِلى تركه بأدلته، يريد ثواب الله والسعادة
لا رياء ولا سمعة، بل يريد وجه الله والدار الآخرة.
32. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > الدعوة إلى الله فرض
كفاية
الدعوة إلى الله فرض كفاية
س8: هل الدعوة واجبة على كل مسلم أم على
جماعة من المتخصصين في أمور الدين وأحكام الشريعة؟
ج8 : الدعوة فرض كفاية، إِذا قام بها من
يكفي في أي بلد أو في أي قرية أو في أي قبيلة سقطت عن الباقين، وصارت في حقهم
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 239)
سنة بشرط أن يكون عندهم علم وعندهم بصيرة
وأهلية للدعوة بقال الله عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وإِذا تعاونوا صار
ذلك أكمل وأطيب، كما قال الله عز وجل: ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وقال تعالى:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الآية.
33. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > مشروعية
الدعوة إلى الله > س: سؤال من: م. أ من
أمريكا يقول: نود من سماحتكم أن تبينوا لنا حكم الدعوة إِلى الله عز وجل وأوجه الفضل
فيها
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 408)
الدعوة إلى الله فرض كفاية
س: سؤال من: م. أ - من أمريكا يقول: نود
من سماحتكم أن تبينوا لنا حكم الدعوة إِلى الله عز وجل وأوجه الفضل فيها .
ج: أما حكمها: فقد دلت الأدلة من الكتاب
والسنة على وجوب الدعوة إِلى الله عز وجل، وأنها من الفرائض، والأدلة في ذلك كثيرة:
منها قوله سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ومنها قوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ومنها قال عز وجل: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ومنها قوله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فبين سبحانه:
أن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم الدعاة إِلى الله، وهم أهل البصائر.
والواجب -كما هو معلوم- هو اتباعه والسير
على منهاجه عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 409)
وصرح العلماء بأن الدعوة إِلى الله عز وجل
فرض كفاية بالنسبة إِلى الأقطار التي يكون فيها الدعاة.
فإِن كل قطر وكل إِقليم يحتاج إِلى الدعوة
وإِلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إِذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب،
وصارت الدعوة في حق الباقين سنة مؤكدة وعملاً صالحًا جليلاً.
وإِذا لم يقم أهل الإِقليم أو أهل القطر
المعين بالدعوة على التمام صار الإِثم عامًّا؛ لأنهم تركوا الواجب.
أما بالنظر إِلى عموم البلاد، فالواجب أن
يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إِلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة تبلغ رسالات الله،
وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة؛ فإِن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث الدعاة
وأرسل الكتب إِلى الناس وإِلى الملوك والرؤساء، ودعاهم إِلى الله عز وجل.
34. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > السبيل الأمثل في الدعوة
إلى الله
السبيل الأمثل في الدعوة إلى الله :
س 4: رسالتان عن السبيل الأمثل للدعوة لله
عز وجل، وعن السبيل الأمثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الرسالتان يذكر أصحابهما:
أنهم يلاحظون أخطاء كثيرة من المسلمين ويتألمون لما يرون ويتمنون أن لو كان في أيديهم
شيء لتغيير المنكر ويرجون التوجيه؟
ج 4 : الله عز وجل قد بين طريق الدعوة،
وماذا ينبغي للداعي، فقال
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 229)
سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي .
فالداعي إلى الله يجب أن يكون على علم وبصيرة
بما يدعو إليه، وفيما ينهى عنه، حتى لا يقول على الله بغير علم، ويجب الإخلاص لله في
ذلك، لا إلى مذهب، ولا إلى رأي فلان أو فلان. ولكنه يدعو إلى الله يريد ثوابه ومغفرته،
ويريد صلاح الناس، فلا بد أن يكون على إخلاص وعلى علم، وقال عز وجل. ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
فهذا بيان كيفية الدعوة ، وأنها تكون بالحكمة
أي بالعلم ( قال الله، وقال الرسول ) سُمي العلم بالحكمة: لأنه يردع عن الباطل، ويعين
على اتباع الحق. ويكون مع العلم موعظة حسنة، وجدال بالتي هي أحسن، عند الحاجة إلى ذلك؛
لأن بعض الناس قد يكفيه بيان الحق بأدلته، لكونه يطلب الحق فمتى ظهر له قبله، فلا يكون
في حاجة إلى الموعظة، وبعض الناس يكون عنده بعض التوقف وبعض الجفاء، فيحتاج إلى الموعظة
الحسنة. فالداعي إلى الله يعظ ويذكر بالله متى احتاج إلى ذلك مع الجهال والغافلين،
ومع المتساهلين حتى يقتنعوا ويلتزموا بالحق، وقد يكون المدعو عنده بعض الشبهات، فيجادل
في ذلك، ويريد كشف الشبهة، فالداعي إلى الله يوضح الحق بأدلته، ويجادله بالتي هي أحسن؛
لإزاحة الشبهة بالأدلة الشرعية، لكن بكلام طيب، وأسلوب حسن، ورفق، لا بعنف وشدة، حتى
لا ينفر المدعو من الحق، ويصر على الباطل، قال الله عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 230)
وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى ، ويقول الرسول صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح: إن الرفق لا يكون في
شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ويقول
صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير
كله .. فالداعي إلى الله عز وجل عليه أن يتحرى
الحق، ويرفق بالمدعو، ويجتهد في الإخلاص لله، وعلاج الأمور بالطريقة التي رسمها الله
وهي الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله
على علم وبصيرة حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيح الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب
لمن عنده جفاء وإعراض وقسوة، فإن القلوب تلين بالدعوة إلى الله، والموعظة الحسنة، وبيان
ما عند الله من الخير لمن قبل الحق، وما عليه من الخطر، إذا رد الدعوة التي جاءت بالحق،
إلى غير هذا من وجوه الموعظة.
وأما أصحاب الحسبة وهم الذين يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر، فعليهم أن يلتزموا بالآداب الشرعية، ويخلصوا لله في عملهم، ويتخلقوا
بما يتخلق به الدعاة إلى الله من حيث الرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى غير
ذلك من الظلمة والمكابرين والمعاندين فحينئذٍ تستعمل معهم القوة الرادعة لقول الله
سبحانه: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ، وقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه
فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان خرجه
مسلم في صحيحه .
أما غيرهم فيعامل في إنكار المنكر والدعوة
إلى المعروف بمثل ما يفعل الداعي: ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويقيم الحجة على ذلك
حتى يلتزم
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 231)
صاحب المنكر بالحق، وينتهي عما هو عليه
من الباطل، وذلك على حسب الاستطاعة، كما قال الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: من رأى منكم منكرًا الحديث.
ومن الآيات الجامعة في ذلك قول الله عز
وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .
وقد توعد الله سبحانه من ترك ذلك، ولعنهم
على لسان داود وعيسى ابن مريم، حيث قال في كتابه الكريم في سورة المائدة: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
(78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ .
فالأمر عظيم والمسئولية كبيرة، فيجب على
أهل الإيمان وأهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم
قدرة وعلم أن ينكروا المنكر ويأمروا بالمعروف، وليس هذا لطائفة معينة، وإن كانت الطائفة
المعينة عليها واجبها الخاص، والعبء الأكبر، لكن لا يلزم من ذلك سقوطه عن غيرها، بل
يجب على غيرها مساعدتها، وأن يكونوا معها في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف حتى يكثر
الخير ويقل الشر، ولا سيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تقم بالمطلوب ولم يحصل بها
المقصود، بل الأمر أوسع، والشر أكثر، فإن مساعدتها من القادرين واجبة بكل حال.
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 232)
أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية
فإنه يسقط بها الوجوب عن غيرها في ذلك المكان المعين أو البلد المعين؛ لأن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المطلوب من إزالة المنكر
والأمر بالمعروف صار في حق الباقين سنة، أما المنكر الذي لا يستطيع أن يزيله غيرك لأنك
الموجود في القرية أو القبيلة أو الحي وليس فيها من يأمر بالمعروف فإنه يتعين عليك
إنكار المنكر والأمر بالمعروف ما دمت أنت الذي علمته، وأنت الذي تستطيع إنكاره، فإنه
يلزمك، ومتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية، من قام به منكما حصل به المقصود، فإن تركتماه
جميعًا أثمتما جميعًا.
فالحاصل أنه فرض على الجميع فرض كفاية،
فمتى قام به من المجتمع أو القبيلة من يحصل به المقصود سقط عن الباقين.
وهكذا الدعوة إلى الله متى تركها الجميع
أثموا، ومتى قام بها من يكفى دعوة وتوجيهًا وإنكارًا للمنكر صارت في حق الباقين سنة
عظيمة؛ لأنه اشتراك في الخير وتعاون على البر والتقوى.
35. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > وظيفة
الداعية > س4: تنشب بين الدعاة بعض الاختلافات
التي تكاد تطغى على نقاط الالتقاء الكثيرة، وكثيرًا ما تؤدي إلى تعطيل العمل الإسلامي
وإلى أنواع من الفتن والانشقاقات والخصومات.. ما هو تعليقكم ونصيحتكم...
س4: تنشب بين الدعاة بعض الاختلافات التي
تكاد تطغى على نقاط الالتقاء الكثيرة، وكثيرًا ما تؤدي إلى تعطيل العمل الإسلامي وإلى
أنواع من الفتن والانشقاقات والخصومات.. ما هو تعليقكم ونصيحتكم للدعاة حول هذا الأمر؟
ج4: نصيحتي للدعاة أن يخلصوا أعمالهم لله
وحده وأن يتعاونوا على البر والتقوى وأن يتفقوا على تحكيم الكتاب والسنة فيما شجر بينهم
عملاً بقول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ
فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا وبذلك يتحد الهدف وتجتمع الجهود وينصر الحق ويهزم
الباطل، ولا يتم هذا كله إلا بالاستعانة بالله والتوجه إليه بطلب التوفيق، والحذر من
اتباع الهوى، قال الله عز وجل: فَإِنْ لَمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ الآية، وقال عز وجل يخاطب نبيه ورسوله داود عليه
الصلاة والسلام: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ
خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الآية.
36. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > وظيفة
الداعية > واجب الدعاة أمام اتهام وسائل
الإعلام العالمية لهم بالتطرف
واجب الدعاة أمام اتهام وسائل الإعلام العالمية
لهم بالتطرف
والإرهاب والأصولية
س 2: دأبت كثير من وسائل الإِعلام العالمية
على اتهام الدعاة بالتطرف والإِرهاب والأصولية، فما توجيه سماحتكم حيال ذلك؟
ج 2: هذا لا ينبغي أن يمنع الدعاة من قول
الحق، ولا ريب أن بعض الدعاة قد يكون عندهم نقص في العلم، وقد يكون عندهم نقص
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 175)
في الأسلوب، وكل إِنسان يؤخذ بذنبه، إِذا
قصر في شيء أو فرط في شيء يوجه للأصلح، ويعلم كيف يأمر وكيف ينهى، وكيف يدعو إِلى الله
عز وجل حتى لا يكون سببًا لمنع الدعاة، وحتى لا يكون سببًا لتعطيل الدعوة.
فالواجب على الداعية إِلى الله أن يكون
على بصيرة، كما قال الله سبحانه: قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
والمعنى: أن يكون عنده علم وبصيرة وفقه في كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة
والسلام، حتى يتكلم عن علم، وحتى يدعو على بصيرة، مع العناية بالأسلوب الحسن وعدم العنف
والشدة، قال الله عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقال سبحانه:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فإِذا استقام الداعية وصبر لا يضره كلام
من تكلم في عرضه أو سعى في منعه أو ما أشبه ذلك، إِنما الواجب عليه: أن يتقي الله،
وأن يراقب الله، وأن يقف عند حدوده حتى لا يكون حجر عثرة في طريق الدعوة، وحتى لا يضيق
على الدعوة بأسبابه، وأن يسلك مسلكًا شرعيًّا؛ بالحكمة، والكلام الطيب، والأسلوب الحسن،
وعدم التعرض للأشخاص، وأن ينكر المنكر، ويدعو إِلى المعروف، ولا ينظر إِلى الناس بأعيانهم
ويتكلم فيهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا .
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 176)
فالداعية إِلى الله يعتني ببيان الحق والدعوة
إِليه، ويعتني ببيان المنكر والتحذير منه، مع كف لسانه عن الكلام في أشخاص الناس، لا
رؤساء الحكومات ولا غيرهم، إِنما المقصود إِنكار المنكر والدعوة إِلى المعروف، هذا
هو المقصود.
37. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > وظيفة
الداعية > مهمة المعلم ( وصفاته)
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 373)
141 - على طريق العلم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من
لا نبي بعده، وبعد:
فمما لا شك فيه أن العلم هو الدعامة الأساسية
التي ترتكز عليها مقومات الحياة البشرية، وأولى العلوم بالاهتمام والعناية هو معرفة
علم الشريعة الإسلامية ، إذ به تعرف الحكمة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى لأجلها وأرسلت
الرسل لتحقيقها وبه عرف الله، وبه عبد كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ وقال سبحانه:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ وبهاتين الآيتين علمت الحكمة في
خلق الجن والإنس، والحكمة في إرسال الرسل. وأي أمة لا عقيدة لها صحيحة، ولا دين عندها
صحيح، فهي أمة جاهلة مهما بلغت من الرقي والتقدم في نواحي الحياة، كما قال سبحانه: أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ
هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 374)
والحياة الطيبة هي حياة أهل العلم والإيمان،
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وقال سبحانه:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ والعلم النافع لا يمكن الحصول عليه إلا بواسطة المعلم،
ولا يمكن لأي إنسان أن يكون معلمًا إلا إذا كان عالمًا بالمادة التي يعلمها غيره، إذ
فاقد الشيء لا يعطيه، والعلماء هم ورثة الأنبياء؛ ولذلك كأنما مهمة المعلم من أصعب
المهام لما تتطلبه من الاتصاف بأكمل الصفات حسب الإمكان من علم نافع، وخلق كريم وعمل
صالح متواصل وصبر ومصابرة وتحمل للمشاق في سبيل إصلاح الطالب، وتربيته تربية إسلامية
نقية، وبقدر ما تتوفر صفات الكمال في المدرس يكون نجاحه في مهمته.
وقدوة الجميع وإمامهم هو سيدنا وإمامنا
محمد بن عبد الله الهاشمي العربي المكي ثم المدني عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم،
فلقد كان أكمل الناس في كل الصفات الكريمة، وقد لاقى في
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 375)
توجيه الناس، وتعليمهم الصعوبات الكثيرة،
والمشاق العظيمة فصبر على ذلك، وتحمل كل مشقة وصعوبة في سبيل نشر دينه، وإخراج أمته
من الظلمات إلى النور، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء الحسن وأكمله.
وقد تربى على يديه الكريمتين جيل صالح يعتبر
أفضل الأجيال التي عرفتها البشرية في تاريخها الطويل. ومعلوم أن ذلك ناشئ عن حسن تربيته
وتوجيهه لأصحابه، وصبره على ذلك بعد توفيق الله لهم وأخذه بأيديهم إلى الحق سبحانه
وتعالى.
إذا علم ذلك فإن من أهم المهمات في حق المعلم
في كل مكان وزمان أن يسير على نهج المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم وأن يجتهد
في معرفة ذلك حتى يطبقه في نفسه، وفي طلابه حسب الإمكان وما أشد حاجة الأمة في هذا
العصر الذي كثر فيه في الهدم وقل فيه دعاة البناء والإصلاح إلى المعلم الصالح الذي
يتلقى علومه، وما يربي به طلابه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وينشر
بينهم أخلاق السلف الصالح من الصدق والأمانة والإخلاص في العمل وتعظيم الأوامر والنواهي
والمسابقة إلى كل فضيلة والحذر من كل رذيلة.
وبما تقدم يعلم أن مهمة المعلم مع كونها
من أصعب المهام فهي مع ذلك من أشرف الوظائف، وأعظمها نفعًا وأجلها قدرًا إذا وفق صاحبها
للإخلاص وحسنت نيته، وبذل جهده، كما أن
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 376)
له من الأجر مثل من انتفع بعلمه. وفي الحديث
الشريف يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: خيركم
من تعلم القرآن وعلمه ويقول عليه الصلاة والسلام: لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم ويقول أيضًا صلى الله عليه وسلم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله ولا ريب أن المعلم هو المربي الروحي للطالب، فينبغي
أن يكون ذا أخلاق فاضلة، وسمت حسن حتى يتأسى به تلامذته، كما ينبغي أن يكون محافظًا
على المأمورات الشرعية بعيدًا عن المنهيات حافظًا لوقته قليل المزاح واسع البال، طلق
الوجه حسن البشر رحب الصدر جميل المظهر، ذا كفاية ومقدرة وسعة اطلاع كثير العلم بالأساليب
العربية؛ ليتمكن من تأدية واجبه على أكمل وجه، ولا شك أن من يعنى بدراسة النفس البشرية
من كافة النواحي ويبحث عن الأسباب الموصلة إلى معرفة الطريقة التي يمكن بواسطتها غرس
العلوم في هذه النفس بسهولة ويسر، سوف يحصل على نتائج طيبة في كشف خفاياها وما انطوت
عليه من مشاعر وأحاسيس ومدى تقبلها للمعلومات المراد غرسها فيها.
وسيخرج من تلك الدراسة والبحث بمعلومات
هي في الحقيقة من القواعد العامة التي يقوم عليها صرح التعليم. وهذه القواعد يمكن إجمالها
في أنه إذا ما أراد أي معلم أن يغرس معلوماته
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 377)
في أذهان تلامذته، فلا بد له قبل كل شيء
أن يكون ذا إلمام تام بالدرس الذي وكل إليه القيام به، وذا معرفة بالغة بطرق التدريس
وكيفية حسن الإلقاء، ولفت نظر طلابه بطريقة جلية واضحة إلى الموضوع الأساسي للدرس وحصره
البحث في موضوع الدرس، دون الخروج إلى هوامش قد تبلبل أفكار التلاميذ، وتفوت عليهم
الفائدة، وأن يسلك في تفهمهم للعلوم التي يلقيها عليهم طرق الإقناع، مستخدمًا وسائل
العرض والتشبيه والتمثيل وأن يركز اهتمامه على الأمور الجوهرية التي هي القواعد الأساسية
لكل درس من الدروس، وأن يغرس في نفوسهم كليات الأشياء ثم يتطرق إلى الجزئيات شيئًا
فشيئًا، إذ المهم في كل أمر أصله، وأما الفروع فهي تبع للأصول وأن يركز المواد، ويقربها
إلى أذهان التلاميذ وأن يحبب إليهم الدرس ويرغبهم في الإصغاء إليه ويعلمهم بفائدته
وغايته أخذًا في الحسبان تفهيم كل طالب ما يلائمه وباللغة التي يفهمها.
فليس كل الطلبة على حد سواء، وأن يفسح المجال
للمناقشة معهم وتحمل الأخطاء التي تأتي في مناقشاتهم؛ لكونها ناتجة عن البحث عن الحقائق،
وأن يشجعهم على كل بحث يفضي إلى وقوفهم على الحقيقة أخذًا في الحسبان عوامل البيئة
والطباع والعادات والمناخ؛ لأن لتلك الأمور تأثيرًا بالغًا في نفسيات التلاميذ
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 378)
ينعكس على أفهامهم وسيرتهم وأعمالهم. ولهذا
فإن من المسلم به أن المعلم النابه الذكي الآخذ بهذه الأمور يكون تأثيره على تلامذته
أبلغ من تأثير من دونه من المعلمين. ومهمة المعلم أشبه ما تكون بمهمة الطبيب. ومن واجبه
أن يعرف ميول طلابه ومدى حظ كل منهم من الذكاء، وعلى أساس هذه المعرفة يقدر المقاييس
الأساسية التي يسير على نهجها في مخاطبة عقولهم وأفهامهم. وتلك من أهم أسباب نجاح المعلم
في مهمته.
وأهم العلوم الواجب تعليمها على الإطلاق
هو: العناية بإصلاح العقيدة على ضوء الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، ثم العناية ببقية
العلوم الشرعية، ثم العلوم الأخرى التي لا غنى للبشر عنها، شريطة أن لا يكون من نتائج
تلك العلوم: الإعراض عن العلم الأساسي الذي خلق الخلق لأجله، وأن تسخر هذه العلوم للمصلحة
العامة دون أن تقف حجرًا في طريق العلم النافع. ولقد هدى الله من هدى لتعلم العلم النافع
وتعليمه بتوفيق منه وفضل وحكمة بالغة فنفع الله بهم العباد والبلاد وفازوا بالذكر الجميل،
والسمعة الحسنة، ومضاعفة الأجر، وحسن العاقبة، وحرم التوفيق آخرين بسبب تنكبهم الطريق
السوي فكانت علومهم وبالاً عليهم وعلى تلاميذهم فضلوا في متاهات الكفر والإلحاد والزندقة
وأضلوا غيرهم فباءوا بمثل إثمهم من عدله سبحانه، وحكمته وجزائه لمن
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 379)
حاد عن الحق وتنكب الصراط السوي، وتابع
الهوى أن يبوء بالخذلان والزيغ عن الهدى، كما قال سبحانه: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وقال تعالى:
وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ والآيات في هذا المعنى كثيرة. ونسأل الله أن يرزقنا
وسائر المسلمين العلم النافع والعمل الصالح، وأن يلطف بنا جميعًا ويمن علينا بالفقه
في دينه والثبات عليه وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وقادتهم وينصر بهم الحق إنه على كل
شيء قدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى
يوم الدين .
38.
39. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > وظيفة
الداعية > الواجب على رجال الهيئة وعلى
الدعاة إلى الله سبحانه من أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا الحق للجاهل وأن يرشدوه
إلى ما غلط فيه وجهل
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 515)
67 - الواجب على رجال الهيئة
أن يوضحوا الحق للجاهل ويرشدوه
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين، أما بعد:
الواجب على رجال الهيئة وعلى الدعاة إلى
الله سبحانه من أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا الحق للجاهل وأن يرشدوه إلى ما غلط
فيه وجهل سواء كان في العقيدة أوفي أحكام عباداته من صلاة أو حج أو غيرهما.
فالواجب على رجل الهيئة والداعي إلى الله
والمدرس في المسجد الحرام وغيره أن يوضح للحجاج ما قد يجهلون، ويرشدهم إلى الحق ولكن
بالأسلوب الحسن والرفق، والحكمة وعدم الشدة أو العنف؛ لأن هذا أدعى لقبول الحق وأقرب
إلى فهمه، هو أقرب إلى السنة، قال الله جل وعلا:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 516)
وقال لموسى وهارون عليهما السلام لما بعثهما
إلى فرعون : فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ، وقال
صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء
إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه .
وإني أوصي رجال الهيئة بالرفق والصبر والتحمل،
والعلاج بالأسلوب الحسن، وهكذا الدعاة إلى الله المرشدون إليه، وهكذا العلماء في كل
مكان، عليهم جميعًا أن يتحروا الرفق والصبر، والتوجه بالأسلوب الحسن الواضح، وباللغات
التي يفهمها المخاطب، حتى يستفيد بقلب مقبل وصدر منشرح.
أما العنف والشدة فهذا ينفر من الحق، ويسبب
الصدود عنه والمخاصمة، إلا من ظلم وتعدى على رجل الهيئة أو الداعية فهذا يرفع أمره
إلى ولاة الأمور بالطريقة المتبعة حسب التعليمات الموجودة.
والواجب علينا جميعًا الصبر والتحمل والعلاج
بالحكمة والتي هي أحسن مهما أمكن كما قال الله سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 517)
ولأن هذا كما قد جاءت به السنة وجاء به
القرآن دلت عليه التجارب مع الناس.. دلت على أن الحكمة والأسلوب الحسن أنفع وأقرب إلى
قبول الحق، وأن الشدة والغلظة والأساليب العنيفة تنفر من الحق وتباعد عن المطلوب.
نسأل الله للجميع التوفيق، وصلى الله وسلم
على محمد .
40. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي
أن يكونوا عليها
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 345)
الأمر الرابع: بيان الأخلاق والصفات التي
ينبغي للدعاة أن
يتخلقوا بها وأن يسيروا عليها:
أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن
يكونوا عليها ، فقد أوضحها الله جل وعلا في آيات كثيرة، في أماكن متعددة من كتابه الكريم.
(أولاً) منها: الإخلاص، فيجب على الداعية
أن يكون مخلصًا لله عز وجل، لا يريد رياءً ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما
يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، كما قال سبحانه:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ . وقال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ . فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهم الأخلاق، هذا
أعظم الصفات أن تكون في دعوتك تريد وجه الله والدار الآخرة.
(ثانيًا) أن تكون على بينة في دعوتك أي
على علم، لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه: قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ . فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو
على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق
الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلابعد العلم به،
والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية،
أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا
إلى ذلك، سواء كان ذلك فعلاً أو تركًا، فيدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله، ويدعو
إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة.
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 346)
(ثالثًا) من الأخلاق التي ينبغي لك أن تكون
عليها أيها الداعية، أن تكون حليما في دعوتك، رفيقا فيها، متحملاً صبورًا، كما فعل
الرسل عليهم الصلاة والسلام، إياك والعجلة، إياك والعنف والشدة، عليك بالصبر، عليك
بالحلم، عليك بالرفق في دعوتك، وقد سبق لك بعض الدليل على ذلك كقوله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وقوله سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ . الآية وقوله جل وعلا في قصة موسى وهارون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى . وفي الحديث الصحيح يقول النبي
صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي
شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه خرجه مسلم في الصحيح ، فعليك يا عبد الله أن ترفق
في دعوتك، ولا تشق على الناس، ولا تنفرهم من الدين، ولا تنفرهم بغلظتك ولا بجهلك، ولا
بأسلوبك العنيف المؤذي الضار، عليك أن تكون حليمًا صبورًا، سلس القياد لين الكلام،
طيب الكلام حتى تؤثر في قلب أخيك، وحتى تؤثر في قلب المدعو، وحتى يأنس لدعوتك ويلين
لها، ويتأثر بها، ويثني عليك بها ويشكرك عليها، أما العنف فهو منفر لا مقرب، ومفرق
لا جامع..
ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي بل يجب
أن يكون عليها الداعية، العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس ممن
يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عنه ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك،
أما المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون
عما ينهون عنه، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ
. وقال
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 347)
سبحانه موبخًا اليهود على أمرهم الناس بالبر
ونسيان أنفسهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ .
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق
أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له يا
فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول بلى كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه،
وأنهاكم عن المنكر وآتيه هذه حال من دعا إلى
الله وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم خالف قوله فعله وفعله قوله، نعوذ بالله من ذلك.
فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية
أن يعمل بما يدعو إليه، وأن ينتهي عما ينهى عنه، وأن يكون ذا خلق فاضل، وسيرة حميدة،
وصبر ومصابرة، وإخلاص في دعوته، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من
الباطل، ومع ذلك يدعو لهم بالهداية، هذا من الأخلاق الفاضلة، أن يدعو لهم بالهداية
ويقول للمدعو هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وترشده
وتصبر على الأذى، ومع ذلك تدعو له بالهداية، قال النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل
عن ( دوس ) إنهم عصوا، قال: اللهم اهد دوسًا
وأت بهم . تدعو له بالهداية والتوفيق لقبول
الحق، وتصبر وتصابر في ذلك، ولا تقنط ولا تيأس ولا تقل إلاخيرًا، لا تعنف ولا تقل كلامًا
سيئًا ينفر من الحق، ولكن من ظلم وتعدى له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
.
فالظالم الذي يقابل الدعوة بالشر والعناد
والأذى ، له حكم آخر، في الإمكان تأديبه على ذلك بالسجن أو غيره، ويكون تأديبه على
ذلك على حسب مراتب الظلم، لكن ما دام كافًّا عن الأذى، فعليك أن تصبر عليه،
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 348)
وتحتسب وتجادله بالتي هي أحسن، وتصفح عما
يتعلق بشخصك من بعض الأذى، كما صبر الرسل وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا لحسن
الدعوة إليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يمنحنا جميعًا الفقه في دينه، والثبات
عليه، ويجعلنا من الهداة المهتدين، والصالحين المصلحين، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى
الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم
الدين.
41. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > الواجب على الدعاة إلى
الله سبحانه والناصحين لعباده
ما هكذا الدعوة إلى إصلاح الأوضاع يا حمد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد:
فقد اطلعت على ما نشر في جريدة السياسة
بعددها 668 في 19 \ 8 \ 1404 هـ لكاتبه حمد السعيدان ، وقد نسب إليَّ هداه الله كلامًا
عن حلق اللحية تجرأ فيه بشيء لم أقله، ومما ذكر أني قلت: أي فتوى تصدر باسمي يجب أن
تكون ممهورة بخاتمي ومصدقة من وزارة الأوقاف الإِِسلامية. وهذا الكلام ظاهر البطلان
لأني لم أشترط يومًا ما تصديق وزارة الأوقاف الإِِسلامية على ما يصدر مني من الفتاوى.
ثم استرسل في الكلام عن حلق اللحية وغيرها وزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى يقتضي بهذا العصر أن نحلق اللحى؛ لأن المجوس واليهود
والسيخ وغيرهم يطلقون اللحى، وقال: ( وعليه يجب مخالفة هذه الفئات نحلق لحانا ).
وقد قام رجال الأزهر بتطبيق هذا الحديث
وهو مخالفة
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 348)
المشركين وغيرهم وحلقوا لحاهم ) إلى آخر
ما قال. ولا شك أن هذا جرأة من الكاتب وسوء أدب منه مع سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فبيانه صلى الله عليه وسلم واضح وأمره واجب الامتثال والتنفيذ ويخشى على مخالفه
من العاقبة السيئة، كما قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ وأمره صلى الله عليه وسلم
بإعفاء اللحية واضح، وتنفيذه واجب إلى قيام الساعة سواء وفر الكفار لحاهم أم حلقوها،
وموافقتهم لنا في شيء من شرعنا كإعفاء اللحية لا يقتضي أن نخالف شرعنا، كما أن دخولهم
في الإِِسلام أمر واجب عليهم ومحبوب لنا ونحن مأمورون بدعوتهم إلى ذلك ولا يقتضي ذلك
خروجنا من الإِِسلام إذا دخلوا فيه حتى نخالفهم، بل علينا أن ندعوهم إلى دين الله وألا
نتشبه بهم فيما خالفوا فيه شرع الله، وهذا أمر معلوم عند جميع أهل العلم.
وهذه الجرأة من الكاتب في حمل الحديث الشريف
على وجوب حلقها؛ لأن بعض المشركين تركوا حلقها جرأة شنيعة في نشر الباطل والدعوة إليه،
ثم هي مخالفة للواقع فليس كل الكفار قد وفروا لحاهم بل فيهم من يعفيها وفيهم من يحلقها.
ولو فرضنا أنهم كلهم أعفوها لم يجز لنا أن نخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فنحلقها
لمخالفتهم، وهذا لا يقوله من له أدنى علم وبصيرة بشرع الله عز وجل، ويلزم عليه لوازم
باطلة ومنكرات كثيرة.
وأما ما ذكره عن شيوخ الأزهر من كونهم حلقوا
لحاهم لمَّا رأوا بعض الكفار قد أعفاها فهذا لو سلمنا صحته لا حجة فيه، فإن مخالفة
بعض المسلمين لما شرعه الله
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 349)
لا يحتج بها على ترك الشرع المطهر، بل الواجب
الإِِنكار على من خالف الشرع والتحذير من الاقتداء به ، لا أن يحتج بعمله على مخالفة
الشرع. وكثير من العلماء قد خالفوا الشرع المطهر في مسائل كثيرة إما لجهل بالدليل،
وإما لأسباب أخرى، ولا يجوز أن يكونوا حجة في جواز مخالفة ما علم من الشرع لكونهم لم
يأخذوا به، بل غاية ما هناك أن يعتذر عنهم بأن الشرع لم يبلغهم أو بلغهم من وجه لم
يثبت لديهم أو لأعذار أخرى، كما بسط ذلك الإِِمام العلامة شيخ الإِِسلام ابن تيمية
رحمه الله في كتابه الجليل: ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ) وقد أجاد فيه وأفاد وأوضح
أعذار أهل العلم فيما خالفوا من الشرع فليراجع فإنه مفيد جدًّا لطالب الحق.
وإني أنصح الكاتب ( حمد ) بأن يتقي الله
ويحذر لمز الملتحين وسوء الظن بهم، كما أنصحه بأن يحسن الظن بجميع إخوانه المسلمين
الذين يحرصون على تطبيق الشريعة ويتتبعون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأسون به
في أقواله وأعماله، وأن يحملهم على أحسن المحامل عملاً بقول الله عز وجل في سورة الحُجُرات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ
مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى
أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ
بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ومعنى قوله: وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي: لا يلمز بعضكم بعضا، واللمز: العيب، ثم قال
سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ الآية، فأمر
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 350)
سبحانه باجتناب كثير من الظن وأخبر أن بعضه
إثم وهو الظن الذي لا دليل عليه ولا أمارة شرعية ترشد إليه.
ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وهذا
كله لا يمنع من نصيحة من أخطأ من أهل العلم أو الدعاة إلى الله في شيء، من عمله أو
دعوته أو سيرته، بل يجب أن يوجه إلى الخير ويرشد إلى الحق بأسلوب حسن، لا باللمز وسوء
الظن والأسلوب العنيف، فإن ذلك ينفر من الحق أكثر مما يدعو إليه، ولهذا قال عز وجل
لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى أكفر الخلق في زمانه: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى وأخبر الله عن نبيه صلى الله
عليه وسلم بما جبله عليه من الرفق والحكمة واللين واللطف في الدعوة فقال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية وأمره سبحانه أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة
والموعظة الحسنة، فقال عز وجل: ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ وهذا الأمر ليس خاصًّا به صلى
الله عليه وسلم بل هو موجه إليه وإلى جميع علماء الأمة وإلى كل داع يدعو إلى حق، لأن
أوامر الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم لا تخصه بل تعم الأمة جميعًا، إلا ما قام
الدليل على أنه خاص به، ولقول الله سبحانه:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الآية، ولقوله عز وجل: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 351)
، وقوله سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وصح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من
يحرم الرفق يحرم الخير كله .
وقال - عليه الصلاة والسلام -: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من
شيء إلا شانه وقال أيضًا - عليه الصلاة والسلام
-: إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على
العنف في أحاديث كثيرة تدل على أن الواجب على
الدعاة إلى الله سبحانه والناصحين لعباده أن يتخيروا الأساليب المفيدة والعبارات التي
ليس فيها عنف ولا تنفير من الحق، والتي يرجى من ورائها انصياع من خالف الحق إلى قبوله
والرضى به وإيثاره والرجوع عما هو عليه من الباطل، وأن لا يسلك في دعوته المسالك التي
تنفر من الحق ويدعو إلى رده وعدم قبوله.
وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه
في دينه، والثبات عليه، والدعوة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من شرور
أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن القول عليه سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير
علم إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى
بهداه إلى يوم الدين .
42. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > أهل العلم من أخلاقهم الدعوة
إلى الله على بصيرة مع العمل وبيان الحق بأدلته الشرعية
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 79)
أخلاق أهل العلم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فهذه كلمة أردتُ أن أوضح فيها أخلاق العلماء
وما ينبغي أن يسيروا عليه تأسيًا بإمامهم الأعظم وقدوتهم في كل خير وهو نبينا محمد
بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، رسول رب العالمين، وقائد الغر المحجلين وإمام الدعاة
إلى سبيل الله أجمعين، ورأيت أن يكون عنوانها " أخلاق أهل العلم "، ولا يخفى
على كل ذي مسكة من علم أن العلماء هم خلفاء الأنبياء؛ لأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا
ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم ، والعلم هو ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله
عليه الصلاة والسلام ولهذا قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة
والسلام، قالت: كان خلقه القرآن ، فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا
إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن
من أوامر ونواهي، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد
عن كل خلق ذمه القرآن، وعاب أهله وهي كلمة جامعة مختصرة عظيمة، فجدير بأهل العلم من
الدعاة والمدرسين والطلبة، جدير بهم أن يعنوا بكتاب الله وأن يقبلوا عليه حتى يأخذوا
منه الأخلاق التي يحبها الله عز وجل، وحتى يستقيموا عليها، وحتى تكون لهم خلقًا ومنهجًا
يسيرون عليه أينما كانوا، يقول عز وجل: إِنَّ
هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
فهو الهادي إلى الطريقة التي هي أقوم الطرق وأهدى السبل، وهل هناك هدف للمؤمن
أعظم من أن يكون على أهدى السبل وأقومها
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 80)
وأصلحها ولا شك أن هذا هو أرفع الأهداف
وأهمها وأزكاها وهو الخلق العظيم الذي مدح الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم
في سورة القلم حيث قال سبحانه وتعالى: ن وَالْقَلَمِ
وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ
لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
فعلى جميع أهل العلم وطلبته أن يعنوا بهذا
الخلق، وأن يقبلوا على كتاب الله قراءة وتدبرًا وتعقلاً وعملاً، يقول سبحانه وتعالى: كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ
وهم أصحاب العقول الصحيحة الذين وهبهم الله التمييز بين الحق والباطل وبين الهدى
والضلال، ومن أراد هذا الخلق العظيم فعليه بالإقبال على كتاب الله عز وجل والعناية
به تلاوة وتدبرًا وتعقلاً ومذاكرة بينه وبين زملائه وسؤالاً لأهل العلم عما أشكل عليه
مع الاستفادة من كتب التفسير المعتمدة - ومع العناية بالسنة النبوية لأنها تفسر القرآن
وتدل عليه، حتى يسر على هذا النهج القويم وحتى يكون من أهل كتاب الله قراءة وتدبرًا
وعملاً، فاليهود عندهم كتاب الله والنصارى عندهم كتاب الله وعلماء السوء من هذه الأمة
عندهم كتاب الله، فماذا صار هؤلاء؟ صاروا من شر الناس لمَّا خالفوا كتاب الله، وغضب
الله عليهم وهكذا أتباعهم من كل من خالف كتاب الله على علم وسار على نهج الغاوين من
اليهود والنصارى وغيرهم، حكمه حكمهم والمقصود أن نعمل بكتاب الله وأن يكون خلقًا لنا
كما كان خلقًا للذين آمنوا قبلنا وهدى وشفاء وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه
وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا
مِنَ الْمُشْرِكِينَ وهذا أيضًا من أخلاقه
عليه الصلاة والسلام، ومن أخلاق أهل العلم جميعًا، أهل العلم والبصيرة أهل العلم والإيمان
أهل العلم والتقوى، أما أهل العلم
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 81)
من غير تقوى وإيمان فليس لهم حظ في ذلك؛
لأن أهل العلم من أخلاقهم الدعوة إلى الله على بصيرة مع العمل وبيان الحق بأدلته الشرعية
قولاً وعملاً وعقيدة، فهم دعاة الخلق وهداتهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة
والسلام، لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً، بل يبلغون الناس دين الله، ويرشدونهم
إلى الحق الذي بعث الله به نبيه عليه الصلاة والسلام ويصبرون على الأذى في جميع الأحوال،
وبهذا يعلم أن من دعا على جهالة فليس على خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وليس على خلق
أهل العلم بل هو مجرم؛ لأن الله سبحانه جعل القول عليه بغير علم فوق مرتبة الشرك، لما
يترتب عليها من الفساد العظيم، قال تعالى في كتابه المبين: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا
بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا
لاَ تَعْلَمُونَ فجعل سبحانه القول عليه بغير
علم في القمة من مراتب المحرمات؛ لأن هذه الآية فيها الترقي من الأدنى إلى ما هو أشد
منه فانتهى إلى الشرك ثم القول على الله بغير علم، وبهذا يعلم خطر القول على الله بغير
علم، وأنه من المنكرات العظيمة والكبائر الخطيرة لما فيه من العواقب السيئة وإضلال
الناس، وفي آية أخرى من سورة البقرة بيَّن سبحانه أن القول عليه بغير علم ممَّا يدعو
إليه الشيطان ويأمر به، فلا ينبغي لطالب العلم أن يسير في ركاب الشيطان، يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ
حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ انظر يا أخي ما
ذكره الله عن هذا العدو المبين وأنه يأمر بالسوء والفحشاء والقول على الله بغير علم
لما يعلم من عظيم الخطر والفساد في القول عليه سبحانه بغير علم؛ لأن القائل على الله
بغير علم يحل الحرام ويحرم
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 82)
الحلال وينهى عن الحق ويأمر بالباطل لجهله،
فالواجب على أهل العلم وطلبته الحذر من القول على الله بغير علم والعناية بالأدلة الشرعية
حتى يكونوا على علم بما يدعون إليه أو ينهون عنه وحتى لا يقولوا على الله بغير علم،
والعلماء بالله هم أعظم الناس خشية لله وأكملهم في الخوف من الله والوقوف عند حدوده،
قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ فكل مسلم يخشى الله
وكل عالم يخشى الله، لكن الخشية متفاوتة، فأعظم الناس خشية لله وأكمل الناس خشية لله
هم العلماء بالله، العلماء بدينه، ليسوا علماء الطب، وليسوا علماء الهندسة، وليسوا
علماء الجغرافيا، وليسوا علماء الحساب، وليسوا علماء كذا وكذا، ولكنهم العلماء بالله
وبدينه وبما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام،
فالرسل والأنبياء هم رأس العلماء وهم قدوة العلماء، وهم الأئمة ومن بعدهم خلفاء لهم،
ورثوا علمهم ودعوا إلى ما دعوا إليه. جاء في الحديث: العلماء ورثة الأنبياء فجدير بأهل العلم - وإن تأخر زمانهم كزماننا هذا
جدير بهم - أن يسلكوا مسلك أوائلهم الأخيار في خشية الله وتعظيم أمره ونهيه والوقوف
عند حدوده، وأن يكونوا أنصارًا للحق ودعاةً للهدى لا يخشون في الحق لومة لائم، وبذلك
ينفع علمهم، وتبرأ ذمتهم وينتفع الناس بهم فقوله سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ يعني الخشية الكاملة، فالخشية الكاملة لأهل العلم،
وأعلاهم الرسل والأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل من أهل العلم على حسب تقواهم لله وعلى
حسب سعة علمهم وعلى حسب قوة إيمانهم وكمال إيمانهم وتصديقهم.
ولما قال بعض الصحابة لما سألوا عن عمل
الرسول - صلى الله عليه وسلم - في السر فكأنهم تقالوه: أين نحن من رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 83)
وما تأخر، كما في الصحيح من حديث عائشة
- رضي الله عنها - فقال بعضهم: أما أنا فأصلي
ولا أنام، وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الآخر: أما أنا فلا أنام على فراشٍ
وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس
وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصلي وأنام
وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني فبين عليه الصلاة والسلام أنه أخشى الناس صلى الله
عليه وسلم، وأنه أتقى الناس لله وأعلمهم بما يتقى - عليه الصلاة والسلام - وهكذا الرسل
قبله هم أعلم الناس بالله وأتقاهم لله ثم يليهم العلماء على مراتبهم، ولكن لا يلزم
من كمال خشية الله والخوف منه أن يكونوا معصومين من الخطأ بل كل عالم قد يخطئ فمتى
بان له الحق رجع إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون . فعلى طالب العلم أن يتحرى الحق بدليله ويجتهد
في ذلك ويسأل ربه التوفيق والإعانة ويخلص النية فإن أخطأ مع ذلك فله أجر واحد وإن أصاب
فله أجران كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالخشية لله تقتضي
الوقوف عند حدود الله والسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا زاد على
ذلك صار تنطعًا وغلوًّا لا يجوز، فالعالم هو الذي يقف عند حدود الله في الإباحة والمنع
وفي العمل والترك، لكنه مع ذلك يكون شديد الحذر أن يقول على الله بغير علم أو يعمل
بخلاف ما علم، فيشابه اليهود في ذلك، وقد ذكر الله سبحانه عن بعض أهل الكتاب العاملين
الأتقياء خصالاً حميدة تذكيرًا لنا بذلك فقال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ ففي التاريخ والقصص عبر كما قال عز وجل. وقال سبحانه: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ
قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 84)
وهذا نموذج من أعمالهم الطيبة، وهذه الصفات
الحميدة ذكرها الله سبحانه عنهم؛ لنقتدي بهم فيها ولنسلك هذا المسلك ونتأسى بأهل الخير
وهكذا في آخر سورة آل عمران يقول جل وعلا:
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْـزِلَ
إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ
اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ
سَرِيعُ الْحِسَابِ فهذه الخصال الحميدة التي
أخذ بها خيار أهل الكتاب ومن هداه الله من علمائهم، إيمان بالله، خشوع وخضوع لله وطاعة
لله سبحانه، وذل بين يديه سبحانه وتعالى، ثم مع ذلك لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً
ولا يجحدون الحق ولا يكتمونه كما فعل علماؤهم الضالون، كتموا سيرة محمد عليه الصلاة
والسلام وكتموا كثيرًا من الحق من أجل حظهم العاجل وما أرادوا من متاع الدنيا، أما
أهل العلم والإيمان من الأولين والآخرين أهل الخوف من الله فإنهم ينطقون بالحق ويصرحون
به ولا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً بل إن من أعمالهم العظيمة بيان الحق والدلالة
عليه والدعوة إليه والتحذير من الباطل والترهيب منه يرجون ثواب الله ويخشون عقابه سبحانه
وتعالى، وقال عز وجل: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا
أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُولُو الأَلْبَابِ وقال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ وبيّن سبحانه في هاتين الآيتين أنه لا يستوي من
يعلم الحق المنزل من عند ربنا - وهو الهدى والصلاح والإصلاح لا يستوي هؤلاء - مع من
هو أعمى
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 85)
لا يعرف الحق ولا يهتدي إليه لفساد تصوره
وانحراف قلبه وفساد لبه، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ فأوضح أن التذكر والتبصر إنما يكون من أولي الألباب،
وهم أولوا العقول الصحيحة السليمة، ثم ذكر صفاتهم العظيمة فقال: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنْقُضُونَ
الْمِيثَاقَ هذه صفات أهل العلم والإيمان وهم
الذين يوفون بعهد الله والذي عهد إليهم يؤدون حقه ويستقيمون على دينه قولاً وعملاً
وعقيدة ولا ينقضون الميثاق، بل يوفون بالمواثيق والعهود والذين يصلون ما أمر الله به
أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، يصلون ما أمر الله به أن يوصل من الاستقامة
على أمر الله والإخلاص لله سبحانه وتعالى واتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم
- لا بد من هذا وهذا، لا بد من توحيد الله ومن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولا
بد من وصل هذا بهذا وذلك بتحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول
الله، وهكذا يتبعون الإيمان بالعمل ومن ذلك بر الوالدين وصلة الرحم ويخشون ربهم الخشية
التي تعينهم على طاعة الله وتمنعهم من معاصي الله، يخشونه سبحانه خشية حقيقية لا مجرد
دعوى تؤثر في قلوبهم وتجعلها خاشعة لله خاضعة له معظمة لحرماته تاركة نواهيه، ممتثلة
أوامره، هكذا أهل العلم والإيمان يخشون ربهم الخشية التي تثمر المتابعة وتؤدي إلى الحق
وترك الباطل وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ هذا من كمال الخشية خوفهم من سوء الحساب، ولهذا
أعدوا العدة واستقاموا على الطريق خوفًا من سوء الحساب يوم القيامة، ثم ذكر سبحانه
الصفتين السادسة والسابعة، فقال سبحانه وتعالى:
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ صبروا على طاعة الله وصبروا عن محارم الله،
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 86)
لا تجلدًا ولا عن رياء، ولكن ابتغاء وجه
الله وابتغاء الزلفى لديه، هكذا أهل الإيمان وأهل العلم بالله يصبرون على الشدائد في
أداء طاعة الله وفي ترك معاصي الله، وبتبليغ رسالة الله مع إقامتهم للصلاة وعدم التفريط
في شيء مما أوجب الله عليهم من هذه العبادة العظيمة التي هي عمود الإسلام وأدوها كما
أمر الله، ثم ذكر سبحانه الصفة الثامنة والتاسعة فقال: وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً
وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
والمعنى أنهم مع هذا ينفقون في مرضاته وفي الإحسان لعباده سرًّا وعلانية، شيء
يراه الناس وشيء لا يراه الناس، يبتغون فضل الله ويبتغون رحمته وإحسانه من الزكاة،
وغيرها يؤدون الزكوات، وينفقون في وجوه الخير مما أعطاهم الله سبحانه، وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ يدرءون بالحسنات السيئات لكمال صبرهم وتحملهم وكظمهم
الغيظ، هكذا العلماء بالله وهكذا الصلحاء من عباده، قال الله تعالى: أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ لهم العاقبة الحميدة، فسرها سبحانه بقوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ
آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ
من ثوابهم على هذه الأعمال السابقة أن الله يشملهم وآبائهم وذرياتهم وأزواجهم
بفضله سبحانه وتعالى ورحمته، فالاستقامة على أمر الله وأداء حقه والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر والثبات على الحق والصبر في ذلك ودرء السيئة بالحسنة - كل هذا من أسباب صلاح
العبد وصلاح آبائه، وأزواجه وذريته واجتماعهم في دار كرامته وزيارة الملائكة لهم مسلمين
عليهم ومرحبين بهم، ومن نعم الله العظيمة على العبد أن يكون سببًا لهداية أبيه وأمه
وزوجته وذريته، وهكذا من نعم الله العظيمة على المرأة أن تكون سببًا لهداية زوجها وأبيها
وأمها وأولادها، ويعلم من الآية الكريمة أن دخول الآباء والأزواج والذريات الجنة مع
أقاربهم إنما هو بسبب صلاحهم
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 87)
لا لمجرد النسب والقرابة ولكن بسبب الصلاح
والاستقامة والاجتهاد في طاعة الله التي هي أعظم واسطة في صلاح العبد وأقربائه وزوجاته
وذرياته واجتماعهم في دار كرامته، وهذه الآية الكريمة تشبه قوله تعالى في سورة سبأ: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي
تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ
جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ وقوله تعالى في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وهكذا ما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات، كلها
تبين أن المنازل العالية والفوز بجنات النعيم والسلامة من عذاب الله وغضبه - كل ذلك
لا يحصل بمجرد الأماني والدعوة ولا بالأنساب والدعوة إنما يحصل ذلك بعد توفيق الله
ورحمته بأسباب الصبر على طاعة الله والصبر عن محارمه والإقبال عليه سبحانه وتعالى والإخلاص
له في العمل والضراعة إليه بطلب التوفيق والهداية مع صبرهم على الشدائد والمشاق في
سبيل الحق وصبرهم على المصائب، بهذا كله حصل لهم الخير العظيم والفوز بدار النعيم،
وهكذا ينبغي لأهل الإيمان وأهل العلم والهداية أن يتخلقوا بهذه الأخلاق العظيمة ويسيروا
عليها حتى تكون لهم العاقبة الحميدة، وحتى تكون لهم عقبى الدار، فلا بد من صبر ولا
بد من إخلاص، ولا بد من صدق، قال تعالى في سورة الإنسان: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا وقال سبحانه في سورة المؤمنون إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ
هُمُ الْفَائِزُونَ وقال في سورة الفرقان لما
ذكر صفات عباد الرحمن العظيمة:
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 88)
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا
وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا
، فهذه الخصال الحميدة التي ذكرها في قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى
الأَرْضِ هَوْنًا الآيات، حصلت لهم بصبرهم
على طاعة الله، وصبرهم عن محارم الله، وصبرهم على المصائب، فلا بد من العناية بهذا
الأمر، وأن نعد له عدته ولا بد أن يعلم طالب العلم أنه لا بد من الصبر وأن الأعمال
العظيمة والخير الكثير، لا يحصل بمجرد الدعوى والرغبة والتمني من دون عمل وصبر، أسأل
الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يوفقنا وسائر المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح وأن
يرزقنا جميعًا التخلق بأخلاق أهل العلم والإيمان، أخلاق الرسل وأتباعهم بإحسان، وأن
يزيدنا وجميع المسلمين من العلم النافع والعمل الصالح والبصيرة النافذة، وأن يعيذنا
جميعًا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، كما نسأله سبحانه أن يوفق القائمين على أمور
المسلمين في كل مكان لكل ما فيه رضاه وصلاح العباد وأن يصلح قادة المسلمين ويعينهم
على طاعة الله ورسوله، وأن يوفقهم لتحكيم شريعته والالتزام بها والتحاكم إليها، والحذر
مما يخالفها، كما أسأله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يمنحهم الفقه
في الدين وأن يعينهم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من كل
ما يخالف شرعه إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه..
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا
محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين،،،،
43. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > ثقافة الداعية
ثقافة الداعية :
س 9: ماذا ينبغي للداعية أن يفعله تجاه
ثقافته، ومم يستمدها حتى تكون دعوته مؤثرة ومستجابة بإذن الله؟
ج 9 : إن الدعوة إلى الله عز وجل من أهم
المهمات، ومن أعظم الفرائض، والناس في أشد الحاجة إليها سواء كان مجتمعًا مسلمًا أو
مجتمعًا كافرًا.
فالمجتمع المسلم بحاجة إلى التنبيه على
ما قد يقع فيه من أخطاء ومنكرات، حتى يتدارك ما وقع من ذلك، وحتى يستقيم على طاعة الله
ورسوله، وحتى ينتهي عن ما نهى الله عنه ورسوله.
والكافر يدعى إلى الله، ويبين له أن الله
خلقه لعبادته، وأن الواجب عليه الدخول في الإسلام والأخذ بما جاء به نبي الهدى عليه
أفضل الصلاة والسلام.
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 236)
ولكن الداعي إلى الله يلزمه مراعاة أمور
مهمة في الدعوة حتى تكون دعوته ناجحة، وتكون عاقبتها حميدة، أعظمها وأهمها العلم..
فلا بد أن يكون لديه العلم، والعلم إنما يؤخذ من كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الكريم
صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ .. قال أهل العلم معناه: على علم؛ لأن العلم بالنسبة
إلى المعلومات كالبصر بالنسبة للمرئيات، فيجب على العالم أن يعلم كيف يأمر، وكيف ينهى،
وكيف يدعو إلى الله، كالبصير الذي يرى أمامه ما يضره من حفر وأشواك ونحو ذلك فيتجنبه.
فالحاصل أن الداعي إلى الله يجب أن يكون
لديه من العلم والبصيرة والثقافة الإسلامية المستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله عليه
من ربه أفضل الصلاة والسلام، ما يمكنه من توجيه الناس إلى الخير، وتحذيرهم من الشر.
وينبغي أن يستعين بكتب أهل العلم المعروفين بالاستقامة والفضل وحسن العقيدة، حتى يكون
على بصيرة فيما يدعو إليه، وينهى عنه.
ثم أمر آخر وهو أن يتحرى في دعوته ويرفق
فيها، فإن كان المدعو يمكن أن يستجيب من غير حاجة إلى موعظة وإلى جدال يوضح له الحق
بالأدلة الشرعية والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع وحصل المقصود.
ومما يلزم في ذلك الإخلاص لله، وأن يحذر
الرياء، وأن يكون في دعوته قاصدًا وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد حمد الناس ولا مراءاتهم،
ولا يقصد عرضًا في الدنيا، إنما يريد وجه الله، ولهذا قال الله سبحانه
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 237)
وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ، وقال سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا .
وهناك أمر آخر، وهو اختيار الألفاظ المناسبة،
والرفق في الكلام، وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها، كما أمر الله بذلك في قوله جل
وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وقوله تعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ ، وهم الكفار من اليهود والنصارى: إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .
فلا بد من الرفق كما قال عليه الصلاة والسلام: إن الرفق لا يكون في شيء إلاَّ زانه ولا ينزع من
شيء إلا شانه .. وقال عليه الصلاة والسلام: من يحرم الرفق يحرم الخير كله فعلى المسلم في دعوته الرفق، والأسلوب الحسن، حتى
يستجاب له، وحتى لا يقابل بالرد أو بالأسلوب الذي لا يناسبه.
فإن بعض الناس لما عنده من الشدة وسوء الخلق
قد يقابل بالشتم والسب الذي يزيد الطين بلة.
فمتى كان الداعي إلى الله ذا أسلوب حسن،
حكيمًا رفيقًا فإنه لا يعدم قبول دعوته أو على الأقل الكلام الحسن والمقابلة الحسنة
من المدعو، الذي يرجى من الرفق به أن يتأثر بدعوته ويستجيب لها، والله المستعان.
44. ئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > الكتب المفيدة في مجال الدعوة
إلى الله
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 238)
الكتب المفيدة في مجال الدعوة إلى الله
:
س 10: هل من كتب معينة ينصح بها سماحة الشيخ،
إلى كل من يود أن يعمل في مجال الدعوة إلى الله؟
ج 10 : أعظم كتاب وأشرف كتاب أنصح به هو
كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فأنصح كل داعٍ إلى الله،
وكل آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، ومعلم ومدرس ومرشد، ذكرًا كان أو أنثى، أن يعتني
بكتاب الله ويتدبره، ويكثر من قراءته.. فهو أصل كل خير، وهو المعلم، وهو الهادي إلى
الخير، كما قال عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ
يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .
وهو يهدي بهداية الله إلى الطريق الأقوم،
إلى سبيل الرشاد.. فالواجب على الدعاة والآمرين بالمعروف، والمعلمين، أن يجتهدوا في
قراءته وتدبر معانيه، فإنهم بذلك يستفيدون الفائدة العظيمة، ويتأهلون بذلك للدعوة والتعليم
بتوفيق الله عز وجل.
ثم أنصح بالسنة، وما جاء فيها من العلم
والهدى، وأن يراجع الداعي إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمدرس ذكورًا
وإناثًا، كتب الحديث، وما ألفه الناس في هذا، حتى يستفيد من ذلك، وأهم كتب الحديث وأصحها،
صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، فليكثر من مراجعتهما والاستفادة منهما، ومن بقية كتب الحديث
كالسنن الأربع، ومسند الإمام أحمد ، وموطأ الإمام مالك وسنن الدارمي وغيرها من كتب
الحديث المعروفة. كما أوصي بمراجعة كتب أهل العلم المفيدة، مثل المنتقى للمجد ابن تيمية
، ورياض الصالحين، وبلوغ المرام، وعمدة الحديث، وجامع العلم وفضله لابن عبد البر ،
وجامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب ، وزاد
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 239)
المعاد في هدي خير العباد للعلامة ابن القيم
، وإعلام الموقعين، وطريق الهجرتين، والطرق الحكمية، كلها له أيضًا.
فقد ذكر رحمه الله في هذه الكتب الشيء الكثير
حول الدعوة، وحول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فينبغي للمسلم أن يستفيد منها لأنها كتب
عظيمة من أئمة وعلماء لهم القدح المعلَّى في هذا السبيل مع حسن العقيدة، والتجارب الكثيرة.
وكذلك ما كتبه أبو العباس شيخ الإسلام ابن
تيمية في السياسة الشرعية، والحسبة في الفتاوى ومنهاج السنة، فهو من الأئمة العظماء
الذين جربوا هذا الأمر، وبرزوا فيه، ونفع الله به الأمة ونصر به الحق، وأذل به البدع
وأهلها فجزاه الله وإخوانه العلماء عن صبرهم وجهادهم أفضل ما جزى به المحسنين، إنه
جواد كريم.
فأنا أنصح كل مسلم، وكل معلم وكل مرشد أن
يعتني بهذه الكتب المفيدة بعد العناية بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما أوصي بالكتب المؤلفة في هذا الباب من
أئمة العلم والهدى في المذاهب الثلاثة، المالكية والشافعية والحنفية ، وغير ذلك من
كتب الحنابلة المعروفين بالعلم والهدى، وحسن العقيدة.
والمقصود أنه يستعين الداعية بكتب أهل العلم
التي ألفت في هذا الباب؛ لأنها ترشده إلى ما يجهله، وتدله على كثير من العلم، قال الله
تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى .. ولا شك أن التعلم والتبصر من
التقوى.
45. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > س 11: ختامًا كيف ترون سماحتكم
الداعية الناجح، وما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر فيه ويكون من شأنها زيادة فعالية
الدعوة والتأثير على المدعوين؟
س 11: ختامًا- كيف ترون سماحتكم الداعية
الناجح، وما هي المواصفات التي يجب أن تتوفر فيه ويكون من شأنها زيادة فعالية الدعوة
والتأثير على المدعوين؟
جـ 11: الداعية الناجح هو الذي يعتني بالدليل
ويصبر على الأذى ويبذل وسعه
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 268)
في الدعوة إلى الله مهما تنوعت الإِغراءات
ومهما تلوع من التعب، ولا يضعف من أذى أصابه أو من أجل كلمات يسمعها، بل يجب أن يصبر
ويبذل وسعه في الدعوة من جميع الوسائل ولكن مع العناية بالدليل والأسلوب الحسن حتى
تكون الدعوة على أساس متين يرضاه الله ورسوله والمؤمنون، وليحذر من التساهل حتى لا
يقول على الله بغير علم، فيجب أن تكون لديه العناية الكاملة بالأدلة الشرعية وأن يتحمل
في سبيل ذلك المشقة في كونه يدعو إلى الله عن طريق وسائل الإِعلام أو عن طريق التعليم،
فهذا هو الداعية الناجح والمستحق للثناء الجميل ومنازل عالية عند الله إذا كان ذلك
عن إخلاص منه لله .
46. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > سؤال: نرجو عرض ما ينبغي للداعية
أن يفعله تجاه ثقافته؟ ومم يستمد ثقافته حتى تكون دعوته مؤثرة ومستجابة بإذن الله؟
ثقافة الداعية
سؤال:
نرجو عرض ما ينبغي للداعية أن يفعله تجاه
ثقافته؟ ومم يستمد ثقافته حتى تكون دعوته مؤثرة ومستجابة بإذن الله؟
الجواب:
إن الدعوة إلى الله عز وجل من أعظم المهمات
ومن أهم الفرائض، وكل مجتمع من الناس في أشد الحاجة إليها سواء كان مجتمعًا مسلمًا
أو مجتمعًا كافرًا. فالمجتمع المسلم في حاجة إلى المزيد من العلم، وإلى التنبيه إلى
ما قد يقع منه من أغلاط أو منكرات حتى يدرك ما وقع منه من الأخطاء، وحتى يستقيم على
طاعة الله ورسوله وحتى ينتهي عما نهى الله ورسوله، والمجتمع الكافر يُدعى إلى الله،
ويبين أن الله خلقه لعبادته، وأن الواجب عليه الدخول في الإِسلام والالتزام بما جاء
به نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن الداعي
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 321)
إلى الله تلزمه أمور لا بد من مراعاتها
حتى تكون دعوته ناجحة وحتى تكون لها العاقبة الحميدة. فأعظمها وأهمها العلم، والعلم
إنما يؤخذ من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم كما قال عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، قال
أهل العلم في معنى قوله تعالى: عَلَى بَصِيرَةٍ يعني على علم، لأن العالم بعلمه بالنسبة إلى المعلومات
كالبصير بالنسبة إلى المرئيات، فهو يعلم كيف يأمر وكيف ينهى وكيف يدعو إلى الله، كما
أن الرائي يرى ما أمامه حتى يتجنب ما يضره من حفر وأشواك ونحو ذلك.
ثم أمر آخر وهو أن يكون رفيقًا في دعوته
وألا يعجل في ذلك حتى يضع الأمور في مواضعها. فإن كان المدعو ممن يفهم العلم ويمكن
أن يستجيب من دون حاجة إلى موعظة أو جدال وضح له الحق وأرشد إليه بالأدلة الشرعية والكلام
الطيب والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع وحصل المطلوب. وإن كان ممن لديه
جفاء وإعراض وغفلة وعدم مبالاة، نُصِحَ ووعظ بالتي هي أحسن وذكر بالله لعله يستجيب
ويقبل الحق، فإن كان ذا شبهة ومجادلة رفق به وجادله بالتي هي أحسن حتى يزيل شبهته ويوضح
له الحق الذي أشكل عليه وحتى لا تبقى شبهة يتشبث بها في ترك الحق أو في الاستمرار على
الباطل، وهذه المعاني قد دل عليها قول الله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 322)
ومما يلزم الداعي إلى الله عز وجل الإِخلاص
لله، وأن يحذر الرياء، وأن يكون في دعوته يقصد وجه الله والدار الآخرة لا رياء الناس
ولا مدحهم أو قصد عرض في الدنيا، فالمؤمن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة ولهذا قال
تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا
إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
وهناك شيء آخر وهو تحري الألفاظ المناسبة
والرفق في الكلام وعدم الغلظة إلا عند الضرورة إليها كما قال عز وجل: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وقال تعالى:
وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، يعني اليهود والنصارى إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ، فلا بد من العناية بالرفق كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في الشيء إلا
زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه ، وقال عليه
الصلاة والسلام: من يحرم الرفق يحرم الخير
كله ، فعلى المؤمن في دعوته الرفق والأسلوب
الحسن حتى يستجاب له، وحتى لا يقابل بالرد أو بالأسلوب الذي لا يناسب الداعي إلى الله،
فإن بعض الناس عند الشدة قد يقابل بسببها بالسب والشتم والأسلوب الرديء مما يزيد الطين
بلة، ولكن متى كان الداعي إلى الله رفيقًا ذا أسلوب صالح فإنه لن يعدم - إن شاء الله
- قبول دعوته أو على الأقل المقابلة الحسنة والكلام الطيب الذي يرجى من ورائه
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 323)
أن يتأثر المدعو بالدعوة والله ولي التوفيق
.
47.
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > أهل العلم من أخلاقهم الدعوة
إلى الله على بصيرة مع العمل وبيان الحق بأدلته الشرعية
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 270)
أخلاق أهل العلم .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام
على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فهذه كلمة أردتُ أن أوضح فيها أخلاق العلماء
وما ينبغي أن يسيروا عليه تأسيا بإمامِهم الأعظم وقدوتهم في كل خير وهو نبينا محمد
بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، رسول رب العالمين، وقائد الغر المحجلين وإمام الدعاة
إلى سبيل الله أجمعين، ورأيت أن يكون عنوانها " أخلاق أهل العلم "، ولا يخفى
على كل ذي مسكة من علم أن العلماء هم خلفاء الأنبياء؛ لأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا
ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم ، والعلم هو ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله
عليه الصلاة والسلام ولهذا قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة
والسلام، قالت: كان خلقه القرآن ، فهذه الكلمة العظيمة من عائشة
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 271)
رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه
الصلاة والسلام هي اتباع القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهٍ وهي
التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن،
وعاب أهله وهي كلمة جامعة مختصرة عظيمة، فجدير بأهل العلم من الدعاة والمدرسين والطلبة،
جدير بهم أن يعنوا بكتاب الله وأن يقبلوا عليه حتى يأخذوا منه الأخلاق التي يحبها الله
عز وجل، وحتى يستقيموا عليها، وحتى تكون لهم خلقًا ومنهجا يسيرون عليه أينما كانوا،
يقول عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ فهو الهادي إلى الطريقة
التي هي أقوم الطرق وأهدى السبل، وهل هناك هدف للمؤمن أعظم من أن يكون على أهدى السبل
وأقومها وأصلحها ولا شك أن هذا هو أرفع الأهداف وأهمها وأزكاها وهو الخلق العظيم الذي
مدح الله به نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في سورة القلم حيث قال سبحانه وتعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ
لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 272)
فعلى جميع أهل العلم وطلبته أن يعنوا بهذا
الخلق، وأن يقبلوا على كتاب الله قراءة وتدبرًا وتعقلاً وعملاً، يقول سبحانه وتعالى: كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ
وهم أصحاب العقول الصحيحة الذين وهبهم الله التمييز بين الحق والباطل وبين الهدى
والضلال، ومن أراد هذا الخلق العظيم فعليه بالإقبال على كتاب الله عز وجل والعناية
به تلاوة وتدبرًا وتعقلاً ومذاكرة بينه وبين زملائه وسؤالاً لأهل العلم عما أشكل عليه
مع الاستفادة من كتب التفسير المعتمدة - ومع العناية بالسنة النبوية لأنها تفسر القرآن
وتدل عليه، حتى يسر على هذا النهج القويم وحتى يكون من أهل كتاب الله قراءة وتدبرًا
وعملاً.
فاليهود عندهم كتاب الله والنصارى عندهم
كتاب الله وعلماء السوء من هذه الأمة عندهم كتاب الله، فماذا صار هؤلاء؟ صاروا من شر
الناس لمّا خالفوا كتاب الله، وغضب الله عليهم وهكذا أتباعهم من كل من خالف كتاب الله
على علم وسار على نهج الغاوين من اليهود والنصارى وغيرهم، حكمه حكمهم والمقصود أن نعمل
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 273)
بكتاب الله وأن يكون خلقًا لنا كما كان
خلقًا للذين آمنوا قبلنا وهدى وشفاء وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وهذا أيضًا من أخلاقه عليه الصلاة والسلام، ومن
أخلاق أهل العلم جميعًا، أهل العلم والبصيرة أهل العلم والإيمان، أهل العلم والتقوى،
أما أهل العلم من غير تقوى وإيمان فليس لهم حظ في ذلك؛ لأن أهل العلم من أخلاقهم الدعوة
إلى الله على بصيرة مع العمل وبيان الحق بأدلته الشرعية قولاً وعملاً وعقيدة، فهم دعاة
الخلق وهداتهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، لا يشترون بآيات
الله ثمنًا قليلاً، بل يبلغون الناس دين الله، ويرشدونهم إلى الحق الذي بعث الله به
نبيه عليه الصلاة والسلام، ويصبرون على الأذى في جميع الأحوال، وبهذا يعلم أن من دعا
على جهالة فليس على خلق النبي صلى الله عليه وسلم، وليس على خلق أهل العلم بل هو مجرم؛
لأن الله سبحانه جعل القول عليه بغير علم فوق مرتبة
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 274)
الشرك لما يترتب عليها من الفساد العظيم،
قال تعالى في كتابه المبين: قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَـزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ فجعل سبحانه القول عليه بغير علم في القمة من مراتب
المحرمات؛ لأن هذه الآية فيها الترقي من الأدنى إلى ما هو أشد منه فانتهى إلى الشرك
ثم القول على الله بغير علم، وبهذا يعلم خطر القول على الله بغير علم، وأنه من المنكرات
العظيمة والكبائر الخطيرة لما فيه من العواقب السيئة وإضلال الناس، وفي آية أخرى من
سورة البقرة بين سبحانه أن القول عليه بغير علم ممّا يدعو إليه الشيطان ويأمر به، فلا
ينبغي لطالب العلم أن يسير في ركاب الشيطان، يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ
حَلاَلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ
مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى
اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ انظر يا أخي ما
ذكره الله
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 275)
عن هذا العدو المبين وأنه يأمر بالسوء والفحشاء
والقول على الله بغير علم لما يعلم من عظيم الخطر والفساد في القول عليه سبحانه بغير
علم؛ لأن القائل على الله بغير علم يحل الحرام ويحرم الحلال وينهى عن الحق ويأمر بالباطل
لجهله، فالواجب على أهلي العلم وطلبته الحذر من القول على الله بغير علم، والعناية
بالأدلة الشرعية حتى يكونوا على علم بما يدعون إليه أو ينهون عنه وحتى لا يقولوا على
الله بغير علم، والعلماء بالله هم أعظم الناس خشية لله وأكملهم في الخوف من الله والوقوف
عند حدوده، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ فكل مسلم يخشى
الله وكل عالم يخشى الله، لكن الخشية متفاوتة، فأعظم الناس خشية لله وأكمل الناس خشية
لله هم العلماء بالله، العلماء بدينه، ليسوا علماء الطب، وليسوا علماء الهندسة، وليسوا
علماء الجغرافيا، وليسوا علماء الحساب، وليسوا علماء كذا وكذا، ولكنهم العلماء بالله
وبدينه وبما جاء به رسوله عليه الصلاة والسلام وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام،
فالرسل والأنبياء هم رأس العلماء
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 276)
وهم قدوة العلماء، وهم الأئمة ومن بعدهم
خلفاء لهم، ورثوا علمهم ودعوا إلى ما دعوا إليه. جاء في الحديث: العلماء ورثة الأنبياء فجدير بأهل العلم - وإن تأخر زمانهم كزماننا هذا
جدير بهم - أن يسلكوا مسلك أوائلهم الأخيار في خشية الله وتعظيم أمره ونهيه والوقوف
عند حدوده، وأن يكونوا أنصارًا للحق ودعاةً للهدى لا يخشون في الحق لومة لائم، وبذلك
ينفع عملهم، وتبرأ ذمتهم وينتفع الناس بهم فقوله سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ يعني الخشية الكاملة، فالخشية الكاملة لأهل العلم،
وأعلاهم الرسل والأنبياء، ثم الأمثل من أهل العلم على حسب تقواهم لله وعلى حسب سعة
علمهم وعلى حسب قوة إيمانهم وكمال إيمانهم وتصديقهم.
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 277)
ولما قال بعض الصحابة لما سألوا عن عمل
الرسول صلى الله عليه وسلم في السر فكأنهم تقالوه: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما في الصحيح من حديث عائشة - رضي
الله عنها - فقال بعضهم: أما أنا فأصلي ولا
أنام، وقال الآخر: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فلا أنام على فراش،
وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس
وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصلي وأنام
وأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني فبين عليه الصلاة والسلام أنه أخشى الناس صلى الله
عليه وسلم، وأنه أتقى الناس لله وأعلمهم بما يتقى - عليه الصلاة والسلام - وهكذا الرسل
قبله هم أعلم الناس بالله وأتقاهم لله ثم يليهم العلماء على مراتبهم، ولكن لا يلزم
من كمال خشية الله والخوف منه أن يكونوا معصومين من الخطأ، بل كل عالم قد يخطئ فمتى
بان له
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 278)
الحق رجع إليه، كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين
التوابون . فعلى طالب العلم أن يتحرى الحق
بدليله ويجتهد في ذلك ويسأل ربه التوفيق والإعانة ويخلص النية فإن أخطأ مع ذلك فله
أجر واحد وإن أصاب فله أجران كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالخشية لله تقتضي الوقوف عند حدود الله والسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإذا زاد على ذلك صار تنطعًا وغلوًّا لا يجوز، فالعالم هو الذي يقف عند حدود الله في
الإباحة والمنع وفي العمل والترك، لكنه مع ذلك يكون شديد الحذر أن يقول على الله بغير
علم أو يعمل بخلاف ما علم، فيشابه اليهود في ذلك، وقد ذكر الله سبحانه عن بعض أهل الكتاب
العاملين الأتقياء خصالاً حميدة تذكيرًا لنا بذلك فقال تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ ففي التاريخ والقصص
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 279)
عبر كما قال عز وجل. وقال سبحانه: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ
قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وهذا نموذج من أعمالهم الطيبة، وهذه الصفات الحميدة
ذكرها الله سبحانه عنهم لنقتدي بهم فيها ولنسلك هذا المسلك ونتأسى بأهل الخير وهكذا
في آخر سورة آل عمران يقول جل وعلا: وَإِنَّ
مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا
أُنْـزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا
قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فهذه الخصال الحميدة التي أخذ بها خيار أهل الكتاب
ومن هداهم الله من علمائهم، إيمان بالله، خشوع وخضوع لله وطاعة لله سبحانه، وذل بين
يديه سبحانه وتعالى، ثم مع ذلك لا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً ولا يجحدون الحق
ولا يكتمونه كما فعل علماؤهم الضالون، كتموا سيرة محمد عليه الصلاة والسلام، وكتموا
كثيرًا من الحق
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 280)
من أجل حظهم العاجل وما أرادوا من متاع
الدنيا، أما أهل العلم والإيمان من الأولين والآخرين أهل الخوف من الله فإنهم ينطقون
بالحق ويصرحون به، ولا يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً، بل إن من أعمالهم العظيمة بيان
الحق والدلالة عليه والدعوة إليه والتحذير من الباطل والترهيب منه، يرجون ثواب الله
ويخشون عقابه سبحانه وتعالى، وقال عز وجل:
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ
هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ وقال تعالى:
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا
يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ وبين سبحانه
في هاتين الآيتين أنه لا يستوي من يعلم الحق المنزل من عند ربنا - وهو الهدى والصلاح
والإصلاح لا يستوي هؤلاء - مع من هو أعمى لا يعرف الحق ولا يهتدي إليه لفساد تصوره
وانحراف قلبه وفساد لبه، لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، ولهذا قال: إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ فأوضح أن التذكر والتبصر إنما يكون من أولي الألباب،
وهم أولوا العقول الصحيحة السليمة،
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 281)
ثم ذكر صفاتهم العظيمة فقال: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يَنْقُضُونَ
الْمِيثَاقَ هذه صفات أهل العلم والإيمان وهم
الذين يوفون بعهد الله، والذي عهد إليهم، يؤدون حقه ويستقيمون على دينه قولاً وعملاً
وعقيدة ولا ينقضون الميثاق، بل يوفون بالمواثيق والعهود، والذين يصلون ما أمر الله
به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، يصلون ما أمر الله به أن يوصل من الاستقامة
على أمر الله والإخلاص لله سبحانه وتعالى واتباع سنة الرسول لا بد من هذا وهذا، لا
بد من توحيد الله ومن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بد من وصل هذا بهذا وذلك
بتحقيق الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهكذا يتبعون الإيمان
بالعمل ومن ذلك بر الوالدين وصلة الرحم ويخشون ربهم الخشية التي تعينهم على طاعة الله
وتمنعهم من معاصي الله، يخشونه سبحانه خشية حقيقية لا مجرد دعوى تؤثر في قلوبهم وتجعلها
خاشعة لله، خاضعة له، معظمة لحرماته، تاركة نواهيه، ممتثلة أوامره، هكذا أهل العلم
والإيمان يخشون ربهم الخشية التي تثمر المتابعة وتؤدي إلى الحق وترك الباطل
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 282)
وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ هذا من كمال الخشية خوفهم من سوء الحساب، ولهذا
أعدوا العدة واستقاموا على الطريق خوفًا من سوء الحساب يوم القيامة، ثم ذكر سبحانه
الصفتين السادسة والسابعة، فقال سبحانه وتعالى:
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ صبروا على طاعة الله وصبروا عن محارم الله، لا تجلدًا
ولا عن رياء، ولكن ابتغاء وجه الله وابتغاء الزلفى لديه، هكذا أهل الإيمان وأهل العلم
بالله يصبرون على الشدائد في أداء طاعة الله وفي ترك معاصي الله، وبتبليغ رسالة الله
مع إقامتهم للصلاة وعدم التفريط في شيء مما أوجب الله عليهم من هذه العبادة العظيمة
التي هي عمود الإسلام وأدوها كما أمر الله، ثم ذكر سبحانه الصفة الثامنة والتاسعة فقال: وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً
وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
والمعنى أنهم مع هذا ينفقون في مرضاته وفي الإحسان لعباده سرًّا وعلانية، شيء
يراه الناس وشيء لا يراه الناس، يبتغون فضل الله ويبتغون رحمته
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 283)
وإحسانه من الزكاة، وغيرها يؤدون الزكوات،
وينفقون في وجوه الخير مما أعطاهم الله سبحانه،
وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ
يدرءون بالحسنات السيئات لكمال صبرهم وتحملهم وكظمهم الغيظ، هكذا العلماء بالله
وهكذا الصلحاء من عباده، قال الله تعالى: أُولَئِكَ
لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ لهم العاقبة الحميدة،
فسرها سبحانه بقوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ من ثوابهم على هذه الأعمال السابقة أن الله يشملهم
وآبائهم وذرياتهم وأزواجهم بفضله سبحانه وتعالى ورحمته، فالاستقامة على أمر الله وأداء
حقه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والثبات على الحق والصبر في ذلك ودرء السيئة
بالحسنة، كل هذا من أسباب صلاح العبد وصلاح آبائه، وأزواجه وذريته واجتماعهم في دار
كرامته وزيارة الملائكة لهم مسلمين عليهم ومرحبين بهم، ومن نعم الله العظيمة على العبد
أن يكون سببا لهداية أبيه وأمه وزوجته وذريته، وهكذا من نعم الله العظيمة على المرأة
أن تكون سببًا لهداية زوجها وأبيها وأمها وأولادها، ويعلم من الآية الكريمة أن دخول
الآباء والأزواج والذريات الجنة
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 284)
مع أقاربهم إنما هو بسبب صلاحهم لا لمجرد
النسب والقرابة، ولكن بسبب الصلاح والاستقامة والاجتهاد في طاعة الله التي هي أعظم
واسطة في صلاح العبد وأقربائه وزوجاته وذرياته واجتماعهم في دار كرامته، وهذه الآية
الكريمة تشبه قوله تعالى في سورة سبأ: وَمَا
أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا
مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا
وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ وقوله تعالى
في سورة الحجرات: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وهكذا ما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات، كلها
تبين أن المنازل العالية والفوز بجنات النعيم والسلامة من عذاب الله وغضبه، كل ذلك
لا يحصل بمجرد الأماني والدعوة، ولا بالأنساب والدعوة، إنما يحصل ذلك بعد توفيق الله
ورحمته بأسباب الصبر على طاعة الله والصبر عن محارمه والإقبال عليه سبحانه وتعالى والإخلاص
له في العمل، والضراعة إليه بطلب التوفيق
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 285)
والهداية مع صبرهم على الشدائد والمشاق
في سبيل الحق وصبرهم على المصائب، بهذا كله حصل لهم الخير العظيم والفوز بدار النعيم،
وهكذا ينبغي لأهل الإيمان وأهل العلم والهداية أن يتخلقوا بهذه الأخلاق العظيمة ويسيروا
عليها حتى تكون لهم العاقبة الحميدة، وحتى تكون لهم عقبى الدار، فلا بد من صبر ولا
بد من إخلاص، ولا بد من صدق، قال تعالى في سورة الإنسان: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا وقال سبحانه في سورة المؤمنون: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ
هُمُ الْفَائِزُونَ وقال في سورة الفرقان لما
ذكر صفات عباد الرحمن العظيمة: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ
الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا . فهذه الخصال الحميدة التي ذكرها في قوله: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى
الأَرْضِ هَوْنًا ( الآيات ) حصلت لهم بصبرهم
على طاعة الله، وصبرهم عن محارم الله، وصبرهم على المصائب،
( الجزء رقم : 23، الصفحة رقم: 286)
فلا بد من العناية بهذا الأمر، وأن نعد
له عدته ولا بد أن يعلم طالب العلم أنه لا بد من الصبر، وأن الأعمال العظيمة والخير
الكثير، لا يحصل بمجرد الدعوى والرغبة والتمني من دون عمل وصبر، أسأل الله تعالى بأسمائه
وصفاته أن يوفقنا وسائر المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا جميعا التخلق
بأخلاق أهل العلم والإيمان، أخلاق الرسل وأتباعهم بإحسان، وأن يزيدنا وجميع المسلمين
من العلم النافع والعمل الصالح والبصيرة النافذة، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا، كما نسأله سبحانه أن يوفق القائمين على أمور المسلمين في كل مكان
لكل ما فيه رضاه وصلاح العباد، وأن يصلح قادة المسلمين ويعينهم على طاعة الله ورسوله،
وأن يوفقهم لتحكيم شريعته والالتزام بها والتحاكم إليها، والحذر مما يخالفها، كما أسأله
عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يعينهم على
ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من كل ما يخالف شرعه إنه جل وعلا
ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا
محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
48.
49. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > صفات
الداعية > الداعي إلى الله تعالى أنه في
حاجة شديدة إلى الفقه في الدين
7 - مراتب الدعوة إلى الله تعالى
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فإن الدعوة إلى الله تعالى من أهم الواجبات الإسلامية ، وهي سبيل الرسل وأتباعهم
إلى يوم القيامة، وقد أمر الله بها في كتابه الكريم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 171)
وأثنى على أهلها غاية الثناء، فقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . وقال تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فانظر أيها القارئ
الكريم، كيف أمر الله سبحانه في الآية الأولى بالدعوة إليه، وأوضح مراتب الدعوة حتى
يكون الداعي في هذا السبيل العظيم على بصيرة؛ وما ذاك إلا لأن المدعوين أصناف كثيرة
وطبقات مختلفة.
فمنهم: الراغب في الخير، ولكنه غافل قليل
البصيرة، فيحتاج إلى دعوته بحكمة: وهي تفهيمه الحق وإرشاده إليه، وتنبيهه على ما فيه
من المصلحة العاجلة والآجلة، فعند ذلك يقبل الدعوة وينتبه من غفلته وجهله ويبادر إلى
الحق. ومنهم: المعرض عن الحق المشتغل بغيره، فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب
والترهيب، والتنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلة وعلى ما في
خلافه من الشقاء والفساد وسيئ العواقب؛ ولعله بهذا يجيب إلى الحق ويترك ما هو عليه
من
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 172)
الباطل. ولا ريب أن هذا المقام مقام عظيم
يحتاج الداعي فيه إلى مزيد من الصبر والحلم والرفق بالمدعو؛ تأسيًّا بإمام الدعاة وسيدهم
وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. الطبقة الثالثة من الناس: من له شبهة قد
حالت بينه وبين فهم الحق والانقياد له، فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن،
حتى يفهم الحق وتنزاح عنه الشبهة. ومثل هذا يجب على الداعي أن يرفق به أكثر من الذين
قبله، وأن يصبر على مناقشة واقتلاع جذور الشبهة من قلبه، وذلك بإيضاح الأدلة الدالة
على الحق وتنويعها وشرحها شرحًا وافيًا جليًّا على حسب لغة المدعو وعرفه، إذ ليس كل
أحد يفهم اللغة العربية فهمًا جيدًا، وإن كان من أهل العلم، فإنه قد يدخل عليه من لغته
وعادته وعادة قومه ما يُلبس عليه المعنى الذي أراده الشارع؛ فيحصل بذلك خطأ كبير، وقول
على الله ورسوله بغير علم.
ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما يترتب
على ذلك من الفساد الكبير في الدنيا والآخرة. ومن هنا يعلم الداعي إلى الله تعالى أنه
في حاجة شديدة إلى الفقه في الدين ، والبصيرة بأحكام الشريعة، والمعرفة بلغة المدعوين
وعرفهم، وذلك يوجب عليه التوسع في فهم الكتاب والسنة،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 173)
والعناية بمعرفة ما أراد الله ورسوله صلى
الله عليه وسلم، والعناية أيضًا بدراسة اللغة العربية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم،
من حين بعثه الله، إلى أن قبضه إليه، دراسة وافية، حتى يتمكن بذلك من إرشاد الأمة إلى
ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخلاق وأعمال، وعلى حسب اجتهاده
وعمله وصبره، يكون حظه من الثناء الحسن الذي أثنى الله به على الدعاة إليه في الآية
المتقدمة وهي قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ
قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا الآية.
وهذه الآيه الكريمة تفيد: أن الدعاة إلى
الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً، إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح ، والتزموا الإسلام
عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة؛ وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها
ويحبونهم عليها، بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون، فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء
العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة: المقت من الله سبحانه،
والسب من الناس، والإعراض عنهم، والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى:
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 174)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ
مَا لاَ تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ، وقال الله موبخا لليهود: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ
أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي
لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل؟ اللهم
اهدنا لما فيه رضاك واجعلنا من الذين يهدون بالحق وبه يعملون، إنك أكرم مسئول وخير
مجيب .
50.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > فالواجب على المصلحين
والدعاة:
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 243)
عوامل إصلاح المجتمع
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين،
والصلاة والسلام الأتمان والأكملان على عبده ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله
وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من
هذا اللقاء بإخواني وأبنائي في هذه الجامعة، وأسأله عز وجل أن يجعله لقاءً مباركًا،
وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا، وأن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين، وأن يعيذنا
جميعًا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. ثم أشكر القائمين على هذه الجامعة على دعوتهم
لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يوفقهم جميعًا لما فيه رضاه، ولما فيه صلاح أبناء الجامعة
وموظفيها والقائمين عليها، ولما فيه صلاح المسلمين عمومًا، وأن يزيدهم هدى وتوفيقًا
وأن يعيذنا جميعًا وسائر المسلمين من كل ما يغضبه، ويخالف شرعه، إنه جواد كريم.
أيها الإخوة وأيها الأبناء الكرام. كلمتي
أرجو أن تكون موجزة، ثم بعدها الجواب عما يتقدم به الأبناء من الأسئلة حسب الإمكان
وعنوانها: عوامل إصلاح المجتمع. المجتمع في أشد الحاجة إلى الإصلاح، المجتمع الإسلامي
وغير الإسلامي، ولكن بوجه أخص المجتمع الإسلامي في أشد الحاجة إلى أن يسير على النهج
القويم، وأن يأخذ بالعوامل والأسباب والوسائل التي بها صلاحه، وأن يسير على النهج الذي
سار عليه خيرة هذه الأمّة، خليل الرحمن وصفوته من عباده، سيدنا محمد بن عبد الله عليه
الصلاة والسلام.
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 244)
ومعلوم أن العوامل التي بها صلاح المجتمع
الإسلامي وغير الإسلامي، هي العوامل التي قام بها إمام المرسلين، وخاتم النبيين عليه
من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وقام بها صحابته الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون
المهديون: أبو بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وعثمان ذو النورين ، وعلي المرتضى، أبو
الحسن ، ثم من معهم من الصحابة رضي الله عن الجميع، وجعلنا من أتباعهم بإحسان.
ومن المعلوم أن هذه العوامل قام بها نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم في مكة أولاً، ثم في المدينة ، ولن يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ
الذي صلح به أولها كما قال أهل العلم والإيمان، ومن جملتهم الإمام المشهور مالك بن
أنس إمام دار الهجرة في زمانه، والفقيه المعروف، أحد الأئمة الأربعة قال هذه المقالة،
وتلقاها أهل العلم في زمانه وبعده، ووافقوا عليها جميعًا: ( لن يصلح آخر هذه الأمّة
إلاّ ما أصلح أولها ).
والمعنى: أن الذي صلح به أولها وهو اتباع
كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم هو الذي يصلح به آخرها إلى يوم القيامة.
ومن أراد صلاح المجتمع الإسلامي، أو صلاح
المجتمعات الأخرى في هذه الدنيا بغير الطريق والوسائل والعوامل التي صلح بها الأولون
فقد غلط، وقال غير الحق، فليس إلى غير هذا من سبيل، إنما السبيل إلى إصلاح الناس وإقامتهم
على الطريق السوي، هو السبيل الذي درج عليه نبينا عليه الصلاة والسلام، ودرج عليه صحابته
الكرام ثم اتباعهم بإحسان إلى يومنا هذا، وهو العناية بالقرآن العظيم، والعناية بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعوة الناس إليهما والتفقه فيهما، ونشرهما بين الناس
عن علم وبصيرة وإيضاح ما دلّ عليه هذان الأصلان من الأحكام في العقيدة الأساسية الصحيحة.
ومن الآراء التي يجب على المجتمع الإسلامي
الأخذ بها، وبيان المحارم التي يجب على المجتمع الإسلامي الحذر منها، وبيان الحدود
التي حدها الله
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 245)
ورسوله، حتى يقف عندها، كما قال عز وجل: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ، وهي المحارم نهى عن قربانها باقتراف المعاصي،
كما نهى عن تعدي الحدود التي حدّها لعباده وهي ما فرضه عليهم، وألزمهم به من العبادات
والأحكام.
والرسول صلى الله عليه وسلم أول عمل عمله،
وأول أساس رسمه، أنه دعا الناس إلى توحيد الله ، وإخلاص العبادة له.
هذا أول عمل، وهذا أول أساس تكلم به ودعا
إليه وسار عليه، هو دعوة الناس إلى توحيد الله، وإرشادهم إلى تفاصيل ذلك.
والكلمة التي دلت على هذا المعنى هي قول:
لا إله إلاّ الله هذه هي الأساس المتين، ومعها شهادة أن محمدًا رسول الله.
هذان الأصلان والأساسان المهمان: هما أساس
الإسلام، وهما أساس صلاح هذه الأمّة، من أخذ بهما واستقام عليهما عملاً وعلمًا ودعوة
وصبرًا، استقام له أمره وأصلح الله به الأمّة، على قدر جهاده وقدرته وأسبابه، ومن أضاعهما
أو أضاع أحدهما ضاع وهلك.
ولما بعث الله نبيه عليه الصلاة والسلام،
وأنزل القرآن، كان أول ما نزل عليه: اقرأ، ثم المدثر، فقام إلى الناس ينذرهم ويدعوهم
إلى توحيد الله ويحذرهم نقمة الله عز وجل، ويقول:
يا قوم، قولوا: لا إله إلاّ الله تفلحوا
. فاستكبر المشركون واستنكروا هذا؛ لأنه ليس الأمر الذي اعتادوه، وليس الأمر
الذي أدركوا عليه أسلافهم، ولهذا استنكروه، وقالوا عند ذلك: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ وقالوا: أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ وقبلها قوله سبحانه: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ
إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ
مَجْنُونٍ فرد الله عليهم بقوله: بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ .
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 246)
وبسبب تساهل الكثير من العلماء وطلبة العلم،
وأعيان أهل الإسلام الذين فقهوا توحيد الله، بسبب التساهل في هذا الأصل الأصيل، انتشر
الشرك في بلدان كثيرة، وعبدت القبور وأهلها من دون الله، وصرف لها الكثير من عبادة
الله، فهذا يدعو صاحب القبر، وهذا يستغيث به، وهذا ينذر له، وهذا يطلبه المدد كما فعلت
قريش وغيرها في الجاهلية مع العزى، وكما فعل غيرهم مع اللات ومع مناة، ومع أصنام أخرى،
وكما يفعل المشركون في كل زمان مع أصنامهم وأوثانهم، في التعظيم والدعاء والاستغاثة،
والتمسح والتبرك وطلب المدد.
وهذا من دسائس الشيطان ومن مكائده، فإنه
أحرص شيء على إزاحة الناس عن عقيدتهم ودينهم، وعلى إبعادهم عنها بكل وسيلة.
فالواجب على طلبة العلم - وهم أمل الأمّة
بعد الله عز وجل في القيادة المستقبلة، وهم رجال الغد في أي جامعة تخرجوا - أن يقودوا
السفينة بحكمة وإخلاص وصدق، وأن يعنوا بالأساس وأن يعرفوا العامل الوحيد العظيم الذي
عليه الارتكاز، والذي يتبعه ما سواه، وهو العناية بتوحيد الله والإخلاص له، والعناية
بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقًّا، وأن الواجب اتباعه، والسير
في منهاجه، وأن صحابته هم خير الأمّة، وهم أفضلها، فيجب حسن الظن بهم، واعتقاد عدالتهم،
وأنهم خير الأمّة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم حملة السنّة وحملة القرآن،
فوجب السير على منهاجهم والترضي عنهم جميعًا، واعتقاد أنهم خير الناس، وهم أفضل الناس
بعد الأنبياء كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم،
ثم الذين يلونهم ، وهناك أحاديث أخرى دلت على
ذلك.
فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، هم خير
الناس بعد الأنبياء، وهم أفضل الناس، وهم على مراتب في الفضل، فأفضلهم الخلفاء الراشدون
ثم بقية العشرة المشهود لهم بالجنة، ثم الباقون على مراتبهم، وعلى حسب علمهم وفضلهم،
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 247)
فوجب أن نعني بهذا الأساس وأن ندعو الناس
إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وألا نغلو في القبور والأنبياء والأولياء ونعبدهم
مع الله، ونصرف لهم العبادة من دعاء أو خوف أو رجاء أو نحو ذلك.
ويجب على طالب العلم وعلى القائد أن يعظم
أمر الله ونهيه، وأن يستقر خوف الله في قلبه، فوق جميع الأشياء، وأن يعظم أمره ونهيه،
وألا يبالي بما يرجف به المرجفون ضد الحق وأهله ثقة بالله، وتصديقًا لما وعد رسوله
محمدًا صلى الله عليه وسلم وكافة الرسل كما في قوله جل وعلا: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ
مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ
مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ الآية، فطالب العلم
العالم والموجه، والقائد البصير لا يبالي بإرجاف عباد القبور، ولا بإرجاف الخرافيين،
ولا بإرجاف من يعادي الإسلام من أي صنف، بل يصمد في الميدان، ويصبر ويعلق قلبه بالله،
ويخافه سبحانه، ويرجو منه النصر جل وعلا، فهو الناصر وهو الولي سبحانه وتعالى، وقد
وعد أن ينصر من ينصره فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ويقول سبحانه:
وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ، لكن بالشرط وهو التمسك بدين الله، والإيمان به،
والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على دين الله.
هذا هو السبب، وهذا هو الشرط في نصر الله
لنا، كما قال عز وجل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ
مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ
فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ .
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 248)
وفي الآية الأخرى يقول سبحانه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .
فهذا وعده عز وجل لمن استقام على الإيمان
والهدى والعمل الصالح: أن الله يستخلفه في الأرض ويمكن له دينه، ويؤمنه ويعيذه من شر
الأعداء ومكائدهم وينصره عليهم.
ومن تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله تعظيم
سنته، والدعوة إليها وتنفيذ مقاصدها، والتحذير من خلافها، وتفسير القرآن الكريم بها
فيما قد يخفى من آياته، فإنه يفسر بالسنة ويوضح بها، فالسنة توضح القرآن وتبينه وتدل
عليه، وتعبر عنه، كما قال عز وجل: وَأَنْـزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُـزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .
هذا الأساس العظيم يجب أن يكون منه المنطلق
للدعاة المخلصين، والمصلحين في الأرض، الذين يريدون أن يتولوا إصلاح المجتمع والأخذ
بيده إلى شاطئ السلامة، وسفينة النجاة، كي يرتكز هذا الإصلاح على أعظم عامل، وهو الإخلاص
لله في العبادة والإيمان برسوله عليه الصلاة والسلام، وتعظيم أمره ونهيه، باتباع شريعته
والحذر مما يخالفها.
ثم بعد ذلك ينظر في العوامل الأخرى التي
هي تابعة لهذا الأساس، فيدعو إلى أداء فرائض الله من صلاة وزكاة وصوم وحج، وغير ذلك،
وينهى عن محارم الله من الشرك وما دونه من سائر المعاصي والشرور، ويسعى بالإصلاح بين
الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وإصلاح ذات البين، إلى غير
ذلك.
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 249)
فهو ساعٍ بكل جهده إلى إقامة أمر الله في
أرض الله، وإلى ترك محارم الله والوقوف عند حدود الله، وإلى الحذر من البدع المحظورة
في الدين، هكذا يكون المصلح الموفق يأخذ العوامل عاملاً عاملاً مع مراعاة الأساس المتين،
وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمدًا رسول الله علمًا وعملاً، فهو يعلمها
الناس ويعمل بها في نفسه، فيوحد الله، ويخصه بالعبادة وينقاد لشريعته خلف رسول الله
محمد صلى الله عليه وسلم، يتلقى السنّة ويعظمها كما عظمها الصحابة، ويسير على نهجها
وعلى مقتضاها مع كتاب الله كما سار الصحابة، فإن علم الصحابة من كتاب الله ومن سنة
رسوله عليه الصلاة والسلام، ما عندهم كتب أخرى، وإنما جاءت الكتب بعدهم.
أما الصحابة والتابعون فكانت سيرتهم، وكانت
أعمالهم مستقاة من الكتاب العظيم، يتدبرونه ويقرءونه بقصد صالح، بقصد العلم والإفادة
والعمل، ومن السنّة كذلك يدرسونها ويحفظونها، ويأخذون منها العلم والعمل.
هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهكذا كان التابعون لهم بإحسان قبل وجود المؤلفات في الحديث وغير الحديث.
فقدر لنفسك مع أولئك، واستنبط من كتاب ربك،
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كلام أهل العلم ما يعينك على فهم كتاب الله، وعلى
فهم السنّة، وكن حريصًا على العلم والفقه في الدين حتى تستطيع أن توجه المجتمع إلى
الطريق السوي، وتأخذ بيده إلى شاطئ السلامة، وحتى تعلم كيف تعمل، فتبدأ بنفسك، وتجتهد
في إصلاح سيرتك ومسابقتك إلى كل خير، فتكون مع أول الناس في الصلاة، ومع أول الناس
في كل خير، وتكون من أبعدهم عن كل شر، تمتثل تنفيذ كتاب الله، وتنفيذ سنة رسوله صلى
الله عليه وسلم في أعمالك وفي أقوالك مع زملائك وإخوانك وأعوانك.
هكذا يكون المؤمن، وهكذا كان الصحابة رضي
الله عنهم، وهكذا كان أتباعهم من التابعين، وأتباع التابعين والمصلحين، وأئمة الهدى
يدرسون
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 250)
كتاب الله، ويعملون بما فيه ويُقرِئونه
الناس ويعلمونهم إياه، ويرشدونهم إلى معانيه، ويعلمونهم السنّة ويحثونهم على التمسك
بها والفقه فيها، ويوصونهم بتعظيم الأوامر والنواهي، والوقوف عند الحدود التي حدها
الله ورسوله مدة حياتهم في هذه العاجلة.
فكل عامل من عوامل الإصلاح يتطلب إخلاصًا
وصدقًا. فالدعوة إلى توحيد الله تحتاج إلى إخلاص وصدق وبيان معنى لا إله إلاّ الله
، وأن معناها: لا معبود حق إلاّ الله، وأن الواجب الحذر من الشرك كله دقيقه وجليله،
وتحذير الناس منه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما فعل أصحابه رضي الله
عنهم وأرضاهم.
وبتدبر القرآن العظيم يتضح هذا المعنى كثيرًا،
وهكذا السنّة تعظيمها والدعوة إليها بعد الإيمان أن محمدًا رسول الله، وأن الواجب اتباعه
وأن الله أرسله إلى الناس كافة، عربهم وعجمهم، جنهم وإنسهم، ذكورهم وإناثهم، فعلى جميع
أهل الأرض أن يتبعوه، كما قال سبحانه: قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وقال قبلها سبحانه: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .
فمن اتبعه وعظم أمره ونهيه فهو المفلح،
ومن حاد عن ذلك وتبع الهوى والشيطان فهو الخاسر الهالك ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
والعوامل تتعدد بحسب ما تدعو إليه، وما
تنهى عنه، فأنت تجتهد في اختيار العامل الذي تقوم به العامل الشرعي الذي عرفت أصله،
وعرفت مأخذه من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت تدعو الناس
إلى دين
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 251)
الله، وإلى أداء فرائض الله، وإلى ترك محارم
الله على الطريقة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والعوامل والمجتمعات تختلف، فالمجتمع المحارب
للدين، والذي ليس فيه قائد يعينك على الإصلاح والتوجيه تعمل فيه كما عمل رسول الله
صلى الله عليه وسلم في مكة ، تدعو إلى الله بالحسنى وبالأسلوب الحسن، وبالكلمات اللينة،
حتى يدخل ما تقول في القلوب، وحتى يؤثر فيها فيحصل بذلك انجذاب القلوب إلى طاعة الله
وتوحيده، وتتعاون مع إخوانك ومن سار على نهجك في دعوة الناس وإرشادهم بالطرق اللينة
في المجتمعات التي يمكن حضورها حتى يثبت هذا الإيمان في القلوب، وحتى ينتشر بين الناس
بأدلته الواضحة.
وفي المجتمع الإسلامي، ووجود القائد الإسلامي
الذي يعينك يكون لك نشاط أكثر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاتصال بالمسئولين
عند وجود المعاندين، والذين يخشى من عنادهم الخطر على المجتمع، وتكون مع ذلك سالكًا
المسلك القويم بالرفق والحكمة والصبر، كما قال عز وجل: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ .
فلا بد من صبر وتواصٍ بالحق، ودعوة إليه،
حتى تنجح في مهمتك، وكذلك المسئولون والكبار الذين يخشى من شرهم على الدعوة، ينصحون
بالأسلوب الحسن، ويوجهون، ويدعون بالكتابة والمشافهة من أعيان الأمّة ورجالها وقادتها
وأمرائها، كما قال سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ الآية، وكما قال سبحانه لموسى وهارون
عليهما الصلاة والسلام لما بعثهما إلى فرعون :
فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى .
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 252)
فالواجب على المصلحين والدعاة: أن يسلكوا
هذا السبيل، وأن يعالجوا مشكلات المجتمع بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يخاطبوا كل إنسان
بما يليق به، حتى ينجحوا في مهمتهم، ويصلوا إلى غايتهم.
وعلى الداعي أيضًا إلى الله سبحانه والراغب
في الإصلاح أن يراعي عاملين آخرين، سوى العاملين السابقين وهما: عامل التناصح والتواصي
بالحق مع إخوانه وزملائه ومع أعيان المجتمع وقادته. وعامل الصبر على ما قد يقع من الأذى
من الأعيان أو غيرهم. عملاً بما دلت عليه السورة السابقة وهي قوله سبحانه: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ .
وتأسيًا بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام،
كما قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في آخر سورة الأحقاف وهي مكية: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ
وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ الآية، وقال سبحانه
في سورة آل عمران وهي مدنية: لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ . وقال
فيها سبحانه لما نهى عن اتخاذ البطانة من المشركين: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ
كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ . وقال سبحانه في آخر سورة النحل ، وهي مكية أيضًا: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلاَ
تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ
مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 253)
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وكل من سلك مسلك الرسل من الدعاة والمصلحين،
نجح في دعوته، وفاز بالعاقبة الحميدة، والنصر على الأعداء، ومن سبر ذلك، ودرس أخبار
المصلحين وسيرتهم علم ذلك وتحققه.
فأسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى،
أن يصلح أحوال المسلمين، ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يوفق قادتهم لكل خير، ويصلح لهم
البطانة، وأن يعيذ المسلمين جميعًا في كل مكان من مضلات الفتن، ومن طاعة الهوى والشيطان،
إنه ولي ذلك والقادر عليه.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
51.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > الواجب على الداعية
الإسلامي
الأمر الثالث: بيان الأمر الذي يدعى إليه:
أما الشيء الذي يدعى إليه، ويجب على الدعاة
أن يوضحوه للناس، كما أوضحه الرسل عليهم الصلاة والسلام فهو الدعوة إلى صراط الله المستقيم،
وهو الإسلام وهو دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة كما قال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ فسبيل الله جل وعلا: هو الإسلام، وهو الصراط المستقيم،
وهو دين الله الذي بعث به نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي تجب الدعوة
إليه، لا إلى مذهب فلان ولا إلى رأي فلان، ولكن إلى دين الله، إلى صراط الله المستقيم،
الذي بعث الله به نبيه وخليله محمدًا عليه الصلاة والسلام، وهو ما دلّ عليه القرآن
العظيم، والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى رأس ذلك الدعوة
إلى العقيدة الصحيحة، إلى الإخلاص لله وتوحيده بالعبادة، والإيمان به وبرسله، والإيمان
باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله به ورسوله هذا هو أساس الصراط المستقيم، وهو الدعوة
إلى شهادة أن لا إله إلاالله، وأن محمدًا رسول الله، ومعنى ذلك: الدعوة إلى توحيد الله
والإخلاص له، والإيمان به وبرسله عليهم الصلاة والسلام، ويدخل في ذلك الدعوة إلى الإيمان
بكل ما أخبر الله به ورسله، مما كان وما يكون من أمر الآخرة، وأمر آخر الزمان وغير
ذلك، ويدخل في ذلك أيضًا الدعوة إلى ما أوجب الله من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم
رمضان وحج البيت إلى غير ذلك، ويدخل أيضًا في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ بما شرع الله في الطهارة والصلاة والمعاملات،
والنكاح والطلاق والجنايات،
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 339)
والنفقات والحرب والسلم وفي كل شيء، لأن
دين الله عز وجل دين شامل ، يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد، ويشمل كل ما يحتاج
إليه الناس في أمر دينهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف
الأخلاق وعن سيئ الأعمال، فهو عبادة وقيادة؛ يكون عابدًا ويكون قائدًا للجيش. عبادة
وحكم؛ يكون عابدًا مصليًا صائمًا ويكون حاكمًا بشرع الله منفذًا لأحكامه عز وجل، عبادة
وجهاد. يدعو إلى الله ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله. مصحف وسيف؛ يتأمل القرآن
ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة، ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه. سياسة واجتماع؛ فهو
يدعو إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم،
كما قال جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا . فدين الله يدعو
إلى الاجتماع وإلى السياسة الصالحة الحكيمة، التي تجمع ولا تفرق، تؤلف ولا تباعد تدعو
إلى صفاء القلوب، واحترام الأخوة الإسلامية والتعاون على البر والتقوى والنصح لله ولعباده،
وهو أيضًا يدعو إلى أداء الأمانة والحكم بالشريعة، وترك الحكم بغير ما أنزل الله عز
وجل كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ
أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ
تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ .
وهو أيضًا سياسة واقتصاد، كما أنه سياسة
وعبادة وجهاد، فهو يدعو إلى الاقتصاد الشرعي المتوسط، ليس رأسماليًّا غاشمًا ظالمًا
لا يبالي بالمحرمات، ويجمع المال بكل وسيلة وبكل طريق، وليس اقتصادًا شيوعيًّا إلحاديًّا
لا يحترم أموال الناس، ولا يبالي بالضغط عليهم وظلمهم والعدوان عليهم، فليس هذا ولا
هذا، بل هو وسط بين الاقتصادين، ووسط بين الطريقين، وحق بين الباطلين، فالغرب عظموا
المال وغلوا في حبه وفي
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 340)
جمعه، حتى جمعوه بكل وسيلة، وسلكوا فيه
ما حرم الله عز وجل، والشرق من الملحدين من السوفييت ومن سلك سبيلهم، لم يحترموا أموال
العباد بل أخذوها واستحلوها، ولم يبالوا بما فعلوا في ذلك، بل استعبدوا العباد، واضطهدوا
الشعوب، وكفروا بالله وأنكروا الأديان، وقالوا: لا إله والحياة مادة، فلم يبالوا بهذا
المال ولم يكترثوا بأخذه بغير حله، ولم يكترثوا بوسائل الإبادة والاستيلاء على الأموال،
والحيلولة بين الناس وبين ما فطرهم الله عليه من الكسب والانتفاع، والاستفادة من قدراتهم
ومن عقولهم، وما أعطاهم الله من الأدوات، فلا هذا ولا هذا، فالإسلام جاء بحفظ المال
واكتسابه بالطرق الشرعية البعيدة عن الظلم والغش والربا وظلم الناس والتعدي عليهم،
كما جاء باحترام الملك الفردي والجماعي، فهو وسط بين النظامين وبين الاقتصادين، وبين
الطريقين الغاشمين، فأباح المال ودعا إليه، ودعا إلى اكتسابه بالطرق الحكيمة، من غير
أن يشغل كاسبه عن طاعة الله ورسوله، وعن أداء ما أوجب الله عليه، ولهذا قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا
أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ . وقال
النبي عليه الصلاة والسلام: كل المسلم على
المسلم حرام دمه وماله وعرضه وقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم
هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا وقال عليه الصلاة
والسلام: لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة
من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من سؤال الناس أعطوه أو منعوه .
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب،
فقال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور وقال عليه الصلاة والسلام: ما أكل أحد طعامًا أفضل من أن يأكل من عمل يده،
وكان نبي الله داود يأكل من عمل يده فهذا يبين
لنا أن نظام الإسلام في المال نظام متوسط، لا مع رأس المال الغاشم من الغرب وأتباعه،
ولا مع الشيوعيين الملحدين الذين استباحوا
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 341)
الأموال وأهدروا أهلها، لم يبالوا بهم واستعبدوا
الشعوب وقضوا عليها، واستحلوا ما حرم الله منها، فلك أن تكسب المال وتطلبه بالطرق الشرعية،
وأنت أولى بمالك وبكسبك بالطريقة التي شرعها الله، وأباحها جل وعلا، والإسلام أيضًا
يدعو إلى الأخوة الإيمانية، وإلى النصح لله ولعباده، وإلى احترام المسلم لأخيه، لا
غل ولا حسد ولا غش ولا خيانة، ولا غير ذلك من الأخلاق الذميمة كما قال جل وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ . وقال جل وعلا: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ . وقال النبي عليه الصلاة والسلام: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله الحديث، فالمسلم أخو المسلم يجب عليه احترامه وعدم
احتقاره، ويجب عليه إنصافه وإعطاءه حقه، من كل الوجوه التي شرعها الله عز وجل، وقال
صلى الله عليه وسلم: المؤمن مرآة أخيه المؤمن فأنت يا أخي مرآة أخيك، وأنت لبنة من البناء الذي
قام عليه بنيان الأخوة الإيمانية، فاتق الله في حق أخيك، واعرف حقه وعامله بالحق والنصح
والصدق، وعليك أن تأخذ الإسلام كله ولا تأخذ جانبًا دون جانب، لا تأخذ العقيدة وتدع
الأحكام والأعمال، ولا تأخذ الأعمال والأحكام وتدع العقيدة، بل خذ الإسلام كله، خذه
عقيدة وعملاً وعبادة، وجهادًا واجتماعًا وسياسة واقتصادًا وغير ذلك، خذه من كل الوجوه
كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ .
قال جماعة من السلف معنى ذلك: ادخلوا في
السلم جميعه، يعني في الإسلام، يقال للإسلام سلم؛ لأنه طريق السلامة، وطريق النجاة
في الدنيا والآخرة، فهو سلم وإسلام، فالإسلام يدعو إلى السلم، يدعو إلى حقن
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 342)
الدماء بما شرع من الحدود والقصاص والجهاد
الشرعي الصادق، فهو سلم وإسلام وأمن وإيمان، ولهذا قال جل وعلا: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي ادخلوا في جميع شعب الإيمان: لا تأخذوا بعضا
وتدعوا بعضا، عليكم أن تأخذوا بالإسلام كله
وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
يعني المعاصي التي حرمها الله عز وجل، فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك
دين الله كله، فهو أعدا عدو، ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله، وأن يدين
بالإسلام كله، وأن يعتصم بحبل الله عز وجل، وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع
الأحوال، فعليك أن تُحكِّم شرع الله في العبادات وفي المعاملات، وفي النكاح والطلاق،
وفي النفقات وفي الرضاع، وفي السلم والحرب، ومع العدو والصديق، وفي الجنايات وفي كل
شيء، دين الله يجب أن يُحكَّم في كل شيء، وإياك أن توالي أخاك لأنه وافقك في كذا، وتعادي
الآخر لأنه خالفك في رأي أو في مسألة، فليس هذا من الإنصاف، فالصحابة رضي الله عنهم
اختلفوا في مسائل، ومع ذلك لم يؤثِّر ذلك في الصفاء بينهم، والموالاة والمحبة رضي الله
عنهم وأرضاهم، فالمؤمن يعمل بشرع الله، ويدين بالحق، ويقدمه على كل أحد بالدليل، ولكن
لا يحمله ذلك على ظلم أخيه، وعدم إنصافه إذا خالفه في الرأي في مسائل الاجتهاد التي
قد يخفى دليلها، وهكذا في المسائل التي قد يختلف في تأويل النص فيها، فإنه قد يعذر،
فعليك أن تنصح له وأن تحب له الخير، ولا يحملك ذلك على العداء والانشقاق، وتمكين العدو
منك ومن أخيك ولا حول ولا قوة إلابالله.
الإسلام دين العدالة ودين الحكم بالحق والإحسان،
دين المساواة إلاَّ فيما استثنى الله عز وجل، ففيه الدعوة إلى كل خير، وفيه الدعوة
إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والإنصاف والعدالة والبعد عن كل خلق ذميم، قال
تعالى:
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 343)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ
وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ
يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وقال
تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ .
والخلاصة: أن الواجب على الداعية الإسلامي
أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصبًا لمذهب دون مذهب،
أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه أو رئيسه أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات
الحق وإيضاحه، واستقامة الناس عليه، وإن خالف رأي فلان أو فلان أو فلان، ولما نشأ في
الناس من يتعصب للمذاهب ويقول: إن مذهب فلان أولى من مذهب فلان، جاءت الفرقة والاختلاف،
حتى آل ببعض الناس هذا الأمر إلى أن لا يصلي مع من هو على غير مذهبه، فلا يصلي الشافعي
خلف الحنفي، ولا الحنفي خلف المالكي ولا خلف الحنبلي، وهكذا وقع من بعض المتطرفين المتعصبين،
وهذا من البلاء ومن اتباع خطوات الشيطان، فالأئمة أئمة هدى، الشافعي ، ومالك ، وأحمد
، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، وإسحاق بن راهويه ، وأشباههم كلهم أئمة هدى ودعاة حق، دعوا
الناس إلى دين الله وأرشدوهم إلى الحق، ووقع هناك مسائل بينهم، اختلفوا فيها لخفاء
الدليل على بعضهم، فهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهدٍ أخطأ الحق فله أجر واحد،
فعليك أن تعرف لهم قدرهم وفضلهم وأن تترحم عليهم، وأن تعرف أنهم أئمة الإسلام ودعاة
الهدى، ولكن لا يحملك ذلك على التعصب والتقليد الأعمى، فتقول: مذهب فلان أولى بالحق،
بكل حال، أو مذهب فلان أولى بالحق لكل حال لا يخطئ، " لا " هذا غلط.
عليك أن تأخذ بالحق، وأن تتبع الحق إذا
ظهر دليله ولو خالف فلانا، وعليك أن لا تتعصب وتقلد تقليدًا أعمى، بل تعرف للأئمة فضلهم
وقدرهم،
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 344)
ولكن مع ذلك تحتاط لنفسك ودينك، فتأخذ بالحق
وترضى به، وترشد إليه إذا طلب منك، وتخاف الله وتراقبه جل وعلا، وتنصف من نفسك، مع
إيمانك بأن الحق واحد، وأن المجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد
- أعني مجتهدي أهل السنة، أهل العلم والإيمان والهدى - كما صح بذلك الخبر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
أما المقصود من الدعوة والهدف منها:
فالمقصود والهدف إخراج الناس من الظلمات
إلى النور، وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به، وينجو من النار، وينجو من غضب الله، وإخراج
الكافر من ظلمة الكفر إلى النور والهدى، وإخراج الجاهل من ظلمة الجهل إلى نور العلم،
والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، هذا هو المقصود من الدعوة كما قال جل وعلا: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ . فالرسل
بعثوا ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ودعاة الحق كذلك يقومون بالدعوة وينشطون
لها، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولإنقاذهم من النار ومن طاعة الشيطان، ولإنقاذهم
من طاعة الهوى إلى طاعة الله ورسوله.
52. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > الواجب على الداعي
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 429)
شرح بعض الأمور التي تهم الدعاة
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة
الأخ المكرم... وفقه الله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: -
فقد وصلني كتابكم وعلمت ما تضمنه من الإفادة
باستلامكم كتبًا مرسلة لكم من الرئاسة وكذلك استفساركم عن بعض الأمور التي تهم الدعاة
إلى الله.
وأعلمكم أن الواجب على الداعي إلى الله
أن يتبصر فيما يدعو إليه ويتدبر القرآن والسنة وكلام أهل العلم فيما يريد أن يتكلم
فيه، فإذا كان الكلام في التوحيد وترك الشرك تدبر الآيات والأحاديث التي تحث على ذلك
وراجع كلام أهل التفسير كابن كثير وابن جرير والبغوي حتى يكون على بينة لمعرفة حقيقة
التوحيد ومعرفة حقيقة الشرك. ومن أفضل الكتب المعينة على ذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
وابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعهم من أهل العلم.
ومن الكتب المفيدة في ذلك ( زاد المعاد
) لابن القيم و ( القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة ) لشيخ الإسلام ابن تيمية و
( العقيدة الواسطية ) له أيضًا وكتاب ( التوحيد ) للشيخ محمد بن عبد الوهاب و ( فتح
المجيد ) لحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن . وإذا كان الكلام في الصلاة والزكاة أو غيرهما
من الفروع تأمل النصوص الواردة في ذلك وأرشد المدعو إلى ما علمه من ذلك مع مراعاة الاختصار
والأسلوب الحسن والعبارات الجامعة حتى يتيسر للمدعو فهمها.
أما ما يتعلق بالترجمة ففي إمكان طالب العلم
أن يستعين بمن يعلم عنهم حسن العقيدة وجودة العلم مع العلم باللغة الأجنبية التي يريدها
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 430)
حتى يترجموا له المطلوب.. وإليك بعض الكتب
الإسلامية باللغتين الإنجليزية والفرنسية مع نسخة من كتابنا ( مجموع الفتاوى والمقالات
) ج / 1، 2.. وأسأل الله سبحانه أن يهدينا جميعًا إلى سواء السبيل ويوفقنا وإياكم لما
يحبه ويرضاه إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
53. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > س9: رسالة المسجد
ورسالة المنبر في الإِسلام رسالة يكتب عنها كثير من الناس: البعض منهم يقول: لقد انحرف
الناس بالمنبر عن رسالته، وآخرون يقولون: لقد حرمنا من أعز بقاع الأرض، وأطهرها بيوت...
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 80)
س9: رسالة المسجد ورسالة المنبر في الإِسلام
رسالة يكتب عنها كثير من الناس: البعض منهم يقول: لقد انحرف الناس بالمنبر عن رسالته،
وآخرون يقولون: لقد حرمنا من أعز بقاع الأرض، وأطهرها بيوت الله فلا نستطيع الجلوس
فيها ولا المذاكرة ولا الدراسة، وآخرون أيضا يقولون: لقد استخدمت المنابر لغير الدعوة
إلى الله، فهي تدعو إلى يوم كذا، وحزب كذا وهلم جرا.
جـ9: لا ريب أن المسجد والمنبر هما آلتان
قديمتان في توجيه المسلمين خاصة والناس بصفة عامة إلى الخير وتعليم الناس ما ينفعهم،
وتبليغ الناس رسالة ربهم سبحانه وتعالى، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة والسلام يبلغون
الناس رسالات الله، ويعلمونهم شريعة الله هكذا بعث الله الرسل من آدم عليه الصلاة والسلام
ثم نوح ومن بعده من الرسل، كلهم بعثوا ليبلغوا رسالات الله من طريق المساجد والمنابر،
سواء كانت المنابر في المسجد أو في غير المسجد، وسواء كان المنبر مبنيًّا، أو غير مبني.
فقد يكون المنبر ناقة، أو فرسًا أو غير
ذلك من الدواب التي تركب، وقد يكون المنبر محلاًّ مرتفعًا تبلَّغ منه رسالات الله.
فالمقصود أن الله جل وعلا شرع لعباده أن
يبلغوا رسالات ربهم، وأن يعلموا الناس ما بعث الله به رسله من كل طريق، ولكن المنبر
والمسجد هما أهم طريق في تبليغ الرسالة، ونشر الدعوة، تلك الرسالة العظيمة التي يجب
على جميع العلماء ومعلمي الناس الخير أن يُعنوا بها، وأن يعيدوها إلى حالتها الأولى،
وأن يفقهوا الناس أمور دينهم من طريق المسجد لأنه مجمع المسلمين في الجُمع وغيرها.
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 81)
كما أن عليهم بأن يبلغوا الناس ما يجب عليهم
في أمور دينهم ودنياهم في الطرق الأخرى كطريق الإِذاعة والتلفاز والصحافة، وطريق الخطابة
في المجتمعات، وفي الحفلات المناسبة، ومن طريق التأليف، ومن كل طريق يمكن منه تبليغ
شرع الله سبحانه ورسالته..
هكذا يجب على أتباع الرسل، وخلفائهم من
أهل العلم والإِيمان أن يبلغوا رسالات الله، وأن يعلموا الناس شريعة الله، حتى يتفقه
الكبير والصغير، والرجل والمرأة والموافق والمخالف؛ وحتى تقوم الحجة وتنقطع المعذرة.
ولا يجوز لولاة الأمور ولا غيرهم أن يحولوا
بين الناس وبين هذه المنابر، إلا من عُلم أنه يدعو إلى باطل، أو أنه ليس أهلاً للدعوة،
فإنه يمنع أينما كان.
أما من كان يدعو إلى الحق والهدى، وهو أهل
لذلك.. فالواجب أن يشجع وأن يعان على مهمته. وأن تسهل له الوسائل التي يبلغ بها أمر
الله وشرعه سبحانه وتعالى، كما قال الله تعالى:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ ، وقال عز وجل: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة قيل: لمن يا رسول الله؟. قال: لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه
مسلم. والأدلة في هذا المعنى من الكتاب والسنة كثيرة.
وعلى جميع أهل العلم من حملة الكتاب والسنة
في كل مكان أن يقوموا بواجب الدعوة والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب
الاستطاعة، لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ .
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 82)
وعليهم أن يبلغوا رسالة الله أينما كانوا
في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي السيارة وفي الطائرة وفي القطار وفي كل مكان، ليس
للتبليغ محل مخصوص بل التبليغ مطلوب في كل مكان حسب الاستطاعة، لقول الله عز وجل: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ .
وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْـزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، وقول النبي صلى الله
عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية وقوله صلى الله عليه وسلم: نضّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها ثم أدّاها كما
سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع . وكان إذا خطب
عليه الصلاة والسلام يقول: فليبلغ الشاهد الغائب ولما خطب الناس في عرفات في حجة الوداع في أعظم
جمع، قال لهم في آخر خطبته وهو على راحلته:
فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع، وقال: وأنتم تسألون عني فما أنتم
قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأديت ونصحت. فجعل يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكبها
إلى الناس، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد
خرجه الإِمام مسلم في صحيحه .
ولما بعث عليًّا إلى خيبر لدعوة اليهود
وقتالهم إن لم يقبلوا الدعوة قال له: ادعهم
إلى الإِسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك
رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم متفق على
صحته من حديث سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مسعود الأنصاري
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دل على خير فله مثل أجر فاعله .. والآيات
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 83)
والأحاديث في الدعوة إلى الله سبحانه وإرشاد
الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر كثيرة جدًّا.
فعلى جميع أهل العلم والإِيمان من ولاة
الأمر وغيرهم في جميع الدول الإِسلامية وغيرها أن يبلغوا رسالة الله، وأن يعلموا الناس
دينهم، وأن يتحروا الحكمة والرفق في ذلك، والأساليب المناسبة التي ترغّب الناس في قبول
الحق ولا تنفرهم منه، كما قال الله سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الآية من سورة النحل ، وقال سبحانه وبحمده: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
الآية من سورة العنكبوت، وقال عز وجل:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وقال سبحانه وتعالى مخاطبًا نبيه محمدًا
صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ
اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، وقال عز وجل لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله
عليه وسلم أنه قال: إن الرفق لا يكون في شيء
إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه .. وقال
عليه الصلاة والسلام: من يحرم الرفق يحرم الخير
كله .. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب على جميع المسلمين أن يتفقهوا في
دينهم، وأن يسألوا أهل العلم
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 84)
عما أشكل عليهم؛ لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين متفق على صحته .
وعلى أهل العلم أن يفقهوا الناس ويعلموهم
ويبلغوهم ما أعطاهم الله من العلم، وأن يسابقوا إلى هذا الخير، وأن يسارعوا إليه، وأن
يتحملوا هذا الواجب بأمانة وإخلاص وصبر، حتى يبلغوا دين الله لعباد الله، وحتى يعلموا
الناس ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم من طريق المساجد وحلقات العلم في المساجد وغيرها،
وخطب الجمع والأعياد وغير ذلك من المناسبات؛ لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يتعلم في المدارس
والمعاهد والجامعات، وليس كل أحد يجد مدرسة تعلّمه دين الله وشرعه المطهر، وتعلّمه
القرآن الكريم كما أنزل والسنة المطهرة كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فوجب على أهل العلم والإِيمان أن يبلغوا
الناس من منابر الإِذاعة، ومنابر التلفاز ومنابر الصحافة، ومنابر الجمعة، ومنابر العيد،
وفي كل مكان، وبالدروس والحلقات العلمية في المساجد وفي غير المساجد.
فكل طالب علم مَنّ الله عليه بالفقه في
الدين، وكل عالم فتح الله بصيرته عليه أن يستغلّ ما أعطاه الله من العلم، وأن يستغل
كل فرصة تمكنه من الدعوة، حتى يبلغ أمر الله وحتى يعلم الناس شريعة الله، وحتى يأمرهم
بالمعروف ويناهم عن المنكر، ويشرح لهم ما قد يخفى عليهم مما أوجبه الله عليهم أو حرمه
عليهم.
هذا هو الواجب على جميع أهل العلم ، فهم
خلفاء الرسل، وهم ورثة الأنبياء، فعليهم أن يبلغوا رسالات الله، وعليهم أن يعلموا عباد
الله شريعة الله، وعليهم أن ينصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن
يصبروا على ذلك، وعلى جميع ولاة الأمور أن يعينوهم ويشجعوهم ويقوموا
( الجزء رقم : 5، الصفحة رقم: 85)
بكل ما يسهل عليهم أداء هذا الواجب؛ لأن
الله سبحانه وتعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، ويقول النبي صلى الله
عليه وسلم: من كان في حاجة أخيه كان الله في
حاجته متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله
تعالى عنهما، ويقول صلى الله عليه وسلم: والله
في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه خرجه
الإِمام مسلم في صحيحه ، من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه..
وأسأل الله عز وجل لنا ولجميع إخواننا المسلمين
وللعلماء بوجه أخص ولطلاب العلم عامة - التوفيق والهداية والإِعانة على أداء الحق،
إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
54. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > س10: في أثناء الأزمة
حصل شيء من الاختلاف بين طلبة العلم والخطباء وإن كان محدودًا والحمد لله، فماذا تقولون
في ذلك؟
س10: في أثناء الأزمة حصل شيء من الاختلاف
بين طلبة العلم والخطباء وإن كان محدودًا والحمد لله، فماذا تقولون في ذلك؟
ج: لا شك أنه وقع بعض الاختلاف في بعض المسائل
من بعض المحاضرين
( الجزء رقم : 6، الصفحة رقم: 178)
وبعض الخطباء وفي بعض الندوات عن حسن ظن
أو عن جهل من بعض إخواننا، والواجب على الجميع الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله
صلى الله عليه وسلم ، كما أن الواجب على الخطيب وعلى المحاضر في الندوات أن يتثبت في
الأمور ، وألا يتعجل حتى يطمئن أنه على الحق والهدى بالأدلة الشرعية، فلا ينبغي أن
يعجل في فتوى أو إصدار أحكام على غير بصيرة.
وعلى كل طالب علم، وعلى كل من يشارك في
الندوات، أو يلقي المحاضرات، أو يقوم بخطب الجمعة، أو غيرها أن يتثبت في الأمور وألا
يحكم على أي شيء بأنه حرام أو واجب أو مستحب أو مباح أو مكروه إلا على بصيرة حتى لا
يضل الناس بسببه.
وأما مسألة الاستعانة بالدول الأجنبية فإن
بعض إخواننا ظن أن هذا لا يجوز، وأن ما أقدمت عليه الدولة السعودية من الاستعانة ببعض
الدول الأجنبية غلط، فهذا غلط من قائله، فالدولة السعودية كانت محتاجة إلى هذا الشيء،
بل مضطرة لما عند حاكم العراق من قوة كبيرة، ولأنه باغت دولة الكويت واجتاحها ظلمًا
وعدوانًا، فاضطرت الدولة السعودية إلى الاستعانة ببعض المسلمين وبعض الدول الأجنبية؛
لأن الواقع خطير والمدة ضيقة ليس فيها متسع للتساهل.
فهي في هذا الأمر قد أحسنت، وفعلت ما ينبغي
لردع الظالم وحصره حتى لا يقدم على ضرر أكبر وحتى يسحب جيشه من الدولة المظلومة.
والمقصود أن الاستعانة بالمشرك أو بدولة
كافرة عند الحاجة الشديدة أو الضرورة وفي الأوقات التي لا يتيسر فيها من يقوم بالواجب
ويحصل به المطلوب من المسلمين - أمر لازم لردع الشر الذي هو أخطر وأعظم، فإن قاعدة
الشرع المطهر هي دفع أكبر الضررين بأدناهما وتحصيل كبرى المصلحتين ، أما أن يتساهل
الحاكم أو الرئيس أو ولي الأمر أو غيرهم من المسئولين حتى يقع الخطر وتقع المصيبة فذلك
لا يجوز بل يجب أن يتخذ لكل شيء عدته وأن تنتهز الفرص لردع الظلم والقضاء عليه وحماية
المسلمين من الأخطار التي لو وقعت لكان شرها أخطر وأكبر.
وقد درس مجلس هيئة كبار العلماء هذه المسألة
وهي الاستعانة بغير المسلمين عند الضرورة في قتال المشركين والملاحدة وأفتى بجواز ذلك
عند الضرورة إليه، للأسباب
( الجزء رقم : 6، الصفحة رقم: 179)
التي ذكرنا آنفا. والله المستعان.
55. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > الأسلوب الطيب الحسن
في الدعوة إلى الله
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 243)
نصيحة عامة للمسلمين من طلبة العلم وغيرهم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد،
وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد فإن النصيحة أمرها عظيم وشأنها
كبير في إصلاح شئون المسلمين ، وإرشادهم إلى أقوم سبيل كما دلت على ذلك نصوص الكتاب
والسنة قال الله عز وجل: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ فالتواصي
بالحق، والصبر على ذلك من أعظم أبواب النصح الصادق الأمين، وضد ذلك لا يأتي إلا بالخسران،
فالذين لا يتواصون بالحق، ولا بالصبر عليه خاسرون لا محالة؛ لأنهم تركوا واجب التناصح.
وقال رسول الإِسلام صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ،
خرجه الإِمام مسلم في صحيحه . فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل الدين كله النصيحة،
وهذا حديث عظيم جامع للخير كله.
ومن المعلوم أن أنبياء الله ورسله عليهم
صلوات الله وسلامه
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 244)
هم أنصح الناس للناس، وأقومهم بواجب النصح
والدعوة والتواصي بالحق والصبر عليه.
فهذا نوح صلى الله عليه وسلم يقول لقومه: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ
وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
وهذا هود صلى الله عليه وسلم يقول لقومه:
أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ .
وهذا صالح صلى الله عليه وسلم يقول لقومه: يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ .
فأمر النصح عظيم جدًا وأولى الناس بالتناصح
والتواصي بالحق بعد الأنبياء هم العلماء وطلبة العلم.
فمن توفيق الله للعبد أن يسلك سبيل الأنبياء
والمؤمنين الناصحين المتناصحين، وقد رأيت توجيه هذه النصيحة لإِخواني من العلماء وطلبة
العلم وسائر المؤمنين قيامًا بواجب النصح والتعاون على البر والتقوى كما قال سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ .
وأول ما أنصح به أن نتواصى بتقوى الله تعالى
كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا وقال تعالى:
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ
أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ .
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 245)
وأن نتواصى بإخلاص العبادة لله وحده عملاً
بقول الله عز وجل: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن
كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو
امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .
وأنصح إخواني العلماء وطلبة العلم وكل مسلم
في كل مكان بأن يتذكروا دائمًا أن أهم شيء يدعى إليه ويلتزم به ويسار عليه هو توحيد
الله سبحانه وإخلاص العبادة له سبحانه، والإِيمان به وبرسله، ودعوة الناس إلى عبادته
وطاعته وترك نواهيه والاستقامة على ذلك وتحبيبه إليهم عز وجل، ودعوتهم إلى التوبة وبيان
أن ذلك هو عين سعادتهم في الدنيا والآخرة.
وأنصح لهم بأن يتذكروا ما نحن فيه من نعم
عظيمة ومنن كثيرة توجب الشكر لله آناء الليل وآناء النهار، وأعظمها نعمة الإِسلام والأمن
فإن الله ندب المؤمنين جميعًا إلى أن يتذكروا هذه النعم والمنن فقال سبحانه: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا
وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ وقال: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى
إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 246)
وقال عز وجل: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي
أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
وقال جلَّ وعلا: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ
قَلِيلا فَكَثَّرَكُمْ وقال تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ
فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وقال تعالى:
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ وقال سبحانه:
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ
إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وقال تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ
الشَّكُورُ .
وأنصح أيضًا إخواني العلماء وطلبة العلم
وجميع المسلمين بتعظيم وحدة الجماعة والمحافظة عليها أشد المحافظة والحذر من أسباب
الفرقة والاختلاف وأذكرهم في هذا المقام بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 247)
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يرضى لكم ثلاثًا أن تعبدوه ولا تشركوا به
شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم .
ومن المعلوم لدى أهل العلم أن تأليف القلوب
على الحق من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل فالواجب السعي في ذلك
والحرص عليه بكل إخلاص وصدق، وأنصح إخواني جميعًا بالتثبت فيما يشيعه الناس عن العلماء
أو غيرهم؛ لأن كثيرًا من الناس يشيعون عن العلماء وطلبة العلم أشياء كثيرة لا أصل لها،
فإذا لم يتثبت المؤمن في الأمور التي يتحدث فيها أوقع الناس في الغلط وهذا ليس من النصح
في الدين، وقد أنكر الله سبحانه على من لم يتثبت في الأخبار ولم يردها إلى أهلها بقوله
سبحانه: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ
أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا ، وقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى
مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ، وقال صلى الله
عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليقل خيرًا أو ليصمت متفق عليه ، وقال صلى
الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل
ما سمع خرجه الإِمام مسلم في صحيحه.
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 248)
والإِنسان مسئول عن كل قول وعمل كما قال
عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ
رَقِيبٌ عَتِيدٌ ، وقال سبحانه: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
(92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
فاحذر أيها المؤمن أن يستزلك الشيطان ويغريك
بعدم التثبت في الأمور والأخبار فتقع فيما لا تحمد عقباه، وتندم حين لا ينفع الندم،
واعلم يا أخي أن الشيطان يحرص على إيقاع الفتن والشحناء بين المؤمنين، وعلى إشغال المؤمن
بكل ما ينقص من حسناته إن لم يستطع إيقاعه في البدعة والمعصية كما قال الله سبحانه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ
عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ .
وهناك أمر عظيم يستوجب النصح والتنبيه وهو
الأسلوب الطيب الحسن في الدعوة إلى الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة،
فعلى العلماء وطلبة العلم وكل مؤمن ومؤمنة أن يستعملوا الأسلوب الحسن في جميع ذلك،
فإن شأن الأمر والنهي والنصيحة عظيم جدًا ولا يجوز الإِساءة إليه بأسلوب غير حسن، ولذلك
أرشد الله عباده إلى الأسلوب الحسن في الدعوة فقال عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 249)
وقال سبحانه: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
الآية.
وقال سبحانه: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْـزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا
مُبِينًا وقال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والخلاصة أن الأسلوب الحسن في الدعوة والنصح
والأمر والنهي من أسباب القبول وعدم النفرة، وضد ذلك الأسلوب السيئ الذي يسبب النفرة.
ولذا نبه الله تعالى المؤمنين على ذلك في الآيات السابقة وغيرها، فالواجب على الدعاة
إلى الله سبحانه أن يتثبتوا في الأمر، وأن يتبصروا أولا حتى يتيقنوا أن هذا الأمر معروف
أو منكر، وعلى القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتحروا في ذلك الدليل
الشرعي حتى يكون إنكارهم على بصيرة لقول الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مع نصيحتي لهم أيضًا بأن يكون الإِنكار بالرفق والكلام
الطيب والأسلوب الحسن حتى يقبل منهم لقول الله عز وجل:
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 250)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقوله عز وجل:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، وقول
النبي صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم
الخير كله والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة.
وكذلك أوصي طلبة العلم وجميع المؤمنين بالحذر
الشديد من كيد الأعداء وشبهاتهم وافتراءاتهم، وقد أرشدنا كتاب الله عز وجل إلى الحذر
من افتراءاتهم وتآمرهم بقوله جل وعلا: لَتُبْلَوُنَّ
فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ، وبقوله
سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا
حِذْرَكُمْ الآية، وكتاب الله تعالى يبين لنا
أن العدو الكاشح يحزن إذا رآنا في نعمة وخير ودين ويفرح إذا أصابتنا مصيبة.
وقال تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ
سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ
شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
.
فأوصي إخواني العلماء وطلبة العلم وسائر
المؤمنين بأن يتذكروا هذا الكيد، وأن يعملوا بموجب هذه الذكرى حتى
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 251)
يسدوا كل الذرائع التي يتذرع بها العدو
لأجل الكيد لنا وتمزيق شملنا.
كذلك أنصح لطلبة العلم بالنظرة السليمة
إلى الأمور والأحوال العامة، فإن الخير والصلاح في بلادنا كثير ونحمد الله تعالى على
ذلك وندعوه جل وعلا أن يزيدنا من فضله وكرمه وأن يوفقنا وولاة أمرنا لكل ما يرضيه وينفع
عباده، ويجب أن نعرف هذا الخير والصلاح؛ لأن ذلك من أسباب شكر الله على نعمه وطلب المزيد
من فضله، ثم بعد ذلك ننظر في الأخطاء لنعالجها بالقرآن الكريم وحكمته وهديه وإرشاده
كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وهكذا سيرة النبي
صلى الله عليه وسلم في دعوته وإبلاغه الناس فيها الخير العظيم والدلالة على الطريق
القويم والأسلوب المفيد في الدعوة والتوجيه، كما سبق بيان ذلك.
ومن أعظم وسائل النصح والقضاء على أسباب
الشر التعاون مع ولاة الأمر في الحق وإصلاح الأوضاع، زادهم الله من التوفيق والهداية
إلى أحسن طريق، وأصلح بهم العباد والبلاد، وجعل التوفيق للحق حليفهم في الأقوال والأعمال
إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم
الدين.
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإِفتاء والدعوة
والإِرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
56. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > حكمة الداعي وأدب
المدعو
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 261)
حكمة الداعي وأدب المدعو
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد
بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن التذكير بالله والدعوة إلى سبيله من
سنة المرسلين عليهم الصلاة والسلام، فقد بعثهم الله دعاة للحق وهداة للخلق، يبشرون
وينذرون لإقامة الحجة وقطع المعذرة كما قال جل وعلا: رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، وهكذا خلفاؤهم من أهل العلم وورثتهم هذا طريقهم
وسبيلهم، الدعوة إلى الله والتذكير بالله والتبشير للمتقين والإِنذار لغيرهم، فالله
سبحانه خلق الخلق لعبادته، وأرسل الرسل ليبينوا ذلك ويدعوا إليه، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، فالثقلان:
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 262)
الجن والإِنس خلقوا ليعبدوا الله، وهذه
العبادة هي حق الله على عباده المكلفين من جن وإنس، وقد بعث الله الرسل عليهم الصلاة
والسلام ليبينوا هذه العبادة ويدعوا إليها ويشرحوها للناس، وأنزل الكتب لهذا الأمر،
وأعظمها وأفضلها وأكملها وخاتمها القرآن العظيم، فيه بيان الهدى وطريق السعادة، فيه
بيان ما يرضي الله ويقرب إليه من أقوال وأعمال ومقاصد، وبيان ما يغضب الله ويباعد من
رحمته كما قال سبحانه: وَلَقَدْ بَعَثْنَا
فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ، وقال سبحانه: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ
وَبَشِيرٌ .
وقال سبحانه في أول سورة إبراهيم
: الر كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ
النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
، وقال سبحانه في سورة النحل : وَنَـزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ، وقال عز وجل في سورة الحديد : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْـزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ الآية، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فجدير بكل مؤمن ومؤمنة التدبر لكتاب الله
والتعقل لما ذكره الله فيه، والإِكثار من تلاوته لمعرفة ما فيه، وللعمل بما دل عليه
كما قال عز وجل: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 263)
وقال سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ، وقال عز وجل: كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا
آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ
، وقال سبحانه: وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ .
فجدير بنا جميعًا من الرجال والنساء، جدير
بالعلماء وغير العلماء التدبر لكتاب الله والتعقل له والعناية به لمعرفة الحق وأتباعه
ولمعرفة ما يرضي الله ويقرب إليه من قول وعمل حتى نعمل به، ولمعرفة ما يغضب الله ويباعد
من رحمته حتى نتجنبه، وحتى نقوم بالدعوة إلى الخير وإلى ترك الشر على بصيرة وعلى علم،
والرسل عليهم الصلاة والسلام بعثوا لهذا الأمر كما تقدم قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
، وهكذا الكتب أنزلت لهذا الأمر كما سبق قال سبحانه: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ
لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ ، وقال جل وعلا: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا
أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ، فالكتب المنزلة من السماء كلها تدعوا إلى طاعة
الله ورسوله والإِيمان به والوقوف عند حدوده، وهكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام كلهم
بعثوا لبيان حق الله وإرشاد الناس إلى ذلك من قول وعمل وعقيدة.
فالواجب على أهل الإِسلام التفقه في العبادة
التي خلقوا
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 264)
لها وهي توحيد الله، وطاعة أوامره، وترك
نواهيه، هذه هي العبادة التي خلقنا لها جميعًا، توحيد الله عز وجل بأفعالنا وبجميع
عباداتنا من قول وعمل واعتقاد وطاعة الأوامر وترك النواهي، أما معنى قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ فالمعنى: يطيعوني بإخلاص العبادة له وحده، وبفعل
الأوامر وترك النواهي والوقوف عند الحدود.
والدعاة إلى الله وعلماء الحق هم خلفاء
الرسل ، وهم الورثة للرسل في الدعوة إلى الخير، وبيان طريق السعادة ليُسلك، وبيان طريق
الشقاء والهلاك ليُجتنب ويُحذر، وعنوان كلمتي هذه كما سبق هو: ( حكمة الداعي وأدب المدعو
) وهذا العنوان اختارته التوعية ووافقت عليه؛ لأن الحكمة من الداعي إلى الله لها شأن
عظيم، فالداعي يتحرى في دعوته الكلمات المناسبة والأوقات المناسبة، والأسلوب المناسب،
حتى يكون ذلك أقرب إلى النجاح، ومن أسماء الله جل وعلا الحكيم العليم لأنه سبحانه يضع
الأمور مواضعها عن علم: إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ
عَلِيمٌ ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ، وهو يعلم الأشياء على ما هي عليه ويضع أفعاله
وأحكامه على ما هو اللائق به سبحانه والمناسب لمنفعة العباد وصلاحهم، فهو الحكيم العليم
في قوله وعمله في أمره ونهيه في كل ما يقول ويفعل سبحانه وتعالى.
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 265)
فالحكيم هو الذي يعلم الأشياء ويضع الأعمال
والأقوال مواضعها، وهذا الوصف على الكمال إنما يصدق على الله عز وجل؛ لأنه العالم بكل
شيء والحكيم في كل شيء سبحانه وتعالى، ومن حكمة الداعي أن يكون عنده العلم بما يدعو
إليه وما ينهى عنه، كما قال عز وجل: ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، يعني:
بالعلم قال الله وقال رسوله.
ومن حكمة الداعي أن يأتي بالأسلوب المناسب
والبيان المناسب ويخاطب كل قوم بما يعقلون ويفهمون، قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ ، يعني على علم، وقال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، أي بالعلم
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، أي الترغيب
والترهيب التي تلين القلوب وتقربها من قبول الحق،
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
أي بالأسلوب الحسن لا بالعنف والشدة لكن بالتي هي أحسن حتى يقبلوا الحق وحتى
ينقادوا له، وقال تعالى في أهل الكتاب: وَلاَ
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وهم اليهود والنصارى، فلا يجوز جدالهم إلا بالتي
هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم فمن ظلم له شأن آخر.
وإذا كان هذا التوجيه من المولى سبحانه
في جدال أهل الكتاب فالمسلمون من باب أولى، وقال عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 266)
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، يعني المدعوين من قريش وغيرهم، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ وقال لموسى وهارون عليهما الصلاة
والسلام لما بعثهما إلى فرعون: فَقُولا لَهُ
قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى وهذا توجيه من الله سبحانه لرسوليه موسى وهارون
لما بعثهما إلى فرعون، ليتأسى بذلك الدعاة ويتخلقوا به في دعوتهم إلى الله لا سيما
مع الرؤساء والعظماء، ولا سيما في عصرنا هذا، فإن الحكمة والأسلوب الحسن والرفق من
أهم المهمات في كل وقت وفي هذا الوقت بوجه أخص، لكثرة الجهل وغلبة الهوى على أكثر الخلق،
وبالشدة ينفر منك الناس ويبتعدون عنك ولا يقبل الحق إلا من رحم الله.
وقد ذكر بعض المؤرخين أن أحد الدعاة قابل
بعض الحكام من بني العباس فقال له: إني قائل لك ومشدد عليك، فقال له الخليفة: لا يا
أخي ارفق بي فلستُ بشرٍ من فرعون ولستَ خيرًا من موسى، وقد قال الله لموسى وهارون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى ، والمقصود أن تحري الألفاظ المناسبة
للمدعو والمنصوح أولى مع الرفق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير كله ، ويقول عليه الصلاة والسلام: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء
إلا شانه .
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 267)
ثم إن لكل مقام مقالاً فالداعي ينظر حاجة
المجتمع الذي يتكلم فيه وما فشا فيه من منكرات فيعالج تلك الأمور بالأدلة الشرعية وهي:
قال الله، وقال رسوله بالأدلة، ويرفق بمن سأل أو طرح شبهة حتى يوضح له الحق ويجادله
بالتي هي أحسن وحتى تزول الشبهة، إذ المقصود هداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور،
وليس المقصود إظهار علمك ولا توبيخهم وإظهار جهلهم، وإنما المقصود دعوتهم إلى الخير
وهدايتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
فالواجب سلوك الطرق والأخذ بالوسائل التي
تؤدي إلى هذا الأمر ويرجى منها المنفعة.
وهكذا المدعو له آداب : منها الإِنصات والإِقبال
على ما يسمع من الدعوة والتذكير ليستفيد ويفهم، ومنها إخلاص النية، وأن يكون قاصدا
للفائدة وللعلم والمعرفة والعمل، ومنها حسن السؤال إذا سأل، هذا كله من أدب المدعو:
الإِنصات، والإِقبال على الناصح، والإِخلاص في ذلك، وحسن الرغبة، وطلب الحق، والعزم
على فعل الخير، والأخذ بالنصيحة، قال تعالى:
فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ ، وقال سبحانه: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا
أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وقال سبحانه: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ .
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 268)
فالمدعو مشروع له أن يقبل بقلبه وقالبه
على الدعوة، وأن يريد وجه الله والدار الآخرة، وأن يؤسس بقلبه ونيته قبول الحق والعمل
بالحق متى عرفه ومحاربة الهوى والشيطان، وإن أهم الأمور التي يجب التنبيه عليها دائمًا
هو إخلاص العبادة لله وحده، وأن يحاسب العبد نفسه حتى تكون أعماله وأقواله لله وحده
في جميع تصرفاته في صلاته وفي صومه ودعوته إلى الله وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر
إلى غير ذلك فيخلص لله في جميع أعماله، وأن يكون هدفه طاعة الله ورسوله وإرضاءه سبحانه،
والفوز بكرامته، وأداء الحق الذي على العبد.
وأساس الدين وأصله توحيد الله والإِخلاص
له سبحانه كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ
أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ، والنبي
صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين في مكة يدعو الناس إلى توحيد الله والإِخلاص له، وينهاهم
عن الشرك بالله ويبين لهم بطلان دعوة الأصنام ودعوة الأنبياء والصالحين، وأن الواجب
إخلاص العبادة لله وحده وهو الذي يدعى ويرجى، وهو الذي يتقرب إليه بالذبائح
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 269)
والنذور والصلاة والصوم وغير هذا من أنواع
العبادة، كما قال سبحانه: فَادْعُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وقال عز وجل: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ، وفي الأحاديث الصحيحة قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ،
يعني حتى يشهدوا بها قولاً وعملاً واعتقادًا فيعتقدون معناهما ويعملون به وذلك بتوحيد
الله والإِخلاص له وترك الإِشراك به سبحانه وتعالى، ثم يؤدون ما أمروا به من صلاة وصوم
وزكاة وغير ذلك ويجتنبون ما نهوا عنه.
وفي الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا
الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم
على الله .
فجميع المكلفين من جن وإنس مأمورون بتوحيد
الله والإِخلاص له في العبادة، وأن يصدقوا رسوله عليه الصلاة والسلام ويؤمنوا بما جاء
به من الهدى، وأن يعتقدوا أنه عبد الله ورسوله أرسله الله إلى الناس كافة من الجن والإِنس
وجعله خاتم الأنبياء، وأوجب على جميع المكلفين الإِيمان به وتصديقه واتباع شريعته عليه
الصلاة والسلام.
ثم على كل فرد أن يؤدي الحقوق التي عليه
بعد توحيد الله، والإِخلاص له، وترك الإِشراك به، والإِيمان برسوله محمد عليه الصلاة
والسلام وبكل ما أخبر به الله ورسوله، يجب أن تؤدي الحقوق
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 270)
التي أوجب الله عليك من صلاة وزكاة وصوم
وحج وبر الوالدين وصلة الرحم وصدق الحديث وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر والدعوة إلى
الله والجهاد في سبيله إلى غير ذلك مع الحذر من كل ما نهى الله عنه، وأعظم ذلك الشرك
بالله فإنه أعظم الذنوب ، وهكذا جميع المعاصي عليك أن تحذرها من العقوق والزنى وشرب
المسكر وقطيعة الرحم وأكل الربا إلى غير ذلك مما حرم الله، فالمؤمن والمؤمنة عليهما
الجهاد للنفس حتى يستقيم المؤمن على طاعة الله ورسوله، وحتى تستقيم المؤمنة على طاعة
الله ورسوله في جميع الأحوال في الشدة والرخاء في الليل والنهار في السفر والإِقامة
وفي كل وقت وفي كل مكان، كل واحد يجاهد نفسه حتى يستقيم على أمر الله، وحتى يدع ما
حرم الله، وحتى يقف عند حدود الله.
والصلاة هي عمود الإِسلام وأعظم الواجبات
وأهم الأمور بعد الشهادتين، فالواجب على كل مؤمن ومؤمنة العناية بالصلاة، والمحافظة
عليها في أوقاتها وأن يؤديها كل منهما بطمأنينة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ
فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ، وعلى المؤمن أن
يحافظ عليها في الجماعة في بيوت الله لا يتشبه بالمنافقين والكسالى بل ويسارع إليها
ويحافظ عليها مع إخوانه في بيوت الله كل وقت، قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا
مَعَ الرَّاكِعِينَ يعني صلوا مع المصلين،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء
فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر قيل
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 271)
لابن عباس : ما هو العذر قال: خوف أو مرض،
فجاءه رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل لي من رخصة إذا
صليت في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب .
فهذا رجل أعمى ليس له قائد يقال له: أجب
فكيف بحال غيره.
فعلى المسلم أن يحافظ على هذه العبادة العظيمة
التي هي عمود الإِسلام من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وقد ذكر مالك
رحمه الله في موطئه عن نافع أن عمر رضي الله
تعالى عنه كان يكتب إلى عماله وأمرائه ويقول لهم: إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها
حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع .
وكثير من الناس اليوم ليس عنده عناية بالجماعة
وهذا خطر عظيم وشر كبير، وربما ترك بعضهم صلاة الفجر فلم يصلها إلا بعدما تطلع الشمس
ويقوم لعمله وهذا منكر عظيم، فالصلاة عمود الإِسلام من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو
لما سواها أضيع، والله يقول سبحانه: حَافِظُوا
عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى
، فالواجب العناية بها والمحافظة عليها في أوقاتها، وفي الجماعة في حق الرجل،
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة
، ويقول صلى الله عليه وسلم: العهد
الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر
، وهذا وعيد عظيم، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن ذلك كفر أكبر،
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 272)
وأن تركها كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها،
أما إذا جحد وجوبها فهذا كفر أكبر عند جميع العلماء، فالواجب الحذر، وأن نحافظ عليها
في الجماعة، وأن نعظمها ونؤديها بقلب حاضر وخشوع وإقبال نرجو ثواب الله ونخشى عقاب
الله.
وهكذا زكاتك حق المال وهي الركن الثالث
من أركان الإِسلام الخمسة عليك أن تعتني بها، وأن تؤديها عن طيب نفس وعن رغبة فيما
عند الله، وأن تجتهد في تخليص مالك منها، وأن تضعها في يد المستحقين لها ترجو ثواب
الله وتخشى عقاب الله.
وهكذا صوم رمضان عليك أن تصومه في وقته،
وأن تحافظ عليه، وأن تصونه مما حرم الله من غيبة ونميمة ومن سائر المعاصي.
وهكذا حج البيت في حق من استطاع السبيل
إليه يجب عليه أن يحج من رجل وامرأة مرة واحدة في العمر لقول الله عز وجل: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ، الآية، وقول
النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإِسلام على
خمس ، وذكر منها الحج.
وهكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عليك أن تعتني بهذا مع أهل بيتك ومع جيرانك ومع غيرهم من إخوانك المسلمين، لكونه من
أهم أخلاق المؤمنين والمؤمنات كما قال الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، هكذا
المؤمنون والمؤمنات
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 273)
جميعًا ذكر الله سبحانه أنهم أولياء ليسوا
أعداء، بل بينهم المحبة والإِخاء والتعاون على الخير، وهكذا يجب على المؤمنين والمؤمنات
أن تسود بينهم المحبة والإِخاء والحب في الله والبغض في الله، وأن يكونوا بعيدين عن
الكذب والخيانة والغيبة والنميمة وعن شهادة الزور وعن كل ما يسبب الفرقة والاختلاف
والشحناء، وأوضح سبحانه أنهم: يَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
، وقدم ذلك على الصلاة والزكاة، لعظم الفائدة والمصلحة في الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، وفي آية أخرى وصف الأمة كلها بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يعني:
أمة الإِجابة كما في قوله تعالى: كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وما ذلك
إلا لأهمية هذا الواجب وعظم المصلحة فيه.
فعلى المؤمن أن يقوم على أهل بيته بالدعوة
إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من زوجة وأولاد وغيرهم، ينصحهم جميعًا
ويحذرهم من معاصي الله ويحثهم على الصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها، ويحثهم على كل
ما أوجب الله، وينهاهم عما حرم الله عليهم ويحذرهم من الغيبة والنميمة ومن إيذاء بعضهم
لبعض ومن إيذاء الجيران ومن تخلف الرجال عن الصلاة في الجماعة إلى غير هذا، عملاً بهذه
الآية الكريمة وهي قوله سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ الآية، وعملاً بقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ الآية.
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 274)
وبقول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه
وسلم: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا ، وبقوله سبحانه عن نبيه ورسوله
إسماعيل عليه الصلاة والسلام: وَاذْكُرْ فِي
الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا
(54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ
مَرْضِيًّا .
فأنت يا عبد الله عليك أهلك جاهدهم في الله
بالحكمة والكلام الطيب والشدة تارة والرخاء تارة أخرى من لم ينفع فيه اللين والكلام
الطيب يُنتقل معه إلى القوة والتأديب كما قال تعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
، فمن ظلم يعاقب بما يستحق حسب الطاقة وفي حدود الشرع المطهر، والنبي عليه الصلاة
والسلام قال: مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم
عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ، فإذا
ما نفع الكلام يضرب، هكذا مع الفساق والعصاة إذا لم تجد فيهم النصيحة والتوجيه إلى
الخير وجب على المسئولين أن يؤدبوا ويزجروا بما يردع عن الباطل ويقيم الحق.
وعليهم أن يقيموا الحدود الشرعية على أهلها
حسب الطاقة لقول الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ ولهذا قال صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح: من رأى منكم منكرًا
فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإِيمان ، فأنت يا عبد الله عليك
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 275)
أن تجتهد حسب طاقتك في الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر مع أهلك ومع جيرانك ومع غيرهم من المسلمين مع تحريك الأسلوب الحسن لعلك تنجح
ولعله يستجاب لك، وإذا قدرت باليد كضرب ولدك أو ضرب زوجتك عند مخالفتهما لأمر الله
وعدم انصياعهما للدعوة والحق والهدى، وهكذا خادمك إذا لم يقم بالواجب ولم يقبل النصيحة.
والمقصود أن المؤمن يسلك مسلك الحكمة في
جميع أموره بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن مهما أمكن فهذا هو المقدم، فإذا دعت الحاجة
إلى الضرب أو التوبيخ حين تستطيع الضرب أو التوبيخ فافعل ذلك حسب طاقتك على قدر ما
يحتاج إليه مع من تستطيع من ولد أو زوجة أو غيرهما، والأمير مع من تحت يده، والهيئة
على حسب ما عندها من التعليمات، وولي الأمر كذلك، كل عليه نصيبه وكل عليه واجبه في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلزام الناس بالحق؛ لأن هذه الدار هي دار العمل وهي
دار المجاهدة وهي دار الدعوة وهي دار التوجيه إلى الخير وهي دار الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، والآخرة هي دار الجزاء. يقول سبحانه:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .
فلا يجوز التساهل وتمشية الأمور وأنت قادر
على إنكار المنكر وإيجاد الحق وعلى التوجيه والإِرشاد وعندك علم، يقول سبحانه: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، ويقول جل وعلا:
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 276)
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، فعليك يا عبد الله أن تقوم بالواجب من الدعوة
والإِرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى إخوانك المستمعين والمأمورين أن
يستجيبوا للحق، وأن يتأدبوا بالآداب الشرعية من قول الحق وإيثاره والرضا به وتقديمه
على الهوى، هذا هو طريق السعادة.
يقول سبحانه في كتابه العظيم: فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
(38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ، فمن خاف مقام الله وراقبه سبحانه قبل النصيحة
وخضع للحق وقبله وتأدب بالآداب الشرعية، وسارع إلى ما أوجب الله وإلى ترك ما حرم الله،
فالهوى يفضي بأهله إلى النار، ويفضي بأهله إلى الضلالة وإلى سوء المصير، كما قال جلَّ
وعلا: وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا
يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى
مِنَ اللَّهِ
فبين سبحانه أن الواقع أمران وهما: إما
الاستجابة لله والرسول وإما اتباع الهوى فقال سبحانه: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ يعنى يا محمد
فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ، ثم قال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِنَ اللَّهِ
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 277)
ويقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
فالله ورسوله إنما يدعوان لما يحيي العباد وينقذهم من الضلال، فالحياة والسعادة
في قبول الدعوة لما أمر الله به ورسوله، وفي الأخذ بما شرع الله هذا هو طريق السعادة
وطريق الحياة وطريق النور، قال تعالى: أَوَمَنْ
كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ، فالكافر ميت وفي ظُلمة، وحياته: بالإِيمان والإِسلام،
والنور هو ما جاء به الرسول من الإِيمان والهدى والعلم النافع في القرآن والسنة، لا
يستويان، لا يستوي الكافر الميت البعيد عن الهدى مع المؤمن الذي قد أعطاه الله النور
والهدى، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ
وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا .
فبين سبحانه أن ما جاء به الرسول صلى الله
عليه وسلم من الكتاب والسنة هو الروح وهو النور، فالقرآن والسنة هما الروح الذي تحصل
به الحياة، وهما النور الذي تحصل به البصيرة، فكلما قوي علمك بالكتاب والسنة حصل لك
الروح الطيبة والنور، وكلما قل علمك ضعفت الحياة وضعف النور، فالحياة السعيدة لمن أخذ
بالوحي واستقام عليه، حيث يحصل به النور وهو البصيرة
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 278)
ولهذا قال سبحانه: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ
نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ، فأنت يا عبد الله
وأنت يا أمة الله كلاكما عليه أن يحرص على هذا النور وعلى هذه الحياة بتدبر القرآن
العظيم والعناية بكتاب الله والحرص على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسماعها من
أهلها ومراجعتها في الكتب الصحيحة، وسؤال أهل العلم المعروفين بحسن العقيدة والسيرة،
طالب العلم يسمع من الواعظين والمذكرين والمرشدين في المساجد، وفي خطب الجمعة، وفي
الإِذاعة مثل: إذاعة القرآن الكريم، وفي نور على الدرب وفي غير هذا من طرق التبليغ
لما قاله الله ورسوله فمن حرص عليها وجدها واستفاد منها لكن المصيبة العظيمة هي الإِعراض
والغفلة واتباع الهوى ، قال تعالى: وَالَّذِينَ
كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ،
وهل ترضى أيها المؤمن وهل ترضين أيتها المؤمنة بمشابهة هؤلاء الكافرين في الإِعراض
عن دين الله، وقال سبحانه: وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ، فلا أحد أظلم من هذا الصنف من الناس فاحذر يا
عبد الله أن تكون منهم، ويقول جلَّ وعلا: وَلَقَدْ
ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ
بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا
أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ والأنعام هي الإِبل والبقر والغنم، شبه سبحانه من
أعرض عن دينه وغفل عن اتباع الحق
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 279)
بهذه البهائم لعدم انتفاعه بما بعث الله
به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، وجعلهم سبحانه أضل من الأنعام؛ لأنهم
أعطوا عقولاً وأسماعًا وأبصارًا فلم يستفيدوا منها في اتباع الحق، فصاروا بذلك شرًا
من الأنعام وأضل منها.
وقال عز وجل: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ
يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا .
فهل ترضى يا عبد الله وهل ترضين يا أمة
الله بمشابهة الأنعام في عدم معرفة الحق واتباعه.. فعليكما بالجد في فهم القرآن والسنة،
وفي التعلم والسؤال عما أشكل عليكما والعمل بالحق حتى لا تشبها هذه البهائم، فمن جد
وجد، ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، فالمهم الصدق في طلب الحق، وفي الحديث الصحيح
عنه صلى الله عليه وسلم قال: من خاف أدلج ومن
أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة أخرجه الترمذي رحمه الله بإسناد حسن، فمن خاف صادقا
تعلم وتفقه، قال تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ جَنَّتَانِ ، علق الحكم بالخوف؛ لأن
الخوف الصادق يحمل على طاعة الله ورسوله، ويحمل على التفقه والتعلم وعلى ترك كل ما
نهى الله عنه ورسوله ومن هذا قوله تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ، فالخشية لله والخوف منه كل ذلك يقتضي الجد في
طاعة الله والتعلم والتفقه في الدين.
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 280)
والمقصود من هذا كله التنبيه على أن الواجب
على كل مؤمن ومؤمنة التفقه في دين الله والتبصر والتعلم والعمل، فالإِعراض والغفلة
من دلائل الهلاك وأن الله ما أراد بالعبد خيرًا، والإِقبال على الله والتعلم والتفقه
في الدين والسؤال من دلائل الهداية والصلاح وأن الله أراد بالعبد خيرًا كما في الحديث
الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين
، فالتفقه في الدين والتعلم وقبول النصائح وحضور المواعظ والاستفادة منها والإِقبال
بالقلب على ذلك من الدلائل على أن الله أراد بالعبد خيرًا، والإِعراض عن ذلك والغفلة
عن العلم والتعلم من الدلائل على أن الله أراد بالعبد شرًا نسأل الله العافية.
فعليك يا عبد الله بالحرص على قبول الحق
وعلى الأخذ بأسبابه وعلى الإِقبال بقلبك عند الموعظة والذكرى، وأن يكون همك وقصدك أن
تفهم حكم الله، وأن تعرف مراد الله وتعمل به، وأن تعرف ما يغضب الله حتى تجتنبه، والله
سبحانه يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ، ويقول سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ
يُسْرًا ، ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا
اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الآية.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى
أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 281)
ومن سيئات أعمالنا، وأن يهدينا جميعًا صراطه
المستقيم، وأن يجعلنا وإياكم من المسارعين إلى كل خير والمتباعدين عن كل شر، وأن ينصر
دينه ويعلي كلمته، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن ينصر بهم دينه، وأن يصلح لهم البطانة
وأن يعينهم على كل خير وأن يعيذهم من كل شر، وأن يوفق جميع المسئولين لكل ما فيه رضاه
وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان
وأن يولي عليهم خيارهم وأن يصلح قادتهم، وأن يمنحهم الفقه في الدين والثبات عليه إنه
سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
57. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > الدعوة إلى الله
بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 294)
الدعوة إلى الله بالرفق والحكمة
والموعظة الحسنة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين،
والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد
الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإني أشكر الله عز وجل على ما منّ به من
هذا اللقاء بإخواني في الله من: الخطباء، والدعاة، وأئمة المساجد في رحاب بيت الله
العتيق للتناصح والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى. وقد سمعنا جميعًا كلمة الأمين
العام للتوعية عن الدعاة وأعمالهم وعما حصل من الخير العظيم على يد الدعاة، ومن الآمرين
بالمعروف والناهين عن المنكر والتعاون فيما بينهم مع الأجهزة الحكومية، وقد سرنا هذا
كثيرًا والحمد لله، ونسأل الله أن يزيد الجميع من التوفيق والإِعانة والتسديد، وأن
يجعلهم مفاتيح خير ومغاليق شر، وأن يسدد خطاهم ويصلح قلوبهم وأعمالهم.
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 295)
ولا شك أن الواجب على الجميع التعاون على
البر والتقوى، وأن على الدعاة التعاون مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وعلى
الأجهزة الحكومية التعاون مع الجميع في هذا الأمر؛ لأن التعاون على البر والتقوى يحصل
به الخير العظيم وإنجاز المهمة وتحصيل المقصود والحمد لله على ذلك.
إن الكلمة الوافية التي تفضل بها فضيلة
الشيخ: محمد بن عبد الله بن سبيل الرئيس العام لشئون المسجد الحرام وشئون المسجد النبوي
فيما يتعلق بالدعوة والدعاة اتسمت بالجودة وقد أفاد، وأبان ما ينبغي بيانه، وإنني أؤكد
على ما ذكره في هذا الباب من أن الداعية عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن
يتحلى بالرفق واللين وعدم الشدة، وكذلك الخطيب والواعظ يجب أن يتحريا الأسلوب الذي
يحصل به المطلوب، وإزالة المنكر، وتحريك القلوب إلى الخير، وزجرها عن الشر، ولا شك
أن الخطيب عليه أن يدعو إلى الخير وإقامة أمر الله وإزالة ما نهى الله عنه، والسعي
إلى ذلك بالطرق والوسائل التي يرجى فيها تحقيق ذلك.
ولقد استمعنا أيضًا إلى كلمة الشيخ: سعيد
بن مسفر عن الدعاة هي كلمة أجاد فيها وأفاد وأوضح ما ينبغي إيضاحه فجزاه الله خيرًا
وبارك فيه، وإنه لا يخفى على الجميع أن الدعوة إلى الله سبحانه وهي وظيفة الرسل وأتباعهم
بإحسان وكانوا عليهم الصلاة والسلام يتحرون في دعوتهم، وينظرون في المصالح والمفاسد،
ويجتهدون عليهم الصلاة والسلام في تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، ويصرون على الأذى وهم
أصبر الناس على الأذى، وهم الصفوة في هذا الباب
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 296)
وهم أشد الناس بلاءً وهم القدوة الحسنة
في كل شيء.
والواجب على الدعاة إلى الله من الخطباء
وغيرهم وعلى الأمراء والحكام الصبر في ذلك مع القيام بالواجب قولاً وعملاً، والبدء
بالأهم فالأهم والعناية بما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم، والتحذير مما انتشر بينهم
من المنكرات والدعوة إلى تركها والتحذير منها ومن إشاعة الفاحشة بين الناس لقول الله
عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ
الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الآية من سورة النور.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة رواه الإِمام مسلم في صحيحه . وإنما المطلوب النهي
عن وجودها والتحذير من اقترافها، والحث على التوبة إلى الله منها، والحث على فعل الأوامر
والمسارعة إليها، وإذا كان المؤمن يعلم من إنسان أنه وقع في شيء مما حرم الله فإنه
ينصحه بينه وبينه، ويقول للناس كلامًا عامًا، وينصح الناس ويبين لهم ما حرم الله عليهم.
والداعي إلى الله خطيبًا كان أو واعظًا
أو محاضرًا أو آمرًا بالمعروف أو ناهيًا عن المنكر - عليه أن يتحرى في دعوته وأمره
ونهيه ما يحقق المطلوب ويزيل المكروه وما يدعو إلى الخير ويبعد عن الشر، ومن المعلوم
أن إنكار المنكر على مراتب أربع :
الأولى: أن يزول المنكر بالطرق الشرعية،
فهذا يجب الإِسراع في إنكاره بالطرق الشرعية.
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 297)
الثانية: أن يخف ويقل ولكن لا يزول بالكلية،
فهذا كالذي قبله يجب الإِسراع في إنكاره بإزالته أو تخفيفه.
الثالثة: أن يزول ويحل محله منكر آخر مثله،
فهذا محل اجتهاد ونظر، فإن رأى في اجتهاده أن المنكر الذي يحل محله أقل منه وأيسر قام
بإنكار هذا المنكر وسعى في إزالته ولو ترتب عليه شيء أخف منه في اعتقاده وإلا توقف.
الحالة الرابعة: أن يزول المنكر ولكن يأتي
شر منه، فهذا لا يجوز إنكاره لما يترتب على إنكاره من وجود ما هو شر منه. كأن تنهى
عن معصية ويقع بسبب ذلك الشرك الأكبر أو تنهى عن شرب المسكر فيقع بسبب ذلك القتل.
وقد نبه العلامة ابن القيم رحمه الله في
كتابه: إغاثة اللهفان على هذه المراتب الأربع، ومن تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف صحة
ذلك ومن ذلك قول الله عز وجل: وَلاَ تَسُبُّوا
الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ الآية من سورة الأنعام. والمقصود أن الآمر والناهي
ينظر ما هو أقرب إلى الخير وما هو أكثر خيرًا وما هو أقل شرًا.
ومما يتعلق بهذا الموضوع عدم الاشتغال بعيوب
الناس عامة كبيرة أو صغيرة، بل يشتغل بالمنكرات الموجودة يحذّر من وجودها، ويدعو إلى
القضاء عليها وإنكارها بالحكمة والأسلوب الحسن حتى يقضي عليها، فيذكر المنكر الموجود
بين الناس، ويدعو الهيئة
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 298)
والدعاة إلى إنكاره، ويدعو المجتمع إلى
تركه والحذر منه كالربا وشرب المسكر والغيبة والنميمة والاختلاط بين الرجال والنساء
وسماع الأغاني والملاهي إلى غيرها من المنكرات الموجودة بين الناس، ومن ذلك أيضًا التثاقل
عن الصلاة في الجماعة وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم وإيذاء الجار وغير ذلك مما نهى الله
عنه سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يقع من بعض الدعاة في بعض الدول
من الإِنكار باليد فليس من الحكمة، وإنما الحكمة أن يتصل بالرؤساء والمسئولين ويتفاهم
معهم ويدعوهم إلى الله عز وجل حتى يقوموا هم بإزالة المنكر، وحتى ينتشر الدعاة في المجتمع
ويقوموا بالنصيحة والتوجيه فلا تتعرض لهم الدولة بالحبس والإِيذاء والتنكيل بل تكون
عونًا لهم في نشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن.. ويبقى الدعاة
على نشاطهم وقوتهم في الدعوة إلى الله عز وجل.
أما أن يَغتال فلانا أو يضرب فلانا ويَشتم
فلانا - فهذا يسبب مشاكل كثيرة وفتنًا كبيرة ويخالف قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الآية من سورة النحل . وقول الله سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية من سورة آل عمران . فعلى الداعي إلى الله
سبحانه أن يسلك الطريق الذي سلكه
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 299)
النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله
عنهم وأتباعهم بإحسان، فالنبي بقي في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاما ما عاقب أحدًا وما
قاتل أحدًا وإنما كان يدعو إلى الله سبحانه هو وأصحابه بالحكمة والموعظة الحسنة ويترك
الإِنكار الذي يترتب عليه فتنة وشر. فما ضرب ولا قتل ولا سجن حتى مكنه الله من ذلك
بعد الهجرة إلى المدينة ، ولما توجه إلى مكة للعمرة عام ست من الهجرة، وحالوا بينه
وبين ذلك سلك المسلك الذي فيه الخير وهو قبول الصلح، فرضي بالصلح مع قريش لما في ذلك
من تحصيل الخير الأكثر والأعظم، فصالحهم على أمر فيه غضاضة على المسلمين، وصبر على
ذلك عليه الصلاة والسلام لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين، ولمن يرغب في الدخول
في الإِسلام فللدعاة أسوة في نبيهم عليه الصلاة والسلام.
ونحن بحمد الله في دولة إسلامية تأمر بالمعروف
وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله عز وجل وتحكم شرعه، فالواجب التعاون معها على الخير
وعلى إزالة ما يوجد من الشر بالطرق الحكيمة والأسلوب الحسن مع الإِخلاص لله سبحانه
والصدق في العمل وعلاج الأوضاع المحتاجة إلى العلاج بالطرق الشرعية حسب الطاقة فيما
بيننا وبين ولاة الأمور وفقهم الله بالمكاتبة والمشافهة وبالتعاون مع العلماء بالمناصحة
لهم، وهكذا يجب على الدعاة إلى الله سبحانه في جميع الدول أن يعالجوا الأوضاع المخالفة
للشرع المطهر بالحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب الحسن، ويتعاونوا مع المسئولين على
الخير ويتواصوا بالحق مع الرفق والتعاون مع الدولة بالحكمة حتى لا يؤذى الدعاة وحتى
لا تعطل الدعوة، فالحكمة في الدعوة بالأسلوب
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 300)
الحسن وبالتعاون على البر والتقوى هي الطريق
إلى إزالة المنكر أو تقليله وتخفيف الشر، ومن أهم ذلك الدعوة إلى تحكيم الشريعة الإِسلامية
فهذا هو الطريق إلى العلاج والإِصلاح ولو لم يحصل المطلوب كله لكن يحصل بعض الخير والتجاوب
من الحكومة التي ينكرون عليها فيقل الشر ويكثر الخير.
فلا بد من الحكمة في الدعوة بالعلم، والعلم
يدعو إلى الرفق وإلى تقديم الأفضل فالأفضل، ويدعو إلى تقديم الأهم فالأهم.
والدعوة إلى إزالة منكر إذا كانت تؤدي إلى
منكر أشد لا تجوز، والدعوة إلى فعل أمر يؤدي إلى ما هو أخطر منه لا تجوز، فالواجب السعي
فيما هو سبب لتكثير الخير وتقليل الشر، والبعد عن ما هو أشر وأعظم وما يفضي إلى الشرك
الأكبر مع دولتك في بلادك، ومع غيرها، ومع الرؤساء والمسئولين، ومع الأمراء وغيرهم،
فالواجب التعاون معهم في إزالة الشر وتقليله وتكثير الخير، وإزالة ما هو مخالف للشرع
حسب الطاقة. والمقصود أن الواجب علينا أن نعمل بكتاب الله عز وجل وبسنة رسوله عليه
الصلاة والسلام ونسير على ضوئها، وأن نتفاهم فيما بيننا، وإذا أشكل شيء طرحناه للبحث
بيننا ورفعناه لمن فوقنا حتى يزال الشر ويقر الخير.
والتناصح والتعاون لا يأتي إلا بخير والعجلة
تأتي بالشر، فالواجب علينا معشر طلبة العلم ومعشر الدعاة ومعشر الآمرين بالمعروف والناهين
عن المنكر أن نتحرى ما هو الأفضل للحصول على الخير، وأن نتحرى في أسلوبنا وفي أمرنا
ونهينا وفي دعوتنا وتصرفاتنا كلها ما هو الأقرب إلى رضى الله، وما هو الأقرب لحصول
المطلوب
( الجزء رقم : 7، الصفحة رقم: 301)
الذي يرضي الله سبحانه وإزالة المنكر وحصول
الخير، وعلينا أن نحرص عليه ونتعاون فيه ونتظافر فيه، وإذا دعت الحاجة إلى الشدة فالواجب
الرفع إلى المسئولين عن إزالة ذلك الأمر ومتابعته حتى يزول.
الذي أنصح به إخواني في هذه البلاد وفي
كل مكان أن يتحروا طريقة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وطريقة أصحابه رضي الله عنهم
في القول والعمل، ويكونوا أسوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وأن يبدأوا بأنفسهم في كل
خير وفي ترك كل شر حتى يكونوا قدوة عملية في أعمالهم وأحوالهم وأخلاقهم ورفقهم ورحمتهم
وإحسانهم، وأن يحرصوا دائمًا أن يتحروا في الأمر، وأن يكون خطؤهم في العفو والرفق أولى
من خطئهم في الشدة.
وأسأل الله أن يوفق الجميع للعلم النافع
والعمل الصالح، وأن يصلح القلوب والأعمال، وأن يوفق جميع الدعاة وجميع العلماء في كل
مكان لما هو الأهدى والأصلح، ويزيدهم من العلم والإِيمان، وأن يوفق قادتهم لما يرضيه
ويصلح بطانتهم ويعيذهم من كل سوء، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يوفقهم لتحكيم الشريعة
والحكم بها، وأن يزيل كل من لا يرضى بذلك ولا يوافق عليه، وأن يبدلهم بخير منه إنه
جلَّ وعلا جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
58. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > توجيهات للأئمة والدعاة
ورجال الحسبة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 46)
توجيهات للأئمة والدعاة ورجال الحسبة
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله،
وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإِني أشكر الله عز وجل على ما مَنَّ به
من هذا اللقاء بإِخوة في الله سبحانه وتعالى؛ من خطباء المساجد، وأئمة المساجد، ورجال
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجماعة من الدعاة إِلى الله عز وجل، وجماعة
من إِخواننا أيضًا ممن يحب الخير ويحب أن يسمع الموعظة، وهذه من نعم الله أشكر الله
عليها، وأسأل الله أن يجعلنا وإِياكم من الهداة المهتدين، وأن يعيذنا جميعًا من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال
المسلمين جميعًا في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم.
ثم لقد سمعت هذه الكلمات الطيبة التي تفضل
بها أصحاب الفضيلة: الشيخ حسن الحجاجي مدير عام فرع وزارة الشئون الإِسلامية والأوقاف
والدعوة والإِرشاد بمنطقة مكة المكرمة ، والشيخ عبد الرحمن السديس إِمام وخطيب المسجد
الحرام، والشيخ أحمد بن موسى السهلي رئيس الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة
الطائف ، والشيخ فراج بن علي العقلا مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بمنطقة مكة المكرمة .
كلها كلمات بحمد الله جيدة ومفيدة، وأنا
أؤيد ما فيها، وجميع
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 47)
ما ذكره المشايخ الأربعة كلمات مفيدة -
والحمد لله - وواقعة في محلها، وأنا أؤيد جميع ما ذكره المشايخ، وخاصة ما ذكره الشيخ
حسن الحجاجي .
لا شك أن الواجب على الوزارة وفقها الله
وإِدارة الشئون الإِسلامية، الواجب عليهما العناية بالمساجد والأئمة والخطباء وأوقاف
المسلمين في هذه المملكة ، لا شك أن الواجب عليهما عظيم، ونسأل الله أن يزيدهما من
التوفيق، ونسأل الله أن يكثر أعوانهما في الخير. الواجب عظيم والحاجة ماسة إِلى مضاعفة
الجهود فيما يتعلق بالدعاة وتكثيرهم، وتوصيتهم، وتحريضهم على القيام بالواجب في تبليغ
دعوة الله إِلى عباد الله في المساجد، والجوامع، والسجون، وفي غير ذلك.
الدعاة إِلى الله جل وعلا عليهم أن يحرصوا
على بذل الدعوة حيث أمكن ذلك؛ في المسجد، وفي المدرسة، وفي السجن، وفي أي مكان يتيسر
لهم، وأن يعتنوا بهذا الأمر في الحاضرة والبادية، وفي الباخرة، وفي السيارة، وفي الطائرة،
أينما كانوا، الدعاة لهم شأن عظيم، هم خلفاء الرسل، وهكذا جميع علماء الشريعة، والدعاة
من خواص العلماء، والله بعث الرسل ليدعو إِلى الحق ويبشروا وينذروا، وعلى رأسهم إِمامهم
وخاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
فالواجب على العلماء وفقهم الله، وعلى الدعاة
بوجه خاص، وعلى القضاة - الواجب على الجميع أن يتقوا الله، وأن يبلغوا دعوة الله حسب
الطاقة والإِمكان كما قال الله عز وجل: قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 48)
وقال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فعلى الداعي أينما كان والقاضي أينما كان وعلى كل
من لديه علم أن يتقي الله ويبلغ حسب طاقته وحسب علمه، والواجب أن يحذر أن يدعو إِلى
الله بغير علم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ الواجب على
كل داعية وعالم وقاض ومرشد - الواجب عليهم أن يتقوا الله، وأن لا يقولوا بغير علم،
ولا يتكلموا إِلا عن بصيرة وعن علم؛ حتى لا يضلوا الناس، وحتى يبلغوا الناس دعوة الله
وأحكام الله على بصيرة، وأن يصبروا على الأذى في ذلك.
الواجب على الداعي إِلى الله أن يتأدب بالآداب
الشرعية التي قال فيها سبحانه: ادْعُ إِلَى
سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ فالحكمة: هي العلم بما قال الله
عز وجل، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، مع وضع الأمور في مواضعها، فيتحرى ويضع الأمور
في محلها والكلمة في محلها مع ذكر الدليل، قال الله عز وجل، قال الرسول صلى الله عليه
وسلم، مع الترغيب والترهيب عند الحاجة. هكذا الداعي إِلى الله، وهكذا العالم في دروسه
وفي دعوته إِلى الله عز وجل، وإِن كان غير معين من جهة ولاة الأمور للدعوة، لكنه مأمور
من جهة الله؛ ليعالج الأمور بالدعوة إِلى الله، سواء كان معينًا من جهة ولاة الأمور
أم لا.
والواجب على العلماء أن يقوموا بهذه المهمة،
هذه مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهي مهمة العلماء أيضًا، فالواجب على الجميع
أن يدعو إِلى الله، وأن يبشروا الناس وينذروهم بالحكمة والرفق، وبالتي هي أحسن، لا
بالعنف والشدة، ولا بالتشهير بأحد، قال فلان: كذا، أو فعل فلان كذا، فالمقصود: بيان
الحق والدعوة
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 49)
إِلى الحق، الدعوة إِلى الالتزام بما شرع
الله وبما أوجب الله، والحذر مما حرم الله ومما وقع في الناس من الشر، فعلى الداعي
إِلى الله أن يحذر من الشر من دون بيان أنه فعل فلان كذا، وفعل فلان كذا. أو فعلت الدولة
كذا، الواجب بيان المنكر والتحذير منه، وبيان الواجب والدعوة إِليه، والدعاء لولاة
الأمور وللمسلمين جميعًا بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل مع الرفق في كل شيء؛
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يكون الرفق
في شيء إِلا زانه، ولا ينزع من شيء إِلا شانه
، ويقول صلى الله عليه وسلم: من يحرم
الرفق يحرم الخير كله ، والأصل في هذا: قوله
جل وعلا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال الله جلّ وعلا لموسى وهارون لما بعثهما إِلى
فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
فالواجب على الدعاة الصبر والاحتساب، وتحري
الحق، والعناية بالأدلة الشرعية والألفاظ الحسنة في دعوتهم، والرفق بالناس مهما أمكن
إِلا الظالم، فإِن الظالم له شأن آخر، كما قال الله جل وعلا: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
فالظالم له شأن آخر يعامل بما يقتضيه ظلمه
وردعه عن ظلمه، لكن في الجملة: الداعي إِلى الله يتحرى الكلمات الطيبة، ويتحرى الدعوة؛
بالحكمة، والكلام الطيب، والترغيب والترهيب، ويتجنب كل شيء يسبب الفرقة والاختلاف،
ويسبب أيضًا الوحشة بينه وبين الإِخوان.
الواجب على الداعي وعلى العالم أن يتحرى
الألفاظ المناسبة،
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 50)
وأن يرفق في أمره كله، وأن يحرص على الإِخلاص
لله بأن يكون هدفه إِيصال دعوة الله إِلى عباد الله يرجو ثواب الله ويخشى عقابه، لا
لرياء ولا سمعة، ولا عن فخر وخيلاء، ولكن يريد وجه الله والدار الآخرة، ثم يريد بعد
ذلك نفع الناس، وإِصلاح أوضاعهم، وتقريبهم من الخير وإِبعادهم عن الشر، وجمع كلمتهم
على الحق، هذا هو المقصود من الداعي والعالم، وهو مقصود الرسل عليهم الصلاة والسلام،
فالمقصود: إِيضاح الحق للناس وبيان ما أوجب الله وما حرم الله، وترغيبهم في الخير وتحذيرهم
من الشر، وجمع كلمتهم على تقوى الله ودينه، كما قال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُوا هكذا جاء القرآن وجاءت السنة،
قال تعالى: الر كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ويقول عز وجل:
كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُو الأَلْبَابِ
فالواجب على الدعاة إِلى الله جل وعلا أن
يعتنوا بالدعوة، وأن يصبروا، وأن يتحروا الرفق والكلمات الواضحة ، وأن يحرصوا على جمع
الكلمة وعلى تجنب أسباب الفرقة والاختلاف، لا مع الشباب ولا مع الشيب ولا مع الدولة
ولا مع غيرها.
الواجب تحري الحق وتحري العبارات الحسنة
التي توضح الحق وترشد إِليه وتمنع من الباطل، مع الرفق في كل الأمور واجتناب أسباب
الفرقة والاختلاف إِلا من ظلم، أما من ظلم فله شأن آخر مع الهيئة ومع القضاة ومع ولاة
الأمور، الظالم له شأنه وله حكمه، لكن في الجملة: الواجب هو تحري الحق والدعوة إِليه،
كما قال الله جل وعلا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 51)
يعني: بما قال الله عز وجل، أو قال الرسول
صلى الله عليه وسلم، مع تحري الوقت المناسب والكلمات المناسبة، ثم قال جل وعلا: وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ يعني: الترغيب والترهيب بالعبارات الحسنة، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ عند الشبهة، وعند الخلاف، يكون الجدال بالتي هي
أحسن، هكذا أمر جل وعلا ونهى بقوله: وَلاَ
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فالواجب على الدعاة وعلى العلماء وعلى كل
ناصح أن يتحرى الحكمة والحق والرفق مع أهله ومع أولاده ومع جيرانه ومع المسلمين عمومًا
في دعوته إِلى الله وإِرشاده أينما كان، ولا سيما فيما يتعلق بالشرك، فإِن الأمر عظيم،
التوحيد والشرك هما أهم الأمور وأعظمها، والتوحيد هو أصل الدين. فالواجب في هذا الأمر
العناية بإِيضاح الحق للناس في توحيد الله وإِرشادهم إِلى الالتزام به، وتحذيرهم من
الشرك كله، دقيقه وكثيره، بالعبارات الحسنة الواضحة؛ لأن الإِنسان الذي ليس عنده علم
يتأثر بكل شيء، فالواجب الرفق به، حتى يتبصر ويتعلم ويعرف دين الله، وهكذا من أسلم
جديدًا يراعى ويلاحظ الرفق به حتى يتفقه في الدين، وهكذا عامة الناس يرفق بهم لكي يتبصروا
ويتعلموا ويعرفوا دين الله، ويعرفوا توحيد الله والإِخلاص له، ويعلموا أن الواجب هو
تخصيص الله بالعبادة: من الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر..
وغير ذلك من أنواع العبادة.
وكثير من الناس يصرف هذه العبادات لأصحاب
القبور، أو للجن، أو للشجر والحجر في بلدان كثيرة، فالواجب على الدعاة إِلى الله -
ولا سيما في المواضع التي يكثر فيها الجهلة، ويكون فيها من قد يدعو غير الله - أن يوضحوا
الأمر لهم، وأن يصبروا على الأذى في ذلك، وأن يتحروا
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 52)
الرفق والعبارات الواضحة والألفاظ البينة؛
حتى يفهم المخاطب ما يريده الداعية، وحتى يرجع عما هو عليه من الباطل، وحتى يسأل عما
أشكل عليه، وتجاب مسألته بما يتضح له به الأمر، ثم الدعوة إِلى الصلاة بعد ذلك والزكاة
والصيام والحج بعدما يوضح له أمر الشهادتين، فالشهادتان هما الأهم، ثم بعد ذلك الصلاة
والزكاة، والصلاة أمرها عظيم فهي عمود الإِسلام، والواجب أن يعتني بها العناية العظيمة
في كل مكان بعد إِفهام الناس التوحيد والشرك، وما يتعلق بالصلاة بعد الشهادتين، فالصلاة
الآن لا يخفى على كل من لديه علم ما وقع فيها من التساهل من كثير من الناس، فالواجب
على الدعاة أن يعتنوا بالصلاة، وأن يحرضوا الناس على المبادرة إِليها والمحافظة عليها
في الجماعة في مساجد الله، وهكذا مع النساء في البيوت ومع الأولاد، كل إِنسان يعتني
بأولاده، بذكورهم وإِناثهم، ويعتني بزوجته، ويعتني بأخواته وإِخوانه، ويعتني بجيرانه
في كل شيء، ولكن أهم شيء الصلاة بعد الشهادتين من حفظها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما
سواها أضيع، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ، ويقول عليه الصلاة والسلام: رأس الأمر الإِسلام، وعموده الصلاة .
ويقول عمر رضي الله عنه فيما يكتب لعماله:
(إِن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع).
والله ولي التوفيق، وهو المسئول أن يصلح
أحوالنا جميعًا ويهدينا صراطه المستقيم، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان،
إِنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
59. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > موقف الدعاة والعلماء
من كثرة انتشار الباطل
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 223)
موقف الدعاة والعلماء من كثرة انتشار الباطل
س: إن هداية الناس ثمرة لانتشار العلم الشرعي
بين الناس. ولكن من الملاحظ أن الباطل أكثر انتشارًا عبر الصحافة، وكافة وسائل الإعلام
ومناهج التدريس. فما موقف الدعاة والعلماء من هذا؟.
ج: هذه واقعة منتشرة في الزمان كله، وحكمة
أرادها الله سبحانه كما قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ
النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ،
ويقول سبحانه: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ
فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
.
لكن هذا يختلف: ففي بلاد يكثر وفي بلاد
يقل، وفي قبيلة يكثر، وفي قبيلة يقل، وأما بالنسبة إلى الدنيا فأكثر الخلق على غير
الهدى. ولكن هذا يتفاوت بالنسبة إلى بعض الدول، وبعض البلاد وبعض القرى، وبعض القبائل،
فالواجب على أهل العلم أن ينشطوا، وألا يكون أهل الباطل أنشط منهم. بل يجب أن يكونوا
أنشط من
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 224)
أهل الباطل، في إظهار الحق والدعوة إليه
أينما كانوا في الطريق وفي السيارة، وفي الطائرة وفي المركبة الفضائية، وفي البيت،
وفي أي مكان، عليهم أن ينكروا المنكر بالتي هي أحسن، ويعلموا بالتي هي أحسن، بالأسلوب
الطيب والرفق واللين، يقول الله عز وجل: ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ ويقول سبحانه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء
إلا شانه .
فلا يجوز لأهل العلم السكوت وترك الكلام
للفاجر والمبتدع والجاهل، فإن هذا غلط عظيم، ومن أسباب انتشار الشر والبدع واختفاء
الخير وقلته وخفاء السنة.
فالواجب على أهل العلم أن يتكلموا بالحق،
ويدعوا إليه، وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه، ويجب أن يكون ذلك عن علم وبصيرة كما قال
الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وذلك بعد العناية
بأسباب تحصيل العلم، من دراسة على أهل العلم وسؤالهم عما أشكل، وحضور حلقات العلم والإكثار
من تلاوة القرآن الكريم وتدبره ومراجعة الأحاديث الصحيحة، حتى تستفيد
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 225)
وتنشر العلم كما أخذته عن أهله بالدليل،
مع الإخلاص والنية الصالحة والتواضع، ويجب أن تحرص على نشر العلم بكل نشاط وقوة، وألا
يكون أهل الباطل أنشط في باطلهم، وأن تحرص على نفع المسلمين في دينهم ودنياهم.
وهذا واجب العلماء شيوخًا وشبابًا أينما
كانوا، بأن ينشروا الحق بالأدلة الشرعية، ويرغبوا الناس فيه، وينفروهم من الباطل، ويحذروهم
منه، عملا بقول الله عز وجل: وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وقوله سبحانه: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ .
هكذا يكون أهل العلم أينما كانوا يدعون
إلى الله، ويرشدون إلى الخير وينصحون لله ولعباده بالرفق فيما يأمرون به وفيما ينهون
عنه وفيما يدعون إليه. حتى تنجح دعوتهم، ويفوز الجميع بالعاقبة الحميدة والسلامة من
كيد الأعداء. والله المستعان.
60.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > س: ما هي نصيحتكم
للدعاة الذين يستعجلون قطف ثمار الدعوة ونتائجها؟
( الجزء رقم : 9، الصفحة رقم: 237)
نصيحة للدعاة في عدم استعجال ثمار دعوتهم
س: ما هي نصيحتكم للدعاة الذين يستعجلون
قطف ثمار الدعوة ونتائجها؟
ج: الواجب على الدعاة التحمل والصبر وعدم
العجلة، حتى يفقهوا الناس وحتى يرشدوا الناس، فيعلموا ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم
عن بصيرة، الواجب التأني والتثبت حتى يفقه العامي ويفقه المتعلم ما قيل له، ولا مانع
من ترداد الكلام وإيضاحه بأنواع العبارات التي توضح للسائل أو للحاضرين مراد المعلم
ومراد المرشد... لأن الحاضرين قد يكون فيهم من لا يفهم لغة المعلم ولغة المرشد فيكرر
العبارات ويوضحها بالعبارات التي يفهمونها والألفاظ التي يفهمونها حتى يكون البيان
كاملاً وحتى تقوم الحجة ولا بد من الصبر كما قال الله تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وقال سبحانه:
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ
. والله ولي التوفيق.
61. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > س: ما حكم الشرع
فيمن يدعونا إلى أن نعتكف في المساجد وندعو الناس إلى الصلاة وحلق الذكر ونتجول في
الأسواق وعلى الدواوين وندعوهم، والكثير منا لا يفهم أكثر من فاتحة الكتاب وبعض السور
القصيرة؟
38 - حضور حلقات
العلم الشرعي من أفضل القربات
س: ما حكم الشرع فيمن يدعونا إلى أن نعتكف
في المساجد وندعو الناس إلى الصلاة وحلق الذكر ونتجول في الأسواق وعلى الدواوين وندعوهم،
والكثير منا لا يفهم أكثر من فاتحة الكتاب وبعض السور القصيرة؟
ج: الدعوة إلى الاعتكاف في المساجد وترك
طلب المعيشة دعوة باطلة ولا تجوز طاعة من يدعو إلى ذلك كما لا يجوز للرجل أن يقوم بدعوة
الناس إلى الله إلا وهو يعلم ما يدعو إليه كما قال الله سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أما الجاهل فليس من المكلفين بالدعوة بل هو مكلف
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 358)
بطلب العلم والتفقه في الدين؛ لقول النبي
صلى الله عليه وسلم: من يرد الله به خيرًا
يفقهه في الدين ومن أفضل القربات حضور حلقات
العلم الشرعي للاستفادة منها، لكن مع القيام بطلب الرزق للاستغناء عما في أيدي الناس.
62. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > الواجب على رجال
الهيئة وعلى الدعاة إلى الله سبحانه من أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا الحق للجاهل
وأن يرشدوه إلى ما غلط فيه وجهل
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 515)
67 - الواجب على رجال الهيئة
أن يوضحوا الحق للجاهل ويرشدوه
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين، أما بعد:
الواجب على رجال الهيئة وعلى الدعاة إلى
الله سبحانه من أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا الحق للجاهل وأن يرشدوه إلى ما غلط
فيه وجهل سواء كان في العقيدة أوفي أحكام عباداته من صلاة أو حج أو غيرهما.
فالواجب على رجل الهيئة والداعي إلى الله
والمدرس في المسجد الحرام وغيره أن يوضح للحجاج ما قد يجهلون، ويرشدهم إلى الحق ولكن
بالأسلوب الحسن والرفق، والحكمة وعدم الشدة أو العنف؛ لأن هذا أدعى لقبول الحق وأقرب
إلى فهمه، هو أقرب إلى السنة، قال الله جل وعلا:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 516)
وقال لموسى وهارون عليهما السلام لما بعثهما
إلى فرعون : فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ، وقال
صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء
إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه .
وإني أوصي رجال الهيئة بالرفق والصبر والتحمل،
والعلاج بالأسلوب الحسن، وهكذا الدعاة إلى الله المرشدون إليه، وهكذا العلماء في كل
مكان، عليهم جميعًا أن يتحروا الرفق والصبر، والتوجه بالأسلوب الحسن الواضح، وباللغات
التي يفهمها المخاطب، حتى يستفيد بقلب مقبل وصدر منشرح.
أما العنف والشدة فهذا ينفر من الحق، ويسبب
الصدود عنه والمخاصمة، إلا من ظلم وتعدى على رجل الهيئة أو الداعية فهذا يرفع أمره
إلى ولاة الأمور بالطريقة المتبعة حسب التعليمات الموجودة.
والواجب علينا جميعًا الصبر والتحمل والعلاج
بالحكمة والتي هي أحسن مهما أمكن كما قال الله سبحانه وتعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 517)
ولأن هذا كما قد جاءت به السنة وجاء به
القرآن دلت عليه التجارب مع الناس.. دلت على أن الحكمة والأسلوب الحسن أنفع وأقرب إلى
قبول الحق، وأن الشدة والغلظة والأساليب العنيفة تنفر من الحق وتباعد عن المطلوب.
نسأل الله للجميع التوفيق، وصلى الله وسلم
على محمد .
63. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > واجب
الدعاة نحو المدعوين > س: ما هي النصيحة
التي تقدمها لطالب العلم للمعاملة مع هؤلاء الذين قد نصطدم بهم كثيرًا؟
65 - حكم قول: مدد يا فلان
س: من يقول: مدد يا فلان ويقول: أنا لا
أطلب منه المدد. هل هذا تلفظ يكفّر بهذا؟
ج : نعم هذا عمل قريش يقولون: هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ، هؤلاء ما قالوا: إنهم ينفعونا أو يضرونا أو إنهم
أربابنا هم الذين ينفعونا أو يضرونا قالوا:
هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ
، وقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ، ما قالوا: لينفعونا
أو يضرونا.
( الجزء رقم : 28، الصفحة رقم: 321)
س: ما هي النصيحة التي تقدمها لطالب العلم
للمعاملة مع هؤلاء الذين قد نصطدم بهم كثيرًا؟
ج : تنصحهم بالرفق وتدعوهم إلى الله بالرفق
وتبين لهم الشرك والتوحيد بالرفق لعل الله يهديهم بأسبابك .
س: وإن لم يتقبلوا النصحية؟
ج : تهجـرهم وتتبرأ مـن أعمـالهم إلا إذا
طمعـت فـيهم فكررت النصح لعل الله يهديهم بأسبابك وإذا صبرت جزاك الله خيرًا .
64. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > كيفية الدعوة وأسلوبها
الأمر الثاني: كَيفية أدائها وأسَاليبُها:
أما كيفية الدعوة وأسلوبها فقد بينها الله
عز وجل في كتابه الكريم، وفيما جاء في سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ومن أوضح ذلك
قوله جل
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 336)
وعلا:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ . فأوضح سبحانه الكيفية
التي ينبغي أن يتصف بها الداعية ويسلكها يبدأ أولاً بالحكمة، والمراد بها الأدلة المقنعة
الواضحة الكاشفة للحق، والداحضة للباطل، ولهذا قال بعض المفسرين: المعنى بالقرآن، لأنه
الحكمة العظيمة، لأن فيه البيان والإيضاح للحق بأكمل وجه، وقال بعضهم معناه بالأدلة
من الكتاب والسنة، وبكل حال، فالحكمة كلمة عظيمة، معناها الدعوة إلى الله بالعلم والبصيرة،
والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق، والمبينة له، وهي كلمة مشتركة تطلق على معان
كثيرة، تطلق على النبوة وعلى العلم والفقه في الدين وعلى العقل، وعلى الورع وعلى أشياء
أخرى، وهي في الأصل كما قال الشوكاني رحمه الله: الأمر الذي يمنع عن السفه، هذه هي
الحكمة، والمعنى: أن كل كلمة وكل مقالة تردعك عن السفه، وتزجرك عن الباطل فهي حكمة،
وهكذا كل مقال واضح صريح، صحيح في نفسه، فهو حكمة، فالآيات القرآنية أولى بأن تسمى
حكمة، وهكذا السنة الصحيحة أولى بأن تسمى حكمة بعد كتاب الله، وقد سماها الله حكمة
في كتابه العظيم، كما في قوله جل وعلا: وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . يعني السنة، وكما
في قوله سبحانه: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ
يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا . الآية، فالأدلة الواضحة تسمى حكمة، والكلام الواضح
المصيب للحق يسمى حكمة كما تقدم، ومن ذلك الحكمة التي تكون في فم الفرس: وهي بفتح الحاء
والكاف سميت بذلك، لأنها تمنع الفرس من المضي في السير إذا جذبها صاحبها بهذه الحكمة.
فالحكمة كلمة تمنع من سَمِعَها من المضي
في الباطل، وتدعوه إلى الأخذ بالحق والتأثر به، والوقوف عند الحدِّ الذي حدَّه الله
عز وجل، فعلى
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 337)
الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة،
ويبدأ بها ويعنى بها، فإذا كان المدعو عنده بعض الجفا والاعتراض، دعوته بالموعظة الحسنة
بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن،
ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة، وإيضاح الأدلة
بالأسلوب الحسن، هكذا ينبغي لك أيها الداعية، أن تتحمل وتصبر ولا تشدد، لأن هذا أقرب
إلى الانتفاع بالحق وقبوله وتأثر المدعو، وصبره على المجادلة والمناقشة، وقد أمر الله
جل وعلا موسى وهارون لمَّا بعثهما إلى فرعون أن يقولا له قولاً لينًا وهو أطغى الطغاة،
قال الله جل وعلا في أمره لموسى وهارون: فَقُولا
لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى . وقال الله سبحانه في نبيه محمد عليه الصلاة والسلام: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية، فعلم بذلك أن الأسلوب الحكيم والطريق المستقيم
في الدعوة أن يكون الداعي حكيمًا في الدعوة، بصيرًا بأسلوبها، لا يعجل ولا يعنف، بل
يدعو بالحكمة، وهي المقال الواضح المصيب للحق من الآيات والأحاديث، وبالموعظة الحسنة
والجدال بالتي هي أحسن هذا هو الأسلوب الذي ينبغي لك في الدعوة إلى الله عز وجل، أما
الدعوة بالجهل فهذا يضر ولا ينفع، كما يأتي بيان ذلك إن شاء الله عند ذكر أخلاق الدعاة،
لأن الدعوة مع الجهل بالأدلة، قول على الله بغير علم، وهكذا الدعوة بالعنف والشدة ضررها
أكثر، وإنما الواجب والمشروع هو الأخذ بما بينه الله عز وجل في سورة النحل وهو قوله
سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ . الآية، إلاإذا ظهر من المدعو العناد والظلم، فلا
مانع من الإغلاظ عليه كما قال الله سبحانه:
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 338)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ . الآية، وقال تعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
.
65. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > السؤال الخامس: ما هي
الطرق الناجحة لديكم للقيام بالدعوة إلى الله في هذا العصر؟
السؤال الخامس: ما هي الطرق الناجحة لديكم
للقيام بالدعوة إلى الله في هذا العصر؟
الجواب: أنجح الطرق في هذا العصر وأنفعها
استعمال وسائل الإِِعلام؛ لأنها ناجحة وهي سلاح ذو حدين. فإذا استعملت هذه الوسائل
في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 453)
من طريق الإِِذاعة والصحافة والتلفاز فهذا
شيء كبير ينفع الله به الأمة أينما كانت، وينفع الله به غير المسلمين أيضًا حتى يفهموا
الإِِسلام وحتى يعقلوه ويعرفوا محاسنه ويعرفوا أنه طريق النجاح في الدنيا والآخرة.
والواجب على الدعاة وعلى حكام المسلمين
أن يساهموا في هذا بكل ما يستطيعون، من طريق الإِِذاعة، ومن طريق الصحافة، ومن طريق
التلفاز ومن طريق الخطابة في المحافل، ومن طريق الخطابة في الجمعة وغير الجمعة، وغير
ذلك من الطرق التي يمكن إيصال الحق بها إلى الناس وبجميع اللغات المستعملة حتى تصل
الدعوة والنصيحة إلى جميع العالم بلغاتهم. هذا هو الواجب على جميع القادرين من العلماء
وحكام المسلمين والدعاة إلى الله عز وجل، حتى يصل البلاغ إلى كافة العالم في جميع أنحاء
المعمورة باللغات التي يستعملها الناس. وهذا هو البلاغ الذي أمر الله به، قال الله
سبحانه وتعالى لنبيه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
فالرسول صلى الله عليه وسلم عليه البلاغ وهكذا الرسل جميعًا عليهم البلاغ صلوات
الله وسلامه عليهم، وعلى أتباع الرسل أن يبلغوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية وكان إذا خطب الناس يقول: فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلَّغ أوعى من سامع . فعلى جميع الأمة حكامًا وعلماء وتجارا وغيرهم
أن يبلغوا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم هذا الدين، وأن يشرحوه للناس بشتى
اللغات الحية المستعملة بأساليب
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 454)
واضحة، وأن يشرحوا محاسن الإِِسلام وحكمه
وفوائده وحقيقته حتى يعرفه أعداؤه، وحتى يعرفه الجاهلون فيه، وحتى يعرفه الراغبون فيه،
والله ولي التوفيق.
وختامًا لهذا اللقاء فإني أنصح إخواني المسلمين
في باكستان وفي بنجلاديش وفي كل مكان، أن يتقوا الله ويعملوا بشرعه وأن يعملوا بما
أوجب الله عليهم، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم أينما كانوا، وأن يحذروا الشرك بالله
قليله وكثيره دقيقه وجليله وأن يخلصوا لله العبادة في جميع الأحوال، وأن يحذروا ما
وقع فيه كثير من الناس من التعلق بالأموات والاستغاثة بهم، سواء كانوا من الأنبياء
أو الأولياء أو غيرهم، كما أحذرهم من التعلق بالأشجار أو الأحجار أو الأصنام أو غيرها
من الجمادات؛ لأن العبادة حق الله وحده ليس له فيها شريك، كما قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ الآية. وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويقول سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ
اللَّهِ أَحَدًا .
فالواجب على جميع الثقلين أن يخصوا الله
بالعبادة دون كل ما سواه، وأن يؤدوا حقه الذي فرض عليهم من الصلاة وغيرها، وأن يحذروا
ما حرم الله عليهم، وأن يتواصوا بالحق والصبر عليه، وأن يتعاونوا على البر والتقوى
أينما كانوا، وأن يتفقهوا في دين الله، وأن
( الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 455)
يجتهدوا في تلاوة القرآن الكريم والتدبر
لمعانيه والتعقل والعمل بما فيه؛ لأنه كتاب الله فيه الهدى والنور. قال النبي صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع: إني تارك فيكم ما
لن تضلوا إن اعتصمتم به: كتاب الله . والله
يقول: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ ويقول سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ فالواجب على المسلمين جميعًا أن يتعقلوه ويتدبروه
ويعملوا به. وهكذا سنة النبي صلى الله عليه وسلم يجب العناية بها وحفظ ما تيسر منها
والعمل بها وتفسير ما أشكل من القرآن بالسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإنها الوحي الثاني والأصل الثاني من أصول الشريعة التي يجب أن يرجع إليها في كل ما
أشكل من كتاب الله وفي كل ما أشكل من الأحكام.
هذه وصيتي لجميع المسلمين، وأن لا تشغلهم
الدنيا وشهواتها عن آخرتهم، بل يجب عليهم أن يستعينوا بالدنيا على الآخرة، وأن يجعلوا
الدنيا مطية للآخرة حتى ينجحوا ويربحوا ويفلحوا، والله ولي التوفيق. وصلى الله وسلم
على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.
تم ولله الحمد الجزء الثاني، ويليه الجزء
الثالث في التوحيد وما يلحق به من كتاب ( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ) للشيخ عبد العزيز
بن عبد الله بن عبد الرحمن بن باز
66. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > السبيل الأمثل في الدعوة
إلى الله
السبيل الأمثل في الدعوة إلى الله :
س 4: رسالتان عن السبيل الأمثل للدعوة لله
عز وجل، وعن السبيل الأمثل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. الرسالتان يذكر أصحابهما:
أنهم يلاحظون أخطاء كثيرة من المسلمين ويتألمون لما يرون ويتمنون أن لو كان في أيديهم
شيء لتغيير المنكر ويرجون التوجيه؟
ج 4 : الله عز وجل قد بين طريق الدعوة،
وماذا ينبغي للداعي، فقال
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 229)
سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي .
فالداعي إلى الله يجب أن يكون على علم وبصيرة
بما يدعو إليه، وفيما ينهى عنه، حتى لا يقول على الله بغير علم، ويجب الإخلاص لله في
ذلك، لا إلى مذهب، ولا إلى رأي فلان أو فلان. ولكنه يدعو إلى الله يريد ثوابه ومغفرته،
ويريد صلاح الناس، فلا بد أن يكون على إخلاص وعلى علم، وقال عز وجل. ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
فهذا بيان كيفية الدعوة ، وأنها تكون بالحكمة
أي بالعلم ( قال الله، وقال الرسول ) سُمي العلم بالحكمة: لأنه يردع عن الباطل، ويعين
على اتباع الحق. ويكون مع العلم موعظة حسنة، وجدال بالتي هي أحسن، عند الحاجة إلى ذلك؛
لأن بعض الناس قد يكفيه بيان الحق بأدلته، لكونه يطلب الحق فمتى ظهر له قبله، فلا يكون
في حاجة إلى الموعظة، وبعض الناس يكون عنده بعض التوقف وبعض الجفاء، فيحتاج إلى الموعظة
الحسنة. فالداعي إلى الله يعظ ويذكر بالله متى احتاج إلى ذلك مع الجهال والغافلين،
ومع المتساهلين حتى يقتنعوا ويلتزموا بالحق، وقد يكون المدعو عنده بعض الشبهات، فيجادل
في ذلك، ويريد كشف الشبهة، فالداعي إلى الله يوضح الحق بأدلته، ويجادله بالتي هي أحسن؛
لإزاحة الشبهة بالأدلة الشرعية، لكن بكلام طيب، وأسلوب حسن، ورفق، لا بعنف وشدة، حتى
لا ينفر المدعو من الحق، ويصر على الباطل، قال الله عز وجل: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 230)
وقال الله لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى ، ويقول الرسول صلى الله عليه
وسلم في الحديث الصحيح: إن الرفق لا يكون في
شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه ويقول
صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير
كله .. فالداعي إلى الله عز وجل عليه أن يتحرى
الحق، ويرفق بالمدعو، ويجتهد في الإخلاص لله، وعلاج الأمور بالطريقة التي رسمها الله
وهي الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وأن يكون في هذا كله
على علم وبصيرة حتى يقنع الطالب للحق، وحتى يزيح الشبهة لمن عنده شبهة، وحتى يلين القلوب
لمن عنده جفاء وإعراض وقسوة، فإن القلوب تلين بالدعوة إلى الله، والموعظة الحسنة، وبيان
ما عند الله من الخير لمن قبل الحق، وما عليه من الخطر، إذا رد الدعوة التي جاءت بالحق،
إلى غير هذا من وجوه الموعظة.
وأما أصحاب الحسبة وهم الذين يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر، فعليهم أن يلتزموا بالآداب الشرعية، ويخلصوا لله في عملهم، ويتخلقوا
بما يتخلق به الدعاة إلى الله من حيث الرفق وعدم العنف، إلا إذا دعت الحاجة إلى غير
ذلك من الظلمة والمكابرين والمعاندين فحينئذٍ تستعمل معهم القوة الرادعة لقول الله
سبحانه: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ
إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ، وقوله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه
فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان خرجه
مسلم في صحيحه .
أما غيرهم فيعامل في إنكار المنكر والدعوة
إلى المعروف بمثل ما يفعل الداعي: ينكر المنكر بالرفق والحكمة، ويقيم الحجة على ذلك
حتى يلتزم
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 231)
صاحب المنكر بالحق، وينتهي عما هو عليه
من الباطل، وذلك على حسب الاستطاعة، كما قال الله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: من رأى منكم منكرًا الحديث.
ومن الآيات الجامعة في ذلك قول الله عز
وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .
وقد توعد الله سبحانه من ترك ذلك، ولعنهم
على لسان داود وعيسى ابن مريم، حيث قال في كتابه الكريم في سورة المائدة: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ
(78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ .
فالأمر عظيم والمسئولية كبيرة، فيجب على
أهل الإيمان وأهل القدرة من الولاة والعلماء وغيرهم من أعيان المسلمين الذين عندهم
قدرة وعلم أن ينكروا المنكر ويأمروا بالمعروف، وليس هذا لطائفة معينة، وإن كانت الطائفة
المعينة عليها واجبها الخاص، والعبء الأكبر، لكن لا يلزم من ذلك سقوطه عن غيرها، بل
يجب على غيرها مساعدتها، وأن يكونوا معها في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف حتى يكثر
الخير ويقل الشر، ولا سيما إذا كانت الطائفة المعينة لم تقم بالمطلوب ولم يحصل بها
المقصود، بل الأمر أوسع، والشر أكثر، فإن مساعدتها من القادرين واجبة بكل حال.
( الجزء رقم : 4، الصفحة رقم: 232)
أما لو قامت بالمطلوب وحصل بها الكفاية
فإنه يسقط بها الوجوب عن غيرها في ذلك المكان المعين أو البلد المعين؛ لأن الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر فرض كفاية، فإذا حصل بالمعينين أو المتطوعين المطلوب من إزالة المنكر
والأمر بالمعروف صار في حق الباقين سنة، أما المنكر الذي لا يستطيع أن يزيله غيرك لأنك
الموجود في القرية أو القبيلة أو الحي وليس فيها من يأمر بالمعروف فإنه يتعين عليك
إنكار المنكر والأمر بالمعروف ما دمت أنت الذي علمته، وأنت الذي تستطيع إنكاره، فإنه
يلزمك، ومتى وجد معك غيرك صار فرض كفاية، من قام به منكما حصل به المقصود، فإن تركتماه
جميعًا أثمتما جميعًا.
فالحاصل أنه فرض على الجميع فرض كفاية،
فمتى قام به من المجتمع أو القبيلة من يحصل به المقصود سقط عن الباقين.
وهكذا الدعوة إلى الله متى تركها الجميع
أثموا، ومتى قام بها من يكفى دعوة وتوجيهًا وإنكارًا للمنكر صارت في حق الباقين سنة
عظيمة؛ لأنه اشتراك في الخير وتعاون على البر والتقوى.
67. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س1: سماحة الشيخ: الدعوة
إِلى الإِسلام رسالة عظيمة، ترى ما الموضوعات التي ينبغي أن يتطرق إِليها الداعية في
وقتنا الحاضر؟
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 230)
سماحة الشيخ في حديث خاص لمجلة الحرس الوطني
حول:
الأصولية ليست ذمًّا
أولويات الدعوة
س1: سماحة الشيخ: الدعوة إِلى الإِسلام
رسالة عظيمة، ترى ما الموضوعات التي ينبغي أن يتطرق إِليها الداعية في وقتنا الحاضر؟
ج1 : الدعوة إِلى الله وإِلى الإِسلام لا
شك أنها دعوة الرسل عليهم السلام، فقد أرسل الله جميع الرسل؛ للدعوة إِليه، وأنزل الكتب
السماوية التي أعظمها وأفضلها وخاتمها القرآن الكريم، وكلها للدعوة إِلى الله والتبشير
بالإِسلام، والتحذير من ضده، والدعوة إِلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والترهيب من
سيئ الأخلاق وسيئ الأعمال.
وأهم شيء في وقتنا هذا وفي غيره: الدعوة
إِلى توحيد الله، وإِخلاص العبادة له وحده، وبيان أسمائه وصفاته، والدعوة إِلى إِثباتها
كما جاءت، مع الإِيمان بها، وإِثباتها لله سبحانه على الوجه الذي يليق بالله جل وعلا،
من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ عملاً بقوله سبحانه: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ
(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ وقوله عز وجل:
فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ
تَعْلَمُونَ وقوله سبحانه: فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 231)
والواجب على الدعاة إِلى الله أن يعنوا
بالتوحيد - أعني: توحيد الربوبية - وقد أقر به المشركون، وهو: الإِيمان بأن الله رب
الجميع، وخالق الجميع، ورازق الجميع، الحي القيوم، النافع الضار، هذا معروف عند المسلمين
وغيرهم، وقد عرفه أبو جهل وأشباهه من كفار قريش ، واحتج الله عليهم بما أقروا به من
توحيد الربوبية على ما أنكروا من توحيد الألوهية.
فالواجب على الدعاة إِلى الله - أينما كانوا
- أن يبينوا للناس حقيقة التوحيد التي بعث الله بها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن
يحذروهم من الشرك بالله وعبادة أصحاب القبور والاستغاثة بالأموات، والنذر للأموات والذبح
لهم والطواف بقبورهم إِلى غير ذلك مما يفعله المشركون اليوم. وهكذا دعوة الأصنام والأشجار
والأحجار والجن والملائكة والأنبياء كل ذلك من الشرك بالله، لا يجوز لأي إِنسان أن
يدعو ميتًا أو شجرًا أو حجرًا أو صنمًا أو نجمًا أو غائبًا من ملك أو جني أو غير ذلك،
بل هذا هو نفس الشرك الأكبر الذي قال الله فيه سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ
وقال فيه سبحانه وتعالى: إِنَّهُ مَنْ
يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ
وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
أما دعاء الحي الحاضر والاستغاثة به فيما
يقدر فلا بأس بذلك؛ لقول الله عز وجل في قصة موسى مع القبطي: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي
مِنْ عَدُوِّهِ الآية.
( الجزء رقم : 8، الصفحة رقم: 232)
ويجب على الداعية أن يبين للناس أن الواجب
اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، مع الإِيمان به والشهادة بأنه رسول الله حقًّا إِلى
جميع الثقلين الجن والإِنس، والإِيمان بجميع المرسلين، والإِيمان بكل ما أخبر الله
به ورسوله، والإِيمان بالآخرة والجنة والنار والقدر خيره وشره.
ويجب على الداعية أن يبين هذه الأصول المهمة؛
من توحيد الله، والإِيمان به، والإِيمان برسله عليهم الصلاة والسلام، وعلى رأسهم خاتمهم
محمد عليه الصلاة والسلام، والإِيمان باليوم الآخر، وبالجنة والنار إِلى غير هذا مما
أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإِيمان بالملائكة جميعًا، وبالكتب المنزلة
على الأنبياء، وبالرسل جميعًا عليهم الصلاة والسلام، وبالقدر خيره وشره، ثم يدعو الناس
بعد ذلك إِلى الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت وبر الوالدين وصلة الرحم والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر والنهي عما حرم الله من سائر المعاصي مثل: الزنا، والسرقة،
وظلم الناس في النفس والمال والعرض، وتحريم الغيبة والنميمة، وأكل الربا، والكسب الحرام،
كل هذا من واجب الداعية إِلى الله سبحانه وتعالى.
68.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س: البعض يرى: أن الدعوة
لا بد أن تكون في المساجد فقط، فما رأيكم؟ وما المجالات والأبواب التي يمكن للداعية
أن يطرقها؟
مجالات الدعوة
س: البعض يرى: أن الدعوة لا بد أن تكون
في المساجد فقط، فما رأيكم؟ وما المجالات والأبواب التي يمكن للداعية أن يطرقها؟
ج: بسم الله، والحمد لله.
الدعوة لا تختص بالمساجد فقط، فهناك مجالات
وطرق أخرى.
والمساجد لا شك أنها فرصة للدعوة كخطب الجمعة
والخطب الأخرى، والمواعظ في أوقات الصلوات، وفي حلقات العلم، فهي أساس انتشار العلم
والدين، ولكن المسجد لا يختص وحده بالدعوة.
فالداعي إِلى الله يدعو إِليه في غير المساجد
في الاجتماعات المناسبة أو الاجتماعات العارضة، فينتهزها المؤمن ويدعو إِلى الله، وعن
طريق وسائل الإِعلام المختلفة، وعن طريق التأليف، كل ذلك من طرق الدعوة، والحكيم الذي
ينتهز الفرصة في كل وقت وكل مكان، فإِذا جمعه الله بجماعة في أي مكان وأي زمان وتمكن
من الدعوة بذل ما يستطيع من الدعوة إِلى الله بالحكمة والكلام الطيب والأسلوب الحسن
.
69. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > كيفية الدعوة وأسلوبها
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 28)
2 - فضل الدعوة إلى الله تعالى
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله
عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإني أشكر للمسئولين في الرابطة
ما تكرموا به من تقديم الدعوة إلي للمشاركة في موسم الرابطة الثقافي لهذا العام
1391 هـ. وأسأل الله عز وجل أن ينفع المسلمين بهذا الموسم، وأن يكلل جهود القائمين
عليه بالنجاح، وأن يجزل لهم المثوبة، إنه خير مسئول.
وقد رأى المسئولون في الرابطة أن تكون المحاضرة
في أثر
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 29)
الدعوة في انتشار الإسلام. وقد أجبتهم إلى
ذلك، ورأيت أن يكون العنوان ما سمعتم وهو فضل الدعوة . ومن هذا يعلم أن هذه المحاضرة
ذات شقين: أحدهما يتعلق بفضل الدعوة، والثاني: يتعلق بأثرها في انتشار الإسلام.
أما ما يتعلق بفضل الدعوة، فكل من له أدنى
إلمام بالعلم، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم وأنها مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل
عليهم الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن، وهم الأئمة في الدعوة، وهي وظيفتهم؛
لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق، وهداة للخلق عليهم الصلاة والسلام، فكفى الدعوة
شرفًا، وكفاها منزلة عظيمة أن تكون وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، قال الله
تعالى في كتابه المبين: وَلَقَدْ بَعَثْنَا
فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ، فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعًا بعثوا لهذا
الأمر العظيم للدعوة إلى عبادة الله وحده، واجتناب الطاغوت.
والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد
الله بالعبادة، وتخصيصه بها، دون كل ما سواه، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت، إلى عبادة
الله وحده.
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 30)
والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر
وحجر، أما ما عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين والملائكة فليس المعبود منهم طاغوتًا،
ولكن الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى ذلك وزين ذلك، وإلا فالرسل والصالحون يبرءون
إلى الله عز وجل من عبادة من عبدهم.
فالطاغوت كل ما عبد من دون الله من الجمادات،
ومن العقلاء الذين يرضون بذلك كفرعون وأشباهه، أما من لا يرضى بذلك فالطاغوت هو الشيطان
الذي دعا إلى عبادته وزينها.
وقال عز وجل: رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين،
مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة
والنار.
وفي بعثهم إقامة الحجة، وقطع المعذرة، حتى
لا يقول قائل: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل؛ إقامة للحجة،
وقطعًا للمعذرة، وهداية للخلق، وبيانًا للحق، وإرشادًا للعباد إلى أسباب النجاة، وتحذيرًا
لهم من أسباب
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 31)
الهلاك، عليهم الصلاة والسلام فهم خير الناس
وأصلح الناس، وأنفع الناس للناس، وقال جل وعلا:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
(45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا .
فأخبر سبحانه أنه بعث هذا الرسول الكريم
محمدًا عليه الصلاة والسلام شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله، فعلم بذلك أن
وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق، وإرشادهم إليه، وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده.
وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة، مهمتهم الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا
له، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، كما قال عز وجل:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو
عليها الدعوة إلى الله عز وجل، وهكذا أتباعه هم على ذلك. والمعنى قل يا محمد، أو قل
يا أيها الرسول للناس: هذه سبيلي أنا ومن اتبعني. فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل
الدعوة، وهم أهل البصائر، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم، ومن أهمل الدعوة
فليس من أتباعهم، وإنما أتباعهم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 32)
على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة،
يعني أتباعهم الكُمل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة ولم يقصروا في ذلك، وعملوا
بما يدعون إليه، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة، أو في البصيرة كان نقصًا في الاتباع،
ونقصًا في الإيمان وضعفًا فيه، فالواجب على الداعية إلى الله عز وجل، أن يكون ذا بصيرة،
أي ذا علم، فالدعوة على جهل لا تجوز أبدًا؛ لأن الداعية إلى الله على جهل يضر ولا ينفع،
ويخرب ولا يعمر، ويضل ولا يهدي، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي
بالرسل بالصبر والعلم والنشاط في الدعوة: قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ ، فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم
عليهم الصلاة والسلام، وفي ذلك غاية الشرف والفضل للدعاة أتباع الرسل، المقتدين بهم
السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام، ومن شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة
وعلم وبينة، بما يدعو إليه، ومما يحذر منه حتى لا يضر الناس، وحتى لا يدعو إلى ضلالة
وهو لا يدري، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري، حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو
إليه، وما يدعو إلى تركه، وقال عز وجل:
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 33)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، هذا الأمر العظيم، وإن كان موجهًا إلى الرسول
العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو أمر للأمة جميعًا وإن خوطب به النبي صلى الله عليه
وسلم فهو الأصل والأساس، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، ولكنه مع ذلك موجه للأمة
جميعًا، لأن القاعدة الشرعية أن أمته تابعة له في الأمر والنهي إلا ما دل الدليل على
أنه خاص به عليه الصلاة والسلام، فالدعوة إلى الله فرض على الجميع، وواجب على الجميع
، قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ، فعلى المسلمين
أن يتأسوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله، والتوجيه إليه، وإرشاد العباد
إلى أسباب النجاة، وتحذيرهم من أسباب الهلاك، وفي هذه الآية العظيمة بيان كيفية الدعوة
وأسلوبها ، ونظامها وما ينبغي للداعي أن يكون عليه : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ قال جماعة من علماء التفسير: معنى ذلك: الآيات والأحاديث:
يعني ادع إلى الله بآيات الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لما
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 34)
فيها من الحكمة، ولما فيها من الفقه والردع
والبيان، والإيضاح والكلمة الحكيمة هي التي فيها الردع عن الباطل، والتوجيه إلى الخير،
وفيها الإقناع والتوجيه إلى ما فيه السعادة.
فالداعي إلى الله جل وعلا، ينبغي له أن
يتحرى في دعوته ما يقنع المدعو، ويوضح الحق، ويردعه عما يضره، بالأسلوب الحسن الطيب،
اللين الرقيق، ولهذا قال بعده: وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ : فليكن الداعي ذا حكمة، وذا موعظة
حسنة، عند الحاجة إليها، فهو يوضح الحق ويبيّن، ويرشد إليه بالآيات والأحاديث الواضحة
البينة الصحيحة، حتى لا يبقى شبهة للمدعو.
ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب
المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى
عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة، وعدم
بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي
فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو ويرق قلبه، وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج
فيه المدعو إلى موعظة وترغيب وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعدًّا لقبول الحق، فعند
أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 35)
بعض التمنع وبعض الإعراض فيحتاج إلى موعظة
وإلى توجيه، وإلى ذكر آيات الزجر والترغيب، وأحاديث الزجر والترغيب والترهيب حتى يلين
قلبه، ويقبل الحق.
وقد يكون عنده شبه فيحتاج إلى جدال بالتي
هي أحسن، حتى تزاح الشبهة، ويتضح الحق ولهذا قال جل وعلا: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
فإذا كان المدعو عنده بعض الشبه، فعليك
أيها الداعي أن توضح الحق بدلائله، وأن تزيح الشبهة بالدلائل التي تزيحها، حتى يبقى
معك المدعو على أمر بين واضح، وليكن هذا بالتي هي أحسن؛ لأن العنف والشدة قد يضيعان
الفائدة، وقد يقسو قلب المدعو بسبب ذلك ويحصل له به الإعراض والتكبر عن القبول فعليك
بالرفق والجدال بالتي هي أحسن حتى يقبل منك الحق، وحتى لا تضيع الفرصة، وتذهب الفائدة
سدى، بسبب العنف والشدة، ما دام صاحبك يريد منك الحق، ولم يظلم ولم يتعد، أما عند الظلم
والتعدي فله نهج آخر، وسبيل آخر كما قال جل وعلا:
وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 36)
، فإذا كان أهل الكتاب يجادلون بالتي هي
أحسن، فالمسلمون من باب أولى أن يجادلوا بالتي هي أحسن، لكن من ظلم ينتقل معه إلى شيء
آخر، فقد يستحق الظالم الزجر، والتوبيخ، وقد يستحق التأديب والسجن، إلى غير ذلك على
حسب ظلمه.
والآيات في فضل الدعوة، والحث عليها كثيرة،
ولكن من أهم ذلك وأوضحه ما بينا، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ففي هذه الآية الكريمة بيان أنه لا أحسن قولاً ممن
دعا إلى الله، وفي ذلك غاية الحث على الدعوة، وغاية التحريض عليها، إذا كان لا أحسن
قولاً، ممن دعا إلى الله، فحقيق بالمؤمن، وحقيق بطالب العلم أن يبادر ويسارع إلى هذا
المقام العظيم، مقام الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهو الدعوة إلى الله والإرشاد إلى
دينه الحق، وهذه الطائفة رأسها وأئمتها الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهم أحسن الناس
قولاً، وهم أئمة الهدى والدعوة، وهم أولى الناس بالدخول في هذه الآية
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 37)
الكريمة، لأنهم القدوة والأساس في الدعوة
إلى الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام.
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله
عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضًا،
ولهذا قال بعده: وَعَمِلَ صَالِحًا فالداعي إلى الله عز وجل يكون داعية باللسان، وداعية
بالعمل، ولا أحسن قولاً من هذا الصنف من الناس، هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة،
وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال، فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وسيرتهم.
وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام،
دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال والسيرة، وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر
مما ينتفعون بالأقوال ولا سيما العامة وأرباب العلوم القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة
والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها،
فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة حسنة وذا عمل صالح
وذا خلق فاضل حتى يقتدى بأفعاله وأقواله وسيرته.
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 38)
وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني الداعي يصرح بما هو عليه ويبين أنه على المنهج
الأسمى، على الحق، يقول هذا معتزًّا به فرحًا به مغتبطًا به لا مرائيًا ولا مفاخرًا
ولكنه مبين للحق يقول إني على صراط مستقيم، أنا من المسلمين. لست نصرانيًّا ولا يهوديًّا
ولا وثنيًّا ولكنني مسلم حنيف أدعو إلى الله على بصيرة، أدعو إلى ديني أدعو إلى الحق،
ويقول هذا عن اغتباط وعن سرور، وعن اعتراف صادق وعن إيمان بما يدعو إليه، حتى يعلم
المدعوون أنه على بينة وأنه على طريق واضح ومنهج صحيح، وأنه إذا دعا إلى الإسلام فإنه
يدعو إليه وهو من أهله، ليس يدعو إليه وهو من غير أهله، بل هو يدعو إليه وهو عليه آخذ
به ملتزم به. وكثير من الدعاة قد يدعون إلى شيء وهم على خلافه، لكن دعوا إليه إما لمال
أخذوه، وإما رياء وإما لأسباب أخرى لكن الداعي الصادق إلى الله يدعوا إلى الإسلام؛
لأنه دينه، ولأنه الحق الذي لا يجوز غيره، ولأنه سبيل النجاة وسبيل العزة والكرامة،
ولأنه دين الله الذي لا يرضى سواه سجانه وتعالى.
فهذه الآية العظيمة فيها الحث والتحريض
على الدعوة إلى الله عز وجل، وبيان منزلة الدعاة وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا
في قولهم وعملوا الصالحات، وهم أحسن الناس قولاً ولا أحد أحسن منهم قولاً أبدًا، وعلى
رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 39)
أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة.
70.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > انتشار الإسلام بالدعوة
كان هو الأساس وهو الأصل
ثم انتشر الإسلام والدعوة إليه في القبائل
والبادية والقرى المجاورة لمكة، بسبب الدعوة، وبسبب ما يسمعونه من الصحابة الذين أسلموا
وأجابوا النبي عليه الصلاة والسلام، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعرض نفسه على
القبائل في موسم الحج كل عام، يتطلب منهم أن يجيبوه وأن يؤووه وأن ينصروه حتى يبلّغ
رسالة ربه عليه الصلاة والسلام فلم يُقدّر الله سبحانه ذلك إلا للأنصار رضي الله عنهم
وأرضاهم، فأجابه الأنصار واجتمعوا به عند الجمرة في المرة الأولى وكانوا ستة، دعاهم
إلى الإسلام فأجابوا وقبلوا الحق وصاروا رسلاً إلى قومهم فذهبوا إلى
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 51)
المدينة ودعوا إلى الله عز وجل، وبشروا
بالإسلام فأجاب إلى الإسلام منهم بشر كثير، ثم قدم منهم في السنة الثانية اثنا عشر
منهم الستة الأقدمون ومن جملتهم أسعد بن زرارة رضي الله عنه وجماعة كانوا من الخزرج
سوى اثنين من الأوس، وقيل ثلاثة، فاجتمعوا به عليه الصلاة والسلام أيضًا في وسط أيام
التشريق وتلا عليهم القرآن وبايعوه على الإسلام ثم رجعوا إلى بلادهم فدعوا إلى الله
عز وجل وانتشر الإسلام في بيوت الأنصار إلا قليلاً منهم، ودخل في دين الله جمٌ غفير
من الأنصار ، ثم تنازعوا على أن يطلبوا من النبي على أن يهاجر إليهم وأن ينقذوه من
حال المشركين وأذاهم.
وكان قد بعث إليهم عليه الصلاة والسلام
مصعب بن عمير بعد البيعة الأولى، فكان يعلم ويرشد في المدينة ، فكان يعلم الناس ويرشدهم،
وأسلم على يديه جماعة كثيرة وانتشر الإسلام بسبب ذلك، ومن جملة من أسلم على يديه سيد
الأوس سعد بن معاذ ، والسيد الثاني من الأوس أسيد بن الحضير ، وبسبب إسلامهما انتشر
الإسلام في الأوس ، وبسبب إسلام أسعد بن زرارة هو وسعد ابن عبادة وجماعة من الخزرج
انتشر الإسلام في الخزرج وظهر دين الله هناك ثم قدموا في السنة الثالثة، قدم منهم سبعون
رجلاً
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 52)
من الأنصار ، وقيل ثلاثة وسبعون، وبايعوا
النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة والإيواء، وتم ذلك بحضرة عمه العباس
رضي الله عنه، ثم شرع المسلمون في الهجرة إلى المدينة بإذنه عليه الصلاة والسلام، ثم
هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وقام بالدعوة إلى الله هناك ونشر الإسلام، وهكذا
المسلمون الذين أسلموا من الحاضرة والبادية نشروا الإسلام بالدعوة ومن جملتهم أبو ذر
الغفاري وعمرو بن عبسة السلمي وغيرهما، ثم شرع الله الجهاد على أطوار ثلاثة : أولاً
أذن فيه، ثم أُمروا أن يقاتلوا من قاتلهم ويكفوا عمن كف عنهم، ثم شرع الله الجهاد العام
طلبًا ودفاعًا، وهذه الأطوار باقية على حسب ضعف المسلمين وقوتهم، فإذا قوي المسلمون
وجب عليهم الجهاد طلبًا ودفاعًا وإذا ضعفوا عن ذلك وجب عليهم الدفاع وسقط عنهم الطلب
حتى يقدروا ويستطيعوا.
والمقصود من الجهاد كما تقدم هو نشر الإسلام
وإخراج الناس من الظلمات إلى النور وإزاحة العقبات من طريق الدعوة والقضاء على العناصر
الفاسدة التي تمنع الدعوة وتحول بين الدعاة إلى الله وتبيين مقاصدهم الطيبة، ولهذا
شرع الله الجهاد لإزاحة العراقيل عن طريق الدعوة ولإخراج الناس من الظلمات إلى النور
وانتشالهم من الباطل إلى
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 53)
الحق والهدى وإخراجهم من ظلم الأديان وضيق
الدنيا إلى سعة الإسلام، وعدل الإسلام ومضى على ذلك نبي الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه
الكرام وأتباعهم بإحسان حتى ظهر دين الله وانتشر الحق بالدعوة الصحيحة الإسلامية وبالجهاد
الذي يناصرها ويؤيدها إذا وقف في طريقها أحد، حتى أزاحوا الروم عن الشام واستولوا على
مملكة الفرس وانتشر الإسلام في اليمن وغيره من أنحاء الجزيرة العربية بسبب الدعوة إلى
الله والجهاد الصادق في سبيل الله، وأزيحت العقبات عن طريق الدعوة. وبهذا يعلم أن انتشار
الإسلام بالدعوة كان هو الأساس وهو الأصل ، وأما الجهاد بالسيف فكان منقذا للحق وقامعًا
للفساد عند وجود المعارضين الواقفين في طريق الدعوة.
وبالجهاد والدعوة فتحت الفتوحات بسبب أن
أكثر الخلق لا يقبل الدعوة بمجردها لمخالفتها لهواه، ولما في نفسه من حب للشهوات المحرمة
ورياسته الفاسدة الظالمة، فجاء الجهاد يقمع هؤلاء ويزيحهم عن مناصبهم التي كانوا فيها
عقبة كأداء في طريق الدعوة، فالجهاد مناصر للدعوة ومحقق لمقاصدها ومعين للدعاة على
أداء واجبهم ، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى على حالين:
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 54)
إحداهما: فرض عين، والثانية: فرض كفاية،
فهي فرض عين عند عدم وجود من يقوم باللازم كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كنت
في بلد أو قبيلة أو منطقة من المناطق ليس فيها من يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر وأنت عندك علم فإنه يجب عليك عينًا أن تقوم بالدعوة وترشد الناس إلى حق الله
وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر. أما إذا وجد من يقوم بالدعوة ويبلغ الناس ويرشدهم
فإنها تكون في حق الباقين العارفين بالشرع سنة لا فرضًا. وهكذا الجهاد كله فرض كفاية
عند وجود من يكفي فيسقط الجهاد والأمر والنهي والدعوة عن الباقين ويكون في حقهم سنة
مؤكدة، وعند عدم وجود من يكفي يتعين الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة
إلى الله عليك حسب طاقتك وحسب إمكانك كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وقال جل وعلا: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ، وقد قام الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بالدعوة
والجهاد بعد نبيهم عليه الصلاة والسلام قيامًا عظيمًا، فأبو موسى ومعاذ وعلي بعثوا
إلى اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 55)
فقاموا بالدعوة هناك، ثم رجع معاذ في عهد
الصديق، ورجع علي وأبو موسى في حجة الوداع، فقام خلفاؤهم بالدعوة هناك ونشر الإسلام.
وقام الصحابة الذين سافروا إلى العراق والشام
بالدعوة إلى الله هناك ونشر الإسلام، ثم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قاموا بالدعوة
والجهاد والتعليم والتفقيه في الشام والعراق واليمن ومصر وغير ذلك، وفي شرق وشمال أفريقيا،
ثم لم تزل الدعوة تنتشر في أفريقيا كلها، وفي الشرق كله حتى ظهرت الدعوة وانتشرت في
أقصى المغرب والمشرق. وفي وقتنا هذا ضعف أمر الجهاد لما تغير المسلمون وتفرقوا وصارت
القوة والسلاح بيد عدونا، وصار المسلمون الآن إلا من شاء الله لا يهتمون إلا بمناصبهم
وشهواتهم العاجلة وحظهم العاجل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فلم يبق في هذه العصور إلا الدعوة إلى الله
عز وجل والتوجيه إليه، وقد انتشر الإسلام بالدعوة في هذه العصور في أماكن كثيرة في
أفريقيا شرقها وغربها ووسطها وفي أوروبا وفي أمريكا وفي اليابان وفي كوريا وفي غير
ذلك من أنحاء آسيا ، وكل هذا بسبب الدعوة إلى الله بعضها على أيدي التجار وبعضها على
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 56)
أيدي من قام بالدعوة وسافر لأجلها وتخصص
لها. وبهذا يعلم طالب العلم ومن آتاه الله بصيرة أن الدعوة إلى الله عز وجل من أهم
المهمات وأن واجبها اليوم عظيم؛ لأن الجهاد اليوم مفقود في غالب المعمورة والناس في
أشد الحاجة إلى الدعاة والمرشدين على ضوء الكتاب والسنة. فالواجب على أهل العلم أينما
كانوا أن يبلغوا دعوة الله وأن يصبروا على ذلك وأن تكون دعوتهم نابعة من كتاب الله
وسنة رسوله الصحيحة عليه الصلاة والسلام وعلى طريق الرسول وأصحابه ومنهج السلف الصالح
رضي الله عنهم. وأهم من ذلك الدعوة إلى توحيد الله وتخليص القلوب من الشرك والخرافات
والبدع؛ لأن الناس ابتلوا بالبدع والخرافات إلا من رحم الله، فيجب على الداعية أن يهتم
بتنقية العقيدة وتخليصها مما شابها من خرافات وبدع وشركيات، كما يقوم بنشر الإسلام
بجميع أحكامه وأخلاقه والطريق إلى ذلك وتفقيه الناس في القرآن والسنة، فالقرآن هو الأصل
الأصيل في دعوة الناس إلى الخير ثم السنة بعد ذلك تفسر القرآن وتدل عليه وتعبر عنه
وتوضح معناه وتبينه، وخلق النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يتأسى المسلمون به ويقتدوا
به عليه الصلاة والسلام. قال الله جل
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 57)
وعلا:
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ قالت
عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، فالداعية إلى الله ينبغي له أن يهتم بالقرآن
الكريم وأن يعنى به تلاوةً وتدبرًا وتعقلاً وقراءةً على الناس وتوجيهًا لهم إليه حتى
يدرسوه ويتعلموه ويعملوا به، وهكذا السنة يعلمهم إياها ويبشرهم بها ويحثهم عليها ويوضح
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه حتى يسيروا على طريقهم الصالح وعلى نهجهم
الطيب، وهذا هو الطريق والسبيل إلى نشر الإسلام وتخليص الناس من الشرك والخرافات والبدع
وهو دعوتهم إلى الله وإرشادهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن
على ضوء الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والطريقة السلفية التي سار عليها رسول الله
عليه الصلاة والسلام. وسار عليها أصحابه الكرام وأتباعهم بإحسان.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعًا لما
فيه رضاه، وأن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يمن علينا وعلى المسلمين جميعًا بسلوك طريق
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وطريق أصحابه والثبات عليه والدعوة إليه والذب عنه والتحذير
من خلافه، كما
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 58)
نسأله سبحانه أن يصلح ولاة أمر المسلمين
وأن يمن عليهم بالتوفيق والهداية وأن يجمعهم وشعوبهم على الحق والهدى وأن ينصر بهم
الحق ويخذل بهم الباطل وأن يقيم بهم على الجهاد على دين الله، الجهاد الصالح الشرعي
حتى يكونوا دعاة إلى الله ومرشدين إليه سبحانه وتعالى إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى
الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
71.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > الدعوة إلى الله وأسلوبها
المشروع
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 149)
5 - الدعوة إلى الله وأسلوبها المشروع
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب
العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله قائد الغر المحجلين وإمام
الدعاة إلى رب العالمين، نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك
سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإني أشكر الله عز وجل على ما
من به من هذا اللقاء بإخوة في الله وأبناء كرام في هذا المكان المبارك في مكة المكرمة
وفي رحاب البيت العتيق للتناصح والتواصي بالدعوة إلى الله عز وجل وبيان ثمراتها وفوائدها
وأسلوبها، أسأل الله جل وعلا أن يجعله لقاءً مباركًا، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعًا،
وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يمنحنا جميعًا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح
أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يرزقهم جميعًا
الفقه في الدين والاستقامة عليه إنه جل وعلا جواد كريم، ثم أشكر القائمين على جامعة
أم القرى وعلى رأسهم الأخ الكريم معالي
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 150)
الدكتور: راشد بن راجح مدير هذه الجامعة
على دعوته لي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يوفق الجميع لما يرضيه، وأن يبارك في جهود
الجميع ويكللها بالصلاح والنجاح، وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن وطوارق المحن إنه
سميع قريب.
أيها الإخوة في الله عنوان هذه المحاضرة:
الدعوة إلى الله سبحانه وأسلوبها المشروع. الدعوة إلى الله شأنها عظيم، وهي من أهم
الفروض والواجبات على المسلمين عمومًا وعلى العلماء بصفة خاصة، وهي منهج الرسل عليهم
الصلاة والسلام، وهم الأئمة فيها عليهم الصلاة والسلام، فالدعوة إلى الله طريق الرسل
وطريق أتباعهم إلى يوم القيامة، والحاجة إليها بل الضرورة معلومة، فالأمة كلها من أولها
إلى آخرها بحاجة شديدة، بل في ضرورة إلى الدعوة إلى الله، والتبصير في دين الله، والترغيب
في التفقه فيه والاستقامة عليه، والتحذير مما يضاده أو يضاد كماله الواجب أو ينقص ثواب
أهله ويضعف إيمانهم.
فالواجب على أهل العلم بشريعة الله أينما
كانوا أن يقوموا بمهمة الدعوة؛ لأن الناس في أشد الضرورة إلى ذلك في مشارق الأرض ومغاربها،
ونحن في غربة من الإسلام وقلة من علماء الحق، وكثرة من أهل الجهل والباطل والشر والفساد،
فالواجب
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 151)
على أهل العلم بالله وبدينه أن يشمروا عن
ساعد الجد، وأن يستقيموا على الدعوة وأن يصبروا عليها يرجون ما عند الله من المثوبة
ويخشون مغبة التأخر عن ذلك والتكاسل عنه، والله سبحانه وتعالى أوجب على العلماء أن
يبيّنوا، وأوجب على العامة أن يقبلوا الحق وأن يستفيدوا من العلماء وأن يقبلوا النصيحة،
يقول الله عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا
مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فأحسن الناس قولاً من دعا إلى الله وأرشد إليه
وعلم العباد دينهم، وفقههم فيه، وصبر على ذلك وعمل بدعوته، ولم يخالف قوله فعله ولا
فعله قوله، هؤلاء هم أحسن الناس قولاً، وهم أصلح الناس وأنفع الناس للناس وهم الرسل
الكرام والأنبياء وأتباعهم من علماء الحق، فالواجب على كل عالم وطالب علم أن يقوم بهذا
العمل حسب طاقته وعلمه، وقد يتعين عليه إذا لم يكن في البلد أو في القبيلة أو في المكان
الذي وقع فيه المنكر غيره، فإنه يجب عليه عينًا أن يقول الحق وأن يدعو إليه، وعند وجود
غيره يكون فرض كفاية إذا قام به البعض كفى وإن سكتوا عنه أثموا جميعًا. فالواجب على
أهل
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 152)
العلم بالله وبدينه أن ينصحوا لله ولعباده،
وأن يقوموا بواجب الدعوة في بيوتهم ومع أهليهم وفي مساجدهم وفي طرقاتهم وفي بقية أنحاء
قريتهم وبلادهم وفي مراكبهم من طائرة أو سيارة أو قطار أو غير ذلك.
فالدعوة مطلوبة في كل مكان أينما كنت والحاجة
ماسة إليها أينما كنت، فالناس في الطائرة محتاجون، وفي السيارة محتاجون، وفي القطار
محتاجون، وفي السفينة محتاجون إلى غير ذلك، وأهلك كذلك يلزمك أن تعنى بهم أولاً، كما
قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ، وقال عز وجل لنبيه وخليله محمد عليه الصلاة والسلام: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ، وقال سبحانه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ
كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ
بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ، فالواجب على طالب العلم أن يعنى بأهله ووالديه
وأولاده وإخوانه إلى غير ذلك يعلمهم ويرشدهم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 153)
ويدعوهم إلى الله ويأمرهم بالمعروف وينهاهم
عن المنكر، كما قال عز وجل: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ ، ثم قال سبحانه: وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعني من كان بهذه الصفة فهو المفلح على الحقيقة
على الكمال، وقد أمر الله بالدعوة في آيات ورغب فيها سبحانه، كما في قوله عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ الآية، وقوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وأخبر سبحانه أن الدعوة إلى الله على بصيرة هي
سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، وهي سبيل أتباعه من أهل العلم، كما قال الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي .
فالواجب علينا جميعًا أن نعنى بهذه المهمة
أينما كنا، والواجب على أهل العلم كما تقدم أن يعنوا بها غاية العناية،
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 154)
ولا سيما عند شدة الضرورة إليها في هذا
العصر فإن عصرنا يعتبر عصر غربة للإسلام لقلة العلم والعلماء بالسنة والكتاب ولغلبة
الجهل، وكثرة الشرور والمعاصي وأنواع الكفر والضلال والإلحاد، فالواجب حينئذ يتأكد
على العلماء في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له من توحيد الله وطاعته
وأداء واجبه وترك معصيته.
يقول سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ، ويقول سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، ويقول عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ
اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ
، وهذه العبادة تحتاج إلى بيان، وهذه العبادة هي التي خلقنا لها، وأمرنا بها،
وبعثت الرسل عليهم الصلاة والسلام لبيانها وللدعوة إليها، فلا بد من بيانها للناس من
أهل العلم، وهي الإسلام والهدى وهي الإيمان والبر والتقوى، هذه هي العبادة التي خلقنا
لها أن نطيع الله ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي، وأن نخصه بالعبادة
دون كل ما سواه، وهذه الطاعة تسمى عبادة؛ لأنك تؤديها بذل وخضوع لله، والعبادة ذل وخضوع
لله عز وجل وانكسار بين يديه بطاعة أوامره وترك نواهيه، وأصلها
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 155)
وأساسها توحيده، والإخلاص له، وتخصيصه بالعبادة
وحده دون كل ما سواه، والإيمان برسله عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم
نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ثم فِعْلُ ما أوجب الله من بقية الأوامر وترك ما نهى
الله عنه، هذه هي العبادة، وهذه هي التقوى، وهذه هي الإسلام الذي قال الله فيه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ، وهي الإيمان أيضًا الذي قال الله فيه جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ، وقال فيه النبي صلى الله عليه
وسلم: الإيمان بضع وسبعون شعبة الحديث،
أفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
وهذا هو الإيمان وهو الهدى وهو الإسلام
وهو العبادة التي خلقنا لها وهو البر، فهي ألفاظ متقاربة المعنى، معناها طاعة الله
ورسوله والاستقامة على دين الله، فمن استقام على دين الله فقد آمن به، ومن استقام على
دين الله فقد آمن به، ومن استقام على دين الله فقد أخذ بالإسلام، وأخذ بالهدى، كما
قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ
الْهُدَى ، ومن
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 156)
استقام على دين الله فهو على البر الذي
قال فيه سبحانه: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ الآية، وقال
تعالى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ، وقال سبحانه: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، فالدعوة إليه سبحانه هي دعوة إلى البر وإلى التقوى
وإلى الإيمان وإلى الإسلام وإلى الهدى.
فعليك أيها العالم بالله وبدينه أن تُنبِّه
إلى هذا الأمر، وأن تشرحه للناس، وتوضح لهم حقيقة دينهم، ما هو الإسلام؟ ما هو الإيمان؟
ما هو البر؟ ما هو التقوى؟ هو طاعة الله ورسوله، هو العبادة التي خلقنا لها، سماها
الله إسلامًا، وسماها إيمانًا، وسماها هدى في قوله: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ، وسماها برًّا في قوله: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ، وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، إِنَّ
الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ إلى غير ذلك.. وسماها
الله إسلامًا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 157)
في قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ، وقال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
فالدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى هذا
الأمر، دعوة إلى عبادة الله التي خلقنا لها، دعوة إلى الاستقامة على ذلك، دعوة إلى
طاعة الله ورسوله، دعوة إلى الإسلام، دعوة إلى البر، دعوة إلى الإيمان، والمعنى: أنك
تدعو الناس إلى توحيد الله، وإخلاص العبادة له، وطاعة أوامره وترك نواهيه، وهذا الذي
تدعو إليه يسمى إسلامًا، ويسمى عبادة، ويسمى تقوى، ويسمى طاعة الله ورسوله، ويسمى برًّا
ويسمى هدى، ويسمى صلاحًا وإصلاحًا، كلها أسماء متقاربة المعنى.
فعلى الدعاة إلى الله وهم العلماء أن يبسطوا
للناس هذا الأمر، وأن يشرحوه، وأن يوضحوه، أينما كانوا مشافهة؛ في خطب الجمعة وفي الدروس،
وفي المواعظ العامة، وفي المناسبات التي تحصل بينهم، يبينون للناس هذه الأمور ويوضحونها
للناس، وينتهزون الفرص في كل مناسبة؛ لأن الضرورة تدعو إلى ذلك؛
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 158)
والحاجة الشديدة تدعو إلى ذلك لقلة العلم
والعلماء وكثرة الحاجة والضرورة إلى البيان، وهكذا يكون التعليم والتوجيه من طريق المكاتبات،
ومن طريق المؤلفات، ومن طريق الإذاعة ووسائل الإعلام، ومن طريق المكالمات الهاتفية،
لا يتأخر العالم عن أي طريق يبلغ فيه العلم تارة بالكتب، وتارة بالخطب في الجمع وفي
الأعياد وغيرها، وتارة بتأليف الرسائل التي تنفع الناس.
فالواجب أن يكون وقت العالم معمورًا بالدعوة
والخير وأن لا يشغله شاغل عن دعوة الناس وتعريفهم بدين الله، أن تكون أوقاته معمورة
بطاعة الله، والدعوة إلى سبيله والصبر على ذلك كما صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام،
قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، فمن أراد من أهل العلم أن يكون من أتباعه على
الحقيقة فعليه بالدعوة إلى الله على بصيرة حتى يكون من أتباعه على الحقيقة، ينفع الناس
وينفع نفسه، ثم له بذلك مثل أجورهم ولو كانوا ملايين، هذه نعمة عظيمة وفائدة كبيرة،
لك يا عبد الله الداعي إلى الله، لك مثل أجور من هداه على يديك؛ لقول النبي صلى الله
عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم :
من دل على خير فله مثل أجر فاعله ،
وهذا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 159)
أمر عظيم من دعا إلى خير فله مثل أجر فاعله،
دعوت كافرًا فأسلم يكون لك مثل أجره، دعوت مبتدعًا فترك البدعة يكون لك مثل أجره، دعوت
إنسانًا يتعامل بالربا فأطاعك يكون لك مثل أجره، دعوت إنسانًا يتعاطى المسكر فأجابك
يكون لك مثل أجره، دعوت إنسانًا عاقًّا لوالديه فأطاعك وبر والديه يكون لك مثل أجره،
دعوت إنسانًا يغتاب الناس فترك الغيبة يكون لك مثل أجره، وهكذا.. هذا خير عظيم: من دل على خير فله مثل أجر فاعله . والحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه
لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه
لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ، وهذا الحديث
من أصح الأحاديث، وقد رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فأنت يا عبد الله إن دعوت إلى خير فلك مثل
أجور المهتدين على يديك، وإن دعوت إلى شر فعليك مثل أوزارهم وآثامهم، نسأل الله العافية،
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي
لما بعثه لخيبر : فوالله لأن يهدي الله بك
رجلاً واحدًا خير لك من حمر
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 160)
النعم
، وهذه الفائدة العظيمة، واحد من اليهود يهديه الله على يده خير له من حمر النعم،
وأنت كذلك ذهبت إلى قرية من القرى أو مدينة من المدن أو قبيلة من القبائل فدعوتهم إلى
الله، وهدى الله على يديك واحدًا خير لك من حمر النعم، والمقصود خير من الدنيا وما
عليها، وهكذا لو كنت في بلاد فيها كفار فدعوتهم وهداهم الله على يديك لك مثل أجورهم،
ولك بكل واحد خير من حمر النعم، وهنا كفار يوجدون من العمال فإذا تيسر للعالم الذهاب
إليهم ودعوتهم فهداهم الله على يديه أو هدى بعضهم يكون له مثل أجورهم، فالدعوة إلى
الله في كل مكان لها ثمراتها العظيمة مع الكفار ومع العصاة ومع غيرهم، قد يكون غير
عاص لكن عنده كسل، وعدم نشاط فإذا سمع دعوتك زاد نشاطه في الخير ومسابقته إلى الطاعات
فيكون لك مثل أجره.
أما أسلوب الدعوة فبينه الرب جل وعلا وهو
الدعوة بالحكمة أي بالعلم والبصيرة، بالرفق واللين لا بالشدة والغلظة هذا هو الأسلوب
الشرعي في الدعوة إلا من ظلم، فمن ظلم يعامل بما يستحق لكن من يتقبل الدعوة ويصغي إليها،
أو ترجو أن يتقبلها لأنه لم يعارضك ولم يظلمك فارفق به، يقول جل
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 161)
وعلا في كتابه العظيم: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فالحكمة هي العلم، قال الله قال رسوله، والموعظة
الحسنة الترغيب والترهيب تبين ما في طاعة الله من الخير العظيم، وما في الدخول في الإسلام
من الخير العظيم وما عليه إذا استكبر ولم يقبل الحق إلى غير ذلك، أما الجدال بالتي
هي أحسن فمعناه بيان الأدلة من غير عنف عند وجود الشبهة لإزالتها وكشفها، فعند المجادلة
تجادل بالتي هي أحسن وتصبر وتتحمل، كما في الآية الأخرى يقول سبحانه: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
.
فالظالمون لهم شأن آخر، لكن ما دمت تستطيع
الجدال بالتي هي أحسن وهو يتقبل أو ينصت أو يتكلم بأمر لا يعد فيه ظالمًا ولا معتديًا
فاصبر وتحمّل بالموعظة والأدلة الشرعية والجدال الحسن، يقول الله سبحانه: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: البر حسن الخلق .
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 162)
وقد أثنى الله على النبي صلى الله عليه
وسلم في أمر الدعوة فقال جل وعلا: فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا
مِنْ حَوْلِكَ ، ونبينا أكمل الناس في دعوته،
وأكمل الناس في إيمانه، لو كان فظًّا غليظ القلب لانفض الناس من حوله وتركوه فكيف أنت،
فعليك أن تصبر وعليك أن تتحمل ولا تعجل بسب أو كلام سيئ أو غلظة، وعليك باللين والرحمة
والرفق، ولما بعث الله موسى وهارون لفرعون ماذا قال لهما، قال سبحانه: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى ، فأنت كذلك لعل صاحبك يتذكر
أو يخشى، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق
به، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ، وهذا وعد عظيم في الرفق ووعيد عظيم في المشقة،
ويقول عليه الصلاة والسلام: من يحرم الرفق
يحرم
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 163)
الخير كله ، ويقول صلى الله عليه وسلم: عليكم بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ولا
ينزع من شيء إلا شانه .
فالواجب على الداعي إلى الله أن يتحمل،
وأن يستعمل الأسلوب الحسن الرفيق اللين في دعوته للمسلمين والكفار جميعًا، لا بد من
الرفق مع المسلم ومع الكافر ومع الأمير وغيره ولا سيما الأمراء والرؤساء والأعيان،
فإنهم يحتاجون إلى المزيد من الرفق والأسلوب الحسن لعلهم يقبلون الحق ويؤثرونه على
ما سواه، وهكذا من تأصلت في نفسه البدعة أو المعصية ومضى عليه فيها السنون يحتاج إلى
صبر حتى تقتلع البدعة وحتى تزال بالأدلة، وحتى يتبين له شر المعصية وعواقبها الوخيمة،
فيقبل منك الحق ويدع المعصية.
فالأسلوب الحسن من أعظم الوسائل لقبول الحق،
والأسلوب السيئ العنيف من أخطر الوسائل في رد الحق وعدم قبوله وإثارة القلاقل والظلم
والعدوان والمضاربات. ويلحق بهذا
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 164)
الباب ما قد يفعله بعض الناس من المظاهرات
التي قد تسبب شرًّا عظيمًا على الدعاة، فالمسيرات في الشوارع والهتافات والمظاهرات
ليست هي الطريق للإصلاح والدعوة، فالطريق الصحيح بالزيارة والمكاتبة التي هي أحسن،
فتنصح الرئيس والأمير وشيخ القبيلة بهذا الطريق لا بالعنف والمظاهرة، فالنبي صلى الله
عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة لم يستعمل المظاهرات ولا المسيرات ولم يُهدد الناس
بتخريب أموالهم واغتيالهم.
ولا شك أن هذا الأسلوب يضر الدعوة والدعاة،
ويمنع انتشارها ويحمل الرؤساء والكبار على معاداتها ومضادتها بكل ممكن فهم يريدون الخير
بهذا الأسلوب لكن يحصل به ضده، فكون الداعي إلى الله يسلك مسلك الرسل وأتباعهم ولو
طالت المدة أولى به من عمل يضر الدعوة ويضايقها، أو يقضي عليها ولا حول ولا قوة إلا
بالله، فالنصيحة مني لكل داع إلى الله أن يستعمل الرفق في كلامه، وفي خطبته، وفي مكاتباته،
وفي جميع تصرفاته حول الدعوة، يحرص على الرفق مع كل أحد إلا من ظلم، وليس هناك طريق
أصلح للدعوة من طريق الرسل فهم القدوة، وهم الأئمة، وقد صبروا، صبر نوح على قومه ألف
سنة إلا خمسين عامًا، وصبر هود، وصبر صالح، وصبر شعيب، وصبر
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 165)
إبراهيم، وصبر لوط، وهكذا غيرهم من الرسل
ثم أهلك الله أقوامهم بذنوبهم وأنجى الله الأنبياء وأتباعهم، فلك أيها الداعية أسوة
في هؤلاء الأنبياء والأخيار، ولك أسوة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي صبر في
مكة وصبر في المدينة على وجود اليهود عنده والمنافقين ومن لم يُسلم من الأوس والخزرج
حتى هداهم الله، وحتى يسر الله إخراج اليهود ، وحتى مات المنافقون بغيظهم، فأنت لك
أسوة بهؤلاء الأخيار فاصبر وصابر واستعمل الرفق ودع عنك العنف، ودع كل سبب يضيق على
الدعوة ويضرها ويضر أهلها. واذكر قوله تعالى يخاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ
وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ الآية.
وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا
أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الدعوة إليه، وأن
يوفق علماءنا جميعًا في كل مكان، ودعاة الحق في كل مكان للعلم النافع والبصيرة، والسير
على المنهج الذي سار عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام في الدعوة إليه وإبلاغ الناس
دينه، إنه جل وعلا جواد كريم، وصلى الله وسلم وبارك على
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 166)
عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
72. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س2: ما هو الأسلوب المناسب
للنصيحة والدعوة إلى الله سبحانه ؟
س2: ما هو الأسلوب المناسب للنصيحة والدعوة
إلى الله سبحانه ؟
ج: الأسلوب المناسب في الدعوة إلى الله
والنصيحة هو الأسلوب الذي أرشد الله إليه وأمر به عباده في كتابه الكريم في قوله سبحانه: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الآية.
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 362)
وقوله عز وجل: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ، وقوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، وقوله سبحانه: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ
الآية. وقوله عز وجل يخاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم في سورة آل عمران
: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الآية. وقوله سبحانه لما بعث موسى وهارون إلى فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ
أَوْ يَخْشَى وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء
إلا شانه وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق
به، اللهم ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه أخرجه مسلم في صحيحه ، وقوله صلى الله عليه وسلم: الدين
( الجزء رقم : 27، الصفحة رقم: 363)
النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قيل
لمن يا رسول الله قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة فالواجب
على العلماء والأمراء والدعاة إلى الله عز وجل أن ينهجوا هذا المنهج الذي أرشد الله
إليه وأرشد إليه رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن ينصحوا الناس ويعالجوا مشاكلهم بالطريق
التي أرشد الله إليها سبحانه وأرشد إليها رسوله صلى الله عليه وسلم ومن ظلم واعتدى
ولم ينفع فيه التوجيه والنصيحة وجب على ولاة الأمر أن يعاقبوه بالعقوبات الشرعية. ومن
ثبت عليه ما يوجب إقامة الحد أو التعزير وجب تنفيذ حكم الله فيه بواسطة أولي الأمر
ومن يستنيبونه في ذلك ردعًا له ولأمثاله وحماية للمجتمع الإسلامي من جميع أنواع الفساد.
سدد الله الخطا وأصلح القلوب والأعمال ووفق أولي الأمر لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده
وأصلح أحوال المسلمين جميعًا ومنحهم الفقه في الدين وثبتهم على الحق إنه جواد كريم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
73.
ئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > الكتب التي
ينبغي للداعية الاعتناء بقراءتها
184 - بيان الكتب التي ينبغي للداعية الاعتناء
بقراءتها
س: يقول السائل هل من كتب معينة ينصح بها
الشيخ عبد العزيز بن باز، لكل من يود أن يعمل في مجال الدعوة إلى الله؟
ج: نعم، أعظم كتاب وأشرف كتاب، كتاب الله،
وأنصح كل داعٍ إلى الله، وكل آمر بمعروف وناهٍ عن منكر، وكل معلم ومدرس ومرشد، أنصحه
بالعناية بالقرآن، وأن يعتني بقراءته وتدبر معانيه، والإكثار من ذلك، فهذا أصل كل خير،
وهو المعلم والهادي إلى الخير، كما قال عز
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 284)
وجل:
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وهو يهدي بهداية الله إلى الطريق الأقوم، وإلى
سبيل الرشاد، فأنفع كتاب وأصلح كتاب وأشرف كتاب، وأغلى كتاب هو كتاب الله، فالواجب
على الدعاة وعلى الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر والمعلمين، أن يعتنوا بهذا الكتاب
العظيم، وأن يجتهدوا في الإكثار من تلاوته، وتدبر معانيه، فإنهم بذلك يستفيدون الفائدة
العظيمة، ويتأهلون بذلك للدعوة والتعليم بتوفيق الله عز وجل، ثم أنصح بالسنة، أن يعتني
بالسنة، وما جاء في الباب من الأحاديث، ويراجع كتب الأحاديث، وما ألفه الناس في ذلك،
حتى يستفيد؛ مثل: صحيح البخاري وصحيح مسلم، كتاب الإيمان وكتاب العلم من رياض الصالحين،
وما جمع في ذلك من كتاب بلوغ المرام، عمدة الحديث، جامع بيان العلم وفضله، كذلك كتاب
ابن عبد البر التمهيد، كذلك كتاب جامع العلوم والحكم لابن رجب، هذه الكتب وأشباهها،
تفيده فائدة عظيمة، وهكذا ما ذكره ابن القيم في زاد المعاد، وإعلام المعوقين، وفي طريق
الهجرتين، والطرق الحكمية، ذكر في هذه الكتب شيئًا كثيرًا حول الدعوة، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر،
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 285)
فينبغي للمؤمن أن يستفيد منها؛ لأنها كتب
عظيمة من أئمة وعلماء، لهم القدح المُعَلَّى في هذا السبيل، مع حسن العقيدة، ومع التجارب
الكثيرة، وهكذا ما كتبه أبو العباس ابن تيمية في السياسة الشرعية، وفي كتاب الحسبة،
وفي الفتاوى، وفي منهاج السنة، فهو من أئمة الدعوة، الذين جربوا هذا الأمر وعنوا به،
وابتلوا في سبيله كثيرًا، وصابروا فيه كثيرًا، وجدوا بالدعوة، وصبروا على أذاها، وابتلوا
بخصوم كثيرين، أعانه الله على كبح جماحهم، وعلى بيان الحق لهم، وعلى إزاحة ما عندهم
من الشبه، فأنا أنصح كل داعية وكل متعلم، وكل مرشد، وكل آمر بالمعروف، وناهٍ عن المنكر،
أن يعتني بهذه الكتب المفيدة بعد العناية بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام،
وكذلك السياسة الشرعية التي كتب فيها خلق كثير مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،
كذلك الكتب المؤلفة في هذا الباب، من المذاهب الأخرى، كمذهب المالكية والشافعية والحنفية،
وما جمع في مذهب الحنابلة، لغير ابن القيم وشيخ الإسلام.
المقصود أنه يستعين بكتب أهل العلم، التي
ألفت في هذا الباب، لأنها ترشده إلى ما قد يجهله، مع عنايته بكتاب الله وسنة رسوله
عليه الصلاة والسلام.
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 286)
74.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > س: ما هو الفرق بين الدعوة إلى الله وبين الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
191 - بيان الفرق بين الداعي وبين الآمر
بالمعروف والناهي عن المنكر
س: ما هو الفرق بين الدعوة إلى الله وبين
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟
ج: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة
إلى الله، لكن الآمر والناهي يستطيع أن يزيل المنكر، ويُلزم بالمعروف إذا كان عنده
قدرة، والداعي إلى الله يبين الأحكام الشرعية، ويرشد إليها ويحذر من
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 298)
مخالفتها، ولا يلزم بذلك، ولهذا جمع الله
بين الأمرين، فقال سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
، فالداعي يبين ويرشد الناس، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مع الدعوة يلزم
بالحق ويمنع المنكر؛ لأن عنده سلطانًا وعنده قوة.
75.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > ما يشرع البدء به في
دعوة وإرشاد المجتمعات الإسلامية
111 - ما يشرع البدء به في دعوة وإرشاد
المجتمعات الإسلامية
س: نحن نعيش في مجتمع يكثر فيه الدجل والشعوذة
والشركيات ، كبناء القباب على القبور ، وكذلك دعاء
( الجزء رقم : 1، الصفحة رقم: 298)
الأموات لتفريج الكروب . هل يشرع أولا في
مجتمع كهذا الدعوة إلى التوحيد وتصحيح العقائد من أدران الشرك والاهتمام بتربية الفرد
تربية دينية ، حتى يصبح عضوا صالحا في المجتمع ، أم يشرع المناداة بتطبيق أحكام الشريعة
الإسلامية ، كما يفعل الكثير من الجماعات الإسلامية ؟ .
ج : إذا كنت في بلد إسلامي وبين المسلمين
، تعلمهم ما جهلوا من الشرك وغيره من المعاصي ، أما إذا كنت في بلد كافرة بين النصارى
أو بين اليهود ، بين الوثنيين الذين لا يعرفون الإسلام ، ولا يدعون الإسلام ، فإنك
تبدأهم بالتوحيد ، تدعوهم إلى توحيد الله ، فإذا أسلموا ودخلوا في دين الله ، تعلمهم
الصلاة والزكاة وغير ذلك ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا بذلك ، لما بعثه
إلى اليمن عليه الصلاة والسلام ، أما إذا كنت بين المسلمين ، في مصر ، في الشام ، في
الأردن ، في السعودية ، في أي مكان ، فإنك تنكر عليهم ما وقع منهم من شرك أو غيره ،
وتعلمهم دينهم ، وتعلمهم ما جهلوا ، وتبصرهم بالحق الذي جهلوه . سواء كان شركاء أو
تهاونا بالصلاة ، أو عقوقا للوالدين ، أو تعاطيا للربا ، أو غير ذلك مما يقع من بعض
المسلمين .
76.
الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح
موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > كيفية الدعوة إلى الله
تعالى
181 - بيان كيفية الدعوة إلى الله تعالى
س: يسأل المستمع: ح. ع من الجزائر، ويقول:
ما كيفية الدعوة إلى الله عز وجل؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعي
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 276)
إلى الله عز وجل؟ وهل الدعوة إلى الله واجبة؟
جزاكم الله خيرًا؟
ج: الكيفية بينها الرب عز وجل، قال سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، هكذا السنة، وقال جل وعلا: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ، وقال الله لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون
: فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ
يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ، فالسنة للداعي
أن يرفق، وأن يجمع الدعوة بالحكمة، بالعلم: قال الله، قال رسوله، وأن يعتني بالموعظة
الحسنة، والترغيب والترهيب، يذكر ما جاء من الوعيد في المعاصي، وما جاء من الأجر العظيم
والخير الكثير في الطاعات، يجادل بالتي هي أحسن عند وجود الشبه والاشتباه، يجادل بالتي
هي أحسن، وبالبيان الواضح ولا يشدد، بل يرفق؛ لأن هذا أقرب إلى القبول والتأثر، ولا
بد من شرط البصيرة، شرط العلم، لا بد أن يكون الداعي عنده علم
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 277)
وعنده بصيرة، قال الله جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ ، فالواجب على الداعي إلى الله أن
يكون على بصيرة وعلى علم، وأن يرفق في دعوته، ويجادل بالتي هي أحسن، حتى لا ينفر الناس
من الحق، والواجب عليه أيضًا، أن لا يخالف قوله فعله ولا فعله قوله، وأن يقول الحق،
ويكون من أسرع الناس إليه، وأن ينهى عن الباطل، وأن يكون من أبعد الناس من الباطل،
هكذا يكون الداعي إلى الله، يدعو إلى الحق ويسارع إليه ويتخلق به، وينهى عن الباطل
ويحذره، ويبتعد عنه، ويرفق في دعوته، ويجتهد في ذكر الآيات والأحاديث؛ لأن ذلك يؤثر
في القلوب ويسبب القبول.
والواجب عليه أن يكون من أسرع الناس إلى
ما يدعو إليه، ومن أبعد الناس عما ينهى عنه من الواجبات والمحرمات، ويكون أسرع الناس
إلى كل واجب يدعو إليه، ومن أبعد الناس عن كل محرم ينهى عنه، حتى يتأسى بقوله وفعله،
قال الله جل وعلا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ، فهو صلى
الله عليه وسلم كان يدعو ويعمل، فهو
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 278)
داعية إلى الله بقوله وفعله عليه الصلاة
والسلام، فهكذا الدعاة، المشروع لهم أن يكونوا دعاة إلى الله بأفعالهم وأقوالهم، وأن
يكونوا على بصيرة، وأن يحذروا القول على الله بغير علم.
77. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > أسلوب الدعوة إلى الله
سبحانه وتعالى
234 - بيان أسلوب الدعوة إلى الله سبحانه
وتعالى
س: يقول السائل: أحيانًا أحاول إقناع بعض
الأقرباء والأصدقاء بترك عمل سيئ والقيام بواجب، ولكن أرى أن أسلوبي لا يحقق شيئًا
رغم جهدي في ذلك، أرجو نصحي على الطريقة الصحيحة للدعوة إلى الله؟
ج: ترشدهم بالآيات والأحاديث إن كنت تحفظها
بأسلوب حسن، ليس بالشدة والعنف، بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، يا عبد الله يا فلان
يا أبا فلان، هذا لا يجوز، الواجب عليك كذا، قال الله كذا، قال الرسول كذا، حسب المعصية،
إذا كان يتأخر عن الصلاة، توصيه بالمحافظة، تذكر له الآيات والأحاديث، وإن كان يعق
والديه تحذره من أن يعق والديه وأن ذلك من أكبر الكبائر، كذلك إذا كان يتعاطى الربا
أو شرب المسكر تحذره، وإذا كان كلامك لا يؤثر عليه فاستعن بالله، ثم ببعض إخوانك الطيبين،
تذهب أنت وإياهم إليه، أنت وأخوك الآخر وعمك أو خالك، أو بعض الجيران الطيبين حتى تنصحوه
لعله
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 399)
يستجيب من الجميع لعله يقبل الحق.
78. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > كيفية دعوة من تأثر بجماعة
أو ثقافة معينة
260 - بيان كيفية دعوة من تأثر بجماعة أو
ثقافة معينة
س: إذا كان المدعوات متأثرات بثقافات معينة،
أو بجماعات معينة، ما هو السبيل الأمثل لدعوتهن؟
ج: يبين لهم ما في المناهج التي تأثروا
بها، والطرق التي تأثروا
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 452)
بها، والبيئات التي تأثروا بها، يبين لهم
أن هذه البيئات أو هذه الطرق أو هذه الجمعيات أو هذه الآثار، التي اكتسبتموها من كذا
وكذا، ينقصها كذا وكذا، وعليكم أن تعرضوها على الميزان، على كتاب الله وسنة رسوله عليه
الصلاة والسلام، فما حصَّلتم من كذا، أو تعلمتم من كذا، أو تخلقتم به وبسبب البيئة،
أو بسبب الاختلاط بآل فلان أو آل فلان، عليكم أن تعرضوا ذلك على الميزان: كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مثل ما يعرض العلماء مسائل الفقه على الأدلة، فما وافق
الشرع وجب أن يبقى، وما خالف الشرع وجب أن يطرح، ولو كان من خلق الآباء والجيران والأسلاف
والمشايخ وغير ذلك، المهم أن يبقى الخلق الصالح، الذي دل عليه كتاب الله وسنة رسوله
عليه الصلاة والسلام، وألاّ يتعصب لسيرة أبيه أو جده، أو بيئته أو بيئة بلده أو ما
أشبه ذلك، بل يكون عنده الحكم الذي لا يجوز أن يخالف، هو ما دل عليه كتاب الله وسنة
رسوله عليه الصلاة والسلام، أو إجماع الأمَّة.
79. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > أسلوب الدعوة يختلف باختلاف
المدعوين
261 - بيان أن أسلوب الدعوة يختلف باختلاف
المدعوين
س: لو تكرمتم: أن تعرضوا ما ينبغي للداعية
أن يفعله، تجاه ثقافته ومما
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 453)
يستمد ثقافته، حتى تكون دعوته مؤثرة ومستجابة
بإذن الله؟
ج: إن الدعوة إلى الله عز وجل من أهم المهمات،
ومن أفرض الفرائض والناس في أشد الحاجة إليها كل مجتمع في أشد الحاجة إليها سواء كان
مجتمعًا مسلمًا أو مجتمعًا كافرًا، فالمجتمع المسلم في حاجة إلى تنبيهه إلى ما قد يقع
من أغلاط ومنكرات، حتى يتدارك ما وقع منه من الخطأ، وحتى يستقيم على طاعة الله ورسوله،
وحتى ينتهي عما نهى الله عنه ورسوله، والكافر يُدعى إلى الله ويبين له أن الله خلقه
لعبادته، وأن الواجب عليه الدخول في الإسلام، والالتزام بما جاء به نبي الهدى: محمد
عليه الصلاة والسلام، ولكن الداعي إلى الله يلزمه أمور لا بد من مراعاتها، حتى تكون
دعوته ناجحة، وحتى تكون لها العاقبة الحميدة، أعظمها وأهمها العلم، فلا بد أن يكون
عنده علم، والعلم إنما يؤخذ من كتاب الله العظيم، وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام،
كما قال الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ قال
أهل العلم معناها: على علم؛ لأن العالم بالنسبة إلى المعلومات، كالبصير بالنسبة
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 454)
للمرئيات، فهو يعلم كيف يأمر وكيف ينهى،
وكيف يدعو إلى الله، كما أن الرائي المبصر يرى ما أمامه حتى يتجنب ما يضره، من حفر
وأشواك ونحو ذلك، فالحاصل أن الداعي إلى الله يلزمه أن يعتني بالعلم، وأن تكون ثقافته
ثقافة إسلامية مستخرجة ومستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويستعين
بكتب أهل العلم المعروفين بالاستقامة والعلم والفضل وحسن العقيدة، حتى يكون على بصيرة
فيما يدعو إليه، وعلى بصيرة فيما ينهى عنه، هذا هو الواجب على جميع الدعاة، ثم أمر
آخر هو أن يتحرى في دعوته ألاّ يعجل، وأن يرفق في دعوته، لا بد من كونه يتحرى في دعوته
حتى يضع الأمور في مواضعها، فإن كان المدعو ممن يفهم العلم، وممن يمكن أن يستجيب من
دون حاجة إلى موعظة، ولا جدال وضَّحَ له الحق، ودلَّه عليه، بالأدلة الشرعية، وبالكلام
الطيب والرفق والأسلوب الحسن، فإذا تقبل ذلك انتهى الموضوع، وحصل المطلوب، فإن كان
ممن لديه جفاء وإعراض وغفلة وعدم مبالاة، نصحه ووعظه بالتي هي أحسن، وذكره بالله لعله
يستجيب، لعله ينقاد للحق، فإن كان ذا شُبهٍ وذا مجادلة، رفق به وجادله بالتي هي أحسن،
حتى يزيل شبهته، وحتى يوضح الحق الذي أشكل عليه، وحتى لا تبقى شبهة يتشبث بها في ترك
الحق، أو في
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 455)
الاستمرار على الباطل، وهذه المعاني كلها
قد تضمنها قوله سبحانه: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، ومما يلزمه الإخلاص لله، وأن يحذر الرياء، وأن
يكون في دعوته يقصد وجه الله والدار الآخرة، لا رياء الناس ولا حمد الناس، ولا قصد
مدحهم له، أو قصد عرض من الدنيا، فالمؤمن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة، ولهذا
قال سبحانه: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وقال سبحانه:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وهناك أمر
آخر، وهو التحري بالألفاظ المناسبة، والرفق في الكلام، وعدم الغلظة، إلا عند الضرورة
إليها، كما قال تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ وقال تعالى: وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ وهم كفار اليهود والنصارى
( الجزء رقم : 18، الصفحة رقم: 456)
وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ، فلا بد من العناية بالمدعو عند الحاجة والرفق
به، كما قال عليه الصلاة والسلام: إن الرفق
لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه وقال صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير كله فعلى المؤمن في دعوته الرفق والأسلوب الحسن، حتى
يستجاب له، وحتى لا يقابل بالرد، أو بالأسلوب الذي يناسب للداعي إلى الله عز وجل؛ لأن
بعض الناس عند الشدة، قد يقابل بالسب والشتم والكلام الرديء الذي يزيد الطين بلة، ولكن
متى كان الداعي إلى الله رفيقًا حكيمًا، ذا أسلوب صالح فإنه لن يعدم - إن شاء الله
- قبول دعوته، أو على الأقل المقابلة الحسنة، والكلام الطيب من المدعو، الذي يرجى من
ورائه أن يتأثر المدعو بالدعوة، والله المستعان.
80. الرئاسة
العامة للبحوث العلمية والإفتاء>اللغة العربية>المحتوى العلمي>تصفح موضوعي
تصفح موضوعي > الدعوة
الإسلامية والقضايا المعاصرة > قضايا الدعوة الإسلامية > أساليب
الدعوة إلى الله > س1: ما هي الدعوة الناجحة،
ومن أين تستنبط، وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعية إلى الله؟ مع ذكر بعض
الكتب التي تتحدث عن هذا المجال.
السؤال الأول من الفتوى رقم ( 5226 )
س1: ما هي الدعوة الناجحة، ومن أين تستنبط،
وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الداعية إلى الله؟ مع ذكر بعض الكتب التي تتحدث
عن هذا المجال.
ج1: أولاً: الدعوة الناجحة هي: الدعوة إلى
الله تعالى على علم وبصيرة، قال الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ
وَعَمِلَ صَالِحًا وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي الآية.
ثانيًا: تستنبط الدعوة الناجحة من كتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتطبيق الصحابة والتابعين وأتباعهم لذلك على الوجه
الصحيح.
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 243)
ثالثًا: من الشروط التي يجب أن تتوافر في
الداعية إلى الله ما جاء ذكرها في قصة شعيب، قال الله تعالى حكاية عن شعيب عليه الصلاة
والسلام: قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ
أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ففي هذه الآية بيان أن من شروط الدعوة: العلم، والكسب
الحلال، وامتثاله لما يدعو إليه؛ فيجتنب ما نهى الله عنه، ويمتثل ما أمر الله به، والنية
الحسنة، وتفويض الأمر إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وأنه هو الذي بيده التوفيق والإلهام.
ومن الشروط أيضًا ما ذكره الله تعالى بقوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ومنها: التحلي بالصبر، قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وقال تعالى:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا
( الجزء رقم : 12، الصفحة رقم: 244)
رابعًا: الكتب التي تتحدث عن هذا المجال:
القرآن الكريم؛ فعليك حفظه والإكثار من تلاوته وتدبره، والعناية بالعمل به والدعوة
إليه، وتضم إليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنها تفسر القرآن وتبينه، ومن
كتب السنة: الصحيحان للبخاري ومسلم، وموطأ مالك، ومسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود،
وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وسنن الإمام ابن ماجه .. وغيرها من كتب السنة، وكتب شيخ
الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة: الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وأتباعه.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي عبد العزيز
بن عبد الله بن باز
====================================
*****هذا الذي تيسر لي نسخه و لصقه ، في
شهر شوال سنة 1442هــ والله الموفق / أخوك/ إبراهيم بن عبدالله الفارس*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق